ابن تغري بردي ( 812-874/1409-1469)

اولاً: حياته ومؤلفاته

حياته: هو يوسف بن تغري بردي، ولقبه جمال الدين، وكنيته ابو المحاسن، ابصر النور في القاهرة المملوكية في اواخر عام 812/1409[1]، في حي الامراء المجاور لقلعة الجبل، فكان اصغر اخوته ذكورا واناثا. وكان والده تغري بردي احد امراء المائة في مصر، تقلب في عدد من وظائف ارباب السيوف الكبرى حتى بلغ اعلاها: اتابك العسكر اي قائد الجيش[2]. لذلك عرف ابن تغري بردي ب «الاتابكي». وشغل ايضا نيابة الشام وهو مركز يلي السلطان من حيث المقام والاهمية خصوصا بعد إلغاء منصب النائب الكافل على عهد الناصر محمد بن قلاوون. هذه الرتب العالية التي شغلها تغري بردي جعلت علية القوم يرومون مصاهرته، فتزوج السلطان الناصر فرج بن برقوق من احدى بناته، وتزوج الثانية قاضي القضاة الحنفي ناصر الدين بن العديم. ما يعني ان يوسف ولد في عائلة محترمة غنية قادرة على ان تؤمن له سبل التعليم. ولكن والده توفي عام 815/1412 وهو لم يكن قد تجاوز الثلاث سنوات فتولى تربيته صهره قاضي القضاة الحنفي الى ان مات. فتزوجت اخته ثانية من قاضي القضاة جلال البلقيني الشافعي الذي أكمل تربية يوسف. لم يكن ابن تغري بردي بحاجة الى المال لأنه كان من اجناد الحلقة، وتحديدا من اولاد الناس وهي رتبة عسكرية تعطى لأبناء السلاطين والامراء، ويحصل صاحبها على اقطاع لأنه يعتبر حكما من اجناد الحلقة، وبالتالي لم يتأثر بمصادرة السلطان الناصر فرج لثروة ابيه بعد وفاته؛ اولا لأنه عاش في كنف صهريه على التوالي، وثانيا لأن وظيفته أمنت له دخلا لا بأس به من اقطاع مشترك مع اخيه (قاسم) ثم صار له وحده بعد وفاة قاسم[3]. وامنت له رتبته العسكرية عددا من الغلمان يعملون في خدمته، فعاش حياة رغد ورفاه، ووضعا معيشيا مستقرا. ولم يتأثر بخلافات المماليك وصراعاتهم غير المنتهية، ان صلاته ومعرفته بالسلاطين والامراء[4] كانت تؤمن له ما يريد من مال او جاه[5].

   لقد جمع ابن تغري بردي بين ثقافات متعددة: دينية، وتاريخية وادبية؛ فعندما تعهده صهراه وهما قاضيان حفظ القرآن. وتفقه بالحديث بعد حضوره بعض حلقات علماء الحديث[6]، ودرس ايضا بعض اصول الفقه والتفسير[7]. وتثقف على عدد غير قليل من مشاهير عصره في مختلف العلوم اللغوية والتاريخية نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: بدر الدين العيني، وابن حجر العسقلاني، والمقريزي، وابن عرب شاه. كما اجازه عدد من المؤرخين مثل المقريزي، وابن حجر العسقلاني والعيني…[8] وقد مدح المقريزي كثيرا واعتبره احد اعظم المؤرخين وافتخر بتتلمذه عليه[9].

   اشتهر بالعديد من الصفاة الحسنة: رجاحة العقل، العفة والتواضع، ولطف المعشر، وجمال الهيئة، وشدة الحياء والهدؤ. حتى ان السخاوي، المعروف بسلاطة لسانه الذي انتقد كل مؤرخي عصره قال فيه « كان حسن العشرة، تام العقل… والسكون، لطيف المذاكرة …»[10]،  وهو بنظر ابن العماد الحنبلي احد ابرز مؤرخي عصره:« اجتهد في ذلك – اي في التأريخ- الى الغاية وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوره وصحة فهمه… وانتهت اليه رئاسة هذا الشأن في عصره.»[11] وهو بحسب تلميذه احمد بن الحسين التركماني الشهير بالمرجي كان بارعا بالفروسية على اختلاف فنونها، عفيف النفس، يأنف التردد الى اعيان الدولة، ويضيف:” يضرب به المثل في الحياء والسكون، ما سمعته شتم احدا من غلمانه، ولا من حاشيته، ولا تكبّر على احد من جلسائه قط، كبيرا كان ام صغيرا، جليلا كان ام حقيرا.”[12]

   ان كل ذلك يدفعنا للاعتقاد ان ابن تغري بردي وان برع بالفروسية، التي هي عمله الرسمي كونه من اجناد الحلقة، فانه تميّز بكثرة المطالعة، ومجالسة كبار علماء عصره في مختلف العلوم، وكان موسيقياً بارعا « في النغم والضرب والايقاع، بل كان من اشهر الفنانين في عصره » على حد تعبير العنان[13]. وقد تكون معاصرته لعدد وافر من السلاطين اربى على العشرة؛ بدءا بعهد الناصر فرج وانتهاء بعصر قايتباي، اضافة الى مشاهدته للعديد من الثورات المتنوعة ولا سيما ثورات امراء المائة ومقدمي الالوف، ناهيك بمعايشته للأوبئة التي ضربت مصر تكرارا، وقد اصيب هو نفسه باحدها. قد يكون كل ذلك أثّر في فهمه للحوادث واعطاها ابعادا انسانية عميقة الغور اظهرها ابو المحاسن في قوالب تأريخية متناولا مواضيع متنوعة ضمّنها مؤلفاته العديدة. واستمر شغفه بالتاريخ والتأريخ ومجالسة مشاهير العلماء، حتى وفاته يوم الثلاثاء الموافق الخامس من ذي الحجة 884 الموافق 5 حزيران1470 بعد ان قاوم مرض القولنج مدة سنة تقريبا[14].

2- مؤلفاته: ترك عدة مؤلفات جاء بعضها تتمة لعمل المقريزي، والبعض الآخر تراجم، وقسم ثالث كتيبات موجزة يمكن اذا جمعت ان تغطي تاريخ مصر السياسي والعسكري اضافة الى بعض النواحي الحضارية منذ الرسالة النبوية وحتى نهاية عهد قايتباي. وقد وقفها كلها على تربته الهائلة التي كان قد ابتناها بالقرب من تربة السلطان الاشرف اينال. وسنذكرها فيما يلي:

1 – مورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة: كتاب تحدث فيه عن الخلفاء والسلاطين فقط، بدأه بالرسول فالعصر الراشدي وصولا الى الخليفة العباسي القائم، ثم تحدث عن الخلفاء الفاطميين.

2 – منشأ اللطافة في ذكر من ولي الخلافة: يمكن اعتباره تاريخا مختصرا لمصر منذ اقدم العصور وحتى سنة 719 هجري

3 – حوادث الدهور في مدى الايام والشهور: وهو يشبه كتاب السخاوي التبر المسبوك في ذيل السلوك،  والكتابان ذيّلا على السلوك للمقريزي. ويبدأ كتاب حوادث الدهور بسنة 845/1441 وينتهي في 12محرم 874/ 16 تموز 1469 وقد أرخه حوليا متناولا عصر السلطان الظاهر جقمق. وقد يكون وضعه تيمنا باستاذه المقريزي وعرفانا بجميله عليه لأنه اسماه في مقدمة الكتاب:« شيخنا الامام الاستاذ، العلامة ، المتفنن، رأس المحدثين، وعمدة المؤرخين.»

4 – الامثال السائرة[15].

الانتصار للسان التتار، ويبدو انه شرح لمعاني اللغة التركية تبعا لابن الصيرفي[16]

5 – البشارة في تكملة الاشارة[17].

6 –  حلية الصفاة في الاسماء والصناعات[18].

7 – الدليل الشافي على المنهل الصافي، ويبدو انه مختصر لكتابه المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي. وهو منشور.

8 – نزهة الرائي في التاريخ[19]

9 – نزهة الالباب في اختلاف الاسماء والالقاب[20]

10 – كتاب الوزراء[21]

11 – وقديكون ابرزها النجوم الزاهرة موضوع هذه الدراسة.

   من الواضح تماما ان عناوين مؤلفاته تعطينا فكرة عن سعة افقه، وعن المادة التاريخية التي بذل عمره بجمعها وتدوينها، وهو مجهود بلا شك كبير جدا، دوّن وفق أكثر من منهج، ابرزها: التأريخ الحولي والتراجم، وسندرس منهجه انطلاقاً من محورين اساسيين: النظرة التاريخية، وطريقة المعالجة.

ثانيا: منهجه.

I- نظرته التاريخية في النجوم الزاهرة:

1 مفهومها العام: من الواضح تماما ان النظرة التاريخية تبنى على المواضيع وتشكل هدفية المؤرخ. وقد عبّر ابو المحاسن عن هذا الهدف بمقدمة النجوم الزاهرة قائلاً:« وهذا لعمري من اعظم الاحسان واسبغ النعم، لنعاين ممن تقدم آثارهم، ونشاهد منازلهم وديارهم…فنخبر بذلك من تأخر عصره من الاقوام…ليقتدي كل ملك يأتي بعدهم بجميل الخصال، ويتجنّب ما صدر منهم من اقتراح المظالم وقبيح الفعال؛ ولم اقل كمقالة الغير انني مستدعى الى ذلك من امير او سلطان، ولا مطالب به من الاصدقاء والاخوان؛ بل ألّفته لنفسي واينعته بباسقات غرسي…ثم اذكر ايضا في كل ترجمة ما احدث صاحبها في ايام ولايته من الامور، وما جدده من القواعد والوظائف…بل استطرد الى ذكر ما بني فيها من المباني الزاهرة[22]

   ان نظرته تحدد ان  في التاريخ عبرا لأنه جهد من خلال التاريخ لتحديد مسار الانسانية بحفظ مآثر الحكام الماضين وسيئاتهم، ممّا يعني تدوين كل احداث الماضي بجميع تفرعاتها السياسية والعسكرية والادارية والاقتصادية والحضارية. ونطرح سؤالا مركزيا هل فعلا تناول ابو المحاسن كل تلك الامور، ام انه آثر بعضها على البعض الآخر؟

   ان اقامة التوازن بين النواحي المدروسة عملية شاقة، وينتج ايثار المؤرخ لموضوع على آخر بتأثير من تربيته ومن محيطه الاجتماعي العام. ونعتقد ان مهنته العسكرية ساهمت في توجيه رؤيته الى التاريخ، فغلب عليها الطابعان العسكري والسياسي أكثر من النواحي الحضارية، التي قد لا نجد ذكرا لبعضها في النجوم الزاهرة. ونسأل: هل ذلك تأتى من تربيته العسكرية وبيئته المملوكية فقط، ام من ندرة المعلومات المتعلقة بالاهتمامات الاخرى وعلى رأسها النواحي الاقتصادية والعمرانية التي لم تتعد، غالبا، التسميات، او انه لم يجهد نفسه بالبحث عنها، ام انه وجد في تحديد مكامن الضعف في السياسة، ولا سيما التي مارسها سلاطين عصره، مدخلا للإصلاح العام في قابل الايام ؟

   قد نجد تبريرا لذلك بان الاصلاح السياسي، الذي ركّز عليه كثيرا، سيؤدي بنظره حتما الى الاصلاح الاقتصادي، من دون ان يقنعنا، لان اهماله دراسة الاوضاع الاقتصادية يشكل ثغرة مهمة في نظرته التاريخية كما سيتبدى في دراستنا النقدية لها من خلال ما تناولته من عناوين رئيسة، وما تضمنته هذه العناوين من حيث السعة والايجاز، ومقدار الاحاطة بالموضوع وتقاطعه مع المواضيع الاخرى. ولكن ابا المحاسن كان واضحا بتغليب السياسي والعسكري على ما عداه بقوله:« ليقتدي كل ملك…» ممّا يعني ان تأريخه مخصص بالدرجة الاولى للحكام ولاسيما السلاطين ليتعظوا من الماضي ولتصبح سياساتهم دروسا للخلف. وهذا ما سنلاحظه بتركيزه على انجازات السلاطين الاقوياء ومدحهم، وبتوجيه اللوم للسلاطين الضعفاء، وبانتقاده بعض الامراء لسؤ تصرفهم، والاشادة بالبعض الآخر لمقدرتهم السياسية والعسكرية. وهو يبزّ غيره من المؤرخين برسم خطط المعارك العسكرية لدرجة تكاد تشعر وكأنه مشارك فيها. ويضاف الى ذلك دراسته للجيش المملوكي واشادته به احيانا قليلة قياسا بمواقفه السلبية من سؤ تصرفات بعض فرقه ولا سيما الجلبان. هذا اضافة الى بعض النواحي الحضارية التي لم تنل حيزا مهما في تأريخه. وسنحاول دراسة نظرته التاريخية تبعا للمراحل التاريخية من جهة، وانطلاقا من المواضيع من جهة ثانية، لأن المواضيع شكلت نقاط محورية في تاريخه.

 2مصر في عصر الدويلات: في هذه المرحلة ركّز في تاريخه على مصر من دون غيرها، وكانت تتبدل نظرته اليها والى الحوادث تبعا لتعاقبت العهود السياسية، مع يقيننا انه اضاف اليها من ذاتية عصره لأنها كانت محور العالم الاسلامي، وطبّق هذا المفهوم على الفترات السابقة للعهد المملوكي حيث كانت مصر شبه مستقلة كما في العهدين الطولوني والاخشيدي، ممّا ادى الى خلل في التوازن التاريخي العام على مستوى المشرق العربي. والى استقلالها التام في العهدين الفاطمي والايوبي مع فارق في الرؤية الدينية اليها لصالح الايوبين.

   استهل مؤلفه بالكلام على مصر منذ الفتح العربي، مبرزا اهميتها من خلال ما ورد عنها في القرآن[23]، ثم تناول خراجها، وتسميتها، ومن دَخَلها من الصحابة[24]، فعهد عمرو بن العاص وصولا الى قيس بن عبادة، وولاية عمرو بن العاص الثانية[25]. ثم تحدث عن تاريخ مصر في العهدين الاموي والعباسي باختصار شديد بتراجم موجزة جدا للخلفاء ولا سيما العباسيين، ممّا لا يتيح لنا الوقوف على نظرته التاريخية خلال هذه الحقب. وازدادت نظرته وضوحا في العهدين الطولوني والاخشيدي حيث تتبدى لنا مصر وكأنها دولة مستقلة ويدور في فلكها مناطق اخرى في بلاد الشام وغيرها. ودليلنا على ايلائه مصر شأنا مختلفا، عّما كان سائدا في عهود الولاة، الترجمات المطولة التي خصّصها للطولونيين: احمد بن طولون[26]، ولا سيما ترجمة خمارويه الطويلة جدا التي ضمّنها نواحي حضارية وفنيّة وعسكرية[27]. والترجمتان فاقتا اضعاف اضعاف ما كتبه عن الخلفاء العباسيين الذين عاش الطولونيون في ظلّهم، وهو امر ملفت للانتباه. وان ما دوّنه عن بقية المناطق ليس الا استكمالا لأحداث مصرية او مقدمة لها. وتتضح عصبيته المصرية بمهاجمته لمحمد بن سليمان الكاتب بسبب سوء تصرّفه؛ اذ ترك العرب الخراسانية تقوم باعمال قبيحة لا يستأهلها الكفرة، وباستئصاله شأفة الطولونيين:« لم يدع من آل طولون احدا…ثم اخرج قوادهم الى بغداد على اقبح وجه…وحلّ بهم –الطولونيين- وقوادهم الذل بعد العز…وزالت الدولة الطولونية وكانت من غرر الدول، وايامهم من محاسن الايام.»[28]

3– موقفه من الفاطميين: لقد اختصر اخبار الفاطميين كثيرا، فاقتصرت معظم اخبار بعض السنوات على الوفيات مع ضمور لافت بترجمات الخلفاء[29]. ولم يعطِ الامامة الفاطمية مفهومها الحقيقي، حتى انه لم يعرّف بها، مكتفياً بالقول: ان الامامة انقطعت عند الآمر:” وانقطع النسل عند الامر واولاده. وهذا مذهب من شيعة المصريين فان الامامة عندهم من المستنصر الى نزار.” لأن اهلها قالوا:« لا يموت احد من اهل هذا البيت الا ويخلّف ولدا ذكرا، منصوصة عليه الامامة.»[30]. ومع هذا فقد افاض في بعض نواحي التاريخ الفاطمي: اصلهم، بلاط الخلفاء، ورسومهم، « واورد عن مقتل الحاكم بامر الله شذورا طويلة صيغت في شكل قصّة، وفيها يصف نفسية الحاكم ليلة مقتله…وكيف دبرت اخته ست الملك مقتله بمهارة.»[31] وبعد قضاء صلاح الدين على الفاطميين تبنى ابن تغري بردي كلام القاضي عبد الرحيم البيساني حول الخلافة والدين ودور المسلمين:« توالت الفتوح غربا ويمنا وشاما…واضحى الدين واحدا بعد ما كان اديانا، والخلافة اذا ذكّر بها اهل الخلاف لم يخرّوا عليها صمّاً وعمياناً، والبدعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلة في شيع الضلال شائعة…»[32] 

 وتزداد نظرته وضوحا كلما اقترب من العهد المملوكي، الذي سنوليه، ولا سيما في المرحلة التي عاصرها، اهتماماً أكثر من غيره، من دون ان  نهمل الفترات السابقة، بل سنتناولها من ضمن رؤيته للاطار العام للتاريخ الذي بناه على افضليات في مراحله.

4موقفه من السلاطين: قد يكون هذا الموقف احد المرتكزات الاساسية لتأليف النجوم الزاهرة، وقد نبع من عدة امور رئيسة: الجهاد ضد اعداء المسلمين، وحسن تدبير أمور الدولة من حيث العناية بالرعية، واحترام رجال الدين. فكان ابن تغري بردي مأخوذا ببعض السلاطين ممن توافرت فيهم هذه المعايير؛ ويحتل صلاح الدين الايوبي مركزا مرموقا على هذا المستوى، واذ لم يجد جديدا يضيفه على سيرته عمد الى تدوينها مصطفيا مآثره وابدع الصفات الحميدة التي قالها فيه مؤرخون مشهود لهم، من دون ان يبالي بقطع سياق الخبر؛ فاختار مقاطع، مما كتبه فيه سبط ابن الجوزي، والعماد الكاتب، وابن شداد، بليغة التعبير وعميقة الايضاح[33]. وكان شديد الاعجاب بالسلطان قلاوون لتأسيسه جيشا قوامه اثني عشر ألف جندي شديدي الانضباط، جاهد بهم الفرنج[34]. ووازن في عهد برقوق بين ثلاثة امور على الاقل: اولها الفساد الاداري والرشوة:« …كان محبا لجمع المال وحدث في ايامه تجاهر الناس بالبرطيل، فكان لا يكاد يولّى احدُ ولا عملُ الا بمال، وفسد بذلك كثير من الاحوال، وكان مولعا بتقديم الاسافل وحط ذوي البيوتات.»[35] وثانيها محبته وتقديره البالغ لأهل العلم وخصوصا رجال الدين:« اذا اتاه احدهم قام اليه، ولم يعرف احد قبله من الملوك الترك يقوم لفقيه.»[36] وثالثها مقدرته السياسية، اذ اعتبره مثالا يحتذى في هذا المضمار:« كان ملكا جليلا حازما شهما شجاعا مقداما صارما فطنا عارفا بالامور والوقائع والحروب…كان سيوسا عاقلا ثبتا، وعنده شهامة عظيمة ورأي جيد، وحدس صائب، وكان يتروّى في الشيئ المدة الطويلة حتى يفعله…»[37] وترتفع منزلة المؤيد شيخ عنده، على الرغم مساوئه العديدة بنظره، لتدخله لاعادة الاسعار الى مستواها الطبيعي:« ولعل الله سبحانه وتعالى ان يغفر للمؤيد ذنوبه بهذه الفعلة، فان ذلك هو المطلوب من الملوك، حسن النظر في احوال الرعية.»[38]

   ونعت السلطان برسباي بالجهل والقبح لسؤ تصرفه، وشرهه بجمع المال، وصبّ عليه جام غضبه لأنه ولّى احد الجهلة كتابة السر قائلا:« وعد ولاية هذا الجاهل لمثل هذه الوظيفة العظيمة من غلطات الاشرف وقبح جهله، فانه لو كان عند الملك الاشرف معرفة وفضيلة…»[39] ولا يختلف السلطان خشقدم عن برقوق وبرسباي من حيث الشره بالمال ممّا ادى، بنظره، الى انحطاط في الوظائف الادارية ولاسيما المالية منها. فسلّط لسانه على خشقدم  باسلوب ساخر جدا، لأنه ولّى شمس الدين البباوي نظر بيت المال ثم الوزارة طمعا بمصادرة امواله فقط:« وسمع الملك الظاهر خشقدم بسعة ماله- وكان من الخسة والطمع في محل كبير- فأحتال على اخذ ماله بان ولاّه نظر الدولة…ولبس البباوي العمامة والفرجيّة والخف والمهماز، وتزيّا بزي الكتاب، وترك زيّ المعاملين، فشقّ على الناس قاطبة، وعدّوا ذلك من قبائح الملك الظاهر خشقدم…لأن البباوي هذا مع انحطاط قدره وجهله ووضاعته وسفالة اصله…فانه كان اميّا لا ينطق بحرف من حروف الهجاء…وولاه الوزر…فلم نعلم باقبح حادثة وقعت في الديار المصرية قديما وحديثا من ولاية البباوي.»[40]

   ولعل نظرته هذه الى تصرف السلاطين المذكورين تنمّ ايضا عن تمييز اجتماعي، وقد يكون مرده الى تحدره من ” الطبقة ” العسكرية الحاكمة، التي ميّزت نفسها باستمرار عن ابناء البلاد، واستعلت عليهم، ولم تقرّب منها احد منهم الا من كانت تحتاجه لخدمتها ولا سيما المتعممين. ويعكس هذا الموقف الرؤية الاجتماعية التي كانت سائدة انذاك، ويؤيّد ما ذهبنا اليه رأي ابن تغري بردي في السلاطين:« كانت عادة ملوك السلف ان يقيموا من حطّه الدهر، وينتشلوا ذوي البيوتات من الرؤساء وارباب الكمالات. وقد ذهب ذلك كله وصار لا يترقى في الدول الا من يبذل المال، ولو كان من اوباش السوقة لشره الملوك في جمع الاموال.»[41]

   كان يأمل مؤرخنا توفّر الخصال الحميدة في السلاطين كالاخلاق الرفيعة والمقدرة السسياسية، وانتقد بشدة الذن كانوا يخالفون القواعد الخلقية وحط من قدرهم، ومن الامثلة على ذلك: السلطان شعبان الذي جمع بزواجه بين اختين، وعدد بسخرية اربعة سلاطين تعاقبوا على الزواج من المرأة نفسها كل بعد وفاة الآخر. وكنّ للسلطان شعبان احتقارا شديدا ليس فقط لتزويجه احدى سراريه من أحد الطواشية ونثره بيده الذهب عليها ابان جليها[42]، بل لأنه ايضا:« كان من اشر الملوك ظلما وعسفا وفسقا، وفي ايامه مع قصر مدته، خربت بلاد كثيرة لشغفه باللهو، وعكوفه على معاقرة الخمور، وسمْع الاغاني، وبيع الاقطاعات بالبذل…وكان سفّاكا للدماء…سيئ التدبير يمكّن النساء والطواشية من التصرف بالمملكة.»[43] ولم يتوان عن تقريظ السلطان يلباي:« ومع هذه المدة اليسيرة -من حكمه- كانت ايامه اشر الايام واقبحها، وفي ايامه زادت الاجلاب في الفساد، وضيقت السبل وعظم قطع الطرقات على المسافرين مصرا وشاما، وما برحت الفتنة في ايامه قائمة في الارياف قبليّها وبحريّها وتوقفت احوال الناس لاسيما الواردين من الاقطار، وزادت الاسعار في جميع المأكولات، وضاعت الحقوق، وظلم الناس بعضهم بعضا، وصار في ايامه كل مفعول جائز، وما ذاك الا لعدم معرفته، وسؤ سيرته، وضعفه عن تدبير الامور… وقلة عقله.»[44]

   وعلى هذا، تصبح السلطة بنظره مزيجا من الحكمة والدراية والاخلاق الحميدة، كما بحسن السهر على الرعية،  وبتقدير واحترام رجال العلم والدين. لأن السلطان رأس القمة الادارية ويقتدي الناس به، وستبقى سيرته خالدة، ودرسا لمن سيخلفه مدى الزمن. ولا تكتمل هذه الصورة الا بضبط الجيش، الذي من واجبه السهر على المواطنين، وليس بالتعرض لحقوقهم واغتصابها، وبالتعدي على الاعراض والممتلكات، وبالتالي فان وظيفة الجيش طمأنة الاهلين وليس اخافتهم.

5– موقفه من الجيش المملوكي: صبّ جام غضبه على الجيش المملوكي وتحديدا على فئة الجلبان الذين استقدموا كباراً في السن، ولم يتهذبوا في الطباق دينيا واخلاقيا واداريا، ولم يتدرّبوا فيه على الفنون القتالية، فصاروا عبئا على السلاطين والناس معا.

   كان تقديره ملحوظا للسلطان قلاوون الذي اقتنى ما يزيد على اثني عشر ألف من المماليك السلطانية وسهر على تربيتهم، حتى بات الواحد منهم لا يجرؤ على نهر غلامه او خادمه، او الاقدام على فاحشة خوفا منه، او الزواج الا باذنه، ليس هذا فحسب، انما كان يختار لهم السلطان زوجاتهم من جواريه[45]. وقارن بين ما كان عليه وضع مماليك قلاوون بما آل اليه وضع الجلبان في عصره قائلا:« لو لم يكن من محاسنه الا تربية مماليكه وكف شرهم عن الناس لكفاه ذلك عند الله تعالى، فانه كان بهم منفعة للمسلمين، ومضرة للمشركين، وقيامهم بالغزوات معروف، وشرهم مكفوف؛ بخلاف زماننا هذا، فانه مع قلّتهم وضعف بنيتهم وعدم شجاعتهم، شرهم في الرعية معروف، ونفعهم في الناس مكفوف؛ هذا مع عدم التجاريد والتقاء الخوارج وقلة الغزوات، فانه لم يقع في هذا القرن، وهو القرن التاسع، لقاء خارجي غير وقعة تيمور، وافتضحوا منه غاية الفضيحة…وان تكلم – واحدهم- تكلم بنَفَس؛ ليس لهم صنعة الا نهب البضاعة، يتقوون على الضعيف، ويشرهون في الرغيف، جهادهم الاخراق بالرئيس…»[46]

   وهاجم الجيش المملوكي بعنف خصوصا المماليك السلطانية المعروفين بالجلبان لأن القحة بلغت بهم نهب البيوت بما فيها بيوت الوزير ونظّار الجيش والاستادار. وكانوا ايضا يهاجمون البيوت ويتعدون على النساء في الطرقات والحمامات، ولم يتورعوا عن احراق بيوت غرمائهم[47]. ولم يعمد السلاطين الى الاقتصاص منهم بل ساندوهم اتقاء لشرهم. وزاد في الطين بلّة املاؤهم الشروط على السلاطين، وتعدياتهم المتكررة على الامراء طمعا بان يشفعوا بهم عند السلاطين لتحقيق مطالب غير محقّة او احراجا لهم. وكانوا يستمرون بممارساتهم الشنيعة الى ان تستجاب طلباتهم. وكان كل ذلك متأتيا، على حد تعبير ابي المحاسن من ايثار السلاطين لهم:«وحبك للمرء يعمي ويصم.»[48] وازداد خطر الجلبان وما عاد ممكنا الحد من تسلطهم وعسفهم، وحلوا مكان القضاة احيانا، ولعل تعبير ابن تغري بردي ابلغ دليل على السؤ الذي حاق بالبلاد جراءهم:« في هذه السنة 862 قد انحل امر حكام الديار المصرية ارباب الشرع الشريف والسياسة ايضا لعظم شوكة المماليك الاجلاب، وصار من له حق من الناس قصد مملوكا من المماليك الاجلاب في تخليص حقه…فيرسل خلف ذلك الرجل المطلوب ويأمره باعطاء حق ذلك المدعي حقا كان ام باطلا بعد ان يهدده بالضرب والنكال، فان اجاب والا ضرب في الحال ونكل به…فصار كل احد يستعين بهم في قضاء حوائجه وترك الناس الحكام…وتلاشى امرهم الى الغاية.»[49] ودفعهم تراخي السلطة الى مزيد من التعديات فصاروا ينهبون الناس في وضح النهار، ويفرضون الخوات على اصحاب الدكاكين، ويلزمون الضعفاء من اجناد الحلقة واولاد الناس بالتنازل عن اقطاعاتهم.[50]

   واحجم الناس عن تولي الوزارة لأن السلاطين كانوا يعمدون الى مصادرة الوزراء، حتى صارت هذه الوظيفة تفرض فرضا على الاشخاص فيشغلونها رغما عنهم. وصار الوزير يخشى ثلاثة امور: القتل، والتعرض للمصادرة، والخوف من الجلبان لأن الوزراء صاروا هدفا لهم، ومن كان يمتنع عن تولي الوزرة كان السلطان يأمر بضربه حتى ينصاع[51]

6– موقفه من الضرائب: لم يتوسع كثيرا في مشكلة الضرائب، بل اطلّ عليها احيانا بخفر ولا سيما في اواخر ايامه، وهي لم تتعد عموما الضرائب التي فرضت استثنائيا على الفلاحين لاسباب متنوعة خصوصا من اجل اعداد الحملات العسكرية، على عكس المقريزي الذي لم يغفل عن معظم الضرائب وتطرّق الى مساوئها كلما وجد الى ذلك سبيلاً[52]. ولم يأت ابن تغري بردي على ذكرها قبل عهد الناصر محمد بن قلاوون حيث تحدّث عن ابطال هذا السلطان العديد منها في روكه المعروف بالناصري عام 715/1315 واعتبر تصرفه هذا :« دليل على حسن اعتقاده، وعزيز عقله، وجودة تدبيره وتصرفه، حيث ابطل هذه الجهات القبيحة…وعوّضها من جهات لا يظلم فيها الرجل الواحد…»[53]

   ومن العسير التعرف الى معظم انواع الضرائب المملوكية في النجوم الزاهرة لأن ابا المحاسن لم يذكرها مفّصلة على طريقة المقريزي، بل تناول بعضها في مناسبات محددة: تقرّب السلاطين من الشعب كما فعل برقوق سنة 784/1383 حين ثار عليه الاميران يلبغا ومنطاش:« ثم أخذ السلطان بعد خروج العسكر في استجلاب خواطر الناس، وابطل الرمايات والسلف على البرسيم والشعير، وابطل قياس القصب والقلقاس.»[54] او من اجل اعداد الحملات العسكرية شأن الاستعداد لمحاربة تيمور كما في هذا النص الرائع الذي قد لا نجد مثيلا له في المصادر الاخرى من حيث تفصيل الضرائب على الزراعة وقيمة متحصلها عن كل صنف، ومقارنة قيمة كل ضريبة بالمعدل العام:« فرض على سائر اراضي مصر فرائض من اقطاعات الامراء، وبلاد السلطان، واخباز الاجناد، وبلاد الاوقاف عن عبرة كل ألف دينار خمسمائة درهم وفرس …ومن املاك القاهرة ومصر اجرة شهر حتى انه كان يقوّم على الانسان داره التي يسكنها، ويؤخذ منه اجرتها، واخذ من الرزق…وهي الاراضي التي يأخذ مغلّها قوم على سبيل البر والصدقة عن كل فدّان عشرة دراهم، وكان يوم ذاك اجرة الفدّان من ثلاثين درهما الى ما دونها…ومن الفدّان القصب او القلقاس او النيلة من القنطار مائة درهم، وهي نحو اربعة دنانير، وجبى من البساتين عن كل فدّان مائة درهم. ثم استدعى امناء الحكم والتجار وطلب منهم المال على سبيل القرض، وصار يكبس الفنادق والحواصل في الليل فمن وجده حاضراً فتح مخزنه واخذ نصف ما يجده فيه من النقد، وهي الذهب والفضة والفلوس، وأخذ جميع ما وجد من حواصل الاوقاف…»[55] وكأني به في اواخر حياته بدأ يتنبه الى دور العامل الاقتصادي في منعة الدولة وبانحلالها، وان لا بديل من الاهتمام بالزراعة من اجل الرخاء الاقتصادي في الدولة، لأننا لانجد في النجوم الزاهرة سوى لمحات عنه في حديثه عن الدولة التركية، وبعض التركيز الجزئي الذي جاءت دلالاته شديدة الوقع في الفترة التي عاصرها ابو المحاسن. فقد اورد نصا عبّر فيه عن التدمير الاجتماعي والاقتصادي الذي حاق بالقرى المصرية حين فرض السلطان برسباي ضرائب استثنائية على الفلاحين، مقارنا بين وضعها في ايامه وما كانت عليه في العهد الفاطمي مستعينا باخبار المسبحي:« فكان يؤخذ من كل قرية خمسة آلاف درهم فلوسا عن ثمن الفرس المقرر عليها، ويؤخذ من بعض النواحي عشرة آلاف عن ثمن فرسين…فنزل بسبب ذلك على فلاحي القرى بلاء الله المنزل، واحصى كتاب ديوان الجيش قرى ارض مصر العامرة…فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية، وقد ذكر المسبحي في تاريخه: انها كانت في القرن الرابع: عشرة آلاف قرية عامرة…»[56]وعزا ذلك الى فداحة الضرائب غير المشروعة التي فرضت على الفلاحين تلبية لمصاريف الجيش عموما والجلبان خصوصا، كما الى تداعيات كثرة الفتن، وتهاون السلاطين باخمادها تقربا من الجلبان، ولحاجتهم الدائمة الى المال.

   ولا يكتمل هذا الموضوع الا بالحديث عن المصادرات لأنها طريقة تعسفية لاستخلاص الضرائب غير الشرعية من الناس، كما بالتطرق الى موضوع الغلاء. ولم يتوسّع ابو المحاسن بالامرين، بل تطرق اليهما لماما لابراز فظاعة حدث ما، ممّا يعني ان نظرته الى التاريخ تمحورت بشكل اساسي على العاملين السياسي والعسكري، واتمها احيانا بمواضيع اخرى لا ندري ان كان قد خطط للتطرق اليها، او ان الاوضاع المتردية التي عاصرها فرضتها عليه. اذ نلاحظ ان اخباره عن المصادرات والغلاء لم تكن متوازنة: فاحيانا نادرة اعطي بعض التفاصيل واحجم عنها في معظم الاحيان، او انه مرّ عليهاهامشياً. وقد اشار الى ان استقى غالبية  معلوماته الاقتصادية من المقريزي الذي اعتنى بالوضع الاقتصادي وربط انحطاطه بما آل اليه الوضعان العسكري والسياسي. ففي كلام ابن تغري بردي عن المصادرات قال: انه في عام 649/1252 تمت مصادرة اموال الاوقاف والايتام على نية القرض من دون اي تفصيل[57]. وحصلت بعض المصادرات بمبادرة من بعض امراء المائة كما فعل الامير صرغتمش عام 752/ 1352 حين صادر اموال الوزير ابن الزنبور بعد ان قبض عليه وسجنه في موضع مظلم، كما قبض على كتابه ومماليكه وصادر كل ما وجد عنده من مال وثياب وتحف، بعد ان تمّ تعذيب نسائه واولاده، واقرّ السلطان تلك الاعمال الشاذ.[58]

    ويندرج في هذا الاطار المصادرات للصالح العام ان جاز التعبير، باغتصاب حقوق الناس واموالهم تحت ستار الجهاد مثلاً؛ فقد نزل بالناس مصائب كبيرة كان بطلها الامير سنقر الزردكاش تحت عنوان بناء مراكب من اجل جهاد الفرنجة:« من قطع اشجار الناس عسفاً… وزاد ظلمه حتى جاوز الحد…واخذ المال من الناس مع الذل والهوان والصَغار…»[59]

    اما المعلومات الاخرى عن المصادرات فهي لا تعدو الذكر كما حصل في عهد السلطان اينال:« صودر ناظر الجيش واخذ منه جمَلُ من المال بعد استحقاق.»[60] لأنه لم يحاول الحصول عليها من منابعها ربما لقلة اهتمامه بالموضوع، بل اعتمد في اكثرها على مقتطفات اخذها حرفيا عن المقريزي.[61]

   واستكمالا للرؤية الاقتصادية تناول موضوع الغلاء، ولا ندري لماذا كان يحجم عن ذكر اسبابه، فقد تحدث عنه وكأنه من المعارف العامة، وهذه ثغرة مهمة في رؤيته للتاريخ. فذكر مثلاً في سنة 622/ 1226 كان غلاء بمصر فقط[62]، وحدث غلاء سنة 694/1295 من دون تحديد الاسباب، علما انه قارن بين اسعار بعض السلع عمّا كانت عليه وكيف اضححت[63]. وفي مكان آخر قال: ان السلطان برقوق رسم بنقل المماليك من الخليل الى غزّة لغلاء بالاسعار من دون تحديد السبب او ذكر سعر اي سلعة[64]. وتحدث احيانا عن الغلاء الناتج عن انتشار الطاعون[65].

    على الرغم من ان دولة المماليك اتسمت بغش النقود فلم يهتم ابو المحاسن بهذا الموضوع، وقلّما تطرّق اليه. ولا نعرف لماذا اورد بعض التفاصيل عنه في حوادث 861/1457 حيث قال: نودي بالقاهرة بالا يتعامل احد بالنقود الفضية ( الدراهم ) المضروبة بدمشق، ما انزل خسائر كبرى بالناس لكثرة ما كانوا قد تعاملوا بها، وصاروا يتندرون بالسلطان « السلطان من عكسه ابطل نفسه »[66] واستمر الامر على هذا النحو حتى السنة التالية حين اصلح السلطان امر الفلوس بعد ان خسر الناس ثلث اموالهم[67].

    ويبدو جليا ان تعاطي ابو المحاسن مع الموضوع الاقتصادي جاء متفاوتا، بل انتقائياً، مميّزاً بين مقوماته ومرجّحا بعضها على البعض الآخر، ممّا جعل رؤيته للاقتصاد المملوكي غير متوازنة ومرتبكة، ولا تتلاءم مع سعة اطلاعه ووعيه الكبير للشأنين السياسي والعسكري.

7– المجتمع في النجوم الزاهرة:

أالعامة: اذا استثنينا المقريزي قلّما نجد مؤرخا في العصور الوسطى اعطى المجتمع اهمية تذكر لأن المؤرخين استمروا يولون الخاصة شأنا كبيرا على حساب العامة. فعلى الرغم من الضجيج الكبير الذي احدثه الزعر في مجتمع دولة المماك الجراكسة، وتأسيسهم مجتمعا خاصا بهم تمتّع بكامل المقومات، فان مؤرخنا، الذي عاصر قسما من هذه المرحلة، ذكرهم بحادثة يتيمة على عهد الناصر فرج لا تجاوز الاسطر القليلة بيّن فيها استغلالهم الفتن والمعارك حتى ينهبوا ليس فقط بيوت المهزومين انما ايضا المدارس والجوامع، ويكسروا السجون ويخرجوا من فيها من المساجين[68]. ولا نستطيع من خلال النجوم الزاهرة التمييز بين العامة والزعر الا بصعوبة، لأن ممارسات الفريقين بدت متشابهة على رغم الفوارق بينهما بالعادات واسلوب الحياة، والعلاقة بالسلطة، ناهيك بالتراتب الاجتماعي الذي حل الزعر في اسفله[69]، ولا يمكننا اعتبار اهماله هذا الموضوع جهلاً به لان استاذه المقريزي تناول هرمية المجتمع المملوكي وتحدث عن الزعر.

   ان كتاباته عن العامة لا تنمّ عن تدوين تاريخ اجتماعي، انما هي استكمالا للحوادث العسكرية التي كانت تنتهي بهزيمة احد الاطراف، فيبيح المنتصر للعامة نهب بيوت المهزوم او المهزومين. وكانت تتعدى اعمالهم نهب ما سُمح به لتطال اماكن العبادة، والمنازل خصوصا الواقعة خارج القاهرة، فكانوا يفرغونها من محتوياتها ويسرقون ابوابها واخشابها ويسلبون الرجال والنساء ثيابهم [70].

   ان العامة بتركيبها الاجتماعي ووظائفها لا وجود لها في النجوم الزاهرة، فلم ترد الا في بعض الاخبار المرتبطة باركان السلطة، نسيشف منها انها كانت تؤيّد من ترى ممارساته شرعية ومنصفة: فقد قاتل العامة سنة 802/1400 نائب الغيبة بطرابلس لرفضه قبول الملطفات القادمة مع الامراء من مصر لأهل طرابلس وانتصروا عليه. وبعد فراره الى دمشق عاد بعسكر كثيف وانتصر على اهل طرابلس، وصادر اموالهم، وفعل بهم ما لا يفعله الكفرة على حد تعبير ابي المحاسن، وقتل نحوا من عشرين رجلا من اعيان المدينة، ونحو ألف من العامة، وسبى الناس والحريم[71]. واضح ان العامة لم  تتصدر الخبر في هذه الحادثة المذكورة، بل جاء الكلام عليها من ضمن الصراع بين نائب الغيبة واعيان المدينة اظهاراً لظلم الحكام وفظاعة الحدث، حتى اننا لا ندري، من خلال الحادثة، لماذا ارسلت الملطفات، وما كانت تحوي ؟

    وتناولها ابو المحاسن في موقع آخر من المنظار السابق عينه مع تبديل بالشخصيات والمواقف، اذ هاجمت العامة مع بعض المماليك السلطانية عام 853/1450 محتسب القاهرة ولاحقوه من بيت الى آخر، واينما حلّ صار البيت هدفا للنهب، حتى عروه من ثيابه وعمامته. والادهى من ذلك ان مؤرخنا لم يذكر سبب الحادثة سوى قوله :« وهم معذورون …لأنه بالامس كان في الهموت من الفقر والذل والافلاس، وصار اليوم في الاوج من الرئاسة والمال…وصار عنده شمم وتكّبر »[72] غني عن البيان ان المحتسب هو المقصود بهذه الحادثة لأنه لم يكن اهلا لهذه الوظيفة. وكان لابن تغري بردي موقفه من منزلة الموظفين، فيجب ان يكونوا كريمي المحتد، مثقفين، في حين ان المحتسب المذكور كان جاهلا نال جزاءه لأنه تولى وظيفة لم يكن اهلا لها. وبالتالي جاءت اخبار العامة من ضمن الصراع بين المحتسب والمماليك السلطانية استكمالا للمشهد الصراعي حول مشروعية تولّي منصب.

بالقضاء: ان القضاة ركيزة مهمة في المجتمع الاسلامي، ومنزلتهم رفيعة جدا، ودورهم شديد الاهمية، ومع ذلك لا يحتلون سوى حيّز هامشي جدا في النجوم الزاهرة كقول ابي المحاسن: في سنة 658/1260 عيّن الظاهر بيبرس لكل مذهب قاضيا مستقلا، فصار قضاة القضاة اربعة[73]. كما وضع ثبتا بقضاة كل مذهب من المذاهب السنية الاربعة منذ سنة 658 وحتى تاريخ اعداد النجوم الزاهرة.[74]، ويضيف ان بيبرس رتّب في دمشق اربعة قضاة قضاة ايضا[75]. ثم تغيب اخبار القضاة الى ان يذكرهم مرة يتيمة بعد ذلك حين تمّ عزل القضاة الاربعة بمصر لأنهم، على حد تعبيره، اساءوا الحكم فحلّ مكانهم نوابهم معلقاً علىالحادثة:« هذا والناس في غاية السرور بما حصل، من منع القضاة من الحكم بين الناس »[76]

جالحرائق: على رغم كثرة الحرائق التي انتشرت في العهد المملوكي، التي اشار الى العديد منها المقريزي وغيره، فان ابا المحاسن اهملها اهمالاً شبه تام؛ فلم يذكر الا الكارثي منها كحريق القاهرة عام 710/1312 حيث جهد السلطان والامراء لاطفائه، مصوّراً  بعض العادات الاجتماعية المتبعة باطفاء الحرائق والاستبسال لا بل الاستماتة في سبيله، كما باجتماع الناس في الجوامع يصلّون ويتضرعون لكي يساعدهم الله بالسيطرة عليها.[77] وتغيب الحرائق الكارثية عن القاهرة حتى 862/1458تاريخ حريق بولاق او ان مؤرخنا غيّبها، وجاءت اخبار هذا الحريق الكارثي، «الذي لم يسمع بمثله في سالف العصور» الذي اتى على غالب املاك بولاق، وعجز الامراء والحكام عن اخماده، اظهارا لفظاعته ومهاجمة للسلطة «المتخاذلة » لعجزها عن حماية مواطنيها، والتعويض عليهم:« وقد افتقر من هذا الحريق خلايق كثيرة، وعلى الله العوض.» وليضعه ايضا ضمنا على ذمة المماليك الجلبان اذ اتهمهم بافتعال كل الحرائق، التي كانت تحصل في القاهرة بعد ذلك التاريخ، ابتغاء لنهب بيوت الناس.[78]

دالاوبئة: يُرجع بعضَ اسبابها الى مستوى فيضان النيل، مغتنماً الفرصة ليتحدث عن كيفية قياس مياه الفيضان: والمقياس ليس الا عمود من الرخام مثمّن الاضلاع في موقع ينحصر فيه الماء عند انسيابه اليه، ومفصّل على اثنين وعشرين ذراعا، كل ذراع مقسّماً الى اربعة وعشرين قسما متساويا تعرف بالاصابع، ما عدا الاثني عشر اصبعا الاولى فانها مفصّلة على ثمانية وعشرين اصبعا لكل ذراع[79]. فقد مات عام 794/1392 عدد كبير من الناس « لان النيل بلغ ست عشرة ذراعا ثم هبط من ليلته فشرّقت البلاد واعقبه غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة.»[80] وتحدّث عن الطاعون الاسود الذي ضرب العالم سنة748/1348 فافنى عددا كبيار من الناس معظمهم فلاحون، ووصف طرق معالجته.[81] ويتكرر كلامه على الطواعين؛ فاوجز طاعون 784/1383 قائلا: « هذا والموت بالطاعون عمّال بالديار المصرية في كل يوم يموت عدة كبيرة[82].» من دون ان يضيف اي تفاصيل اخرى. وتوسع بالحديث عن الطواعين الاخرى ولا سيما وباء 833/1430 حيث نودي بالقاهرة الصيام ثلاثة ايام تقرّبا الى الله، وفصّل اضطراده، وازدياد الوفيات حتى ان بيوتا كثيرة خلت من سكانها، وتعطلت الاسواق، وازداد طلب الناس على الاكفان. ويماثله طاعون 864/ 1460 حيث كان يموت جرّاءه ستون شخصا يوميا في القاهرة[83]هالعمران: اشار الى انجازات بنائية من دون اي تفصيل: شرع السلطان بيبرس ببناء المدرسة الظاهرية[84]، وبنى برقوق مدرسته بين القصرين[85]، مسقطا الفنون البنائية تماما. وفصّل فقط بناء القاهرة وخططها[86] الذي قد يكون اخذه اما عن الاوحدي، اوعن المقريزي.

 و- موقفه من غير المسلمين: يتراءى لنا من خلال النجوم الزاهرة لن ابن تغري بردي اتخذ مواقف متشددة من المسيحيين، لأنهم برأيه اهل كفر، ويجب الا يستخدموا في الدواوين الرسمية، ولا عند الامراء. فقد اعتبر أن منزلة اي مسيحي مهما علت يجب الاّ تضاهي مستوى اي مسلم، متخذا من الانتماء الديني وحده معياراً للكفاءة. فاذا شغل مسيحي مركزا في احد الدواوين، ودائما حسب رأيه، صار شأنه ارفع من منزلة المسلمين الذين يترددون عليه من اجل اتمام معاملاتهم، وقد يرجونه ويتوددون اليه، وهذا سلوك مرفوض عنده لأنه يحقّر المسلمين ويحط من قدرهم، وقد عبّر عن ذلك بالمواقف التالية:« دعا –السلطان- البطريرك واوقف على قدميه ووبّخ وقرّع، وانكر عليه السلطان ما بالمسلمين من الذل بلاد الحبشة تحت حكم الحطّى متملكها …ثم طلب السلطان الاكرم فضائل النصراني كاتب الوزير فضربه بالمقارع، وشهّره بالقاهرة عريانا بين يدي المحتسب وهو ينادي عليه: هذا جزاء من يباشر من النصارى في ديوان السلطان…قلت ولعل الله ان يسامح الملك المؤيد بهذه الفعلة عن جميع ذنوبه، فانها من اعظم الامور في نصرة الاسلام…يكون المؤيد على هذا الحكم فتح مصر فتحا ثانيا، واعلى كلمة الاسلام، واخذل كلمة الكفر، ولا شيئ عند الله افضل من ذلك.»[87]

   وتتكرر مواقف ابن تغري بردي المعادية للمسيحيين ليس فقط بسبب استخدامهم في الدواوين الرسمية كما في قوله في حوادث 868/1464:« نودي بشوارع القاهرة ان احدا من الاعيان لا يستخدم ذميا في ديوانه…قلت ما احسن هذا لو دام واستمر، فمنعت هذه المناداة اهل الذمة قاطبة من التصرف والمباشرة بقلم الديونة بوجه من الوجوه باعمال مصر، وكتب بذلك الى سائر الاقطار.»[88] انما ايضا لكي يعاملوا بطريقة تميّزهم من المسلمين حطّاً من قدرهم، ويزداد كلامه وضوحا بما اورده في حوادث 868 قائلا:« ثم عقد السلطان بالصالحية عقد مجلسٍ بالقضاة الاربعة…قرئت العقود المكتتبة قديما على اهل الذمة فوجدوا في بعضها ان احدا…لا يلف على رأسه اكثر من عشرة اذرع، وان نساءهم يتميّزن من نساء المسلمين بالازرق والاصفر على رؤوسهنّ في مشيهن في الاسواق، وكذلك بشيئ في الحمامات فحكم القاضي…بإلزام اهل الذمة بذلك جميعه، ما عدا الصرف والطب بشروطه، وصمم السلطان على هذا الامر، وفرح المسلمون قاطبة، فأسلم بسبب ذلك جماعة من اهل الذمة من المباشرين، ودام ذلك نحو سنة، وعاد كل شيئ على حاله الاول، وبلغ السلطان ذلك فلم يتكلم بكلمة واحدة. لا حول ولا قوة الا بالله العظيم، واين هذا من همّة السلطان المظفّر بيبرس الجاشنكير لمّا قام ببطلان عيد شبرا، ولبس النصارى الازرق، واليهود الاصفر، لله درّه ما كان اعلى همّته، واعزّ دينه…»[89]

   يتكرر مدحه واشادته بالسلطان بيبرس الجاشنكير كلما تحدث عن اهل الذمة لانه تأثر بآراء الوزير المغربي وطبّفها: فمنع المسيحيين من العمل في دواوين الدولة وعند الامراء، وامرهم بتغيير لباسهم، وابدى رأيه بهذا الامر قائلاً:« رفع الاسلام بهذه الفعلة وخفض اهل الملتين بعد ان وعد باموال جمّة فلم يفعل.»[90]

    قد يكون الصراع بين الاديان احد سمات العصور الوسطى، التي عرفت، ربما بسببه اضافة الى عوامل اخرى، بعصور الظلام، وعصور الايمان. واكتسب الامر حدة زائدة نتيجة الحملات الصليبية، وحروب العثمانيين في اوروبا. ومع ذلك فلم يكتسب موقف السلاطين المماليك من مسيحيي الشرق الحدة عينها التي صوّرها ابن تغري بردي، فكان من حين الى آخر يُعاد العمل بالشروط العمرية لفترة ثم تعود الحياة الى مجرها العام. ويبدو انه كان شديد التعصب حتى بالنسبة الى مسيحيي مصر، مأخوذا بحمية دينية غير مبرّرة بلغت به حد تكفيرهم، ورفض قبولهم في المجتمع، على عكس المقريزي الذي صوّر الحالات التي كان يتم فيها التعدي عليهم ويحمّل المسؤولية للحكام وبعض الموتورين[91]. وتتبدى مواقفه المتطرفة جلية عندما صوّر غزوة المماليك لقبرص صراعاً بين المسيحية والاسلام كديانتين، وليس صراعا بين القبارصة والمنظمات المسيحية فيها، والمماليك على المصالح الاقتصادية في المتوسط، مكفّراً بكلامه المسيحيين قاطبة، ومحقراً معتقداتهم، اذ بعد ان كسر المماليك الصليب في قبرص، الذي كان يعتقد القبارصة انهم اذا اقسموا به كذبا عوقبوا مباشرة، زعم بلسان احد المماليك:« انتم اطعتم الشيطان فصار يغويكم ويستخف بعقولكم، ونحن هدانا الله الاسلام وانزل علينا القرآن فلا سبيل له علينا.»[92] وموقه هذا لا ينبع من رأيه الشخصي فقط وان كان متميّزاً به، بل يصوّر سمات من عصره كمنع السلطان برسباي التعامل بالنقود الافرنتية لأن عليها علامة كفرهم_الصليب_ فجمع الدنانير الافرنتية كلها واعاد ضربها دنانير اشرفية[93].

     وعليه،لم يقصد ابن تغري بردي التطرّق الى المجتمع من اجل دراسته بحد ذاته، ممّا جعل نظرته الى التاريخ الاجتماعي تتأرجح بين التفصيل والايجاز، فطرق بعض المواضيع بابعادها الاجتماعية الصرفة، وأطلّ على بعضها الآخر استكمالا لرؤاه الاخرى، وتوضيحاً لأحداث تتعلق بالسلطة السياسية والاوضاع العسكرية تبيّانا لعجز سلاطين دولة المماليك خصوصا الجراكسة منهم عن ضبط الاوضاع العامة خوفا من ثورات المماليك الجلبان، وليأتي كلامه، في هذا الصدد، دروسا مستقبلية. ومع ذلك فقد افادنا اجتماعياً بمعلومات قد لا نجدها بمصدر آخر.

 II- طريقة المعالجة: لم يتبع مؤرخنا خطة واحدة في تأريخيه من حيث المصادر وانماط التأريخ كما سيتضح فيا يلي.

1 – المصادر : ان مصادره شديدة الوضوح خصوصا في المراحل التاريخية السابقة على عصره، فقد كان يذكر اسم المؤرخ او المؤلف مع اسم كتابه حينا، او اسم الكتاب المستخدم فقط حينا آخر باعتبار ان صاحبه غني عن التعريف، او اسم المؤرخ من دون كتابه لأنه بدوره مشهور، ونادرا ما اورد خبرا من دون ان يسنده الى مصدر. وسنقتصر على ذكر بعض النماذج من مصادره والا طال الامر كثيرا: 

أذكر المؤلف وكتابه: قال المظفّر بن قزا أوغلي في « مرآة الزمان»[94]، او ابن الاثير في « الكامل»[95]، او القاضي محي الدين بن عبد الظاهر في كتابه« الروضة البهية الزاهرة في الخطط المعزية القاهرة»[96]، قال ابن ابي المنصور في تاريخه من دون ذكر اسم الكتاب[97]، قال الحافظ الذهبي في تاريخ الاسلام[98]

بذكر اسم المؤرخ فقط: قال العبيد بن سلام[99]، او الكواكبي[100]،او القضاعي[101]، قال ابن خلّكان[102]، او المسبحي[103]، ابو يعلى القلانسي[104]، ابن الاثير[105]، ابن واصل[106]، ابو شامة[107]، ابن شداد[108]، الصفدي[109]، المقريزي[110]، العيني[111]. والجدير ذكره ان معظم الوفيات التي ذكرها أخذها عن الذهبي.

جالاعتماد على مقاطع بحذافيرها: كان يستل مقاطع، او خبرا تاما بحذافيره من احد المؤرخين تأكيدا لرأيه، او تبيانا لفداحة الخبر، كما في اخبار الامير يلبغا الناصري حيث استل مقطعا من العيني، وبعد ان انتهى الخبر قال:«انتهى كلام البدر العيني»[112]، ويتكرر الامر عينه كثيرا بشهادات أخذها عن المقريزي[113].

دالمصادر الشفوية: وتعود بمعظمها لحوادث عاصرها واستقاها من الذين شاركوا بالاحداث او ارتبطوا بها مباشرة بطرق متنوّعة كالامراء والاجناد المماليك، وقد ساعده في ذلك اتقانه التركية التي كانت لغة مجتمع المماليك، ورتبته العسكرية، ومنزلته العلمية.  

 فقد استخدم كلمة حدثني دلالة على المصادر الشفوية كما في:« حدثني الامير ازيغا اليونسي»[114]، او القاضي كمال الدين بن البارزي[115]، او بعض اعيان المؤيد شيخ[116]، «او بعض مماليك الوالد ممن باشر الوقعة- غزوة قبرص- من اولها الى آخرها، وجماعة كبيرة من الاصحاب والثقاة»[117]جاءت مصادره شديدة الوضوح، غنية جدا، وكثيرة التنوع.

2- مفهوم الخبرفي النجوم الزاهرة:

أ- في الفترة السابقة على عصره: لم يتبع الخبر عنده خطة سير واحدة، بل تقلّب مفهومه بين عصر وآخر، فبدا في الفترة السابقة على عصره  تقليديا متقطعا وتاما لذاته؛ كما في التأريخ لمصر منذ سقوط الدولة الطولونية وحتى قيام الدولة الاخشيدية. فهي اخبار متقطعة يدور معظمها حول العراق لأن مؤرخنا، على ما ازعم، اعوزته المعلومات الكافية عن مصر، او أنه اعتبر العراق، في ذلك العصر، مركز القرار السياسي ومصر مجرّد ولاية تابعة لسلطة الخليفة، فلم يخصّها بتاريخ مميّز .

   وقد أرخ لهذه المرحلة تبعا لعهود الولاة بدءا بمحمد بن سليمان الكاتب وانتهاء بولاية محمد بن كيْلغ الثانية[118]، متخذاً من الوالي شخصية محورية ارتبطت بها كل الاحداث، مؤسسا لمنهجه العام الذي سينفرد به في النجوم الزاهرة، بحيث سيغدو حاكم مصر المستقل بدءا باحمد بن طولون مرورا بالخلفاء الفاطميين وصولا الى السلاطين الايوبيين والمماليك مركز الاحداث، لا بل محورها الرئيسي. وما التأريخ الحولي الذي اعقب هذه التراجم الا استكمالا جزئيا جدا لبعض الحوادث، ومكانا مناسبا لذكر وفيات الشخصيات البارزة.

   و سيتطور منهجه نحو الافضل كلما اقترب من عصره وتوفّرت المعلومات الكافية عن سِيَر الشخصيات الرئيسة، ممّا حوّل الخبر الى شبه تام باحداثه ومدلولاته النتائجية والسببية، حتى بات يشبه نظيره عند ابن الاثير، لأنه تعدّى التاريخ الحولي والحدث الواحد الى اخبار متعددة يكمل بعضها البعض الآخر بطريقة قد نقول عنها تعاقبية. فبعض الاخبار شكل سببا لما سيليه ونتيجة لما سبقه، وهذه طريقة فذّة تنم عن استيعاب تام للأحداث. ومن نماذجه: صراع الاخشيد مع ابن رائق، فالصلح بينهما، وادى مقتل ابن رائق الى هجوم الاخشيد على  بلاد الشام، ممّا ادخله بصراع مع سيف الدولة…[119] ونجد نموذجا واضحا جدا على هذا النسق التأريخي في ترجمة الخليفة الفاطمي المستنصر لأنها عبارة عن مجموعة احداث كل واحد تام بذاته، ومرتبط بالخليفة بطريقة ما، والحدث الاول يمهد لما سيليه، وكأن حدوثه شكّل نهاية لمرحلة قائمة، ونهايته تأسيسا لأخرى جديدة، وهكذا دواليك من دون غياب الشخصية المحورية عن الاحداث كلها، وان طغت عليها احيانا  وضمن فترة محدودة شخصيات ثانوية لعبت دورا مركزيا، بل محوريا كما في علاقة ابن حمدان بالمستنصر اذ صار محور الاحداث كلها الى ان قتله إلدكز. هذا النمط جعل الاخبار شديدة التماسك والوضوح: فقد اتخذ من ضعف المستنصر، ومن الصراعات بين فرق الجيش، ودور ابن حمدان، وإلدكز، وانقطاع الفيضان، اسبابا كافية للأزمة الاقتصادية التي عاشتها مصر. ويماثله دورا بدر الجمالي وابنه امير الجيوش المحوريين وارتباط الخليفة المستنصر بهما. ولا يقطع سياق هذه الاخبار المضطردة سوى ذكر اكثر من رواية للخبر الواحد احيانا، لأن هاجس الحقيقة كان ملازما لابن تغري بردي. ويخلص من هذا المنهج بطريقة غير مباشرة الى تحديد موقفه من الشخصيات معللاً ضعفها او قوتها؛ فهو، على سبيل المثال، يعتبر المستنصر خليفة ضعيفا غير جدير بالحكم[120]، وفي الوقت عينه اطلق عبره في ردّه على إلدكز حكمة سياسية، مبرهنا ان في التاريخ عبرا:« امّا ابن حمدان فما كان عدوّي، وانما كانت الشحنة بينك وبينه يا إلدكز، فهلكت الدنيا بينكما، واني ما اخترت ما فعلت من قتله، ولا رضيته، وستعلم غبّ الغدر، ونقض العهد.»[121]

    وعليه، تصبح الترجمة منهجا شديد التماسك تتقاطع فيه الاحداث احيانا سببيا، انما موقفه المؤيد لبعض الشخصيات كصلاح الدين الايوبي جعله ينهج خطة مغايرة في بعض وجوهها ابرازا للشخصية المذكورة والاشادة بها، حتى انه لا يبدي فيها رأيا شخصيا واضحا بل ضمنيا باحالة القارئ على اقوال مؤرخين آخرين كقوله:« ومن هنا نذكر اقوال المؤرخين في احوال صلاح الدين هذا وغزواته واموره، كل مؤرخ على حدته.»[122]

   ان تعدد الروايات احيانا للخبر الواحد يلفت الانتباه في منهج ابي المحاسن، واذا كنا نجد له عذرا فيما اورده عن صلاح الدين من آراء للاشادة به، وكذا الامر بالنسبة للسطان الظاهر بيبرس[123]، فاننا لا نبرر ادراجه عددا من الروايات هو مقتنع بانها مختلفة في ما بينها في بعض وجوهها من دون ان يجهد نفسه ليدمجها برواية متكاملة خالية من الشوائب، ممّا يذكرنا بمنهج الطبري وغيره من مؤرخي القرن الثالث وما قبل. انظر مثلاً موقف صلاح الدين من الفرنجة عام 567/ 1172:« وهذه الواقعة التي ذكرناها في اول هذه الترجمة، غير اننا نذكرها ايضا من قول ابن خلّكان لزيادات تأتي فيها[124].» وتكرر هذا الموقف اكثر من مرة: « قال ابن القادسي خلاف ما نقل ابو المظفّر وابن خلّكان وغيرهما قال:» ويورد الرواية من دون اي تعليق[125]، ومرة جديدة بتأريخه للعادل اخي صلاح الدين بشهادات حرفية لمؤرخين مشهود لهم كالذهبي، وابن خلّكان والموفق عبد اللطيف المعروف بان اللباد، فسبط ابن الجوزي[126].كما نجد المنهج عينه في ترجمة السلطان الكامل بن العادل[127].

ب- الخبر في العصر المملوكي: في العهد المملوكي تغيّر هذا النمط فصار ابو المحاسن يتابع الحدث منذ بداياته وحتى نهايته من دون تقطيع اوصاله باخبارٍ اعتراضية او رواياتٍ مكررة، بل صار يرويه بكلّيته ليكون تاماً لذاته من جهة، وسببا او نتيجة لخبر آخر من جهة ثانية. ممّا يجعلنا نعتقد ان المعلومات باتت متوفرة، وبالتالي الرؤية العامة الى الاحداث، على الاقل افقياً، باتت بدورها حاضرة في ذهنه. وصارت الاحداث طيعة بيده يوظفها بالاتجاه الذي يخدم رؤيته الى التاريخ وتطور الاحداث، شأن الصراع بين البحرية، الذين فروا من مصر على اثر مقتل زعيمهم اقطاي، مع السلطان علي بن ايبك وانهزامهم في مصر، وقتالهم للناصر يوسف الايوبي. وينبّه ابن تغري بردي القارئ الى انه سيقطع هذا الخبر ليتحدث عن اخذ التتار لبغداد لأهمية هذا الحدث قائلا:« نذكر اخذ هولاكو لبغداد ثم نعود الى امر المصريين.»[128] وتفسيرنا لهذا القطع للاحداث ان سقوط بغداد حدث جلل وغير مألوف من جهة، ومراعاة من ابي المحاسن لتعاقب الاحداث من جهة ثانية، لا بل تداخلها في الزمن الواحد عينه.

ويعتبر استيلاء التتار على بغداد نموذجا واضحا عن رؤيته لتكامل الخبر: فقد رسم صورة الوضع في العراق ودور الوزير ابن العلقمي « الرفضي » على حد تعبيره، فقد سهّل دخول التتار بسيطرته على الخليفة، وحجب المراسلات عنه، ومكاتبته التتار وحثّهم لأخذ العراق ليكون نائبهم فيه. ويكمل المشهد بتصويره الخليفة جاهلا وغافلا عماّ يجري. ثم انتقل الى مرحلة الغزو؛ حصار بغداد، فمحاولة الصلح التي قادها ابن العلقمي، وهي برأيه خيانة سهّلت دخول الغزاة الى بغداد والى مقتل اشرافها. وانهي الخبر بسقوط عاصمة الخلافة محصيا عدد القتلى، ومؤرخا مصير ابن العلقمي ليكتمل معه المشهد كله[129]. ثم عاد الى امر البحرية، وكأننا امام حدثين متقابلين ومتداخلين في الزمن الواحد كل واحد تام بذاته من جهة، واحدهما يؤثّر على الاخر، الامر الذي دفعه الى قطع سياق الاول عند نقطة مفصلية ليروي تفاصيل الثاني جاعلا منه نتيجة لتطور الحدث الاول ايجابا بالاتحاد بين الخصوم من المماليك لمواجهة المغول. 

   وهناك ناحية مهمة جدا في منهج ابي المحاسن تتمثّل بترتيبه الحوادث او تدرّجه فيها تبعا لمواضيعها وتواليها الزمني كما في ترجمة الظاهر بيبرس: فقد استهلها بشرائه، ثم انتقل الى تدرّجه بالمناصب، فكفاحه للوصول الى السلطة، ثم الجهد الذي بذله لتركيز الدولة، فحروبه الخارجية التي اسماها « فتوحاته »، واخيراً مرضه ووفاته[130]. وهو ترتيب قلّ نظيره عند معاصريه وسابقيه، ينمّ عن وعي تام للأحداث، ورؤية متكاملة للأخبار، لأن هذا المنهج تكرر في ترجمات معظم السلاطين ولاسيما من حظي منهم باحترامه وتقديره.

  وتبدّل منهجه تبدّلاً شبه جذري اعتبارا من اعتلاء الظاهر خشقدم العرش عام 866/1462 بالانتقال من التراجم الى التأريخ الحولي، ونلاحظ فيه ارباكاً؛ بحيث ما ان كان ينتهي من تأريخ الحوادث حوليا حتى يعود الى تكرار السنوات عينها وفقا لتواليها في عهد خشقدم تماشياً مع منهجه الاساسي؛ مستهلاً عهده بترجمة قصيرة تناولت اصله، وكيفية دخوله الى القاهرة، والمناصب التي شغلها، والمناقلات الادارية التي احدثها في بداية عهده، لينتقل بعد ذلك الى اخبار عهده على توالي السنوات بادئا حديثه:« ثم استهلت سنة ست وستين وثمانمائة» ذكر فيها الحوادث التي جرت فيها من دون ان يختمها بالوفيات[131]، واكمل تأريخ السنوات الاخرى بالطريقة عينها[132]. ثم عاد الى تأريخ عهد خشقدم مرة ثانية تبعا لتوالي سني حكمه كقوله:« السنة الاولى من سلطنة الظاهر خشقدم»[133]، منهيا اخبار كل سنة بابرز وفياتها[134]. ولست ادري ما الذي دفعه للوقوع في مثل هذا العيب المنهجي، ولماذا لم يظلّ وفيّاً لمنهجهه الاساسي ؟!!

    تمحّور تأريخ ابن تغري بردي على منهج التراجم المقتصرة مركزيا على السلاطين وحدهم، وبعد الانتهاء من ترجمة السلطان كان ينتقل الى التأريخ الشبه حولي مرتّباً سني حكمه الواحدة تلو الاخرى قائلا:« السنة الاولى من عهد فلان» ويقرنها بالتاريخ الهجري المناسب، متحدثا فيها بايجاز كلي عن بعض الاخبار التي لا تتعدى امورا ادارية كاستقرار فلان بالمركز كذا، او عزل علاّن من منصب كذا، او من اُنعم عليهم بامرة، او من عوقبوا ونوع العقوبة، وقد يوجز حادثة ما وكأنها مقدمة لخبر سيتناوله في مكانه المناسب كقوله:« على ما سنحكيه ان شاء الله في مقتل فلان او سجنه…» او كما في كلامه على وثوب الامراء على الامير اينبك البدري المستبد بامور السلطنة في عهد علي بن شعبان[135]، او في اخبار يلبغا الناصري:« ثم خرج يلبغا الناصري بعد مدة الى نيابة طرابلس ؛ ويلبغا الناصري هو صاحب الوقعة مع برقوق الآتي ذكرها في سلطنته.»[136] محاولا شد الاخبار بعضها الى البعض الآخر، محافظا على مركزية الشخصية الاساسية (السلطان) من خلال اخبار الشخصيات التي قد تبزّها احيانا، لكي يجعل القارئ على بيّنة من الاحداث. وقد يعرّف من خلال الشخصية المركزية او بعض الشخصيات المهمة المتممة لها، بشخصيات اخرى لم تقم بدور مهم:« وبيدمر هذا ايضا ممن ولي نيابة طرابلس في ايام يلبغا العمري.»[137]. وكان يورد الوفيات بشكل متوالٍ، مترجما للمهين بينهم.

  كان يستهل عهد السلطان الجديد بترجمة له موجزة جدا ذاكرا فيها اصحاب الوظائف الدينية الاساسية كالخليفة وقضاة القضاة، واصحاب الوظائف العسكرية على اختلاف رتبهم خصوصا نوابه في مصر وفي بلاد الشام، ثم شاغلي الوظائف الديوانية،[138] « ليأتي ذلك مقدمة لما سيحدث من تغيير في الوظائف وتقلبات الدول»[139]، ويشير الى المناقلات التي احدثها[140]. وعند موت احد السلاطين كان يذكر اجمالا من خلّف من الاولاد ذكورا واناثا، ومآل حال كل منهم، والبنات من تزوجّن، وتاريخ موت كل واحدة وسببه[141].

   ونجد عنده اخبارا متقطعة لا لحمة بينها، بل مستقلة تمام الاستقلال بذاتها على توالي الايام او الاسابيع احيانا، واحيانا اخرى على توالي الشهور، تبعا لمقتضى الظروف. وهي الى ذلك، اخبار منتقاة لا يجمع بينها اي قاسم مشترك على رغم ورودها متعاقبة كما في اخبار اعتلاء برقوق العرش للمرّة الثانية[142]. وتتقطّع عنده ايضا اواصر الخبر الواحد رغم استمرار احداثه فترة طويلة، من دون ان ندري لماذا لم يتابعه، كما عوّدنا، من بداياته حتى نهايته وان قطعه حينا بحدث جلل، بل نجد الخبر عينه قد مزقته اخبار عديدة لا لحمة بينها، وغير مرتبطة بالحدث الرئيسي باية صلة حينا، وحينا آخر ترتبط به هامشياً، كما في اخبار خروج منطاش ونعير بن حيّار في عهد برقوق[143]. وقد يستطرد قاطعا الخبر الرئيسي باخبار قد لا ترتبط به الا هامشياً كما في كلامه على اتهام ابن عرام بقتل الامير بركة الجوباتي منافس برقوق على السلطنة. وادرك انه اطال الكلام وقطع السياق العام للخبر الاساسي، فاعتذر عن هذا العيب قائلا:« وقد خرجنا عن المقصود واطلنا الكلام في قصة بركة وابن عرام على سبيل الاستطراد ولنرجع لما كنا فيه.»[144]

   لن نمعن بالاستطرادات العديدة في النجوم الزاهرة، انما سنكتفي فقط بنموذج آخر عنها وهو تبريره بل تأكيده بان السلطان قلاوون هو من استحدث وظيفة كتابة السر، فبعد ان سرد ادلته قال:« وقد استطردنا من ترجمة الملك المنصور الى غيرها، ولكن لا بأس بالتطويل في تحصيل الفوائد.»[145] ونجد اخبارا اخرى مقتضبة وكأنها خرجت من فراغ لأنه لم يذكر اسبابها ولا تطوّرها ولا نتائجها، مكتفيا بالقول:« وقع الخلف…بين المماليك الخاصكية وبين الامراء لامور يطول شرحها»[146] ويبقى السؤال لماذا تجاهل هذه الاحداث: اهو لنقص في المعلومات، او عدم اهتمام بها، لأنه درج على التعقيب على مثل هذه الامور قائلا:« سنأتي على ذكرها في حينه»، فاذا كان الامر كذلك، فهذا يعني انه فاضل بين الحوادث، وهو عيب تأريخي لا مبرر له.

  اتسم منهج ابي المحاسن بوصف المعارك بطريقة تنبض بالحياة تشعرك انك تشاهدها او  ان مؤرخنا شارك فيها، وتكمن اهمية هذا الوصف في متابعة الحدث من بداياته حتى نهاياته بما في ذلك نتائجه وتداعياته[147]. ولعل ما ذكره في حوادث سنة 802/1400 عن الصراع بين الاتابك ايتمش البجاسي والامير يشبك يشكل نموذجا واضحا عن وصف المعارك، بدأه باسباب الصراع، ثم تابع وقائع القتال بكل دقائقه: محدّداً انواع الفرق العسكرية عند كل منهما، وتحوّل المجريات العسكرية على الارض من هذا الجانب لصالح الفريق الاخر او العكس، واخطاء الاتابك، واستغلال الزعر للقتال لتحقيق مكاسب مادية مباشرة، ليخلص الى تداعياته على مصر وبلاد الشام على المستويات كلها[148]. ويمثّل وَصْف معركة حلب بين تيمور والحلبيين احد ابرز نماذج هذا التأريخ؛ فبعد ان ذكر خطة المعركة ( وهي سيئة جدا بنظره) انتقل الى تصوير القتال الجماعي والفردي، مسميا الابطال باسمائهم « وظهر من ازدمر وولده يشبك من الشجاعة والاقدام ما لعله يذكر الى يوم القيامة»، فموت العامة من نساء وصبيان تزاحما على ابواب المدينة نتجة لسوء الخطة العسكرية، ثم يستفيض بوصف اقتحام جحافل تيمور للمدينة، مبرزا تفاصيل دقيقة جدا تصوّر ما ارتكبه التتار من فظائع حددت مصير الحلبيين، والامراء والجنود المعتصمين بقلعة المدينة [149].

3- تعليل الحوادث : جهد الاّ يكون قاصّا بل مؤرخا موضوعيا يعلّل الحوادث. فبذل جهودا كبيرة للتثبت من صحة اخباره قبل القطع بصدقها وتدوينها. وتبدو موضوعيّته بانه لم يحاول تبرير بعض الاحداث التي اعتبر انها لا تتوافق مع اقتناعاته بعد ان اقتنع بصحة التدابير التي اتخذت بشأنها، او باظهار الاخطاء التي ارتكبت في بعضها الآخر معتمدا على التعليل منهجاً. كما في تفنيّده اسباب القبض على اتابك العسكر سنجر الحلبي:« وكان القبض عليه لأمور: احدها انه كان يطمع بالسلطنة بعد مقتل المعز ايبك …والثاني انه بلغهم انه ندم على ترك الملك…»[150] وسرد ابو المحاسن عددا من الادلة تثبت ان السلطان قلاوون هو الذي استحدث وظيفة كاتب السر قائلاً:« على ما نبيّنه من اقوال كثيرة.»[151] وعدد اسباب قبض السلطان الناصر محمد بن قلاوون على تنكز نائب الشام[152]. وعلل اسباب تهيؤ الحلبيين لقتال تيمور، وموقفه من سؤ تصرف اولي الامر في القاهرة[153]. كما اسباب انهيار حكم الناصر فرج بعد اعلان الخليفة المستعين سلطاناً[154]، وكذلك عدم تصديق مسيحيي مصر سقوط قبرس بيد المماليك.[155]

اكسب هذا المنهج اخباره صدقية واضحة، لأنه استقرائي في بعض وجوهه، واسبغ عليه صفة التأريخ ورفعه الى مصاف المؤرخين الكبار. وزاده قيمة علمية انتقاد ابن تغري بردي لحوادث ذكرها مؤرخون كبار كالمقريزي وابن حجر العسقلاني والبدر العيني وغيرهم، وهو نقد بناه، كما يزعم، على حقائق موضوعية بما ساق من ادلة اعتبرها دامغة، وان لم تكن جميعها كذلك. فقد غالط سبط ابن الجوزي قائلاً:” وهَمَ صاحب مرآة الزمان في قوله … والصواب ما قاله الذهبي، فانه وافق في ذلك جمهور المؤرخين.”[156] وخالف رأي العيني حول عمر السلطان محمد بن حاجي :” والاصح ما قلناه”[157]. ولم يقر ما ذهب اليه المقريزي حول رمي ألف مركب موسوقة بالحجارة لردم جانب من مسجد التوبة الذي جرفته المياه:” قاله الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله وهو حجة فيما ينقله. لكن اقول لعله وَهَمَ في هذا واراد ان يقول: وسَقْ ألف مركب بالحجارة فسبق قلمه بما ذكرناه.”[158] وناقش رأي المقريزي حول الاسم الاصلي لبرقوق لأنه اسماه الطنبغا، وابن خطيب الناصرية الذي اسماه سودون:« والقولان ليسا بشيء وان كان النقلة لهذا الخبر ثقات في انفسهم ضعفاء في الاتراك واسمائهم وما يتعلق بهم لا يرجع الى قولهم فيها، والاصح انه من يوم ولد اسمه برقوق كما سنبيّنه…» ثم ساق الادلة[159]. وناقش رأي المقريزي في الظاهر برقوق:« واشتهر في ايامه ثلاثة اشياء قبيحة: اتيان الذكران واشتهاره بتقريب المماليك الحسان، التظاهر بالبرطيل …وكساد الاسواق لشحّه وقلة عطائه، فمساوئه اضعاف حسناته». طبعا لم يقبل ابو المحاسن هذا التقريظ في حق سلطان مملوكي من قبل مؤرخ كبير كالمقريزي فرد عليه، وان كنا نجد في رده ضعفا وادلة غير وافية[160]. ولم يعجبه ايضا وصف المقريزي لأخلاق السلطان المؤيد شيخ ربما بسبب عصبيته للماليك اذ قال فيه المقريزي:« كان بخيلاً مسّيكاً شحيحاً يشح حتى بالأكل، لجوجا غضوبا نكدا، حسودا معيانا، يتظاهر بانواع المسكرات، فحّاشا سباباً، شديد المهابة…وهو من أكبر خراب مصر والشام لكثرة ما كان يثيره من الشرور والفتن ايام نيابته بطرابلس ودمشق. ثم ما افسده ايام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط اتباعه على الناس يسومونهم الذلة، ويأخذون ما يقدرون عليه بغير وازع من عقل ولا ناه من دين.»[161] فرد عليه ابن تغري بردي بالاعتماد على آراء مؤرخين آخرين لا يوافقون المقريزي :« وكان يمكنني الرد في جميع ما قاله بحق، غير انني لست مندوبا الى ذلك…والذي اعرفه انا من حاله انه كان سلطانا جليلا شجاعا مقداما عاقلا نقّادا…» ويسرد ما اخبره عنه بعض الامراء والاعيان والقضاة[162]، لكن قرائن مؤرخنا لم تتمكن من دحض ما اورده المقريزي.

    ويبدو انه تعمّد انتقاد المقريزي المؤرخ المشهور جدا، والذي يحتل منزلة رفيعة عند معاصريه وعند من اتى بعده، حتى وصل به الامر الى نعته« بالخباط » اي كلام من لا يعقل، وهذا اجحاف كبير بحق المقريزي، وان دلّ على شيء فعلى الحسد، وربما الكره، لأنه استغل كلام شيخ المؤرخين عن السلطان ططر ليسوق هذا الكلام[163]، اذ تعصّب لططر قائلاً:« لعل الصواب في حق الملك الظاهر ططر بخلاف ما قاله المقريزي…كان ططر ملكا عظيما جليلا عالي الهمّة…فكان حاله مع من يخالفه كالطبيب الحاذق الذي يلاطف عدة مرضى قد اختلف داؤهم…»[164] وهو كما نلاحظ كلام شاعري تنقصه الحقائق والبينات. ولم يسلم ابن حجر العسقلاني بدوره من نقد مؤرخنا فنعته بجاهل اللغة التركية لأنه اخطأ تفسير معنى برسباي[165].

   من الواضح ان الهنات التي شابت بعض منهح ابي المحاسن لا تبخسه حقه ابدا، فقد كان واسع المعرفة، متفقهاً بعلوم من سبقه، وقريبا من القرار السياسي في عصره، ومطلعا على اخبار ما كان بمقدور غيره الوصول اليها بيسر ربما بسبب اصله الجركسي ووظيفته العسكرية. ويُعتبر النجوم الزاهرة من ابرز المصادر السياسية والعسكرية للعصر المملوكي واكثرها افادة.   

 


[1] – ابن تغري بردي، (يوسف)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، دون تاريخ،14/118

[2] –  POPPER,W. EI2, Abu Almahasin, t1,p142

[3] – ابن الصيرفي ( علي بن داوود)، إنباء الهصر بابناء العصر، تحقيق حسن حبشي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970،ص 178-179

[4] Popper W, ABU AL-MAHASIN, EI2, t1, p. 142

[5]  – ابن الصيرفي، انباء، ص178-181 ، و السخاوي، ، ( محمد بن عبد الرحمن)، الضؤ اللامع لاهل القرن التاسع، دار الجيل، بيروت، 1992،  10/306

[6] –  نجوم، 14/237 و 15/123

[7] – انظر ما كتبه تلميذه المعروف بالمرجي في مقدمة النجوم الزاهرة 1/14-15، وايضا نجوم، 3/25، 222

[8]  – لمزيد من الاطلاع على الذين تثقف عليهم انظر: السخاوي، الضوء، 10/305

 ابن العماد الحنبلي( ابو الفلاح عبد الحي)، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، دار الكتب العلمية بيروت، د.ت. 7/318، وانظر ايضا ما كتبه المرجي في مقدمة النجوم الزاهرة، 1/14-16

[9]–  نجوم، 15/491

[10]   السخاوي، الضوء، ج10، ص 305

– السخاوي (شمس الدين محمد)، وجيز الكلام في الذيل على دول الاسلام، تحقيق بشار معروف وعصام الحرستاني، واحمد الخطيمي، مؤسسة الرسالة بيروت، 4 اجزاء، ج2، ص817

[11]  – ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، ج7، ص 317-318

[12]  – ابن تغري بردي، (جمال االدين يوسف)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، دون تاريخ، ج1، ص16

[13] –  العنان، مؤرخو مصر الاسلامية، ص118

[14]   – السخاوي، ضؤ، 10/308

– ابن اياس، (محمد بن احمد)، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984، ج3 ، ص45

[15]  – EI2, Popper , Ibn Taghri bardi , t1, p142

[16]  – انباء الهصر، ص 178

[17]  – مقدمة النجوم، المرجي، ص17 ، انباء الهصر، ص178

[18]  – ذكره المؤلف في النجوم، 6/195 و 9/260 ، المرجي، ص1/17 والضؤ اللامع، 10/307

[19] – Popper, op. cit142

[20]   – انباء الهصر، ص177-178

[21]  – نجوم، 5/222  و Popper, op. cit.p 142

[22] – نجوم، ج1، ص1-3

[23] – نجوم، 1/33

[24]  – نجوم، 1/46 – 50

[25]  – نجوم، 1/61- 95

[26]  – 3/1 – 21

[27]  – 3/49 – 65

[28]  – 3/139

[29]  –  انظر مثلا سنة 375 في 4/147، و377 في 4/150 و 388، في 4/199….

[30]  – نجوم، 5/174

[31] – العنان، مؤرخو مصر، ص122

[32]   – نجوم، 5/343

[33]  – نجوم، 6/8-13

[34]   – نفسه، 7/328

[35]   – نجوم 11/291

[36]  – المكان عينه

[37]  – نجوم، 12/107-108

[38]   – نجوم، 14/39

[39]  – نجوم، 14/256

[40]  – نجوم، 16/340-341

[41]  – نجوم، 14/42

[42]  – نجوم، 10/119، 123-124

[43]  – نجوم، 10/140

[44]  – نجوم، 16/370

[45]  – نجوم، 7/327-328

[46]  – نفسه، 7/328-329

[47]  – 15/50-51، 410-413

[48]  – نجوم، 16/102

[49]  – نفسه، 16/114، 130

[50]  – نجوم، 16/123، 143،

[51]  – نجوم، 15/53-54

[52]  – انظر منهج المقريزي في هذا الكتاب

[53]  – نجوم، 9/49

[54]  -لم يعرّف ابو المحاسن بهذه الضرائب نجوم، 11/263

[55]  – نجوم، 12/247-248

[56]  – نجوم، 15/41

[57]  – نجوم، 7/23

[58]  – نفسه، 10/278-282

[59]  – نجوم، 16/149

[60]  – نجوم، 16/129

[61]  – نفسه ، 14/17

[62]  – نجوم، 7/213

[63]  – نفسه 8/57

[64]  – نفسه 12/68

[65]  – نجوم، 14/39، 16/142

[66]  – نجوم، 16/103، 104

[67]  – نفسه 16/115-116

[68]  – نجوم، 12/189

[69]  – انظر منهج محمد بن طولون في هذا الكتاب ص، 344 وما بعد

[70]  – نجوم، 10/44-46، 11/286

[71]  – نجوم 12/191-192

[72] – نجوم، 15/397-400

[73]  – نجوم، 7/121

[74]  – نجوم، 7/121-136

[75]  – 7/137

[76]  – نجوم، 14/41

[77]  – نجوم، 9/63-72

[78]  – نجوم، 16/120- 123

[79]  –  نجوم، 12/87 وقد يكون اخذ ذلك عن المقريزي الذي ذكر الامر عينه في السلوك، ج1، ق1، ص59

[80]  – نجوم، 8/68

[81]  – نفسه، 10/195-209

[82]  نجوم،11/275

[83]  – نفسه، 14/337- 344 ، 16/146-147

[84]  – نجوم، 7/120

[85]  – نفسه، 11/239

[86]  – نجوم، 4/34-54

[87]  – نجوم، 14/81-83

[88]  – نجوم، 16/281-282

[89]  – نجوم، 16/281-282

 [90]  – نفسه، 8/133-135

[91]  – انظر منهج المقريزي في هذا الكتاب، ص 245 وما بعد

[92]  – نجوم، 14/302

[93]  – المصدر السابق، 14/283-284

[94]  – نجوم، 2/78،  3/63، 93….

[95]  – نجوم، 2/80،  5/7 ، 6/18…

[96]  – نفسه، 4/34…

[97]  – نجوم، 5/176

[98]  – نجوم، 4/70

[99]  – المصدر السابق، 2/282

[100]  – نجوم، 2/316

[101]  – نفسه، 3/60

[102]  نجوم، 3/236، 4/70

[103]  – المصدر السابق، 3/292، 302

[104]  – نفسه، 5/4،147…

[105]  – نجوم، ج5، ص7

[106]  – نفسه  5/339

[107]   5/34

[108]   ج6، ص9

[109]   6/373

[110]  – اعتمد عليه كثيرا : 8/156، 9/118، 11/224،255، 14/ 109، 207…

[111] – نجوم،  11/3، 182

[112] – نجوم، 12/33

[113]   – نفسه، 12/169

[114]  – نفسه، 14/110

[115]  – نجوم،  14/20 ، 111

[116]   – المصدر السابق، 14/111

[117]  – نفسه، 14/294

[118]  – نجوم، 3/144- 248

[119]   – 3/251- 256

[120] – نجوم، 5/17 – 20

[121]   نفسه، 5/22

[122]   نجوم، ج6، ص 7

[123]   المصدر السابق، 7/175 – 182

[124]  – نجوم، 6/15

[125]  – نفسه، 6/130

[126]  نجوم، 6/160 – 171

[127]  المصدر السابق، 6/ 227 – 244

[128]  – نجوم، 7/42

[129]   – نفسه، 7/ 47 – 50

[130]  – نجوم، 7/ 138 – 175

[131]  – نفسه، 16/ 264- 273

[132]  – نجوم، 16/274- 288

[133]  – نجوم، 16/ 310

[134]  – نجوم، 16/ 310، 315، 318…

[135]  المصدر السابق 11/157 – 158

[136]   نجوم، 11/163

[137] – نجوم، 11/181

[138]  -انظر مثلا ترجمة محمد بن برسباي :نجوم، 15/222- 226، والناصر فرج بن برقوق 12/169

[139]  – نجوم، 12/169

[140]  – انظر مثلا انعامات السلطان خشقدم على بعض الامراء بتقادم ألف حيث يعقب ابن تغري بردي على ذلك:” باستحقاق او غير استحقاق، كما هي عادة اوائل الدول، نجوم، 16/257

[141]  – انظر مثلا اولاد برقوق: نجوم، 12/106

[142]–  نجوم، 12/3-44

[143]  – نجوم، 12/10-11، 12، 13، 14، 18، 22، 23، 30، 31، 43-44

[144]  – المصدر السابق،  11/187

[145]   نجوم، 7/343

[146]  – نجوم، 7/265

[147]  – انظر مثلا: الصورة الكاملة والواضحة التي رسمها منذ اعتزال الناصر محمد للمرة الثانية لسياسة الامير سلار وموقفه من البرجية وبيبرس الجاشنكير، الى موقف الامراء في بلاد الشام، بحيث اورد تفاصيل لا نجدها لا عند المقريزي ولا عند العيني، حتى انه قصر ترجمة بيبرس= =الجاشنكير على هذا الصراع: نجوم، 8/222- 277، وانظر ايضا مقتل يلبغا العمري من حين تآمر مماليكه عليه وحتى وفاته: نجوم، 11/35-40 ، وايضا المعارك التي حصلت بين برقوق وبركة بما في ذلك عمليات الكر والفر، ودور العامة والمماليك السلطانية، نجوم، 11/174-179

[148]  – نجوم، 12/184- 189

[149]  – نفسه، 12/ 221- 225

[150]  – نجوم، 7/42

[151]  – المصدر السابق، 7/332 ثم سرد الادلة: ان الدوادار طلب من ابن عبد الظاهر ان يكتب كتابا الى اهل دمشق فاخطأ المضمون، وأكد رأيه بانه فيما مضى كان الوزراء وحدهم يتلقون الاوامر عن الملوك، واضاف:” وعندي دليل آخر وأقوى من جميع ما ذكرته، انه لم أقف على ترجمة رجل في الاسلام شرقا ولا غربانعت بكاتب السر قبل فتح الدين القاضي وفي هذا كفاية.” ثم يذكر الكتاب الذين ذكرهم القلقشندي وغيره، نجوم، 7/334- 159

[152]  رفض السلطان السماح له بالسفر الى قلعة جغبر، وقول تنكز: لو سمع مني السلطان لكنت اشرت عليه ان يستقيل ويقيم احد اولاده على العرش وأكون مدبرا له، بعث نائب بلاد الروم برسالة الى السلطان ولم يبعث بمثلها الى تنكز، شفع السلطان مرات عديدة بمماليك تنكز المسجونين بالكرك والشوبك من دون ان يستجيب تنكز، نجوم، 9/159

[153]  – نجوم، 12/221

[154]   نفسه، 13/147

[155]  – نجوم، 14/297

[156]  – نجوم، 5/173

[157]  – المصدر السابق، ج 11، ص 3 ويؤكد المقريزي ما ذهب اليه مؤرخنا

[158]  – نجوم، 9/118

[159]  – نفسه، 11/24- 26

[160] – نجوم، 11/224- 226

[161]  – المصدر السابق، 14/109- 110

[162]  – نجوم، 14/110- 111

[163]  – نجوم  14/198- 200

[164]  – نفسه 14/207

ابن تغري بردي ( 812-874/1409-1469)

اولاً: حياته ومؤلفاته

حياته: هو يوسف بن تغري بردي، ولقبه جمال الدين، وكنيته ابو المحاسن، ابصر النور في القاهرة المملوكية في اواخر عام 812/1409[1]، في حي الامراء المجاور لقلعة الجبل، فكان اصغر اخوته ذكورا واناثا. وكان والده تغري بردي احد امراء المائة في مصر، تقلب في عدد من وظائف ارباب السيوف الكبرى حتى بلغ اعلاها: اتابك العسكر اي قائد الجيش[2]. لذلك عرف ابن تغري بردي ب «الاتابكي». وشغل ايضا نيابة الشام وهو مركز يلي السلطان من حيث المقام والاهمية خصوصا بعد إلغاء منصب النائب الكافل على عهد الناصر محمد بن قلاوون. هذه الرتب العالية التي شغلها تغري بردي جعلت علية القوم يرومون مصاهرته، فتزوج السلطان الناصر فرج بن برقوق من احدى بناته، وتزوج الثانية قاضي القضاة الحنفي ناصر الدين بن العديم. ما يعني ان يوسف ولد في عائلة محترمة غنية قادرة على ان تؤمن له سبل التعليم. ولكن والده توفي عام 815/1412 وهو لم يكن قد تجاوز الثلاث سنوات فتولى تربيته صهره قاضي القضاة الحنفي الى ان مات. فتزوجت اخته ثانية من قاضي القضاة جلال البلقيني الشافعي الذي أكمل تربية يوسف. لم يكن ابن تغري بردي بحاجة الى المال لأنه كان من اجناد الحلقة، وتحديدا من اولاد الناس وهي رتبة عسكرية تعطى لأبناء السلاطين والامراء، ويحصل صاحبها على اقطاع لأنه يعتبر حكما من اجناد الحلقة، وبالتالي لم يتأثر بمصادرة السلطان الناصر فرج لثروة ابيه بعد وفاته؛ اولا لأنه عاش في كنف صهريه على التوالي، وثانيا لأن وظيفته أمنت له دخلا لا بأس به من اقطاع مشترك مع اخيه (قاسم) ثم صار له وحده بعد وفاة قاسم[3]. وامنت له رتبته العسكرية عددا من الغلمان يعملون في خدمته، فعاش حياة رغد ورفاه، ووضعا معيشيا مستقرا. ولم يتأثر بخلافات المماليك وصراعاتهم غير المنتهية، ان صلاته ومعرفته بالسلاطين والامراء[4] كانت تؤمن له ما يريد من مال او جاه[5].

   لقد جمع ابن تغري بردي بين ثقافات متعددة: دينية، وتاريخية وادبية؛ فعندما تعهده صهراه وهما قاضيان حفظ القرآن. وتفقه بالحديث بعد حضوره بعض حلقات علماء الحديث[6]، ودرس ايضا بعض اصول الفقه والتفسير[7]. وتثقف على عدد غير قليل من مشاهير عصره في مختلف العلوم اللغوية والتاريخية نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: بدر الدين العيني، وابن حجر العسقلاني، والمقريزي، وابن عرب شاه. كما اجازه عدد من المؤرخين مثل المقريزي، وابن حجر العسقلاني والعيني…[8] وقد مدح المقريزي كثيرا واعتبره احد اعظم المؤرخين وافتخر بتتلمذه عليه[9].

   اشتهر بالعديد من الصفاة الحسنة: رجاحة العقل، العفة والتواضع، ولطف المعشر، وجمال الهيئة، وشدة الحياء والهدؤ. حتى ان السخاوي، المعروف بسلاطة لسانه الذي انتقد كل مؤرخي عصره قال فيه « كان حسن العشرة، تام العقل… والسكون، لطيف المذاكرة …»[10]،  وهو بنظر ابن العماد الحنبلي احد ابرز مؤرخي عصره:« اجتهد في ذلك – اي في التأريخ- الى الغاية وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوره وصحة فهمه… وانتهت اليه رئاسة هذا الشأن في عصره.»[11] وهو بحسب تلميذه احمد بن الحسين التركماني الشهير بالمرجي كان بارعا بالفروسية على اختلاف فنونها، عفيف النفس، يأنف التردد الى اعيان الدولة، ويضيف:” يضرب به المثل في الحياء والسكون، ما سمعته شتم احدا من غلمانه، ولا من حاشيته، ولا تكبّر على احد من جلسائه قط، كبيرا كان ام صغيرا، جليلا كان ام حقيرا.”[12]

   ان كل ذلك يدفعنا للاعتقاد ان ابن تغري بردي وان برع بالفروسية، التي هي عمله الرسمي كونه من اجناد الحلقة، فانه تميّز بكثرة المطالعة، ومجالسة كبار علماء عصره في مختلف العلوم، وكان موسيقياً بارعا « في النغم والضرب والايقاع، بل كان من اشهر الفنانين في عصره » على حد تعبير العنان[13]. وقد تكون معاصرته لعدد وافر من السلاطين اربى على العشرة؛ بدءا بعهد الناصر فرج وانتهاء بعصر قايتباي، اضافة الى مشاهدته للعديد من الثورات المتنوعة ولا سيما ثورات امراء المائة ومقدمي الالوف، ناهيك بمعايشته للأوبئة التي ضربت مصر تكرارا، وقد اصيب هو نفسه باحدها. قد يكون كل ذلك أثّر في فهمه للحوادث واعطاها ابعادا انسانية عميقة الغور اظهرها ابو المحاسن في قوالب تأريخية متناولا مواضيع متنوعة ضمّنها مؤلفاته العديدة. واستمر شغفه بالتاريخ والتأريخ ومجالسة مشاهير العلماء، حتى وفاته يوم الثلاثاء الموافق الخامس من ذي الحجة 884 الموافق 5 حزيران1470 بعد ان قاوم مرض القولنج مدة سنة تقريبا[14].

2- مؤلفاته: ترك عدة مؤلفات جاء بعضها تتمة لعمل المقريزي، والبعض الآخر تراجم، وقسم ثالث كتيبات موجزة يمكن اذا جمعت ان تغطي تاريخ مصر السياسي والعسكري اضافة الى بعض النواحي الحضارية منذ الرسالة النبوية وحتى نهاية عهد قايتباي. وقد وقفها كلها على تربته الهائلة التي كان قد ابتناها بالقرب من تربة السلطان الاشرف اينال. وسنذكرها فيما يلي:

1 – مورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة: كتاب تحدث فيه عن الخلفاء والسلاطين فقط، بدأه بالرسول فالعصر الراشدي وصولا الى الخليفة العباسي القائم، ثم تحدث عن الخلفاء الفاطميين.

2 – منشأ اللطافة في ذكر من ولي الخلافة: يمكن اعتباره تاريخا مختصرا لمصر منذ اقدم العصور وحتى سنة 719 هجري

3 – حوادث الدهور في مدى الايام والشهور: وهو يشبه كتاب السخاوي التبر المسبوك في ذيل السلوك،  والكتابان ذيّلا على السلوك للمقريزي. ويبدأ كتاب حوادث الدهور بسنة 845/1441 وينتهي في 12محرم 874/ 16 تموز 1469 وقد أرخه حوليا متناولا عصر السلطان الظاهر جقمق. وقد يكون وضعه تيمنا باستاذه المقريزي وعرفانا بجميله عليه لأنه اسماه في مقدمة الكتاب:« شيخنا الامام الاستاذ، العلامة ، المتفنن، رأس المحدثين، وعمدة المؤرخين.»

4 – الامثال السائرة[15].

الانتصار للسان التتار، ويبدو انه شرح لمعاني اللغة التركية تبعا لابن الصيرفي[16]

5 – البشارة في تكملة الاشارة[17].

6 –  حلية الصفاة في الاسماء والصناعات[18].

7 – الدليل الشافي على المنهل الصافي، ويبدو انه مختصر لكتابه المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي. وهو منشور.

8 – نزهة الرائي في التاريخ[19]

9 – نزهة الالباب في اختلاف الاسماء والالقاب[20]

10 – كتاب الوزراء[21]

11 – وقديكون ابرزها النجوم الزاهرة موضوع هذه الدراسة.

   من الواضح تماما ان عناوين مؤلفاته تعطينا فكرة عن سعة افقه، وعن المادة التاريخية التي بذل عمره بجمعها وتدوينها، وهو مجهود بلا شك كبير جدا، دوّن وفق أكثر من منهج، ابرزها: التأريخ الحولي والتراجم، وسندرس منهجه انطلاقاً من محورين اساسيين: النظرة التاريخية، وطريقة المعالجة.

ثانيا: منهجه.

I- نظرته التاريخية في النجوم الزاهرة:

1 مفهومها العام: من الواضح تماما ان النظرة التاريخية تبنى على المواضيع وتشكل هدفية المؤرخ. وقد عبّر ابو المحاسن عن هذا الهدف بمقدمة النجوم الزاهرة قائلاً:« وهذا لعمري من اعظم الاحسان واسبغ النعم، لنعاين ممن تقدم آثارهم، ونشاهد منازلهم وديارهم…فنخبر بذلك من تأخر عصره من الاقوام…ليقتدي كل ملك يأتي بعدهم بجميل الخصال، ويتجنّب ما صدر منهم من اقتراح المظالم وقبيح الفعال؛ ولم اقل كمقالة الغير انني مستدعى الى ذلك من امير او سلطان، ولا مطالب به من الاصدقاء والاخوان؛ بل ألّفته لنفسي واينعته بباسقات غرسي…ثم اذكر ايضا في كل ترجمة ما احدث صاحبها في ايام ولايته من الامور، وما جدده من القواعد والوظائف…بل استطرد الى ذكر ما بني فيها من المباني الزاهرة[22]

   ان نظرته تحدد ان  في التاريخ عبرا لأنه جهد من خلال التاريخ لتحديد مسار الانسانية بحفظ مآثر الحكام الماضين وسيئاتهم، ممّا يعني تدوين كل احداث الماضي بجميع تفرعاتها السياسية والعسكرية والادارية والاقتصادية والحضارية. ونطرح سؤالا مركزيا هل فعلا تناول ابو المحاسن كل تلك الامور، ام انه آثر بعضها على البعض الآخر؟

   ان اقامة التوازن بين النواحي المدروسة عملية شاقة، وينتج ايثار المؤرخ لموضوع على آخر بتأثير من تربيته ومن محيطه الاجتماعي العام. ونعتقد ان مهنته العسكرية ساهمت في توجيه رؤيته الى التاريخ، فغلب عليها الطابعان العسكري والسياسي أكثر من النواحي الحضارية، التي قد لا نجد ذكرا لبعضها في النجوم الزاهرة. ونسأل: هل ذلك تأتى من تربيته العسكرية وبيئته المملوكية فقط، ام من ندرة المعلومات المتعلقة بالاهتمامات الاخرى وعلى رأسها النواحي الاقتصادية والعمرانية التي لم تتعد، غالبا، التسميات، او انه لم يجهد نفسه بالبحث عنها، ام انه وجد في تحديد مكامن الضعف في السياسة، ولا سيما التي مارسها سلاطين عصره، مدخلا للإصلاح العام في قابل الايام ؟

   قد نجد تبريرا لذلك بان الاصلاح السياسي، الذي ركّز عليه كثيرا، سيؤدي بنظره حتما الى الاصلاح الاقتصادي، من دون ان يقنعنا، لان اهماله دراسة الاوضاع الاقتصادية يشكل ثغرة مهمة في نظرته التاريخية كما سيتبدى في دراستنا النقدية لها من خلال ما تناولته من عناوين رئيسة، وما تضمنته هذه العناوين من حيث السعة والايجاز، ومقدار الاحاطة بالموضوع وتقاطعه مع المواضيع الاخرى. ولكن ابا المحاسن كان واضحا بتغليب السياسي والعسكري على ما عداه بقوله:« ليقتدي كل ملك…» ممّا يعني ان تأريخه مخصص بالدرجة الاولى للحكام ولاسيما السلاطين ليتعظوا من الماضي ولتصبح سياساتهم دروسا للخلف. وهذا ما سنلاحظه بتركيزه على انجازات السلاطين الاقوياء ومدحهم، وبتوجيه اللوم للسلاطين الضعفاء، وبانتقاده بعض الامراء لسؤ تصرفهم، والاشادة بالبعض الآخر لمقدرتهم السياسية والعسكرية. وهو يبزّ غيره من المؤرخين برسم خطط المعارك العسكرية لدرجة تكاد تشعر وكأنه مشارك فيها. ويضاف الى ذلك دراسته للجيش المملوكي واشادته به احيانا قليلة قياسا بمواقفه السلبية من سؤ تصرفات بعض فرقه ولا سيما الجلبان. هذا اضافة الى بعض النواحي الحضارية التي لم تنل حيزا مهما في تأريخه. وسنحاول دراسة نظرته التاريخية تبعا للمراحل التاريخية من جهة، وانطلاقا من المواضيع من جهة ثانية، لأن المواضيع شكلت نقاط محورية في تاريخه.

 2مصر في عصر الدويلات: في هذه المرحلة ركّز في تاريخه على مصر من دون غيرها، وكانت تتبدل نظرته اليها والى الحوادث تبعا لتعاقبت العهود السياسية، مع يقيننا انه اضاف اليها من ذاتية عصره لأنها كانت محور العالم الاسلامي، وطبّق هذا المفهوم على الفترات السابقة للعهد المملوكي حيث كانت مصر شبه مستقلة كما في العهدين الطولوني والاخشيدي، ممّا ادى الى خلل في التوازن التاريخي العام على مستوى المشرق العربي. والى استقلالها التام في العهدين الفاطمي والايوبي مع فارق في الرؤية الدينية اليها لصالح الايوبين.

   استهل مؤلفه بالكلام على مصر منذ الفتح العربي، مبرزا اهميتها من خلال ما ورد عنها في القرآن[23]، ثم تناول خراجها، وتسميتها، ومن دَخَلها من الصحابة[24]، فعهد عمرو بن العاص وصولا الى قيس بن عبادة، وولاية عمرو بن العاص الثانية[25]. ثم تحدث عن تاريخ مصر في العهدين الاموي والعباسي باختصار شديد بتراجم موجزة جدا للخلفاء ولا سيما العباسيين، ممّا لا يتيح لنا الوقوف على نظرته التاريخية خلال هذه الحقب. وازدادت نظرته وضوحا في العهدين الطولوني والاخشيدي حيث تتبدى لنا مصر وكأنها دولة مستقلة ويدور في فلكها مناطق اخرى في بلاد الشام وغيرها. ودليلنا على ايلائه مصر شأنا مختلفا، عّما كان سائدا في عهود الولاة، الترجمات المطولة التي خصّصها للطولونيين: احمد بن طولون[26]، ولا سيما ترجمة خمارويه الطويلة جدا التي ضمّنها نواحي حضارية وفنيّة وعسكرية[27]. والترجمتان فاقتا اضعاف اضعاف ما كتبه عن الخلفاء العباسيين الذين عاش الطولونيون في ظلّهم، وهو امر ملفت للانتباه. وان ما دوّنه عن بقية المناطق ليس الا استكمالا لأحداث مصرية او مقدمة لها. وتتضح عصبيته المصرية بمهاجمته لمحمد بن سليمان الكاتب بسبب سوء تصرّفه؛ اذ ترك العرب الخراسانية تقوم باعمال قبيحة لا يستأهلها الكفرة، وباستئصاله شأفة الطولونيين:« لم يدع من آل طولون احدا…ثم اخرج قوادهم الى بغداد على اقبح وجه…وحلّ بهم –الطولونيين- وقوادهم الذل بعد العز…وزالت الدولة الطولونية وكانت من غرر الدول، وايامهم من محاسن الايام.»[28]

3– موقفه من الفاطميين: لقد اختصر اخبار الفاطميين كثيرا، فاقتصرت معظم اخبار بعض السنوات على الوفيات مع ضمور لافت بترجمات الخلفاء[29]. ولم يعطِ الامامة الفاطمية مفهومها الحقيقي، حتى انه لم يعرّف بها، مكتفياً بالقول: ان الامامة انقطعت عند الآمر:” وانقطع النسل عند الامر واولاده. وهذا مذهب من شيعة المصريين فان الامامة عندهم من المستنصر الى نزار.” لأن اهلها قالوا:« لا يموت احد من اهل هذا البيت الا ويخلّف ولدا ذكرا، منصوصة عليه الامامة.»[30]. ومع هذا فقد افاض في بعض نواحي التاريخ الفاطمي: اصلهم، بلاط الخلفاء، ورسومهم، « واورد عن مقتل الحاكم بامر الله شذورا طويلة صيغت في شكل قصّة، وفيها يصف نفسية الحاكم ليلة مقتله…وكيف دبرت اخته ست الملك مقتله بمهارة.»[31] وبعد قضاء صلاح الدين على الفاطميين تبنى ابن تغري بردي كلام القاضي عبد الرحيم البيساني حول الخلافة والدين ودور المسلمين:« توالت الفتوح غربا ويمنا وشاما…واضحى الدين واحدا بعد ما كان اديانا، والخلافة اذا ذكّر بها اهل الخلاف لم يخرّوا عليها صمّاً وعمياناً، والبدعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلة في شيع الضلال شائعة…»[32] 

 وتزداد نظرته وضوحا كلما اقترب من العهد المملوكي، الذي سنوليه، ولا سيما في المرحلة التي عاصرها، اهتماماً أكثر من غيره، من دون ان  نهمل الفترات السابقة، بل سنتناولها من ضمن رؤيته للاطار العام للتاريخ الذي بناه على افضليات في مراحله.

4موقفه من السلاطين: قد يكون هذا الموقف احد المرتكزات الاساسية لتأليف النجوم الزاهرة، وقد نبع من عدة امور رئيسة: الجهاد ضد اعداء المسلمين، وحسن تدبير أمور الدولة من حيث العناية بالرعية، واحترام رجال الدين. فكان ابن تغري بردي مأخوذا ببعض السلاطين ممن توافرت فيهم هذه المعايير؛ ويحتل صلاح الدين الايوبي مركزا مرموقا على هذا المستوى، واذ لم يجد جديدا يضيفه على سيرته عمد الى تدوينها مصطفيا مآثره وابدع الصفات الحميدة التي قالها فيه مؤرخون مشهود لهم، من دون ان يبالي بقطع سياق الخبر؛ فاختار مقاطع، مما كتبه فيه سبط ابن الجوزي، والعماد الكاتب، وابن شداد، بليغة التعبير وعميقة الايضاح[33]. وكان شديد الاعجاب بالسلطان قلاوون لتأسيسه جيشا قوامه اثني عشر ألف جندي شديدي الانضباط، جاهد بهم الفرنج[34]. ووازن في عهد برقوق بين ثلاثة امور على الاقل: اولها الفساد الاداري والرشوة:« …كان محبا لجمع المال وحدث في ايامه تجاهر الناس بالبرطيل، فكان لا يكاد يولّى احدُ ولا عملُ الا بمال، وفسد بذلك كثير من الاحوال، وكان مولعا بتقديم الاسافل وحط ذوي البيوتات.»[35] وثانيها محبته وتقديره البالغ لأهل العلم وخصوصا رجال الدين:« اذا اتاه احدهم قام اليه، ولم يعرف احد قبله من الملوك الترك يقوم لفقيه.»[36] وثالثها مقدرته السياسية، اذ اعتبره مثالا يحتذى في هذا المضمار:« كان ملكا جليلا حازما شهما شجاعا مقداما صارما فطنا عارفا بالامور والوقائع والحروب…كان سيوسا عاقلا ثبتا، وعنده شهامة عظيمة ورأي جيد، وحدس صائب، وكان يتروّى في الشيئ المدة الطويلة حتى يفعله…»[37] وترتفع منزلة المؤيد شيخ عنده، على الرغم مساوئه العديدة بنظره، لتدخله لاعادة الاسعار الى مستواها الطبيعي:« ولعل الله سبحانه وتعالى ان يغفر للمؤيد ذنوبه بهذه الفعلة، فان ذلك هو المطلوب من الملوك، حسن النظر في احوال الرعية.»[38]

   ونعت السلطان برسباي بالجهل والقبح لسؤ تصرفه، وشرهه بجمع المال، وصبّ عليه جام غضبه لأنه ولّى احد الجهلة كتابة السر قائلا:« وعد ولاية هذا الجاهل لمثل هذه الوظيفة العظيمة من غلطات الاشرف وقبح جهله، فانه لو كان عند الملك الاشرف معرفة وفضيلة…»[39] ولا يختلف السلطان خشقدم عن برقوق وبرسباي من حيث الشره بالمال ممّا ادى، بنظره، الى انحطاط في الوظائف الادارية ولاسيما المالية منها. فسلّط لسانه على خشقدم  باسلوب ساخر جدا، لأنه ولّى شمس الدين البباوي نظر بيت المال ثم الوزارة طمعا بمصادرة امواله فقط:« وسمع الملك الظاهر خشقدم بسعة ماله- وكان من الخسة والطمع في محل كبير- فأحتال على اخذ ماله بان ولاّه نظر الدولة…ولبس البباوي العمامة والفرجيّة والخف والمهماز، وتزيّا بزي الكتاب، وترك زيّ المعاملين، فشقّ على الناس قاطبة، وعدّوا ذلك من قبائح الملك الظاهر خشقدم…لأن البباوي هذا مع انحطاط قدره وجهله ووضاعته وسفالة اصله…فانه كان اميّا لا ينطق بحرف من حروف الهجاء…وولاه الوزر…فلم نعلم باقبح حادثة وقعت في الديار المصرية قديما وحديثا من ولاية البباوي.»[40]

   ولعل نظرته هذه الى تصرف السلاطين المذكورين تنمّ ايضا عن تمييز اجتماعي، وقد يكون مرده الى تحدره من ” الطبقة ” العسكرية الحاكمة، التي ميّزت نفسها باستمرار عن ابناء البلاد، واستعلت عليهم، ولم تقرّب منها احد منهم الا من كانت تحتاجه لخدمتها ولا سيما المتعممين. ويعكس هذا الموقف الرؤية الاجتماعية التي كانت سائدة انذاك، ويؤيّد ما ذهبنا اليه رأي ابن تغري بردي في السلاطين:« كانت عادة ملوك السلف ان يقيموا من حطّه الدهر، وينتشلوا ذوي البيوتات من الرؤساء وارباب الكمالات. وقد ذهب ذلك كله وصار لا يترقى في الدول الا من يبذل المال، ولو كان من اوباش السوقة لشره الملوك في جمع الاموال.»[41]

   كان يأمل مؤرخنا توفّر الخصال الحميدة في السلاطين كالاخلاق الرفيعة والمقدرة السسياسية، وانتقد بشدة الذن كانوا يخالفون القواعد الخلقية وحط من قدرهم، ومن الامثلة على ذلك: السلطان شعبان الذي جمع بزواجه بين اختين، وعدد بسخرية اربعة سلاطين تعاقبوا على الزواج من المرأة نفسها كل بعد وفاة الآخر. وكنّ للسلطان شعبان احتقارا شديدا ليس فقط لتزويجه احدى سراريه من أحد الطواشية ونثره بيده الذهب عليها ابان جليها[42]، بل لأنه ايضا:« كان من اشر الملوك ظلما وعسفا وفسقا، وفي ايامه مع قصر مدته، خربت بلاد كثيرة لشغفه باللهو، وعكوفه على معاقرة الخمور، وسمْع الاغاني، وبيع الاقطاعات بالبذل…وكان سفّاكا للدماء…سيئ التدبير يمكّن النساء والطواشية من التصرف بالمملكة.»[43] ولم يتوان عن تقريظ السلطان يلباي:« ومع هذه المدة اليسيرة -من حكمه- كانت ايامه اشر الايام واقبحها، وفي ايامه زادت الاجلاب في الفساد، وضيقت السبل وعظم قطع الطرقات على المسافرين مصرا وشاما، وما برحت الفتنة في ايامه قائمة في الارياف قبليّها وبحريّها وتوقفت احوال الناس لاسيما الواردين من الاقطار، وزادت الاسعار في جميع المأكولات، وضاعت الحقوق، وظلم الناس بعضهم بعضا، وصار في ايامه كل مفعول جائز، وما ذاك الا لعدم معرفته، وسؤ سيرته، وضعفه عن تدبير الامور… وقلة عقله.»[44]

   وعلى هذا، تصبح السلطة بنظره مزيجا من الحكمة والدراية والاخلاق الحميدة، كما بحسن السهر على الرعية،  وبتقدير واحترام رجال العلم والدين. لأن السلطان رأس القمة الادارية ويقتدي الناس به، وستبقى سيرته خالدة، ودرسا لمن سيخلفه مدى الزمن. ولا تكتمل هذه الصورة الا بضبط الجيش، الذي من واجبه السهر على المواطنين، وليس بالتعرض لحقوقهم واغتصابها، وبالتعدي على الاعراض والممتلكات، وبالتالي فان وظيفة الجيش طمأنة الاهلين وليس اخافتهم.

5– موقفه من الجيش المملوكي: صبّ جام غضبه على الجيش المملوكي وتحديدا على فئة الجلبان الذين استقدموا كباراً في السن، ولم يتهذبوا في الطباق دينيا واخلاقيا واداريا، ولم يتدرّبوا فيه على الفنون القتالية، فصاروا عبئا على السلاطين والناس معا.

   كان تقديره ملحوظا للسلطان قلاوون الذي اقتنى ما يزيد على اثني عشر ألف من المماليك السلطانية وسهر على تربيتهم، حتى بات الواحد منهم لا يجرؤ على نهر غلامه او خادمه، او الاقدام على فاحشة خوفا منه، او الزواج الا باذنه، ليس هذا فحسب، انما كان يختار لهم السلطان زوجاتهم من جواريه[45]. وقارن بين ما كان عليه وضع مماليك قلاوون بما آل اليه وضع الجلبان في عصره قائلا:« لو لم يكن من محاسنه الا تربية مماليكه وكف شرهم عن الناس لكفاه ذلك عند الله تعالى، فانه كان بهم منفعة للمسلمين، ومضرة للمشركين، وقيامهم بالغزوات معروف، وشرهم مكفوف؛ بخلاف زماننا هذا، فانه مع قلّتهم وضعف بنيتهم وعدم شجاعتهم، شرهم في الرعية معروف، ونفعهم في الناس مكفوف؛ هذا مع عدم التجاريد والتقاء الخوارج وقلة الغزوات، فانه لم يقع في هذا القرن، وهو القرن التاسع، لقاء خارجي غير وقعة تيمور، وافتضحوا منه غاية الفضيحة…وان تكلم – واحدهم- تكلم بنَفَس؛ ليس لهم صنعة الا نهب البضاعة، يتقوون على الضعيف، ويشرهون في الرغيف، جهادهم الاخراق بالرئيس…»[46]

   وهاجم الجيش المملوكي بعنف خصوصا المماليك السلطانية المعروفين بالجلبان لأن القحة بلغت بهم نهب البيوت بما فيها بيوت الوزير ونظّار الجيش والاستادار. وكانوا ايضا يهاجمون البيوت ويتعدون على النساء في الطرقات والحمامات، ولم يتورعوا عن احراق بيوت غرمائهم[47]. ولم يعمد السلاطين الى الاقتصاص منهم بل ساندوهم اتقاء لشرهم. وزاد في الطين بلّة املاؤهم الشروط على السلاطين، وتعدياتهم المتكررة على الامراء طمعا بان يشفعوا بهم عند السلاطين لتحقيق مطالب غير محقّة او احراجا لهم. وكانوا يستمرون بممارساتهم الشنيعة الى ان تستجاب طلباتهم. وكان كل ذلك متأتيا، على حد تعبير ابي المحاسن من ايثار السلاطين لهم:«وحبك للمرء يعمي ويصم.»[48] وازداد خطر الجلبان وما عاد ممكنا الحد من تسلطهم وعسفهم، وحلوا مكان القضاة احيانا، ولعل تعبير ابن تغري بردي ابلغ دليل على السؤ الذي حاق بالبلاد جراءهم:« في هذه السنة 862 قد انحل امر حكام الديار المصرية ارباب الشرع الشريف والسياسة ايضا لعظم شوكة المماليك الاجلاب، وصار من له حق من الناس قصد مملوكا من المماليك الاجلاب في تخليص حقه…فيرسل خلف ذلك الرجل المطلوب ويأمره باعطاء حق ذلك المدعي حقا كان ام باطلا بعد ان يهدده بالضرب والنكال، فان اجاب والا ضرب في الحال ونكل به…فصار كل احد يستعين بهم في قضاء حوائجه وترك الناس الحكام…وتلاشى امرهم الى الغاية.»[49] ودفعهم تراخي السلطة الى مزيد من التعديات فصاروا ينهبون الناس في وضح النهار، ويفرضون الخوات على اصحاب الدكاكين، ويلزمون الضعفاء من اجناد الحلقة واولاد الناس بالتنازل عن اقطاعاتهم.[50]

   واحجم الناس عن تولي الوزارة لأن السلاطين كانوا يعمدون الى مصادرة الوزراء، حتى صارت هذه الوظيفة تفرض فرضا على الاشخاص فيشغلونها رغما عنهم. وصار الوزير يخشى ثلاثة امور: القتل، والتعرض للمصادرة، والخوف من الجلبان لأن الوزراء صاروا هدفا لهم، ومن كان يمتنع عن تولي الوزرة كان السلطان يأمر بضربه حتى ينصاع[51]

6– موقفه من الضرائب: لم يتوسع كثيرا في مشكلة الضرائب، بل اطلّ عليها احيانا بخفر ولا سيما في اواخر ايامه، وهي لم تتعد عموما الضرائب التي فرضت استثنائيا على الفلاحين لاسباب متنوعة خصوصا من اجل اعداد الحملات العسكرية، على عكس المقريزي الذي لم يغفل عن معظم الضرائب وتطرّق الى مساوئها كلما وجد الى ذلك سبيلاً[52]. ولم يأت ابن تغري بردي على ذكرها قبل عهد الناصر محمد بن قلاوون حيث تحدّث عن ابطال هذا السلطان العديد منها في روكه المعروف بالناصري عام 715/1315 واعتبر تصرفه هذا :« دليل على حسن اعتقاده، وعزيز عقله، وجودة تدبيره وتصرفه، حيث ابطل هذه الجهات القبيحة…وعوّضها من جهات لا يظلم فيها الرجل الواحد…»[53]

   ومن العسير التعرف الى معظم انواع الضرائب المملوكية في النجوم الزاهرة لأن ابا المحاسن لم يذكرها مفّصلة على طريقة المقريزي، بل تناول بعضها في مناسبات محددة: تقرّب السلاطين من الشعب كما فعل برقوق سنة 784/1383 حين ثار عليه الاميران يلبغا ومنطاش:« ثم أخذ السلطان بعد خروج العسكر في استجلاب خواطر الناس، وابطل الرمايات والسلف على البرسيم والشعير، وابطل قياس القصب والقلقاس.»[54] او من اجل اعداد الحملات العسكرية شأن الاستعداد لمحاربة تيمور كما في هذا النص الرائع الذي قد لا نجد مثيلا له في المصادر الاخرى من حيث تفصيل الضرائب على الزراعة وقيمة متحصلها عن كل صنف، ومقارنة قيمة كل ضريبة بالمعدل العام:« فرض على سائر اراضي مصر فرائض من اقطاعات الامراء، وبلاد السلطان، واخباز الاجناد، وبلاد الاوقاف عن عبرة كل ألف دينار خمسمائة درهم وفرس …ومن املاك القاهرة ومصر اجرة شهر حتى انه كان يقوّم على الانسان داره التي يسكنها، ويؤخذ منه اجرتها، واخذ من الرزق…وهي الاراضي التي يأخذ مغلّها قوم على سبيل البر والصدقة عن كل فدّان عشرة دراهم، وكان يوم ذاك اجرة الفدّان من ثلاثين درهما الى ما دونها…ومن الفدّان القصب او القلقاس او النيلة من القنطار مائة درهم، وهي نحو اربعة دنانير، وجبى من البساتين عن كل فدّان مائة درهم. ثم استدعى امناء الحكم والتجار وطلب منهم المال على سبيل القرض، وصار يكبس الفنادق والحواصل في الليل فمن وجده حاضراً فتح مخزنه واخذ نصف ما يجده فيه من النقد، وهي الذهب والفضة والفلوس، وأخذ جميع ما وجد من حواصل الاوقاف…»[55] وكأني به في اواخر حياته بدأ يتنبه الى دور العامل الاقتصادي في منعة الدولة وبانحلالها، وان لا بديل من الاهتمام بالزراعة من اجل الرخاء الاقتصادي في الدولة، لأننا لانجد في النجوم الزاهرة سوى لمحات عنه في حديثه عن الدولة التركية، وبعض التركيز الجزئي الذي جاءت دلالاته شديدة الوقع في الفترة التي عاصرها ابو المحاسن. فقد اورد نصا عبّر فيه عن التدمير الاجتماعي والاقتصادي الذي حاق بالقرى المصرية حين فرض السلطان برسباي ضرائب استثنائية على الفلاحين، مقارنا بين وضعها في ايامه وما كانت عليه في العهد الفاطمي مستعينا باخبار المسبحي:« فكان يؤخذ من كل قرية خمسة آلاف درهم فلوسا عن ثمن الفرس المقرر عليها، ويؤخذ من بعض النواحي عشرة آلاف عن ثمن فرسين…فنزل بسبب ذلك على فلاحي القرى بلاء الله المنزل، واحصى كتاب ديوان الجيش قرى ارض مصر العامرة…فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية، وقد ذكر المسبحي في تاريخه: انها كانت في القرن الرابع: عشرة آلاف قرية عامرة…»[56]وعزا ذلك الى فداحة الضرائب غير المشروعة التي فرضت على الفلاحين تلبية لمصاريف الجيش عموما والجلبان خصوصا، كما الى تداعيات كثرة الفتن، وتهاون السلاطين باخمادها تقربا من الجلبان، ولحاجتهم الدائمة الى المال.

   ولا يكتمل هذا الموضوع الا بالحديث عن المصادرات لأنها طريقة تعسفية لاستخلاص الضرائب غير الشرعية من الناس، كما بالتطرق الى موضوع الغلاء. ولم يتوسّع ابو المحاسن بالامرين، بل تطرق اليهما لماما لابراز فظاعة حدث ما، ممّا يعني ان نظرته الى التاريخ تمحورت بشكل اساسي على العاملين السياسي والعسكري، واتمها احيانا بمواضيع اخرى لا ندري ان كان قد خطط للتطرق اليها، او ان الاوضاع المتردية التي عاصرها فرضتها عليه. اذ نلاحظ ان اخباره عن المصادرات والغلاء لم تكن متوازنة: فاحيانا نادرة اعطي بعض التفاصيل واحجم عنها في معظم الاحيان، او انه مرّ عليهاهامشياً. وقد اشار الى ان استقى غالبية  معلوماته الاقتصادية من المقريزي الذي اعتنى بالوضع الاقتصادي وربط انحطاطه بما آل اليه الوضعان العسكري والسياسي. ففي كلام ابن تغري بردي عن المصادرات قال: انه في عام 649/1252 تمت مصادرة اموال الاوقاف والايتام على نية القرض من دون اي تفصيل[57]. وحصلت بعض المصادرات بمبادرة من بعض امراء المائة كما فعل الامير صرغتمش عام 752/ 1352 حين صادر اموال الوزير ابن الزنبور بعد ان قبض عليه وسجنه في موضع مظلم، كما قبض على كتابه ومماليكه وصادر كل ما وجد عنده من مال وثياب وتحف، بعد ان تمّ تعذيب نسائه واولاده، واقرّ السلطان تلك الاعمال الشاذ.[58]

    ويندرج في هذا الاطار المصادرات للصالح العام ان جاز التعبير، باغتصاب حقوق الناس واموالهم تحت ستار الجهاد مثلاً؛ فقد نزل بالناس مصائب كبيرة كان بطلها الامير سنقر الزردكاش تحت عنوان بناء مراكب من اجل جهاد الفرنجة:« من قطع اشجار الناس عسفاً… وزاد ظلمه حتى جاوز الحد…واخذ المال من الناس مع الذل والهوان والصَغار…»[59]

    اما المعلومات الاخرى عن المصادرات فهي لا تعدو الذكر كما حصل في عهد السلطان اينال:« صودر ناظر الجيش واخذ منه جمَلُ من المال بعد استحقاق.»[60] لأنه لم يحاول الحصول عليها من منابعها ربما لقلة اهتمامه بالموضوع، بل اعتمد في اكثرها على مقتطفات اخذها حرفيا عن المقريزي.[61]

   واستكمالا للرؤية الاقتصادية تناول موضوع الغلاء، ولا ندري لماذا كان يحجم عن ذكر اسبابه، فقد تحدث عنه وكأنه من المعارف العامة، وهذه ثغرة مهمة في رؤيته للتاريخ. فذكر مثلاً في سنة 622/ 1226 كان غلاء بمصر فقط[62]، وحدث غلاء سنة 694/1295 من دون تحديد الاسباب، علما انه قارن بين اسعار بعض السلع عمّا كانت عليه وكيف اضححت[63]. وفي مكان آخر قال: ان السلطان برقوق رسم بنقل المماليك من الخليل الى غزّة لغلاء بالاسعار من دون تحديد السبب او ذكر سعر اي سلعة[64]. وتحدث احيانا عن الغلاء الناتج عن انتشار الطاعون[65].

    على الرغم من ان دولة المماليك اتسمت بغش النقود فلم يهتم ابو المحاسن بهذا الموضوع، وقلّما تطرّق اليه. ولا نعرف لماذا اورد بعض التفاصيل عنه في حوادث 861/1457 حيث قال: نودي بالقاهرة بالا يتعامل احد بالنقود الفضية ( الدراهم ) المضروبة بدمشق، ما انزل خسائر كبرى بالناس لكثرة ما كانوا قد تعاملوا بها، وصاروا يتندرون بالسلطان « السلطان من عكسه ابطل نفسه »[66] واستمر الامر على هذا النحو حتى السنة التالية حين اصلح السلطان امر الفلوس بعد ان خسر الناس ثلث اموالهم[67].

    ويبدو جليا ان تعاطي ابو المحاسن مع الموضوع الاقتصادي جاء متفاوتا، بل انتقائياً، مميّزاً بين مقوماته ومرجّحا بعضها على البعض الآخر، ممّا جعل رؤيته للاقتصاد المملوكي غير متوازنة ومرتبكة، ولا تتلاءم مع سعة اطلاعه ووعيه الكبير للشأنين السياسي والعسكري.

7– المجتمع في النجوم الزاهرة:

أالعامة: اذا استثنينا المقريزي قلّما نجد مؤرخا في العصور الوسطى اعطى المجتمع اهمية تذكر لأن المؤرخين استمروا يولون الخاصة شأنا كبيرا على حساب العامة. فعلى الرغم من الضجيج الكبير الذي احدثه الزعر في مجتمع دولة المماك الجراكسة، وتأسيسهم مجتمعا خاصا بهم تمتّع بكامل المقومات، فان مؤرخنا، الذي عاصر قسما من هذه المرحلة، ذكرهم بحادثة يتيمة على عهد الناصر فرج لا تجاوز الاسطر القليلة بيّن فيها استغلالهم الفتن والمعارك حتى ينهبوا ليس فقط بيوت المهزومين انما ايضا المدارس والجوامع، ويكسروا السجون ويخرجوا من فيها من المساجين[68]. ولا نستطيع من خلال النجوم الزاهرة التمييز بين العامة والزعر الا بصعوبة، لأن ممارسات الفريقين بدت متشابهة على رغم الفوارق بينهما بالعادات واسلوب الحياة، والعلاقة بالسلطة، ناهيك بالتراتب الاجتماعي الذي حل الزعر في اسفله[69]، ولا يمكننا اعتبار اهماله هذا الموضوع جهلاً به لان استاذه المقريزي تناول هرمية المجتمع المملوكي وتحدث عن الزعر.

   ان كتاباته عن العامة لا تنمّ عن تدوين تاريخ اجتماعي، انما هي استكمالا للحوادث العسكرية التي كانت تنتهي بهزيمة احد الاطراف، فيبيح المنتصر للعامة نهب بيوت المهزوم او المهزومين. وكانت تتعدى اعمالهم نهب ما سُمح به لتطال اماكن العبادة، والمنازل خصوصا الواقعة خارج القاهرة، فكانوا يفرغونها من محتوياتها ويسرقون ابوابها واخشابها ويسلبون الرجال والنساء ثيابهم [70].

   ان العامة بتركيبها الاجتماعي ووظائفها لا وجود لها في النجوم الزاهرة، فلم ترد الا في بعض الاخبار المرتبطة باركان السلطة، نسيشف منها انها كانت تؤيّد من ترى ممارساته شرعية ومنصفة: فقد قاتل العامة سنة 802/1400 نائب الغيبة بطرابلس لرفضه قبول الملطفات القادمة مع الامراء من مصر لأهل طرابلس وانتصروا عليه. وبعد فراره الى دمشق عاد بعسكر كثيف وانتصر على اهل طرابلس، وصادر اموالهم، وفعل بهم ما لا يفعله الكفرة على حد تعبير ابي المحاسن، وقتل نحوا من عشرين رجلا من اعيان المدينة، ونحو ألف من العامة، وسبى الناس والحريم[71]. واضح ان العامة لم  تتصدر الخبر في هذه الحادثة المذكورة، بل جاء الكلام عليها من ضمن الصراع بين نائب الغيبة واعيان المدينة اظهاراً لظلم الحكام وفظاعة الحدث، حتى اننا لا ندري، من خلال الحادثة، لماذا ارسلت الملطفات، وما كانت تحوي ؟

    وتناولها ابو المحاسن في موقع آخر من المنظار السابق عينه مع تبديل بالشخصيات والمواقف، اذ هاجمت العامة مع بعض المماليك السلطانية عام 853/1450 محتسب القاهرة ولاحقوه من بيت الى آخر، واينما حلّ صار البيت هدفا للنهب، حتى عروه من ثيابه وعمامته. والادهى من ذلك ان مؤرخنا لم يذكر سبب الحادثة سوى قوله :« وهم معذورون …لأنه بالامس كان في الهموت من الفقر والذل والافلاس، وصار اليوم في الاوج من الرئاسة والمال…وصار عنده شمم وتكّبر »[72] غني عن البيان ان المحتسب هو المقصود بهذه الحادثة لأنه لم يكن اهلا لهذه الوظيفة. وكان لابن تغري بردي موقفه من منزلة الموظفين، فيجب ان يكونوا كريمي المحتد، مثقفين، في حين ان المحتسب المذكور كان جاهلا نال جزاءه لأنه تولى وظيفة لم يكن اهلا لها. وبالتالي جاءت اخبار العامة من ضمن الصراع بين المحتسب والمماليك السلطانية استكمالا للمشهد الصراعي حول مشروعية تولّي منصب.

بالقضاء: ان القضاة ركيزة مهمة في المجتمع الاسلامي، ومنزلتهم رفيعة جدا، ودورهم شديد الاهمية، ومع ذلك لا يحتلون سوى حيّز هامشي جدا في النجوم الزاهرة كقول ابي المحاسن: في سنة 658/1260 عيّن الظاهر بيبرس لكل مذهب قاضيا مستقلا، فصار قضاة القضاة اربعة[73]. كما وضع ثبتا بقضاة كل مذهب من المذاهب السنية الاربعة منذ سنة 658 وحتى تاريخ اعداد النجوم الزاهرة.[74]، ويضيف ان بيبرس رتّب في دمشق اربعة قضاة قضاة ايضا[75]. ثم تغيب اخبار القضاة الى ان يذكرهم مرة يتيمة بعد ذلك حين تمّ عزل القضاة الاربعة بمصر لأنهم، على حد تعبيره، اساءوا الحكم فحلّ مكانهم نوابهم معلقاً علىالحادثة:« هذا والناس في غاية السرور بما حصل، من منع القضاة من الحكم بين الناس »[76]

جالحرائق: على رغم كثرة الحرائق التي انتشرت في العهد المملوكي، التي اشار الى العديد منها المقريزي وغيره، فان ابا المحاسن اهملها اهمالاً شبه تام؛ فلم يذكر الا الكارثي منها كحريق القاهرة عام 710/1312 حيث جهد السلطان والامراء لاطفائه، مصوّراً  بعض العادات الاجتماعية المتبعة باطفاء الحرائق والاستبسال لا بل الاستماتة في سبيله، كما باجتماع الناس في الجوامع يصلّون ويتضرعون لكي يساعدهم الله بالسيطرة عليها.[77] وتغيب الحرائق الكارثية عن القاهرة حتى 862/1458تاريخ حريق بولاق او ان مؤرخنا غيّبها، وجاءت اخبار هذا الحريق الكارثي، «الذي لم يسمع بمثله في سالف العصور» الذي اتى على غالب املاك بولاق، وعجز الامراء والحكام عن اخماده، اظهارا لفظاعته ومهاجمة للسلطة «المتخاذلة » لعجزها عن حماية مواطنيها، والتعويض عليهم:« وقد افتقر من هذا الحريق خلايق كثيرة، وعلى الله العوض.» وليضعه ايضا ضمنا على ذمة المماليك الجلبان اذ اتهمهم بافتعال كل الحرائق، التي كانت تحصل في القاهرة بعد ذلك التاريخ، ابتغاء لنهب بيوت الناس.[78]

دالاوبئة: يُرجع بعضَ اسبابها الى مستوى فيضان النيل، مغتنماً الفرصة ليتحدث عن كيفية قياس مياه الفيضان: والمقياس ليس الا عمود من الرخام مثمّن الاضلاع في موقع ينحصر فيه الماء عند انسيابه اليه، ومفصّل على اثنين وعشرين ذراعا، كل ذراع مقسّماً الى اربعة وعشرين قسما متساويا تعرف بالاصابع، ما عدا الاثني عشر اصبعا الاولى فانها مفصّلة على ثمانية وعشرين اصبعا لكل ذراع[79]. فقد مات عام 794/1392 عدد كبير من الناس « لان النيل بلغ ست عشرة ذراعا ثم هبط من ليلته فشرّقت البلاد واعقبه غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة.»[80] وتحدّث عن الطاعون الاسود الذي ضرب العالم سنة748/1348 فافنى عددا كبيار من الناس معظمهم فلاحون، ووصف طرق معالجته.[81] ويتكرر كلامه على الطواعين؛ فاوجز طاعون 784/1383 قائلا: « هذا والموت بالطاعون عمّال بالديار المصرية في كل يوم يموت عدة كبيرة[82].» من دون ان يضيف اي تفاصيل اخرى. وتوسع بالحديث عن الطواعين الاخرى ولا سيما وباء 833/1430 حيث نودي بالقاهرة الصيام ثلاثة ايام تقرّبا الى الله، وفصّل اضطراده، وازدياد الوفيات حتى ان بيوتا كثيرة خلت من سكانها، وتعطلت الاسواق، وازداد طلب الناس على الاكفان. ويماثله طاعون 864/ 1460 حيث كان يموت جرّاءه ستون شخصا يوميا في القاهرة[83]هالعمران: اشار الى انجازات بنائية من دون اي تفصيل: شرع السلطان بيبرس ببناء المدرسة الظاهرية[84]، وبنى برقوق مدرسته بين القصرين[85]، مسقطا الفنون البنائية تماما. وفصّل فقط بناء القاهرة وخططها[86] الذي قد يكون اخذه اما عن الاوحدي، اوعن المقريزي.

 و- موقفه من غير المسلمين: يتراءى لنا من خلال النجوم الزاهرة لن ابن تغري بردي اتخذ مواقف متشددة من المسيحيين، لأنهم برأيه اهل كفر، ويجب الا يستخدموا في الدواوين الرسمية، ولا عند الامراء. فقد اعتبر أن منزلة اي مسيحي مهما علت يجب الاّ تضاهي مستوى اي مسلم، متخذا من الانتماء الديني وحده معياراً للكفاءة. فاذا شغل مسيحي مركزا في احد الدواوين، ودائما حسب رأيه، صار شأنه ارفع من منزلة المسلمين الذين يترددون عليه من اجل اتمام معاملاتهم، وقد يرجونه ويتوددون اليه، وهذا سلوك مرفوض عنده لأنه يحقّر المسلمين ويحط من قدرهم، وقد عبّر عن ذلك بالمواقف التالية:« دعا –السلطان- البطريرك واوقف على قدميه ووبّخ وقرّع، وانكر عليه السلطان ما بالمسلمين من الذل بلاد الحبشة تحت حكم الحطّى متملكها …ثم طلب السلطان الاكرم فضائل النصراني كاتب الوزير فضربه بالمقارع، وشهّره بالقاهرة عريانا بين يدي المحتسب وهو ينادي عليه: هذا جزاء من يباشر من النصارى في ديوان السلطان…قلت ولعل الله ان يسامح الملك المؤيد بهذه الفعلة عن جميع ذنوبه، فانها من اعظم الامور في نصرة الاسلام…يكون المؤيد على هذا الحكم فتح مصر فتحا ثانيا، واعلى كلمة الاسلام، واخذل كلمة الكفر، ولا شيئ عند الله افضل من ذلك.»[87]

   وتتكرر مواقف ابن تغري بردي المعادية للمسيحيين ليس فقط بسبب استخدامهم في الدواوين الرسمية كما في قوله في حوادث 868/1464:« نودي بشوارع القاهرة ان احدا من الاعيان لا يستخدم ذميا في ديوانه…قلت ما احسن هذا لو دام واستمر، فمنعت هذه المناداة اهل الذمة قاطبة من التصرف والمباشرة بقلم الديونة بوجه من الوجوه باعمال مصر، وكتب بذلك الى سائر الاقطار.»[88] انما ايضا لكي يعاملوا بطريقة تميّزهم من المسلمين حطّاً من قدرهم، ويزداد كلامه وضوحا بما اورده في حوادث 868 قائلا:« ثم عقد السلطان بالصالحية عقد مجلسٍ بالقضاة الاربعة…قرئت العقود المكتتبة قديما على اهل الذمة فوجدوا في بعضها ان احدا…لا يلف على رأسه اكثر من عشرة اذرع، وان نساءهم يتميّزن من نساء المسلمين بالازرق والاصفر على رؤوسهنّ في مشيهن في الاسواق، وكذلك بشيئ في الحمامات فحكم القاضي…بإلزام اهل الذمة بذلك جميعه، ما عدا الصرف والطب بشروطه، وصمم السلطان على هذا الامر، وفرح المسلمون قاطبة، فأسلم بسبب ذلك جماعة من اهل الذمة من المباشرين، ودام ذلك نحو سنة، وعاد كل شيئ على حاله الاول، وبلغ السلطان ذلك فلم يتكلم بكلمة واحدة. لا حول ولا قوة الا بالله العظيم، واين هذا من همّة السلطان المظفّر بيبرس الجاشنكير لمّا قام ببطلان عيد شبرا، ولبس النصارى الازرق، واليهود الاصفر، لله درّه ما كان اعلى همّته، واعزّ دينه…»[89]

   يتكرر مدحه واشادته بالسلطان بيبرس الجاشنكير كلما تحدث عن اهل الذمة لانه تأثر بآراء الوزير المغربي وطبّفها: فمنع المسيحيين من العمل في دواوين الدولة وعند الامراء، وامرهم بتغيير لباسهم، وابدى رأيه بهذا الامر قائلاً:« رفع الاسلام بهذه الفعلة وخفض اهل الملتين بعد ان وعد باموال جمّة فلم يفعل.»[90]

    قد يكون الصراع بين الاديان احد سمات العصور الوسطى، التي عرفت، ربما بسببه اضافة الى عوامل اخرى، بعصور الظلام، وعصور الايمان. واكتسب الامر حدة زائدة نتيجة الحملات الصليبية، وحروب العثمانيين في اوروبا. ومع ذلك فلم يكتسب موقف السلاطين المماليك من مسيحيي الشرق الحدة عينها التي صوّرها ابن تغري بردي، فكان من حين الى آخر يُعاد العمل بالشروط العمرية لفترة ثم تعود الحياة الى مجرها العام. ويبدو انه كان شديد التعصب حتى بالنسبة الى مسيحيي مصر، مأخوذا بحمية دينية غير مبرّرة بلغت به حد تكفيرهم، ورفض قبولهم في المجتمع، على عكس المقريزي الذي صوّر الحالات التي كان يتم فيها التعدي عليهم ويحمّل المسؤولية للحكام وبعض الموتورين[91]. وتتبدى مواقفه المتطرفة جلية عندما صوّر غزوة المماليك لقبرص صراعاً بين المسيحية والاسلام كديانتين، وليس صراعا بين القبارصة والمنظمات المسيحية فيها، والمماليك على المصالح الاقتصادية في المتوسط، مكفّراً بكلامه المسيحيين قاطبة، ومحقراً معتقداتهم، اذ بعد ان كسر المماليك الصليب في قبرص، الذي كان يعتقد القبارصة انهم اذا اقسموا به كذبا عوقبوا مباشرة، زعم بلسان احد المماليك:« انتم اطعتم الشيطان فصار يغويكم ويستخف بعقولكم، ونحن هدانا الله الاسلام وانزل علينا القرآن فلا سبيل له علينا.»[92] وموقه هذا لا ينبع من رأيه الشخصي فقط وان كان متميّزاً به، بل يصوّر سمات من عصره كمنع السلطان برسباي التعامل بالنقود الافرنتية لأن عليها علامة كفرهم_الصليب_ فجمع الدنانير الافرنتية كلها واعاد ضربها دنانير اشرفية[93].

     وعليه،لم يقصد ابن تغري بردي التطرّق الى المجتمع من اجل دراسته بحد ذاته، ممّا جعل نظرته الى التاريخ الاجتماعي تتأرجح بين التفصيل والايجاز، فطرق بعض المواضيع بابعادها الاجتماعية الصرفة، وأطلّ على بعضها الآخر استكمالا لرؤاه الاخرى، وتوضيحاً لأحداث تتعلق بالسلطة السياسية والاوضاع العسكرية تبيّانا لعجز سلاطين دولة المماليك خصوصا الجراكسة منهم عن ضبط الاوضاع العامة خوفا من ثورات المماليك الجلبان، وليأتي كلامه، في هذا الصدد، دروسا مستقبلية. ومع ذلك فقد افادنا اجتماعياً بمعلومات قد لا نجدها بمصدر آخر.

 II- طريقة المعالجة: لم يتبع مؤرخنا خطة واحدة في تأريخيه من حيث المصادر وانماط التأريخ كما سيتضح فيا يلي.

1 – المصادر : ان مصادره شديدة الوضوح خصوصا في المراحل التاريخية السابقة على عصره، فقد كان يذكر اسم المؤرخ او المؤلف مع اسم كتابه حينا، او اسم الكتاب المستخدم فقط حينا آخر باعتبار ان صاحبه غني عن التعريف، او اسم المؤرخ من دون كتابه لأنه بدوره مشهور، ونادرا ما اورد خبرا من دون ان يسنده الى مصدر. وسنقتصر على ذكر بعض النماذج من مصادره والا طال الامر كثيرا: 

أذكر المؤلف وكتابه: قال المظفّر بن قزا أوغلي في « مرآة الزمان»[94]، او ابن الاثير في « الكامل»[95]، او القاضي محي الدين بن عبد الظاهر في كتابه« الروضة البهية الزاهرة في الخطط المعزية القاهرة»[96]، قال ابن ابي المنصور في تاريخه من دون ذكر اسم الكتاب[97]، قال الحافظ الذهبي في تاريخ الاسلام[98]

بذكر اسم المؤرخ فقط: قال العبيد بن سلام[99]، او الكواكبي[100]،او القضاعي[101]، قال ابن خلّكان[102]، او المسبحي[103]، ابو يعلى القلانسي[104]، ابن الاثير[105]، ابن واصل[106]، ابو شامة[107]، ابن شداد[108]، الصفدي[109]، المقريزي[110]، العيني[111]. والجدير ذكره ان معظم الوفيات التي ذكرها أخذها عن الذهبي.

جالاعتماد على مقاطع بحذافيرها: كان يستل مقاطع، او خبرا تاما بحذافيره من احد المؤرخين تأكيدا لرأيه، او تبيانا لفداحة الخبر، كما في اخبار الامير يلبغا الناصري حيث استل مقطعا من العيني، وبعد ان انتهى الخبر قال:«انتهى كلام البدر العيني»[112]، ويتكرر الامر عينه كثيرا بشهادات أخذها عن المقريزي[113].

دالمصادر الشفوية: وتعود بمعظمها لحوادث عاصرها واستقاها من الذين شاركوا بالاحداث او ارتبطوا بها مباشرة بطرق متنوّعة كالامراء والاجناد المماليك، وقد ساعده في ذلك اتقانه التركية التي كانت لغة مجتمع المماليك، ورتبته العسكرية، ومنزلته العلمية.  

 فقد استخدم كلمة حدثني دلالة على المصادر الشفوية كما في:« حدثني الامير ازيغا اليونسي»[114]، او القاضي كمال الدين بن البارزي[115]، او بعض اعيان المؤيد شيخ[116]، «او بعض مماليك الوالد ممن باشر الوقعة- غزوة قبرص- من اولها الى آخرها، وجماعة كبيرة من الاصحاب والثقاة»[117]جاءت مصادره شديدة الوضوح، غنية جدا، وكثيرة التنوع.

2- مفهوم الخبرفي النجوم الزاهرة:

أ- في الفترة السابقة على عصره: لم يتبع الخبر عنده خطة سير واحدة، بل تقلّب مفهومه بين عصر وآخر، فبدا في الفترة السابقة على عصره  تقليديا متقطعا وتاما لذاته؛ كما في التأريخ لمصر منذ سقوط الدولة الطولونية وحتى قيام الدولة الاخشيدية. فهي اخبار متقطعة يدور معظمها حول العراق لأن مؤرخنا، على ما ازعم، اعوزته المعلومات الكافية عن مصر، او أنه اعتبر العراق، في ذلك العصر، مركز القرار السياسي ومصر مجرّد ولاية تابعة لسلطة الخليفة، فلم يخصّها بتاريخ مميّز .

   وقد أرخ لهذه المرحلة تبعا لعهود الولاة بدءا بمحمد بن سليمان الكاتب وانتهاء بولاية محمد بن كيْلغ الثانية[118]، متخذاً من الوالي شخصية محورية ارتبطت بها كل الاحداث، مؤسسا لمنهجه العام الذي سينفرد به في النجوم الزاهرة، بحيث سيغدو حاكم مصر المستقل بدءا باحمد بن طولون مرورا بالخلفاء الفاطميين وصولا الى السلاطين الايوبيين والمماليك مركز الاحداث، لا بل محورها الرئيسي. وما التأريخ الحولي الذي اعقب هذه التراجم الا استكمالا جزئيا جدا لبعض الحوادث، ومكانا مناسبا لذكر وفيات الشخصيات البارزة.

   و سيتطور منهجه نحو الافضل كلما اقترب من عصره وتوفّرت المعلومات الكافية عن سِيَر الشخصيات الرئيسة، ممّا حوّل الخبر الى شبه تام باحداثه ومدلولاته النتائجية والسببية، حتى بات يشبه نظيره عند ابن الاثير، لأنه تعدّى التاريخ الحولي والحدث الواحد الى اخبار متعددة يكمل بعضها البعض الآخر بطريقة قد نقول عنها تعاقبية. فبعض الاخبار شكل سببا لما سيليه ونتيجة لما سبقه، وهذه طريقة فذّة تنم عن استيعاب تام للأحداث. ومن نماذجه: صراع الاخشيد مع ابن رائق، فالصلح بينهما، وادى مقتل ابن رائق الى هجوم الاخشيد على  بلاد الشام، ممّا ادخله بصراع مع سيف الدولة…[119] ونجد نموذجا واضحا جدا على هذا النسق التأريخي في ترجمة الخليفة الفاطمي المستنصر لأنها عبارة عن مجموعة احداث كل واحد تام بذاته، ومرتبط بالخليفة بطريقة ما، والحدث الاول يمهد لما سيليه، وكأن حدوثه شكّل نهاية لمرحلة قائمة، ونهايته تأسيسا لأخرى جديدة، وهكذا دواليك من دون غياب الشخصية المحورية عن الاحداث كلها، وان طغت عليها احيانا  وضمن فترة محدودة شخصيات ثانوية لعبت دورا مركزيا، بل محوريا كما في علاقة ابن حمدان بالمستنصر اذ صار محور الاحداث كلها الى ان قتله إلدكز. هذا النمط جعل الاخبار شديدة التماسك والوضوح: فقد اتخذ من ضعف المستنصر، ومن الصراعات بين فرق الجيش، ودور ابن حمدان، وإلدكز، وانقطاع الفيضان، اسبابا كافية للأزمة الاقتصادية التي عاشتها مصر. ويماثله دورا بدر الجمالي وابنه امير الجيوش المحوريين وارتباط الخليفة المستنصر بهما. ولا يقطع سياق هذه الاخبار المضطردة سوى ذكر اكثر من رواية للخبر الواحد احيانا، لأن هاجس الحقيقة كان ملازما لابن تغري بردي. ويخلص من هذا المنهج بطريقة غير مباشرة الى تحديد موقفه من الشخصيات معللاً ضعفها او قوتها؛ فهو، على سبيل المثال، يعتبر المستنصر خليفة ضعيفا غير جدير بالحكم[120]، وفي الوقت عينه اطلق عبره في ردّه على إلدكز حكمة سياسية، مبرهنا ان في التاريخ عبرا:« امّا ابن حمدان فما كان عدوّي، وانما كانت الشحنة بينك وبينه يا إلدكز، فهلكت الدنيا بينكما، واني ما اخترت ما فعلت من قتله، ولا رضيته، وستعلم غبّ الغدر، ونقض العهد.»[121]

    وعليه، تصبح الترجمة منهجا شديد التماسك تتقاطع فيه الاحداث احيانا سببيا، انما موقفه المؤيد لبعض الشخصيات كصلاح الدين الايوبي جعله ينهج خطة مغايرة في بعض وجوهها ابرازا للشخصية المذكورة والاشادة بها، حتى انه لا يبدي فيها رأيا شخصيا واضحا بل ضمنيا باحالة القارئ على اقوال مؤرخين آخرين كقوله:« ومن هنا نذكر اقوال المؤرخين في احوال صلاح الدين هذا وغزواته واموره، كل مؤرخ على حدته.»[122]

   ان تعدد الروايات احيانا للخبر الواحد يلفت الانتباه في منهج ابي المحاسن، واذا كنا نجد له عذرا فيما اورده عن صلاح الدين من آراء للاشادة به، وكذا الامر بالنسبة للسطان الظاهر بيبرس[123]، فاننا لا نبرر ادراجه عددا من الروايات هو مقتنع بانها مختلفة في ما بينها في بعض وجوهها من دون ان يجهد نفسه ليدمجها برواية متكاملة خالية من الشوائب، ممّا يذكرنا بمنهج الطبري وغيره من مؤرخي القرن الثالث وما قبل. انظر مثلاً موقف صلاح الدين من الفرنجة عام 567/ 1172:« وهذه الواقعة التي ذكرناها في اول هذه الترجمة، غير اننا نذكرها ايضا من قول ابن خلّكان لزيادات تأتي فيها[124].» وتكرر هذا الموقف اكثر من مرة: « قال ابن القادسي خلاف ما نقل ابو المظفّر وابن خلّكان وغيرهما قال:» ويورد الرواية من دون اي تعليق[125]، ومرة جديدة بتأريخه للعادل اخي صلاح الدين بشهادات حرفية لمؤرخين مشهود لهم كالذهبي، وابن خلّكان والموفق عبد اللطيف المعروف بان اللباد، فسبط ابن الجوزي[126].كما نجد المنهج عينه في ترجمة السلطان الكامل بن العادل[127].

ب- الخبر في العصر المملوكي: في العهد المملوكي تغيّر هذا النمط فصار ابو المحاسن يتابع الحدث منذ بداياته وحتى نهايته من دون تقطيع اوصاله باخبارٍ اعتراضية او رواياتٍ مكررة، بل صار يرويه بكلّيته ليكون تاماً لذاته من جهة، وسببا او نتيجة لخبر آخر من جهة ثانية. ممّا يجعلنا نعتقد ان المعلومات باتت متوفرة، وبالتالي الرؤية العامة الى الاحداث، على الاقل افقياً، باتت بدورها حاضرة في ذهنه. وصارت الاحداث طيعة بيده يوظفها بالاتجاه الذي يخدم رؤيته الى التاريخ وتطور الاحداث، شأن الصراع بين البحرية، الذين فروا من مصر على اثر مقتل زعيمهم اقطاي، مع السلطان علي بن ايبك وانهزامهم في مصر، وقتالهم للناصر يوسف الايوبي. وينبّه ابن تغري بردي القارئ الى انه سيقطع هذا الخبر ليتحدث عن اخذ التتار لبغداد لأهمية هذا الحدث قائلا:« نذكر اخذ هولاكو لبغداد ثم نعود الى امر المصريين.»[128] وتفسيرنا لهذا القطع للاحداث ان سقوط بغداد حدث جلل وغير مألوف من جهة، ومراعاة من ابي المحاسن لتعاقب الاحداث من جهة ثانية، لا بل تداخلها في الزمن الواحد عينه.

ويعتبر استيلاء التتار على بغداد نموذجا واضحا عن رؤيته لتكامل الخبر: فقد رسم صورة الوضع في العراق ودور الوزير ابن العلقمي « الرفضي » على حد تعبيره، فقد سهّل دخول التتار بسيطرته على الخليفة، وحجب المراسلات عنه، ومكاتبته التتار وحثّهم لأخذ العراق ليكون نائبهم فيه. ويكمل المشهد بتصويره الخليفة جاهلا وغافلا عماّ يجري. ثم انتقل الى مرحلة الغزو؛ حصار بغداد، فمحاولة الصلح التي قادها ابن العلقمي، وهي برأيه خيانة سهّلت دخول الغزاة الى بغداد والى مقتل اشرافها. وانهي الخبر بسقوط عاصمة الخلافة محصيا عدد القتلى، ومؤرخا مصير ابن العلقمي ليكتمل معه المشهد كله[129]. ثم عاد الى امر البحرية، وكأننا امام حدثين متقابلين ومتداخلين في الزمن الواحد كل واحد تام بذاته من جهة، واحدهما يؤثّر على الاخر، الامر الذي دفعه الى قطع سياق الاول عند نقطة مفصلية ليروي تفاصيل الثاني جاعلا منه نتيجة لتطور الحدث الاول ايجابا بالاتحاد بين الخصوم من المماليك لمواجهة المغول. 

   وهناك ناحية مهمة جدا في منهج ابي المحاسن تتمثّل بترتيبه الحوادث او تدرّجه فيها تبعا لمواضيعها وتواليها الزمني كما في ترجمة الظاهر بيبرس: فقد استهلها بشرائه، ثم انتقل الى تدرّجه بالمناصب، فكفاحه للوصول الى السلطة، ثم الجهد الذي بذله لتركيز الدولة، فحروبه الخارجية التي اسماها « فتوحاته »، واخيراً مرضه ووفاته[130]. وهو ترتيب قلّ نظيره عند معاصريه وسابقيه، ينمّ عن وعي تام للأحداث، ورؤية متكاملة للأخبار، لأن هذا المنهج تكرر في ترجمات معظم السلاطين ولاسيما من حظي منهم باحترامه وتقديره.

  وتبدّل منهجه تبدّلاً شبه جذري اعتبارا من اعتلاء الظاهر خشقدم العرش عام 866/1462 بالانتقال من التراجم الى التأريخ الحولي، ونلاحظ فيه ارباكاً؛ بحيث ما ان كان ينتهي من تأريخ الحوادث حوليا حتى يعود الى تكرار السنوات عينها وفقا لتواليها في عهد خشقدم تماشياً مع منهجه الاساسي؛ مستهلاً عهده بترجمة قصيرة تناولت اصله، وكيفية دخوله الى القاهرة، والمناصب التي شغلها، والمناقلات الادارية التي احدثها في بداية عهده، لينتقل بعد ذلك الى اخبار عهده على توالي السنوات بادئا حديثه:« ثم استهلت سنة ست وستين وثمانمائة» ذكر فيها الحوادث التي جرت فيها من دون ان يختمها بالوفيات[131]، واكمل تأريخ السنوات الاخرى بالطريقة عينها[132]. ثم عاد الى تأريخ عهد خشقدم مرة ثانية تبعا لتوالي سني حكمه كقوله:« السنة الاولى من سلطنة الظاهر خشقدم»[133]، منهيا اخبار كل سنة بابرز وفياتها[134]. ولست ادري ما الذي دفعه للوقوع في مثل هذا العيب المنهجي، ولماذا لم يظلّ وفيّاً لمنهجهه الاساسي ؟!!

    تمحّور تأريخ ابن تغري بردي على منهج التراجم المقتصرة مركزيا على السلاطين وحدهم، وبعد الانتهاء من ترجمة السلطان كان ينتقل الى التأريخ الشبه حولي مرتّباً سني حكمه الواحدة تلو الاخرى قائلا:« السنة الاولى من عهد فلان» ويقرنها بالتاريخ الهجري المناسب، متحدثا فيها بايجاز كلي عن بعض الاخبار التي لا تتعدى امورا ادارية كاستقرار فلان بالمركز كذا، او عزل علاّن من منصب كذا، او من اُنعم عليهم بامرة، او من عوقبوا ونوع العقوبة، وقد يوجز حادثة ما وكأنها مقدمة لخبر سيتناوله في مكانه المناسب كقوله:« على ما سنحكيه ان شاء الله في مقتل فلان او سجنه…» او كما في كلامه على وثوب الامراء على الامير اينبك البدري المستبد بامور السلطنة في عهد علي بن شعبان[135]، او في اخبار يلبغا الناصري:« ثم خرج يلبغا الناصري بعد مدة الى نيابة طرابلس ؛ ويلبغا الناصري هو صاحب الوقعة مع برقوق الآتي ذكرها في سلطنته.»[136] محاولا شد الاخبار بعضها الى البعض الآخر، محافظا على مركزية الشخصية الاساسية (السلطان) من خلال اخبار الشخصيات التي قد تبزّها احيانا، لكي يجعل القارئ على بيّنة من الاحداث. وقد يعرّف من خلال الشخصية المركزية او بعض الشخصيات المهمة المتممة لها، بشخصيات اخرى لم تقم بدور مهم:« وبيدمر هذا ايضا ممن ولي نيابة طرابلس في ايام يلبغا العمري.»[137]. وكان يورد الوفيات بشكل متوالٍ، مترجما للمهين بينهم.

  كان يستهل عهد السلطان الجديد بترجمة له موجزة جدا ذاكرا فيها اصحاب الوظائف الدينية الاساسية كالخليفة وقضاة القضاة، واصحاب الوظائف العسكرية على اختلاف رتبهم خصوصا نوابه في مصر وفي بلاد الشام، ثم شاغلي الوظائف الديوانية،[138] « ليأتي ذلك مقدمة لما سيحدث من تغيير في الوظائف وتقلبات الدول»[139]، ويشير الى المناقلات التي احدثها[140]. وعند موت احد السلاطين كان يذكر اجمالا من خلّف من الاولاد ذكورا واناثا، ومآل حال كل منهم، والبنات من تزوجّن، وتاريخ موت كل واحدة وسببه[141].

   ونجد عنده اخبارا متقطعة لا لحمة بينها، بل مستقلة تمام الاستقلال بذاتها على توالي الايام او الاسابيع احيانا، واحيانا اخرى على توالي الشهور، تبعا لمقتضى الظروف. وهي الى ذلك، اخبار منتقاة لا يجمع بينها اي قاسم مشترك على رغم ورودها متعاقبة كما في اخبار اعتلاء برقوق العرش للمرّة الثانية[142]. وتتقطّع عنده ايضا اواصر الخبر الواحد رغم استمرار احداثه فترة طويلة، من دون ان ندري لماذا لم يتابعه، كما عوّدنا، من بداياته حتى نهايته وان قطعه حينا بحدث جلل، بل نجد الخبر عينه قد مزقته اخبار عديدة لا لحمة بينها، وغير مرتبطة بالحدث الرئيسي باية صلة حينا، وحينا آخر ترتبط به هامشياً، كما في اخبار خروج منطاش ونعير بن حيّار في عهد برقوق[143]. وقد يستطرد قاطعا الخبر الرئيسي باخبار قد لا ترتبط به الا هامشياً كما في كلامه على اتهام ابن عرام بقتل الامير بركة الجوباتي منافس برقوق على السلطنة. وادرك انه اطال الكلام وقطع السياق العام للخبر الاساسي، فاعتذر عن هذا العيب قائلا:« وقد خرجنا عن المقصود واطلنا الكلام في قصة بركة وابن عرام على سبيل الاستطراد ولنرجع لما كنا فيه.»[144]

   لن نمعن بالاستطرادات العديدة في النجوم الزاهرة، انما سنكتفي فقط بنموذج آخر عنها وهو تبريره بل تأكيده بان السلطان قلاوون هو من استحدث وظيفة كتابة السر، فبعد ان سرد ادلته قال:« وقد استطردنا من ترجمة الملك المنصور الى غيرها، ولكن لا بأس بالتطويل في تحصيل الفوائد.»[145] ونجد اخبارا اخرى مقتضبة وكأنها خرجت من فراغ لأنه لم يذكر اسبابها ولا تطوّرها ولا نتائجها، مكتفيا بالقول:« وقع الخلف…بين المماليك الخاصكية وبين الامراء لامور يطول شرحها»[146] ويبقى السؤال لماذا تجاهل هذه الاحداث: اهو لنقص في المعلومات، او عدم اهتمام بها، لأنه درج على التعقيب على مثل هذه الامور قائلا:« سنأتي على ذكرها في حينه»، فاذا كان الامر كذلك، فهذا يعني انه فاضل بين الحوادث، وهو عيب تأريخي لا مبرر له.

  اتسم منهج ابي المحاسن بوصف المعارك بطريقة تنبض بالحياة تشعرك انك تشاهدها او  ان مؤرخنا شارك فيها، وتكمن اهمية هذا الوصف في متابعة الحدث من بداياته حتى نهاياته بما في ذلك نتائجه وتداعياته[147]. ولعل ما ذكره في حوادث سنة 802/1400 عن الصراع بين الاتابك ايتمش البجاسي والامير يشبك يشكل نموذجا واضحا عن وصف المعارك، بدأه باسباب الصراع، ثم تابع وقائع القتال بكل دقائقه: محدّداً انواع الفرق العسكرية عند كل منهما، وتحوّل المجريات العسكرية على الارض من هذا الجانب لصالح الفريق الاخر او العكس، واخطاء الاتابك، واستغلال الزعر للقتال لتحقيق مكاسب مادية مباشرة، ليخلص الى تداعياته على مصر وبلاد الشام على المستويات كلها[148]. ويمثّل وَصْف معركة حلب بين تيمور والحلبيين احد ابرز نماذج هذا التأريخ؛ فبعد ان ذكر خطة المعركة ( وهي سيئة جدا بنظره) انتقل الى تصوير القتال الجماعي والفردي، مسميا الابطال باسمائهم « وظهر من ازدمر وولده يشبك من الشجاعة والاقدام ما لعله يذكر الى يوم القيامة»، فموت العامة من نساء وصبيان تزاحما على ابواب المدينة نتجة لسوء الخطة العسكرية، ثم يستفيض بوصف اقتحام جحافل تيمور للمدينة، مبرزا تفاصيل دقيقة جدا تصوّر ما ارتكبه التتار من فظائع حددت مصير الحلبيين، والامراء والجنود المعتصمين بقلعة المدينة [149].

3- تعليل الحوادث : جهد الاّ يكون قاصّا بل مؤرخا موضوعيا يعلّل الحوادث. فبذل جهودا كبيرة للتثبت من صحة اخباره قبل القطع بصدقها وتدوينها. وتبدو موضوعيّته بانه لم يحاول تبرير بعض الاحداث التي اعتبر انها لا تتوافق مع اقتناعاته بعد ان اقتنع بصحة التدابير التي اتخذت بشأنها، او باظهار الاخطاء التي ارتكبت في بعضها الآخر معتمدا على التعليل منهجاً. كما في تفنيّده اسباب القبض على اتابك العسكر سنجر الحلبي:« وكان القبض عليه لأمور: احدها انه كان يطمع بالسلطنة بعد مقتل المعز ايبك …والثاني انه بلغهم انه ندم على ترك الملك…»[150] وسرد ابو المحاسن عددا من الادلة تثبت ان السلطان قلاوون هو الذي استحدث وظيفة كاتب السر قائلاً:« على ما نبيّنه من اقوال كثيرة.»[151] وعدد اسباب قبض السلطان الناصر محمد بن قلاوون على تنكز نائب الشام[152]. وعلل اسباب تهيؤ الحلبيين لقتال تيمور، وموقفه من سؤ تصرف اولي الامر في القاهرة[153]. كما اسباب انهيار حكم الناصر فرج بعد اعلان الخليفة المستعين سلطاناً[154]، وكذلك عدم تصديق مسيحيي مصر سقوط قبرس بيد المماليك.[155]

اكسب هذا المنهج اخباره صدقية واضحة، لأنه استقرائي في بعض وجوهه، واسبغ عليه صفة التأريخ ورفعه الى مصاف المؤرخين الكبار. وزاده قيمة علمية انتقاد ابن تغري بردي لحوادث ذكرها مؤرخون كبار كالمقريزي وابن حجر العسقلاني والبدر العيني وغيرهم، وهو نقد بناه، كما يزعم، على حقائق موضوعية بما ساق من ادلة اعتبرها دامغة، وان لم تكن جميعها كذلك. فقد غالط سبط ابن الجوزي قائلاً:” وهَمَ صاحب مرآة الزمان في قوله … والصواب ما قاله الذهبي، فانه وافق في ذلك جمهور المؤرخين.”[156] وخالف رأي العيني حول عمر السلطان محمد بن حاجي :” والاصح ما قلناه”[157]. ولم يقر ما ذهب اليه المقريزي حول رمي ألف مركب موسوقة بالحجارة لردم جانب من مسجد التوبة الذي جرفته المياه:” قاله الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله وهو حجة فيما ينقله. لكن اقول لعله وَهَمَ في هذا واراد ان يقول: وسَقْ ألف مركب بالحجارة فسبق قلمه بما ذكرناه.”[158] وناقش رأي المقريزي حول الاسم الاصلي لبرقوق لأنه اسماه الطنبغا، وابن خطيب الناصرية الذي اسماه سودون:« والقولان ليسا بشيء وان كان النقلة لهذا الخبر ثقات في انفسهم ضعفاء في الاتراك واسمائهم وما يتعلق بهم لا يرجع الى قولهم فيها، والاصح انه من يوم ولد اسمه برقوق كما سنبيّنه…» ثم ساق الادلة[159]. وناقش رأي المقريزي في الظاهر برقوق:« واشتهر في ايامه ثلاثة اشياء قبيحة: اتيان الذكران واشتهاره بتقريب المماليك الحسان، التظاهر بالبرطيل …وكساد الاسواق لشحّه وقلة عطائه، فمساوئه اضعاف حسناته». طبعا لم يقبل ابو المحاسن هذا التقريظ في حق سلطان مملوكي من قبل مؤرخ كبير كالمقريزي فرد عليه، وان كنا نجد في رده ضعفا وادلة غير وافية[160]. ولم يعجبه ايضا وصف المقريزي لأخلاق السلطان المؤيد شيخ ربما بسبب عصبيته للماليك اذ قال فيه المقريزي:« كان بخيلاً مسّيكاً شحيحاً يشح حتى بالأكل، لجوجا غضوبا نكدا، حسودا معيانا، يتظاهر بانواع المسكرات، فحّاشا سباباً، شديد المهابة…وهو من أكبر خراب مصر والشام لكثرة ما كان يثيره من الشرور والفتن ايام نيابته بطرابلس ودمشق. ثم ما افسده ايام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط اتباعه على الناس يسومونهم الذلة، ويأخذون ما يقدرون عليه بغير وازع من عقل ولا ناه من دين.»[161] فرد عليه ابن تغري بردي بالاعتماد على آراء مؤرخين آخرين لا يوافقون المقريزي :« وكان يمكنني الرد في جميع ما قاله بحق، غير انني لست مندوبا الى ذلك…والذي اعرفه انا من حاله انه كان سلطانا جليلا شجاعا مقداما عاقلا نقّادا…» ويسرد ما اخبره عنه بعض الامراء والاعيان والقضاة[162]، لكن قرائن مؤرخنا لم تتمكن من دحض ما اورده المقريزي.

    ويبدو انه تعمّد انتقاد المقريزي المؤرخ المشهور جدا، والذي يحتل منزلة رفيعة عند معاصريه وعند من اتى بعده، حتى وصل به الامر الى نعته« بالخباط » اي كلام من لا يعقل، وهذا اجحاف كبير بحق المقريزي، وان دلّ على شيء فعلى الحسد، وربما الكره، لأنه استغل كلام شيخ المؤرخين عن السلطان ططر ليسوق هذا الكلام[163]، اذ تعصّب لططر قائلاً:« لعل الصواب في حق الملك الظاهر ططر بخلاف ما قاله المقريزي…كان ططر ملكا عظيما جليلا عالي الهمّة…فكان حاله مع من يخالفه كالطبيب الحاذق الذي يلاطف عدة مرضى قد اختلف داؤهم…»[164] وهو كما نلاحظ كلام شاعري تنقصه الحقائق والبينات. ولم يسلم ابن حجر العسقلاني بدوره من نقد مؤرخنا فنعته بجاهل اللغة التركية لأنه اخطأ تفسير معنى برسباي[165].

   من الواضح ان الهنات التي شابت بعض منهح ابي المحاسن لا تبخسه حقه ابدا، فقد كان واسع المعرفة، متفقهاً بعلوم من سبقه، وقريبا من القرار السياسي في عصره، ومطلعا على اخبار ما كان بمقدور غيره الوصول اليها بيسر ربما بسبب اصله الجركسي ووظيفته العسكرية. ويُعتبر النجوم الزاهرة من ابرز المصادر السياسية والعسكرية للعصر المملوكي واكثرها افادة.   

 


[1] – ابن تغري بردي، (يوسف)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، دون تاريخ،14/118

[2] –  POPPER,W. EI2, Abu Almahasin, t1,p142

[3] – ابن الصيرفي ( علي بن داوود)، إنباء الهصر بابناء العصر، تحقيق حسن حبشي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970،ص 178-179

[4] Popper W, ABU AL-MAHASIN, EI2, t1, p. 142

[5]  – ابن الصيرفي، انباء، ص178-181 ، و السخاوي، ، ( محمد بن عبد الرحمن)، الضؤ اللامع لاهل القرن التاسع، دار الجيل، بيروت، 1992،  10/306

[6] –  نجوم، 14/237 و 15/123

[7] – انظر ما كتبه تلميذه المعروف بالمرجي في مقدمة النجوم الزاهرة 1/14-15، وايضا نجوم، 3/25، 222

[8]  – لمزيد من الاطلاع على الذين تثقف عليهم انظر: السخاوي، الضوء، 10/305

 ابن العماد الحنبلي( ابو الفلاح عبد الحي)، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، دار الكتب العلمية بيروت، د.ت. 7/318، وانظر ايضا ما كتبه المرجي في مقدمة النجوم الزاهرة، 1/14-16

[9]–  نجوم، 15/491

[10]   السخاوي، الضوء، ج10، ص 305

– السخاوي (شمس الدين محمد)، وجيز الكلام في الذيل على دول الاسلام، تحقيق بشار معروف وعصام الحرستاني، واحمد الخطيمي، مؤسسة الرسالة بيروت، 4 اجزاء، ج2، ص817

[11]  – ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، ج7، ص 317-318

[12]  – ابن تغري بردي، (جمال االدين يوسف)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، دون تاريخ، ج1، ص16

[13] –  العنان، مؤرخو مصر الاسلامية، ص118

[14]   – السخاوي، ضؤ، 10/308

– ابن اياس، (محمد بن احمد)، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984، ج3 ، ص45

[15]  – EI2, Popper , Ibn Taghri bardi , t1, p142

[16]  – انباء الهصر، ص 178

[17]  – مقدمة النجوم، المرجي، ص17 ، انباء الهصر، ص178

[18]  – ذكره المؤلف في النجوم، 6/195 و 9/260 ، المرجي، ص1/17 والضؤ اللامع، 10/307

[19] – Popper, op. cit142

[20]   – انباء الهصر، ص177-178

[21]  – نجوم، 5/222  و Popper, op. cit.p 142

[22] – نجوم، ج1، ص1-3

[23] – نجوم، 1/33

[24]  – نجوم، 1/46 – 50

[25]  – نجوم، 1/61- 95

[26]  – 3/1 – 21

[27]  – 3/49 – 65

[28]  – 3/139

[29]  –  انظر مثلا سنة 375 في 4/147، و377 في 4/150 و 388، في 4/199….

[30]  – نجوم، 5/174

[31] – العنان، مؤرخو مصر، ص122

[32]   – نجوم، 5/343

[33]  – نجوم، 6/8-13

[34]   – نفسه، 7/328

[35]   – نجوم 11/291

[36]  – المكان عينه

[37]  – نجوم، 12/107-108

[38]   – نجوم، 14/39

[39]  – نجوم، 14/256

[40]  – نجوم، 16/340-341

[41]  – نجوم، 14/42

[42]  – نجوم، 10/119، 123-124

[43]  – نجوم، 10/140

[44]  – نجوم، 16/370

[45]  – نجوم، 7/327-328

[46]  – نفسه، 7/328-329

[47]  – 15/50-51، 410-413

[48]  – نجوم، 16/102

[49]  – نفسه، 16/114، 130

[50]  – نجوم، 16/123، 143،

[51]  – نجوم، 15/53-54

[52]  – انظر منهج المقريزي في هذا الكتاب

[53]  – نجوم، 9/49

[54]  -لم يعرّف ابو المحاسن بهذه الضرائب نجوم، 11/263

[55]  – نجوم، 12/247-248

[56]  – نجوم، 15/41

[57]  – نجوم، 7/23

[58]  – نفسه، 10/278-282

[59]  – نجوم، 16/149

[60]  – نجوم، 16/129

[61]  – نفسه ، 14/17

[62]  – نجوم، 7/213

[63]  – نفسه 8/57

[64]  – نفسه 12/68

[65]  – نجوم، 14/39، 16/142

[66]  – نجوم، 16/103، 104

[67]  – نفسه 16/115-116

[68]  – نجوم، 12/189

[69]  – انظر منهج محمد بن طولون في هذا الكتاب ص، 344 وما بعد

[70]  – نجوم، 10/44-46، 11/286

[71]  – نجوم 12/191-192

[72] – نجوم، 15/397-400

[73]  – نجوم، 7/121

[74]  – نجوم، 7/121-136

[75]  – 7/137

[76]  – نجوم، 14/41

[77]  – نجوم، 9/63-72

[78]  – نجوم، 16/120- 123

[79]  –  نجوم، 12/87 وقد يكون اخذ ذلك عن المقريزي الذي ذكر الامر عينه في السلوك، ج1، ق1، ص59

[80]  – نجوم، 8/68

[81]  – نفسه، 10/195-209

[82]  نجوم،11/275

[83]  – نفسه، 14/337- 344 ، 16/146-147

[84]  – نجوم، 7/120

[85]  – نفسه، 11/239

[86]  – نجوم، 4/34-54

[87]  – نجوم، 14/81-83

[88]  – نجوم، 16/281-282

[89]  – نجوم، 16/281-282

 [90]  – نفسه، 8/133-135

[91]  – انظر منهج المقريزي في هذا الكتاب، ص 245 وما بعد

[92]  – نجوم، 14/302

[93]  – المصدر السابق، 14/283-284

[94]  – نجوم، 2/78،  3/63، 93….

[95]  – نجوم، 2/80،  5/7 ، 6/18…

[96]  – نفسه، 4/34…

[97]  – نجوم، 5/176

[98]  – نجوم، 4/70

[99]  – المصدر السابق، 2/282

[100]  – نجوم، 2/316

[101]  – نفسه، 3/60

[102]  نجوم، 3/236، 4/70

[103]  – المصدر السابق، 3/292، 302

[104]  – نفسه، 5/4،147…

[105]  – نجوم، ج5، ص7

[106]  – نفسه  5/339

[107]   5/34

[108]   ج6، ص9

[109]   6/373

[110]  – اعتمد عليه كثيرا : 8/156، 9/118، 11/224،255، 14/ 109، 207…

[111] – نجوم،  11/3، 182

[112] – نجوم، 12/33

[113]   – نفسه، 12/169

[114]  – نفسه، 14/110

[115]  – نجوم،  14/20 ، 111

[116]   – المصدر السابق، 14/111

[117]  – نفسه، 14/294

[118]  – نجوم، 3/144- 248

[119]   – 3/251- 256

[120] – نجوم، 5/17 – 20

[121]   نفسه، 5/22

[122]   نجوم، ج6، ص 7

[123]   المصدر السابق، 7/175 – 182

[124]  – نجوم، 6/15

[125]  – نفسه، 6/130

[126]  نجوم، 6/160 – 171

[127]  المصدر السابق، 6/ 227 – 244

[128]  – نجوم، 7/42

[129]   – نفسه، 7/ 47 – 50

[130]  – نجوم، 7/ 138 – 175

[131]  – نفسه، 16/ 264- 273

[132]  – نجوم، 16/274- 288

[133]  – نجوم، 16/ 310

[134]  – نجوم، 16/ 310، 315، 318…

[135]  المصدر السابق 11/157 – 158

[136]   نجوم، 11/163

[137] – نجوم، 11/181

[138]  -انظر مثلا ترجمة محمد بن برسباي :نجوم، 15/222- 226، والناصر فرج بن برقوق 12/169

[139]  – نجوم، 12/169

[140]  – انظر مثلا انعامات السلطان خشقدم على بعض الامراء بتقادم ألف حيث يعقب ابن تغري بردي على ذلك:” باستحقاق او غير استحقاق، كما هي عادة اوائل الدول، نجوم، 16/257

[141]  – انظر مثلا اولاد برقوق: نجوم، 12/106

[142]–  نجوم، 12/3-44

[143]  – نجوم، 12/10-11، 12، 13، 14، 18، 22، 23، 30، 31، 43-44

[144]  – المصدر السابق،  11/187

[145]   نجوم، 7/343

[146]  – نجوم، 7/265

[147]  – انظر مثلا: الصورة الكاملة والواضحة التي رسمها منذ اعتزال الناصر محمد للمرة الثانية لسياسة الامير سلار وموقفه من البرجية وبيبرس الجاشنكير، الى موقف الامراء في بلاد الشام، بحيث اورد تفاصيل لا نجدها لا عند المقريزي ولا عند العيني، حتى انه قصر ترجمة بيبرس= =الجاشنكير على هذا الصراع: نجوم، 8/222- 277، وانظر ايضا مقتل يلبغا العمري من حين تآمر مماليكه عليه وحتى وفاته: نجوم، 11/35-40 ، وايضا المعارك التي حصلت بين برقوق وبركة بما في ذلك عمليات الكر والفر، ودور العامة والمماليك السلطانية، نجوم، 11/174-179

[148]  – نجوم، 12/184- 189

[149]  – نفسه، 12/ 221- 225

[150]  – نجوم، 7/42

[151]  – المصدر السابق، 7/332 ثم سرد الادلة: ان الدوادار طلب من ابن عبد الظاهر ان يكتب كتابا الى اهل دمشق فاخطأ المضمون، وأكد رأيه بانه فيما مضى كان الوزراء وحدهم يتلقون الاوامر عن الملوك، واضاف:” وعندي دليل آخر وأقوى من جميع ما ذكرته، انه لم أقف على ترجمة رجل في الاسلام شرقا ولا غربانعت بكاتب السر قبل فتح الدين القاضي وفي هذا كفاية.” ثم يذكر الكتاب الذين ذكرهم القلقشندي وغيره، نجوم، 7/334- 159

[152]  رفض السلطان السماح له بالسفر الى قلعة جغبر، وقول تنكز: لو سمع مني السلطان لكنت اشرت عليه ان يستقيل ويقيم احد اولاده على العرش وأكون مدبرا له، بعث نائب بلاد الروم برسالة الى السلطان ولم يبعث بمثلها الى تنكز، شفع السلطان مرات عديدة بمماليك تنكز المسجونين بالكرك والشوبك من دون ان يستجيب تنكز، نجوم، 9/159

[153]  – نجوم، 12/221

[154]   نفسه، 13/147

[155]  – نجوم، 14/297

[156]  – نجوم، 5/173

[157]  – المصدر السابق، ج 11، ص 3 ويؤكد المقريزي ما ذهب اليه مؤرخنا

[158]  – نجوم، 9/118

[159]  – نفسه، 11/24- 26

[160] – نجوم، 11/224- 226

[161]  – المصدر السابق، 14/109- 110

[162]  – نجوم، 14/110- 111

[163]  – نجوم  14/198- 200

[164]  – نفسه 14/207

[165]  – نجوم، 14/243- 244

[165]  – نجوم، 14/243- 244

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *