ادرة كتاب مي منصور :” صوب القاطع الثاني” يشارك فيها نخبة من اهل الاختصاص في الشعر والادب والاهوت والطرب.

مي

ان اشكالية الخلود تزامنت مع ادراك الانسان لذاته ولما تزل، وبررتها فلسفات دينية متنوعة في غالبية الحضارات القديمة، واحتلت مساحة واسعة في الاديان، وصارت محور معظمها. ولعبت، في الوقت عينه، ازدواجية الخير والشر، والمادي والروحي، ولعب تصارع هذه الاضداض دورا مهما في محاولة تفسير او استجلاء اشكالية الخلود والعدم، التي  أرقت عددا وافرا من الفلاسفة، واسفر فكر بعضهم عن نشوء انماط إلحادية.

يمكن القول: بقدر ما ينضج الانسان وتتقدم به السنون، ويزداد خوفه مما يخبئه القاطع الثاني، او الشك المقلق بوجوده، بالمقدار عينه وربما أكثر يجتهد لاستجلاء حقيقة الابدية لولوج ابوابها، وبعجزه عن استيعاب محتواها اللا محسوس يقتبس من فلسفة الاديان طرقا للخلاص الموعود الذي يهدئ النفوس، ويتقاطع معظمها حول نظرية الالم ونكران الذات والخضوع التام لعظمة الله ومشيئة الخالق.

هنيئا للمؤمنين الفعليين، فايمانهم مثار اعجاب واعجاز في الوقت عينه. ومن يقرأ كتاب صوب القاطع التاني لمي منصور قد يحظى بنفحة ايمانية منقذة. فالتوبة بكل تلاوينها معشعشة في حناياه، وهو ينضح بايمان عنوانه التخلي عن الذات من اجل الطفل يسوع سيد الخلاص والابدية، يسوع الفائز دائما، والمحب، والمتواضع، والمسامح وغافر الذنوب، ومنه تستمد مي القوة الروحية، وتنسحق على دربه املا بالخلاص من ادران الحياة. وليس تعبدها الصوفي للسيدة العذراء الا استكمالا لايمانها وتأكيدا عليه. فالسيدة العذراء حب في المطلق، تساعد على  العبور الهانئ الى القاطع التاني الذي يخشاه كثيرون. في حين ان مي جهزت جواز سفرها، ووضبت  حقائب العبور.

لن اطيل عليكم في سلوك هذا الدرب السماي الشاق المزروع بالايمان والتواضع، والخشوع والالم، وبالحب والقداسة والصلاة والتعبد والتأمل. المصاغ بنمطين ادبيين: الشعر والنثر بقوافي.

الشعر حالة روحية شديدة التجلي والانخطاف، تتعانق فيها الحروف عطوفة، وتتهامس الكلمات سكرى، ويندس التحنان ناعسا في فراش الاحلام يستل امنيات هائمة، وتتفجر العواطف صاخبة او تنساب هادئة هانئة لافرق، متلونة بانماط الاحاسيس. ويتزاوج فيها المحسوس باللا محدود، وتتهادى الدمعة مغناجة على وجدان الفرح، او كئيبة على مذبح الاحزان. وتعجز المآسي عن الاختباء وراء ظلال الهموم والاوهام. وتتآلف جميعها في لوحات عامرة بخلجات الوجدان المفعم باريج الروح وتنسكب في قوالب البحور، ويضبط ايقاعها تناغم القوافي فيولد الشعر الاصيل.

وعندما يعجز الخيال عن التعبير عن ذاته بحرية مطلقة، او يأبى المشهد العام الانصياع للقوانين اكتمالا لرؤية ارحب، واختمارا للاحاسيس اعمق، واطلاقا للعواطف اروع ،كما يفترض بعض الشعراء ممن يرفضون التقولب في بحور  الخليل الرئيسة، والانصياع لايقاع القوافي المعهود. ويضبطون نظمهم في اوزان وليدة او مستولدة او على غير وزن،  مخافة حؤول صرامة القوافي بين تناغم روعة المشهد وسمو التعبير اللفظي. آملين ان يعكس تتزاوجهما اسرا للنفوس وحبسا للانفاس، وقد يسمى هذا النمط نثرا بقوافي. شأن قصيدة نازك الملائكة الخالدة التي تدين فيها جريمة الشرف:” اماه وحشرجة ودموع، وانبجس الدم، اماه واختلج الجسم المطعون… ولم يسمعها الا الجلاد… وهذا ايضا نمط آخر من عيون الشعر.

ثار آخرون على بحور الشعر والقوافي معا متفلتين من كل القواعد الناظمة، مستولدين ادبا نثريا على غير وزن، يستثسغون فيه موسيقى الجمل الراسمة لوحاتهم من دون قيد. افساحا في المجال ربما لاذكاء اوسع في العواطف،  ومدى لا محدود للخيال. وتحمله موسيقى شعرية من دون ان يرقى الى مستوى الشعر. قد يطلق هذا النمط نثر بقوافي.

ايها الحضور الكريم، لست هنا في هذه العجالة بوارد تقويم الفنون الشعر والنثرية، وان كنت شغوفا بها، ولا ادعي المقدرة على خوض غمار هذا المضمار، وانا القادم الى هذا المنتدى الثقافي من حقل التأريخ. وقد يتناوله المحاضرون المشاركون في هذه الندوة.

 الاب الدكتور بول ناهض: كاهن صادق مع نفسه وايمانه، يخدم رعية مار يوحنا المعمدان في البوشرية، ويتولى في الوقت عينه ادارة مدرسة السان جور في الزلقا. شغوف بالكتاب المقدس لدرجة التماهي فيه، ما دفعه لتحضير اطروحة دكتوراه مبنية عليه بعنوان ” آداب الكتابة”.

د. سهيل مطر: اكاديمي بامتياز، يشغل منصب مدير العلاقات العامة في جامعة اللويزة وهو في آن استاذ محاضر فيها. له مؤلفات عدة. لم يعتل مرة منصة الا ووددت الا ينتهي الوقت. لأن حضوره لافت، وخطابه آسر، وفكره ثاقب ترافقه بشغف الى حيث يريد وانت في منتهى الغبطة.

د. رفيق روحانا: شاعر بالفطرة يعشق النظم باللغة العامية (اللغة اللبنانية)، صقل موهبته بالممارسة، والدراسة التي توّجها بحصوله على دكتوراه دولة في الادب العربي من الجامعة اللبنانية على اطروحته المعنونة ” ثورة اللغة والحرف”. وهو استاذ ادب عربي، اسس منتدى “ملكوت الشعر” منذ حوالى ربع قرن سأذكر فقط من مؤلفاته العديدة باكورتها،: تقاسيم على القيم، واحدثها : ذكرياتي مع سعيد عقل”.

هيام يونس: مطربة بالفطرة، اعتلت المسرح وهي بعد لم تجاوز الخامسة من العمر، غنّت في كل اللهجات العربية، وهي مطربة العرب كل العرب. قد تنسى الذاكرة الكثير من الاغاني ولكنها قطعا لن تنسى ” تعلّق قلبي طفلة عربية…” وهي ستسمعنا اليوم ” يا أم الخليقة “من كلمات الشعارة مي منصور.

الآنسة جنفييف: مرنمة   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *