التجديد في منهج تقي الدين احمد المقريزي (766-845/1364-14429)

اولا– البيئة السياسية والدينية والثقافية للتأريخ في القرن التاسع/الخامس عشر.

في العهد المملوكي شغلمعظم المؤرخين وظائف ديوانية مثل كتابة السر، والحسبة والتوقيع بديوان الانشاء… مما سمح لهم بالاطلاع على دقائق سجلات هذه الوظائف، وعلى ركائز النظامين العسكري والاقطاعي المملوكيين فازدهرت كتب الادارة مثل مسالك الابصار للعمري، ونهاية الارب للنويري، وصبح الاعشى للقلقشندي، والمواعظ والاعتبار للمقريزي، وزبدة كشف الممالك للظاهري… اضافة الى التواريخ العامة، التي لم يقتصر حضورها على السياسي والعسكري بل تعداهما الى النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والادارية. فاكتملت بذلك صورة التاريخ بابهى حلله، واروع روآه، وصارت المؤلفات تنبض بالحياة وتتحدث عن الخاصة والعامة معا بعد ان كانت حكرا على الاولى.

تجاه هذا الازدهار المنقطع النظير للمؤلفات في ميدان التاريخ على تنوع مواضيعه، نلاحظ انحطاطا مخيفا ومربكا في بقية العلوم على مدى العصر المملوكي. وقد يكون مرد ذلك الى وعي المؤرخين للديني المرتبط بالسياسي الناتج عن احتضان المماليك للشرعية الدينية السنية الوحيدة، فصارت بنظرهم دولة المماليك وحدها الدولة الشرعية في العالم الاسلامي، وتحوّلت الدول الاخرى غير الخاضعة للخلافة العباسية الى دولٍ عاقّة، مما جعل التاريخ المحلي او الاقليمي يزدهر بامتياز، بحيث قلّما تجاوزت مضامين مؤلفات المؤرخين المشرقيين حدود الدولة التي يعيشون في كنفها اللهم الا ابتهاجا بفتح اسلامي، او نجاة المسلمين من هجوم الفرنجة.

وبذلك، غابت عن الساح التأريخية مؤلفات التاريخ العام الشامل، وان اطلقنا على بعضها هذه الصفة لان حضورها اقتصر على التاريخ الاقليمي الخاضع اصلا لنفوذ سياسي محدد، مما عكس الانقسام السياسي على الفكر الديني وعلى الوضعين الاجتماعي والاقتصادي. ولم يعد العالم الاسلامي كله مسرحا لأقلام المؤرخين المسلمين، بل تقوقع التوجه، خلال الحقبات التي نضجت فيهاالمناهج التأرخية عموما، ليحدّد السمات العامة للمراحل الاخيرة من العصور الوسطى. وقد حرمنا هذا المنظور السياسي الديني الضيّق من كنوز كثيرة لأنه لو توفّر للمقريزي وبعض زملائه المبدعين، بما تمتعوا به من نفاذ البصيرة والحس الاجتماعي، الاطلاع على اخبار الدول الاسلامية الاخرى ودوّنوا اخبارها لربما كانت المكتبة العربية قد اغتنت بمادة علمية تاريخية قلّ نظيرها، ولكن مع الاسف الشديد اقتصر حضورهم التأريخي على دولة المماليك خصوصا ان بعض المؤرخين شغل وظائف ديوانية، ممّا جعلهم قريبين من القرار السياسي، ومطلعين على معلومات كان متعذرا على غيرهم الوصول اليها، ومدركين بدقة بنية المؤسسات المملوكية بسلبياتها وايجابياتها.                      

ثانيا حياة المقريزي ومؤلفاته:

1-حياته: هو تقي الدين احمد بن علي العبيدي المقريزي[2]، وهذه الشهرة الاخيرة تعود الى احدى حارات بعلبك التي عاشت في كنفها اسرته قبل انتقال جده لأبيه من بعلبك الى دمشق[3]. ولد المقريزي في القاهرة في حارة برجوان عام 766/1364 في اسرة اشتهرت بتحصيل العلوم؛ فجده لأبيه نشأ في بعلبك وتثقف على عدد وافر من العلماء والفقهاء[4] ثم انتقل الى دمشق حيث ولد ابنه علي والد المقريزي. بعد دمشق ارتحل الى القاهرة واستقر فيها حيث تقلب في عدة وظائف ديوانية[5].

 وقد يكون جده لأمه، الذي احتضن المقريزي، اكثر ثقافة من جده لأبيه[6]. درس مؤرخنا في الازهر على الكثير من العلماء والفقهاء بلغ عددهم ستمائة[7] من ابرزهم: شمس الدين بن الصائغ جده لأمه، وابي اسحق التنوخي، وسراج الدين البلقيني، والعماد الحنبلي، وابن خطيب الناصرية المؤرخ المعروف، وابن خلدون بعد ان استقر في القاهرة منذ عام 784/1364 وقد تأثر به كثيرا ولا سيما بمقدمته المشهورة. كما اجازه عدد من اعلام عصره نذكر منهم: العماد ابن كثير (ت 774/1373، وابا البلقاء السبكي (ت 777/1375) وابا الفضل النويري (ت 786/1384)[8].

كان المقريزي على اتصال وثيق بالسلطان برقوق، وبابنه السلطان فرج، وبالامير يشبك الدوادار، مما سمح له اشتغال عدة وظائف حكومية. وكان مقربا جدا من الناصر فرج الذي تمنى عليه ان يكون رسوله الى تيمورلنك ولكنه اعتذر.[9]

ثم ما لبث ان اعتزل الوظيفة العامة لينصرف الى تدوين مؤلفاته جاعلا من بيته موئلاً لاهل العلم من تلاميذه واصدقائه. ولربما يكون قد وجد في هذا السلوك السلوى والسلوان عمّا آلت اليه اوضاع البلاد من انحطاط اقتصادي وفساد اداري ورعب عسكري، وعمّا فقده من وظائف، وعزاء ذاتيا لفقدانه ابنته فاطمة التي توفيت بالطاعون عام 826/1423 وذهب هو نفسه ضحية الوباء عينه عام 845/1441 مخلفا ثروة علمية ضخمة، ومدرسة تأريخية خاصة.

2مؤلفاته: ترك المقريزي عددا كبيرا من المؤلفات في مختلف ميادين العلوم الانسانية اربت على المائتين على ما ذكر السخاوي[10]، ويبدو ان معظمها قد ضاع، وما بقي طبع معظمه، وسنكتفي بذكر بعضها:

– اتعاظ الحنفاء باخبار الائمة الفاطميين الخلفاء.

– اغاثة الامة بكشف الغمّة، هو كتيب اقتصادي اجتماعي يعتبر من اجلّ الدراسات الاجتماعية والاقتصادية خلال العصور الوسطى.

– الاوزان والاكيال الشرعية، وهو يتمم الكتاب السابق، وباعتقادي ان المقريزي وضعه بعد تجربته المريرة في وظيفة الحسبة.

– التاريخ الكبير المقفى في تاريخ اهل مصر والواردين عليها،  وهو تراجم لأكابر المصريين ومن دخل الى مصر من العلماء والمشاهير، مرتب على حروف المعجم. صدر منه حتى الان ستة عشر مجلداً، ويبدو ان المقريزي اراد له ان يكون في حوالى ثمانين مجلدا على حد تعبير السخاوي وابن تغري بردي[11].

– درر العقود الفريدة في تراجم الاعيان المفيدة[12].

-شذور العقود في ذكر النقود، منشور.

-المنتقى من اخبار مصر لابن ميسّر، منشور

– المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار

– كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك، وهو موضوع هذا البحث.

وهناك العديد من المؤلفات ذكرها السخاوي، وابن تغري بردي، واعطى الدكتور محمد كمال الدين عز الدين علي معلومات عنها وتوسع بمضمون بعضها خصوصا المخطوط منها الذي تمكن من الاطلاع عليه.[13]

ثالثا: التجديد في منهجه في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك

ان التجديد هو ابداع يتجسّد في الخروج عن المألوف جزئيا او كليا، وبالتالي اعتماد نمط جديد قد يغدو لاحقا نموذجا يحتذى. ويتمظهر التجديد في التأريخ في المنهج على مستويين: الشكل، والمضمون. ونعني بمنهج المضمون موقف المؤرخ من الحدث الذي يؤرخ له، اي كيفية استقراء جزئياته ومن ثم اعادة تركيبها بما يوضح مدى عمق رؤيته العمودية. ويُظهر الجهدَ الذي بذله للوصول الى اكبر قدر ممكن من الحقيقة التاريخية التي هي مطلقة في الاساس. ويمكن اطلاق مصطلح: «النظرة التاريخية» على مجمل هذه الجهود.

ويرتبط اسلوب التجديد في العصور الوسطى بمقدار خروج المؤرخ على الصورة التقليدية للخبر التاريخي، لأن الخبر استمر بوجه عام مستقلا بذاته ولذاته عند معظم مؤرخي العصور الوسطى الاسلامية، وقلما اسس لخبر جديد، او استند الى خبر آخر سابق لينفذ الى اعماق الحدث الكلي. فبراعة المؤرخ تتجلى بمقدار اخراجه الاحداث التي تتداخل بعض وجوهها او تتقاطع في سياق شامل ومترابط تتجلى فيه كلية الحدث المقصود.

وعلى هذا سندرس نظرة المقريزي التاريخية على كل المستويات التي أرّخ لها، كما سنبيّن مدى خروجه على الصورة التقليدية للخبر او وفائه لها.

 

I-نظرته التاريخية في السلوك: المقريزي اول المؤرخين الذين نظروا الى الاجتماع الانساني نظرة عامة شاملة غير تنظيرية في المطلق، بل حكمتها ركائز من ذاتيته غدت قوانين خاصة به، وعامة لمؤرخين آخرين مثل ما طرحه ابن خلدون في مقدمة كتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر». فجاءت نظرة معرفية نابعة من خبرة التعاطي في الشأن العام، ومراقبة الاحداث وتطورها، ومن رؤيته الانسانية العامة المتأثرة من دون شك بنظريات استاذه ابن خلدون ومحاولته تطبيقها في التأريخ. وهي نظرة هادفة، غايتها تبديل سلوك الحكام نحو الافضل علّ الخلف يتعظ من السلف.

وتكمن اهمية نظرته بمعالجتها نواحي متعددة من النشاطات الانسانية في المجتمع المملوكي: سياسية، وعسكرية، وادارية، واقتصادية، وعمرانية، واجتماعية بمختلف ابعادها شأن الاوبئة والامراض، والجرائم، والحرائق… وتأثيراتها المتبادلة.

نظرته الى الوضع العسكري: شكل الصراع بين فئات المماليك على اختلاف مستوياتهم وتنوع انتماءاتهم محورا رئيسيا في حياة المماليك منذ تأسيس دولتهم وحتى عام 844/1441 الذي تتوقف عنده اخبار « السلوك ». وتستوقفنا في هذا المدى محطات صراعية بارزة، اخص منها ما حدث في سلطنتي الناصر محمد بن قلاوون الاولى والثانية. ولكن المشهد يبدو أكثر اضطرابا في عهود ابناء الناصر محمد بن قلاوون واحفاده بحيث صوّر المقريزي المجتمع المملوكي مجتمعا دمويا غادرا تلفه المؤامرات والفتن.[14]ويستمر المشهد عينه على امتداد معظم العهد الجركسي وفق محطات او مفاصل قد يكون من نماذجه النافرة ما حصل في بداياته بين برقوق ومنافسيه، ثم في معظم عهد الناصر فرج بن برقوق[15]: كالصراعات بين منطاش وشيخ المحمودي ونوروز الحافظي، وبين جقمق واينال[16]

لم يحصر المقريزي آثار ما كان يحصل بالمماليك فقط بل تناول تداعياته المدمرة على كل فئات المجتمع بقوله:«وحل بالقاهرة ومصر خوف شديد بسبب اختفاء الاشرفية – نسبة الى السلطان الاشرف برسباي- وتطلبهم، فاذا دخل المماليك جهة من الجهات للبحث عنهم حلّ بسكانها انواع البلاء ما لا يوصف من النهب والهدم والعقوبة والغرامة وجد فيها اشرفية ام لم يوجد. وكان يتبعهم بهجومهم غوغاء العامة فحلّ بالنساء بلاء لا يوصف، فهدمت بعض المدارس ونهب بعضها الآخر… »[17]

ولكي تتبلور الصورة العسكرية، وهي من معالم التجديد في نظرته التاريخية، وصف الفنون القتالية وطرقها، والخطط الحربية، وانواع الاسلحة المستخدمة. فتناول في حصار آمد عام 837/1434 المدفع النحاسي المستخدم فيه الذي بلغت زنته مائة وعشرين قنطارا مصريا، وزنة قذيفته 570 رطلا مصريا[18]. ووصف في هذا الاطار انواع السفن الافرنجية، والسفن المملوكية وسبل استخدامها[19].

وفي المسار عينه أرّخ المقريزي لعلاقة العربان العدائية بالسلطة المملوكية الناتجة اصلا عن ظلم الحكام [20]. ويتقاطع هذا الموضوع مع نواحي اخرى متعددة تتكامل جميعها معا، لتجعل المشهد العسكري تاما بأحداثه وتفاعلاته بما يفرز من نتائج او تداعيات حددت ابرز محطاط التجديد في نظرته.

ب -موقفه من الاقتصاد: يحتل الاقتصاد منزلة تأريخية مهمة جدا في «السلوك»، فهو المحرك الاساسي لكل نشاطات الدولة والمجتمع، ولكل الصراعات الداخلية. وانطلاقا من هذه الحركية كان الحكام المماليك يتوسّلون ظلم الشعب. ولعل هذا ما جعل المقريزي يدرس مجمل الركائز الاقتصادية افقيا وعموديا مستخلصا منها العبر.

1 -النقود: يعتبر النقد العصب الاساسي في كل عملية اقتصادية، والوضع النقدي يعتبر مقياسا لتطور الحالة الاقتصادية او لركودها. لذلك ركّز المقريزي على قيمة النقود من حيث جودتها وغشها، مظهرا دور الغش في افقار الناس[21]. مما دفعه الى دراسة تطور النقود منذ العهد الايوبي وحتى ايامه ذاكرا اسباب غشها وتداعياته على الاسعار والحياة الاجتماعية، دارسا بطريقة تركيبية نظرية متكاملة للتضخم النقدي[22]، وهي لعمري خطوة سبقت عصره بل نظرية الاقتصاديين العالميين. وهي تزداد وضوحا كلما اقترب بالتأريخ من عصره بسبب وفرة المعلومات؛ فقد درس تطور الرواتب، وازدياد ارباح التجار وانعكاس هذين الامرين على النظام الزراعي عموما، محملا المماليك المسؤولية:« وكل ذلك من سوء نظرة ولاة الامور »[23]. وتكتمل نظرية التضخم النقدي بدراسته أسبابه؛ اذ يرجعه الى كثرة ما كان يتوجب على الدولة من جوامك (رواتب شهرية) للمماليك السلطانية، محدداً مقاديرها النقدية والعينية من لحم وكسوة وعليق للدواب[24]. مبرزا سوء تصرف المماليك السلطانية من اجل الحصول عليها وعلى علاوات جاعلا منه ابرز اسباب افساد ادارات الدولة، “والى خراب اقليم مصر وزوال نعم اهله”[25].

ولفهم عملية غش النقود واثرها على التضخم النقدي قارن بين النقود الذهبية المملوكية ومثيلاتها الاوروبية المستخدمة في الديار المملوكية محدداً مستواها واقبال الناس عليها: الاول هو الهرجة وقد قلّ بأيدي الناس، والثاني يقال له الافرنتي والافلوري اي «الفلوران الهولندي» والبندقي او الدوكة، وقد وصفها جميعها. والثالث الدينار الذهبي الناصري. كما تحدث عن جميع انواع الفلوس[26]. وبذلك، يكون المقريزي اول مؤرخي العصور الوسطى الذين احاطوا باحوال النقود الايجابية والسلبية، وتناولوا تداعياتها على مجمل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.

2 -الرسوم والضرائب: واستكمالا لنظرته الاقتصادية تحدث عن عمليات الطرح والتحكير، والاحتكارات، والرشوة، والمصادرات، والرسوم، وهي جميعها ضرائب استثنائية باتت بنظره عادية لكثرة ما فرضت. وتناول ايضا الغلاء ومسبباته، وتطور الاسعار. فقد تحدث عن الرسوم من حيث اصنافها، وكيفية فرضها، وتأثيرها على الناس[27]. وقد شرح بعض المصطلحات كالطرح وهو ان يشتري الوزير او الاستادار سلعا بأسعار بخسة او يصادر سلعا تحت عناوين جائرة متنوعة، ثم يعيد بيعها من التجار باسعار مرتفعة جدا. وازداد هذا النهج سوءا في العهد الجركسي حتى بات احدى سماته النافرة[28]. جعل من المصادرات عنوانا سيئا في سجل المماليك المثقل بالمظالم فابان مساوءها وتداعياتها على التجار وارباب الحرف وكبار الاداريين، وعلى تطور الحياة السياسية والعسكرية والادارية المملوكية[29]. كانت الرسوم والضرائب تثقل كاهل الناس حتى بلغ بعضهم مستوى الفقر والبعض الآخر ما دونه. وكان غشّ النقود يسبب غلاء بالاسعار وحال من الفوضى الاقتصادية، وللغلاء عند المقريزي اسباب اخرى؛ مثل قلة فيضان النيل او شدته، وان جاء الامران شديدي الوطأة كان الجوع والمرض يعمان حتى:«أكل الناس من شدة الجوع الميتات والقطط والكلاب والحمير، وأكل بعضهم لحم بعض»[30]، بالاضافة الى الجراد الذي كان يأتي على المزروعات[31]، والمطر المتساقط قبل الاوان الذي تعقبه فترة من الحر الشديد كان يخرج دودا كثيرا يتلف المزروعات[32].

3  – نتائج السياسة الاقتصادية: لم تكن نظرته مركّزة على الوضع الاقتصادي المتردي فحسب وان كان الاكثر تعبيرا عن سوء احوال الناس الذين يقنعون بالفتات[33]، ولم تكن تنظيرية نابعة من فراغ، بل امدنا باستمرار، وكلما توفرت له المعلومات، باسعار السلع ارتفاعا او هبوطا مقارنا احيانا بما كانت عليه اسعارها وكيف صارت.[34]ودرس غلاء الاسعار احيانا بشكل بياني من دون ان يجد سببا موضوعيا لإرتفاعها سوى فساد الادارة المملوكية[35]. ولعل من ابرزها دراساته لتطور سعر اردب القمح: فانه كان ينقص نصف سدسه بسبب كلفة سفره واجرة السمسرة، وحمولته، وغربلته، وطحنه[36].

 واعتبر الاحتكار احد ابرز اسباب الغلاء ولا سيما في عهد برسباي الذي فرض على التجار شراء السكر من المتجر السلطاني فقط، كما حظّر على المزارعين زراعة السكر لتبقى احتكارا سلطانيا[37]. وتعدى الامر السكر، الذي هو انتاج محلي، الى احتكار الفلفل المستورد اذ: «أوقعت الحوطة سنة 835/1432 على فلفل التجار بالقاهرة ومصر والاسكندرية…  ورسم بان يكون الفلفل مختصا بمتجر السلطان.»[38] وفي هذا الاطار درس احيانا موازنة الدولة كما في عهدي اسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون[39]، وبرقوق[40]. وهي لعمري دراسة مالية متقدمة جدا، تنمّ عن وعي تام للوضع الاقتصادي والفساد الاداري.

ان استنزاف المماليك للطاقات الاقتصادية من جراء فرض الرسوم والضرائب الجائرة، وطرح السلع على التجار، ومصادرة ممتلكات ارباب الاقتصاد والادارة واموالهم جعل ارباب المعرفة بالاقتصاد، يأنفون من تولي المناصب الادارية الاقتصادية كالوزارة وديواني الخاص والمفرد، والاستادارية[41]. والمقريزي، الى ذلك، درس بجلاء بنية الاقتصاد المملوكي المتردي محذّرا من ان استمراره سيؤدي الى اضعاف الدولة وسقوطها.

ج – موقفه من الادارة: لقد خبر المقريزي الادارة المملوكية عن كثب، اذ تولى الحسبة والقضاء، وادرك مدى اهتراء اهل الرأي في الادارة، ومدى ترددهم باتخاذ القرارات المسؤولة، ومن ثم التراجع عنها اكراما لهذا الامير او ذاك، او تقرب السلطان من مسببي القلق السياسي في دولته، علّه بهذا الاكرام يتّقي شرهم.

وما عاد معظم اصحاب الوظائف الديوانية او المتعممين على اختلاف مراتبهم بمن فيهم قضاة القضاة، والقضاة يمارسون وظائفهم بنزاهة، بل صاروا في خدمة السلطان وكبار امرائه، لأن وظائفهم صارت تشرى بمال حتى باتت الرشوة عنوان العهد الجركسي[42].  وساهمت معرفة بعض السلاطين الجركسة المتواضعة بالعلوم الدينية في افساد النظام القضائي كما حصل في المجلس الذي عقده المؤيد شيخ لقضاة القضاة الاربعة ومشايخ العلم، وقد تنّدر به المقريزي قائلا: « فكان مجلسا بغاية القبح، من اهانة الهروي وبهدلته. »[43] وهو يسوق مثالا على هذه الاوضاع الشاذة اسناد الحسبة عام 808/1406 الى احد باعة السكر، معلّقا على ذلك:« فكان هذا من اشنع القبائح وأقبح الشناعات ».[44] ويروي ان أقبغا الجمالي « سعى في الاستدارية على ان يحمل عشرة آلاف دينار »[45]. وأضاف السلطان عام 835/1432 الى كاتب السر الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ الوزارة ويعلّق على هذه الحادثة متحسرا:« ولم يقع مثل ذلك في الدولة التركية… وباشر مع بعده عن صناعة الانشاء وقلة دربته بقراءة القصص والمطالعات الواردة من الاعمال. غير ان الكفاءة غير معتبرة في زماننا، بحيث ان بعض السوقة ممن نعرف ولّي كتابة السر بحماه على مال قام به.»[46]

د -المجتمع:

1 -المجتمع القلق: لربما يكون مؤرخنا قد ركز على هذا المجتمع غير المطمئن لشدة الصراعات الدامية بين طوائف المماليك وامرائهم مما كان يؤدي الى غلاء في الاسعار، واغلاق للاسواق ونهبها، وخطف الناس من الطرقات، والتعدي على الرجال والنساء في الحمامات[47]. وكثيرا ما كان سبب الفتنة تافها كاشاعة كاذبة، او خلاف مؤقت بين اميرين لا يلبثان ان يتصالحا[48]. ولم يكن لذلك المجتمع القلق هوية فكانت احداثه ومظاهره متشابهة في كل مكان: في القاهرة اوحلب او دمشق، على الرغم من تغيّر الظروف في كل منها. وكان المقريزي شديد الحساسية تجاه هذه التصرفات الخارجة على الاطر الدينية والاخلاقية، التي كانت تهدد حياة الناس ومصالحهم في كل وقت وتقض مضاجعهم، من دون ان يعمل المماليك على حلها جذريا، لأنهم كانوا مسببيها.

وشكلت الحرائق احدى عوامل القلق الاجتماعي والامني لما كانت تسببه من اضرار بالغة من دون ان يُعرف اجمالا مسببوها[49]. وكذلك كانت حال المناسر التي تشتد احيانا[50]. وعرض مؤرخنا للاوبئة والامراض ومسبباتها ونتائجها، ذاكراً بعض اسماء النباتات والفواكه المستخدمة كأدوية في معالجتها، محددا اسعارها، متحسّرا بسبب عجز عدد وافر من الناس عن شرائها[51]. وكان الطاعون الاشد فتكا بين الاوبئة. وصوّر حالة الناس وارباب الدولة عندما كان الوباء يشتد فيعجز الاطباء عن الحد من انتشاره وعن شفاء المرضى، فكانوا امام هذا العجز يلوذون بالصلاة والصيام مدة ثلاثة ايام، او يخرجون للصلاة  في الصحراء [52].

2- الملابس: واستكمالا للنظرة الكلية الى لمجتمع لم يغفل عن وصف الملابس، محددا مستوى ملابس كل فئة من فئات المجتمع المملوكي وانواعها، ذاكرا اسباب منع ارتداء بعض الازياء واستبدالها بأخرى فتصبح (موضة)[53]. ويمكن للباس ان يشكّل بطاقة هوّية لبعض الموظفين. فاذا كانت للمماليك على اختلاف مراتبهم ألبسة محددة لكل فئة ومنزلة، فانه كان لكل درجة من المتعممين لباسها المميز:«خلع على شمس الدين محمد الهروي واستقر قاضي للقضاة… فغيّر زيّه، وهذه المرة الرابعة في تغيير زيّه، فانه كان اولا يتزيّ بزيّ العجم، فلبس عمامة عوجاء بعذبة عن يساره. فلما ولّي القضاء لبس الحبة، وجعل العمامة كبيرة، وأرخى العذبة بين كتفيه، فلما ولّي كتابة السر تزيّ بزيّ الكتاب وترك زيّ القضاة وضيّق اكمامه، وجعل عمامته صغيرة مدورة ذات اضلاع، وترك العذبة، وصار على عنقه طوق ولبس الذهب والحرير»[54]

3 -اللهو والاحتفالات: تناول «السلوك» انواع اللهو[55]، والاحتفالات الدينية والدنيوية التي كان يعبق بعضها بالفسق والفساد[56]، من دون ان يهمل  المغنين ونشاطاتهم[57]. ومدنا بنماذج عن مهر الزواج[58]. واعتبر ان الخمرة من المساوئ الاجتماعية متحدثا عن اسباب ابطال الخمّارات واهراق الخمور[59].

ه  – موقفه من الذمييّن: لم يقتصر مجتمع المقريزي على حياة المسلمين فقط انما أرّخ ايضا لعلاقة اهل الذمة بالمسلمين عموما واركان الحكم خصوصا. وكان ينحاز الى جانبهم عندما يظلمون، ويهاجمهم عندما كانوا يخطئون، مبديا ملاحظات قيمة حول علاقاتهم الاجتماعية. فذكر ان الشروط العمرية طبّقت عليهم مرات عديدة[60]، ومنعوا مرات كثيرة من شغل الوظائف الحكومية او التي طردوا منها، متطرقا الى الاسباب الموجبة، وهي برأيه غير مطلقة بسبب تضارب مواقف الفقهاء منها بين مؤيد ومعارض[61]. ويأسف لهدم عدد كبير من الكنائس لأنه كان يتم مرارا، من دون مبرر ديني او مسوّغ قانوني[62]. وتحدث عن بعض المسيحيين ممن تحوّل الى الاسلام قسرا، وبعض الذين ارتدوا مجددا الى المسيحية تكفيرا عن ذنوبهم غير آبهين بالمصير المحتوم الذي ينتظرهم[63].

وهكذا نلاحظ ان نظرة المقريزي الى التاريخ تناولت معظم جوانب الحياة السياسية والعسكرية، والادارية، والاقتصادية، والاجتماعية؛ قبيحها وجيّدها. فيتبدّى لك  مجتمع المماليك في ” السلوك” مجتمعا متحركا نابضا بالحياة. وقد يكون لرصيد ثقافة المقريزي الدينية، وحسّه الاجتماعي المرهف، واخلاقه الحميدة ما جنّبه الانجرار في مسار الفساد الجارف الذي ساد عصره، لا بل غدا ابرز سماته السيئة. ولست أغالي اذا اعتبرت ان هذا الرصيد برز في موقفه من ثقافة المماليك العامة في مختلف الميادين، ومن نقده اللاذع لممارساتهم غير المبررة دينيا وانسانيا. واعتقد انه تناول كل ذلك من اجل تقويم المفاسد والمساوئ، لأن في التاريخ عبراً.

د -موقفه من المماليك: لعل محور نظرته تركّز على موقفه من المماليك سلطانا وأمراء وأجنادا، فقد انصفهم عندما كانوا يستحقون الانصاف، وهاجمهم في غالب الاحيان لانه اعتبرهم مصدر المساوئ الادارية والاجتماعية والاقتصادية بسبب سوء تصرفاتهم، وشرههم للمال، وتصارعهم على المناصب الرفيعة، واهمالهم الرعية. وتعبيرا عن موقفه هذا، وسمهم بشتى انواع النعوت غير الحميدة، وسأكتفي بالاشارة الى بعضها: فقد ذكر في حوادث سنة 648/1251:” كثر ضرر المماليك البحرية بمصر، ومالوا على الناس وقتلوا ونهبوا الاموال، وسبوا الحريم، وبالغوا بالفساد، حتى لو ملك الفرنج ما فعلوا فعلهم”[64]. وتعليقاته على سوء تصرف المماليك كثيرة جدا، وقد اعتبرها غضبا من عند الله ليتم امره فيهم، كقوله بالامير يلبغا الجوباتي ابان صراعه مع الامير برقوق العثماني (السلطان لاحقا):” وكان الامير يلبغا لأمر يريده الله قد شحّت نفسه، وساءت اخلاقه… “[65].

وتحوّلت كثرة الفتن ومحاولة اخمادها وبالا على سكان المحلة او المنطقة التي كانت مسرحا لها: اذ كانت تنهب القرى نهبا قبيحا، ويسطى على المواشي، ويتم التعدي على النساء، وتعذيب من يظفر به المماليك حتى يطلعهم على ما عنده من علف وغيره[66].

ويغتنم المقريزي كل فرصة سانحة ليعبّر عن سوء تصرف اي سلطان او امير فيوجّه اليه اشد النقد قساوة، شأن تعليقه على موت السلطان الناصر فرج بن برقوق الذي طرح على مزبلة، عاريا الا من سروال يستر عورته:«وغوغاء العامة تعبث بلحيته ويديه ورجليه طوال نهار السبت، نكالا من الله، فإنه كان مستخفّا بعظمة الله سبحانه، فاراه الله قدرته فيه»[67]. واضاف مقوّما عهده السئء قائلا:« وكان الناصر هذا أشأم ملوك الاسلام، فانه خرّب بسوء تدبيره جميع اراضي مصر والشام… وَطرق ديار مصر الغلاء من سنة ست وثمان مائة، فبذل امراء دولته ومدبروها جهدهم في ارتفاع الاسعار… وأفسدوا مع ذلك النقود بإبطال السكة الاسلامية من الذهب… ورفعوا سعر الذهب حتى بلغ الى مئتين واربعين كل مثقال بعدما كان بعشرين درهما… وأخذت على نواحي مصر مغارم تجبى من الفلاحين في كل سنة، واهمل عمل جسور اراضي مصر… وأكثر وزرائه من رمى البضائع على التجار…  بأغلى الاثمان…  هذا مع تواتر الفتن واستمرارها بمصر والشام… »[68]. واعتقد ان رأيه هذا يحدد بكل دقة نظرته الى المماليك.

وعليه، جاءت نظرته افقية من جهة لأنها تناولت معظم النشاطات الانسانية في المجتمع المملوكي من دون ان تتعامى عن المساوئ، وعمودية تحليلية من جهة ثانية لأنه  درس حالات متعددة للموضوع الواحد قبل اصدار حكمه او رأيه به. ممّا اعطاه فرادة بين مؤرخي العصور الوسطى ليكون رائد مدرسة جديدة في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي المرتبط عضويا بالتاريخ السياسي والعسكري.

II- اسلوبه التأريخي:

أ–   التأريخ الحولي وموقف المقريزي من الخبر:

1 -وفاؤه لصورة الخبر التقليدية: جريا على منهج التأريخ ظل المقريزي غالبا وفيا  للمفهوم التقليدي للخبر، فحصره ضمن اجزائه السنوية الموزعة على ايام او اسابيع وربما شهور تبعا لمقتضى المدة الزمنية للحادثة-الخبر. واذا لم يكن تاما ضمن مدد وجيزة قطّعه الى اجزاء خصوصا اذا تجاوز السنة الواحدة،  رابطا بين هذه الاجزاء بالمصطلاحات التقليدية: « وفيها حدث كذا » او « ورد الخبر من عكا »[69]، او « في اليوم كذا من شهر كذا فوّض القضاء الى »[70] … لاتمام الخبر عينه من دون ان يربطه سببيا بما كان قد حدث الا في حالات يعود اليه وحده امر تقديرها، اما لأنها ترتبط بحدث مهم جدا، او تتعلق ببعض الامور الاقتصادية، كما سيتضح لاحقا.

2 -عطف الخبر على ما سبقه: فعلى الرغم من وفاء المقريزي بوجه عام للصورة التقليدية للخبر فانه عطفه على خبر سابق او اكثر، ذاكرا احيانا اسبابه البعيدة، كما في ذكر دوافع هجوم السلطان قلاوون على عكا: خرق الصليبيون المعاهدة التي كانوا قد وقعوها مع السلطان بيبرس، وقتلوا التجار المسلمين وصادروا بضائعهم [71].

ويزداد هذا المنهج وضوحا باقتراب المقريزي من التأريخ لعصره، لأن الصورة، على ما أعتقد، باتت أكثر جلاء في ذهنه والاحداث في متناول يده يتابعها عن كثب، اما بالاطلاع الشخصي المباشر، او باخذها من شهود عيان موثوقين.

3 –: ونجد في «السلوك» نمطا آخر من التدوين كالخبر كالمستقل بذاته والهادف الى رؤية أحادية متكاملة لموضوع محدد باسبابه البعيدة ونتائجه المباشرة، كما في تعداده الاسباب التي دفعت السلطان الناصر محمد بن قلاوون الى عزل الامير تنكز نائب الشام وما ترتب عليها من مصادرة امواله[72]. او تلك التي ادت الى خلع السلطان احمد بن محمد بن قلاوون: ومنها ان صَحْبُه ورسله كلهم كانوا من اوباش الكرك، جاءوا معه الى القاهرة، وأكثروا من اخذ البرطيل، وتسلطوا على الوزير، وحجبوا السلطان عن الامراء. ومنها ايضاجمعه الأغنام من الصيد بطريقة مريبة وتلك التي كانت لوالده ولبعض الامراء؛ واستيلاؤه على الحيوانات النادرة من الحوش السلطاني، واستيلاؤه ايضا على ذهب وفضة من شعائر السلطنة ومن اللجم… وسلبه ما كان لجواري والده من ذهب ومصاغ؛ ومصادرة نساء الامراء الذين أمر بقتلهم[73]. وهناك امثلة كثيرة على هذا النمط من التأريخ منتشرة على صفحات «السلوك» مثل اسباب مقتل غرلو شاد الدواوين[74]

4تعليل الحوادث: على الرغم من تفتيته الخبر على الطريقة التقليدية اذا تجاوز اليوم الواحد، فانه حلل بعض الحوادث وعللها، كما في تأريخه لضَيَاع المماليك السلطانية بعد عودة الناصر محمد الى العرش للمرة الثانية: قويت البرجية بقيادة بيبرس الجاشنكير الاستادار، وكانت تقابلها الاشرفية والمنصورية بقيادة نائب السلطنة الامير سلار، وشاركهما الامير برلغى الذي إلتفت الاشرفية حوله، فاصبح للمماليك السلطانية ثلاثة معسكرات متناقضة مما سمح للناصر محمد بالعودة الى الحكم[75]. والامثلة عديدة على هذا النمط كما في تعليله للتضخم النقدي.

 ويتكرر هذا المنهج التحليلي الاستنتاجي بوضوح عند المفاصل التاريخية المهمة كما في التحليل الرائع لشخصية الامير برقوق العثماني واسلوبه بالتمهيد لاعتلاء العرش[76].  وانظر في السياق عينه تحليله الرائع لتصرفات الناصر فرج بن برقوق السيئة، وموقفه منها[77]. واعتمد هذا النمط لابراز نتائج الاحداث المهمة، من دون ان يذكر انها نتائج، فأتت مكملة للحدث بل جزءا منه، وهي نتائج اقتصادية، وعسكرية، وادارية وسياسية، واجتماعية، كما في كلامه على تطور معركة وادي الخازندار[78].

ويحتل التحليل والتعليل منزلة مهمة في الحوادث التي عاصرها المقريزي، خصوصا تلك التي كان يستاء منها، وتؤذي الناس، من اجل توضيح الصورة السيئة للعهد الجركسي لأن الايجابيات المملوكية قليلة في « السلوك»؛ مما جعل منهجه فذا على هذا المستوى.

5 – التركيز على وحدة الموضوع: نجد في السلوك نمطا آخر من التأريخ الحولي، المبني على وحدة الموضوع حيث تضطرد الاحداث بشكل متلاحم وتتلاقى فيها الاسباب بالنتائج؛ فتجاوز المقريزي هكذا المنهج الحولي التقليدي الذي يمزق الخبر بالاستطرادات المتكررة الناجمة عن ذكر الحوادث اليومية[79]. ومن ابرز نماذجه اخبار الناصر محمد بن قلاوون منذ خروجه من مصر وتنازله عن العرش، وحلول بيبرس الجاشنكير مكانه، وحتى عودته الى العرش، ونتائج هذه العودة. ويبيّن هذا النمط مهارة المقريزي التأريخية[80]. ويشكل تأريخه للفيداوية، من حيث علاقتهم بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون ونوابه، نموذجا صارخا لتماسك المعلومات وتمحورها حول موضوع واحد متماسك من دون ان يتوزّع على الايام والشهور[81].

6 – تقويم الحالة العامة في البلاد: وبدءا بالعام 755 صار المقريزي يستهل اخبار السنة الجديدة بذكر السلطان القائم وأكابر رجال دولته، ليعود الى متابعة الاحداث التي كان قد بدأها في السنة المنصرمة خلافا لما كان قد درج عليه باتمام الخبر عينه في السنة الجديدة، من دون ان يستهلها بذكر السلطان القائم وكبار رجال دولته.

ومن معالم التجديد البارزة عند المقريزي تقويمه الحالة العامة في الدولة في مستهل بعض السنوات، وهي ميزة رائعة لا نجدها عند سواه. وتنمّ في الوقت عينه عن تمرّد نفسي على الحكام المماليك وتقريظ لهم لشدة ظلمهم وسوء تدبيرهم، كما استهلّ اخبار سنة 828/ 1425:« واسواق القاهرة ومصر ودمشق في كساد، وظلم ولاة الامر من الكشاف والولاة فاشٍ، ونواب القضاة قد شنعت قالة العامة فيهم من تهافتهم. وارض مصر أكثرها بغير زراعة، لقصور مد النيل في أوانه، وقلة العناية بعمل الجسور، فان كشّافها انما دأبهم اذا خرجوا لعملها ان يجمعوا مال النواحي لأنفسهم واعوانهم. والطرقات بمصر والشام مخوفة من كثرة عبث العربان والعشير. والناس على اختلاف طبقاتهم قد غلب عليهم الفقر. واستولى عليهم الشح والطمع، فلا تكاد تجد الا شاكيا مهتما لدنياه. واصبح الدين غريبا لا ناصر له. »[82]. وكان يستهل بعض الاشهر بتقويم الوضع العام ولا سيما الاسعار التي كانت تشكّل بنظره معيارا لسلبيات الحكم او ايجابياته مظهرا تداعياتها على الفقراء[83]

ويشكل اختتام المقريزي لبعض السنوات بتقويم عام ميزة جديدة بل فرادة اختص بها، كما ختم عام 833/ 1430:« كانت ذات مكاره عديدة من اوبئة شنعة، وحروب وفتن، فكان بأرض مصر وبالقاهرة… وباء… وغرق ببحر القلزم… وغرق بالنيل… وكان ببلاد المشرق بلاء عظيم وهو ان شاه رخ بن تيمور… وكان ببلاد السراي والدشت وصحارى القبجاق… قحط شديد… وكان ببلاد الحبشة بلاء لا يمكن وصفه… اما بلاد المغرب… »[84].

ب – التراجم: كان يتوسع بترجمة السلاطين الذي احسنوا ادارة الدولة من امثال الناصر محمد بن قلاوون، حتى باتت ترجمته تختصر عهده الزاهي[85]. وترجم للسلطان برقوق متحدثا عن حسناته، واشاد به لأنه ألغى الكثير الكثير من المكوس، ولتقديره الفقهاء ورجال الدين عموما، ولإكثاره من المنشآت العمرانية. ولشدة اعجابه به تناول موازنة الدولة في عهده، وقيّم موجوداته[86]. ولم تمنعه تلك  الاشادة من ذكر سيئاته وتداعياتها كشدة نهمه للمال حتى حذا كبار أمرائه حذوه وصار البرطيل عرفا، بل عنوان عهده؛ وابرزانتشار لواط الغلمان الذي اصبح عادة في عهده حتى تشبهت بهم  البغايا[87].

والملفت للانتباه انه لم يفرد لبعض السلاطين ترجمة خاصة بهم في نهاية عهد كل منهم، بل ذكرها باقتضاب بين تراجم وفيات العام الذي توفي فيه كل واحد منهم، وقد تكون ترجمة السلطان برسباي ابرز هذا النمط الجديد. ولعل مرد ذلك الى الصفات السيئة التي اتصف بها بسبب احتكاراته وبخله:« كان له في الشح والبخل والطمع، مع الجبن والجور وسوء الظن ومقت الرعية… وسرعة التقلب بالامور وقلة الثبات اخبار لم نسمع بمثلها. وشمل مصر وبلاد الشام في ايامه الخراب، وقلت الاموال بها، وافتقر الناس، وساءت سيرة الحكام والولاة…  »[88]. ويعكس مجموع هذه التراجم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية في عصر المماليك، وتشكل تاريخا مختصرا للحقبة التي تناولها «السلوك».

ان منهج تقي الدين احمد المقريزي من أكثر مناهج المؤرخين المسلمين تنوعا من حيث الشكل، فقد تمتّع بخصائص طبعت «السلوك» وميزته من غيره من مؤلفات العصر المملوكي. وتتلاءمت اجمالا مع نظرته التاريخية التي شكلت لبّ منهجه، وقد تفوّق بها عموما على ما عداه من مؤرخي العصور الوسطى، ممّا أعطاه فرادة بينهم تنمّ عن عمق في التفكير قلما نجد له نظيرا، وشغفٍ بالنواحي الاقتصادية بمحاولات دؤوبة صوّرت واقع الحياة الاجتماعية. وقد قال فيه تلميذه ابن تغري بردي:«هو اعظم من رأيناه وادركناه في علم التاريخ ودروبه، مع معرفتي لمن عاصره من علماء المؤرخين، والفرق بينهم ظاهر، وليس في التعصّب فائدة» [89].


[1]

[2]– ابن تغري بردي (جمال الدين يوسف)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تحقيق ابراهيم علي الطرخان، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ج15، ص 490 و السخاوي، الضوء اللامع لاهل القرن التاسع، ج2، ص22

[3]– كثيرون ترجمو لجدي المقريزي لأمه ولأبيه، ومنهم المقريزي نفسه، السلوك لمعرفة دول الملوك، ، ج2، ق1، ص 365 .وابن حجر العسقلاني (احمد بن علي)، الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة، دار الجيل، بيروت، دون تاريخ، ج2، ص 391 

[4]– لمزيد من الاطلاع انظر: عز الدين علي (محمد)، اربعة مؤرخين واربعة مؤلفات، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، 1992، ص 161-163 حيث اسهب في ذكر تراجم الاشخاص الذين تثقف عليهم

[5]-المقريزي، سلوك، ج2، ق1، ص 365

[6]– وقد توسع عز الدين علي بالترجمة لمن اخذ عنهم العلم، المرجع السابق، ص 164- 168

[7]– انظر حول ترجمة المقريزي: السخاوي، الضوء اللامع، ج2، ص 21-24، ابن تغري بردي، المنهل الصافي، ج1، 394-399،

[8]– عز الدين علي، اربعةمؤرخين، ص172

[9]– انظر حول وظائف المقريزي الحاشية رقم 7 ولا سيما السخاوي، الضوء اللامع، 2/22

[10]– السخاوي، الضوء اللامع، 2/22

[11]– السخاوي، الضوء اللامع، 2/22، المنهل الصافي، 1/397

[12]– انظر الحاشية السابقة

[13]– انظر ترجمة المقريزي في الضوء اللامع، والمنهل الصافي، واربعة مؤرخين واربعة مؤلفات، ص 127- 218

[14]– المقريزي، سلوك، 2 ق3/567-580

[15]– المصدر السابق، 3، ق3/960 وما بعد ولا سيما 1136 وما يليها

[16]– المقريزي، السلوك،  4، ق3 /1072- 1081

[17]– المقريزي سلوك، 4، ق3 / 1127

[18]– المقريزي، سلوك، 4، ق2/906

[19]– شيني اي سفن كبيرة، قرقورة وهي سفن كبيرة تستخدم بتموين الاسطول، الغراب لأن رأس السفينة يشبه الغراب وهو يحمل المقاتلين ويسير بالقلع، وطريدة وهي مركب خفيف وسريع، وشختورة وهي سفينة ضخمة.المقريزي سلوك، 3، ق1/149

[20]– انظر نماذج عنها في: السلوك، 1 ق3/920-922 و 2، ق3/804، 917، و4، ق1/319، 396 …

[21]– المقريزي، سلوك، 2، ق1/205،  2، ق3 /669 وغيرها كثير جدا

[22]– المقريزي، سلوك،3، ق3/1131- 1132

[23]– المقريزي، سلوك، 4، ق1/27-29

[24]– المقريزي، سلوك، 4، ق1/27-29

[25]– المكان عينه

[26]– المقريزي، سلوك 4، ق1/305-306 . ويعلّق على غش النقود وعلى عدم التداول بها بان الادارة لم تكن تثبت على أمر فحينا تمنع امرا ما ثم لا تلبث ان تتغاضى عن المنع ضاربا مثلا على النقود الاشرفية :” فلما نودي بالمنع منها عاد الامر كما كان، فخسر الناس عدة خسارات، وأخذت الباعة وغيرها بجمعها – اي الاشرفية – لتتربص بها مدة، ثم تخرجها شيئا فشيئا، لعلمهم ان الدولة لا تثبت على حال وان أوامرها لا تمضى .” سلوك، 4، ق2/ 852

[27]– ان ابرز الرسوم التي ذكرها هي: ساحل الغلة، نصف السمسرة، مقرر الحوائص والبغال، مقرر السجون، طرح الفراريج، مقرر الفرسان، مقرر الاقصاب والمعاصر، رسوم الافراح، حماية المراكب، حقوق القينات، وشد الزعماء، حقوق النوبة والسودان، متوفر الجراريف، مقرر المشاعلية، ثمن العبى التي كانت تستأدى من البلاد، مقرر الاقبان، زكاة الرجالة. سلوك، 2، ق1/150-152

[28]– المقريزي، سلوك، 2،ق2/439، 444، و3، ق2/55، و 4، ق2/801، 4، ق3/1127 وغيرها

[29]– المقريزي، سلوك، 2، ق2/358، 361، 370، 384، 431. وقد طالت هذه المصادرات مباشري المعاصر والدواليب بحجة زغل السكر والعسل 2،ق2/419 واموال الايتام وتمت معاقبة القضاة الذين كانوا يدافعون عن اموال الايتامسلوك،2، ق2/432، كما كانت المغنيات تصادر بذرائع متنوعةسلوك، 2، ق2/836، وكان كبار الامراء يصادرون بدورهم بسبب تآمرهم او غير ذلك كما كانوا سيغرمون اموالا وهذا الامر يعتبر مصادرة، سلوك، 3، ق3/1141

[30]– المقريزي، سلوك،1، ق3/810، 814

[31]– المقريزي، سلوك،2، ق3/702

[32]– المصدر السابق، 4، ق3/1098

[33]-المقريزي، سلوك، 1، ق1/130-134، 200

[34]–  المصدر السابق،1، ق2/446 وق3/717-718

[35]– المعلومات وفيرة حول هذه الناحية واليك بعض الصفحات:سلوك، 3،ق3/982، و1100، 1133-1135

[36]– المقريزي، سلوك، 3، ق3/1132-1135

[37]-المقريزي، سلوك، 4، ق2/647،654، 766

[38]– المقريزي، سلوك، 4، ق2/869

[39]–  المقريزي، سلوك، 2، ق3/665، 671

[40]– فذكر فيها مقدار الذي تركه حين وفاته، وقيمة ومقدار المخزون عنده من مختلف الاصناف، وعدد الخيول والجمال في اصطبلاته، ومقدار جوامك مماليكه الشهرية، وعليق خيولهم، سلوك، 3، ق2/938

[41] – المقريزي، سلوك،2، ق3/918-919

[42]– المصدر السابق، 1، ق2/538 – 540، 542، و2، ق2/439-443

[43]– وقد حضر هذا المجلس ابن مغلي قاضي قضاة الحنابلة الذي سأل قاضي قضاة الشافعي عن اربع مسائل وهو يجيبه فيقول له اخطأت، وتدخل قاضي قضاة الحنفية لصالح الاول وراح يشتم الهروي قاضي قضاة الشافعية ثم قال: ” يا مولانا السلطان اشهدك على اني حجرت عليه الاّ يفتي.” سلوك، 4، ق1/479- 485

[44]– المقريزي، سلوك، 4، ق1/11

[45]– المقريزي، سلوك،4، ق2/ 866-867

[46]– المقريزي، سلوك، 4، ق2/ 870-871

[47]– المصدر السابق، 1، ق2/38

[48]–  نفسه،3، ق3/1018 والنماذج كثيرة

[49]– 3، ق1/27-28، 4، ق2/892

[50]– تخوف الناس من منسر انعقد بالقاهرة، وكان اعضاؤه يكتبون اوراقا يطلبون فيها اموالا من الاغنياء :« ومتى لم تبعث لنا ذلك كنا ضيوفك » سلوك، 2،  ق3/644، 901_902

[51]سلوك، 3، ق3/1124-1126

[52]– المقريزي، سلوك، 4، ق1/487

[53]– المصدر السابق، 2، ق3/810-811

[54]– نفسه،4، ق2/670-671

[55]– بحديثه عن لهو السلطان شعبان يتناول حضير الحمام (تربيتها وكشها)، والصراع، والتثاقف، والشباك، وجري السعاة، والنطاح بالكباش، ومناقرة الديوك والقماري.سلوك، 2، ق3/739

[56]– ويتحدث المقريزي عن احد الشيوخ الذي عمل المولد عام 790وقد حدث فيه انواع الفساد :« وفي هذه الليلة عمل الشيخ…المولد على عادته في زاويته …فكان فيه من الفساد ما لا يوصف، الا انه وجد من الغد في المزارع مائة وخمسون جرة فارغة من جرار الخمر التي شربت تلك الليلة، سوى ما حكي عن الزنا واللياطة.” 3، ق2/576 .ويذكر ان المراكب منعت من عبور خليج الحاكمي لكثرة ما كان يحصل هناك من فساد والتظاهر بالمنكر، وتبرج النساء وجلوسهن مع الرجال مكشوفات الوجوه…وشربهن الخمر 2،ق1/29، وتتبع محتسب القاهرة اماكن الفساد بنفسه فمنع النساء من النياح على الاموات، ومنع ايضا التظاهر بالحشيش، وكفّ البغايا عن الوقوف لطلب الفاحشة في الاسواق ومواضع الريب» سلوك، 4،ق1/790

[57]– المقريزي، سلوك، 3، ق2/576 ابرز المقريزي الشهرة التي كان يحظى بها احد المغنين، وبالتالي يمكننا من خلال السلوك التعرف على مشاهير المغنين والموسيقيين2، ق3/715

[58]– المقريزي، سلوك، 2،ق2/333

[59]– المصدر السابق،،ق1/53-54، 211، 4،ق1/486 وغيرها

[60]– المقريزي، سلوك،1، ق3/909-913، 2، ق3/921-927، وذكر ان الشروط العمرية طبقت على اهل الذمة من دون ذكر السبب، سلوك، 3، ق3/1040

[61]– المقريزي،سلوك، 1، ق3/909-913، 2،ق1/226-228

[62]– افتى الفقيه نجم الدين بن رفعة بنهب الكنائس وبوجوب هدمها فعارضه فقيه آخر، وكان تم هدم بعض الكنائس والبيوت في الاسكندرية وبقيت الكنائس في مصر مغلقة مدة سنة كاملة، ولم يتم فتحها الا بشفاعة ملك أرغونة 1،ق3/950، كما ذكر الاعمال الاحتيالية من قبل بعض المتعصبين لهدم الكنائس ما أدى الى هدم عدد كبير منها وكأنه، على حد تعبيره، أمر سلطاني 2،ق1/216-218 .وأمر السلطان برقوق بهدم كنيسة بوالنمرس لأن نواقيسها ازعجت احد المسلمين على حد تعبير المقريزي وحولها الى مسجد. سلوك، 3،ق1/340-341

[63]– بضغط من العامة وتعصبهم تحول عدد من المسيحيين الى الاسلام خوفا على انفسهم على حد تعبيره، سلوك، 2،ق1/226-228، وروى ان بعض المسلمين كان يشتكي للسلطان من ان المسيحيين استجدوا بعض الكنائس فيأمر بهدمها، فيستغل هؤلاء الموضوع لنهب الكنائس= = والاديار وهدم بعضها الاخر وان كان غير مستجد،  ووجه المقريزي لوما للسلطان وغيره من ارباب الدولة على هذا التصرف الاخرق. وكانت هذه الاعمال تؤدي الى تحويل بعض المسيحيين الى الاسلام قسرا.سلوك، 2،ق3/921-927 . وروي ايضا عن قدوم جماعات من المسيحيين ممن كانوا تحولوا قسرا الى الاسلام يشهرون ارتدادهم الى المسيحية تكفيرا عن ذنوبهم لأنهم كانوا قد ارتدوا عنها، فعرض عليهم الاسلام  ولما رفضوه  قتلوا مع النساء المرافقات لهم.سلوك، 3،ق1/372-373

[64]– المقريزي، سلوك، 1، ق2/38

[65]– المصدر نفسه، 3، ق1/130

[66]– المقريزي، سلوك، 4، ق1 /105

[67]– المقريزي، سلوك، 4، ق1/ 224

[68]– المقريزي، سلوك، 4، ق1/ 225-226

[69]– المقريزي، سلوك، 1، ق2/447

[70]– المصدر نفسه، 1، ق2/448

[71]– المصدر نفسه، 1، ق3/753-754

[72]– المقريزي، سلوك، 2، ق2/509

[73]– المقريزي، سلوك، 2، ق3/618-619

[74]– المصدر نفسه، 2، ق3/735-737

[75]– المقريزي، سلوك، 1، ق3/875-876

«وخلا الجو للأمير الكبير، ورأى انه قد أمن، فانه لما أخذ الامرة في ايام أينبك كان معه في ضيق، لأن نفسه تريد منه ما لا يؤهل له. فلما زالت دولة اينبك… وصار هو والامير بركة يتنازعان الامور، ولا يقدر على عمل شيء الا بمراجعة بركة حتى كان من امره ما ذكر، فصارت المماليك الاسياد يريدون التوثب عليه وهو يداريهم جهده، حتى وثب بهم، وأخذهم، فلم يبق له معاند، وصار له من المماليك الجراكسة عدد كبير… فرقاهم الى ما لم يخطر لهم ببال، وانعم على جماعة بامريات المقريزي، سلوك، 3، ق2/474

[77]– المقريزي، سلوك، 3، ق3/1176-1178

[78]– المقريزي، سلوك، 1، ق3/897-904

[79]– انظر مثلا مقتل الاشرف خليل وتتابع الاحداث حتى اعلان سلطنة الناصر محمد بن قلاوون، سلوك،1،ق3/788-798، وانظر ايضا في السياق عينه سلطنة لاجين فهروبه حتى اعتلاء كتبغا العرش، نفسه، 1، ق3/820-827

[80]–  المقريزي، سلوك، 2، ق1/53وما بعد

[81]–  المصدر نفسه،2، ق3/554-558

[82]– المقريزي، سلوك، 4، ق2 /678، وانظر نمازجا اخرى: نفسه، 4، ق2/ 705، 734 …

[83]– المصدر السابق، 4، ق2/804 وغيرها كثير

[84]– نفسه، 4، ق2/ 836-841

[85]– المقريزي، سلوك، ج2، ق2، ص524-548

[86]– المقريزي، سلوك، 3، ق2 /937-947

[87]– المقريز،سلوك، 3، ق2/ 626 – 618

[88]–  المقريزي، سلوك، 4، ق3/ 1066

[89]– ابن تغري بردي، نجوم، 15/491

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *