الخاص والمشترك في لبنان

ان العنوان يطرح اشكالية ايديولوجية طالما تجاذبها المؤرخون كل من موقعه، ولكنني لن ادخل في هذه المتاهة وسأحاول ان اكون موضوعيا، علما انني حضرت هذا الموضوع بعجالة لان الاتفاق مع الصديق فرحان صالح كان حول “الخاص والعام في العصور الوسطى” وهو ينأى عن موضوعنا وان كان يطال بعض جوانبه.

    يقتضي البحث المنهجي اولا تحديد لبنان جغرافيا، فهل وجد هذا التعبير عبر العصور ؟ لن اردد اقوالا كثيرة في هذا الشأن ولكن من الثابت ان كلمة لبنان استخدمت منذ العصور التاريخية، ولكن الحدود غير معروفة وغير ثابتة ايضا.وبالتالي سأستعيد الطرح الذي اقترحته في مؤتمر المقاصد” كتابة تاريخ لبنان الي اين” اي انطلق من الحدود الحالية للبنان واعود من خلالها لمعالجة الموضوع عبر الزمن.ويبقى سؤال اساسي منذ متى نشأت الحدود السياسية والدولية للاوطان؟ وهل كانت التسميات تتجاوز التعبير الجغرافي مثلا بلاد الشام، او آسيا الصغرى، وافريقيا للدلالة على المغرب العربي الحالي، او المغرب الادنى، او الاوسط…اذا الحدود بمعناها الحالي لم تكن معروفة، والدول كانت تكبر او تصغر تبعا للقوة العسكرية خلال الزمن التاريخي.من هنا يجب تحديد العام بالدولة الاساسية التي كانت تسيطر على لبنان، والمشترك تتحدد بالمناطق التي كانت ترتبط مباشرة بتلك الدولة وتسير بفلكها من دون اعتراض مهم، والخاص هي المناطق التي كانت خاضعة بشكل ما للدولة الاساسية من دون ارتباط مباشر اي لم يكن عليها تنفيذ سياستها بالكمال والتمام.

   وانطلاقا من ذلك يصبح الساحل اللباني هو المشترك، وقسم كبير من الجبل هو الخاص.ومن المفيد العودة الى بداية الفتوح لتوضيح هذه المسألة. لقد تم فتح السواحل، ولن اتوقف عند كلمة الفتح اليسير، لانها تحتمل نقاشا، ولكن المهم ان المصادر العربية لا تتحدث ابدا عن الفتوح في الجبل.ما يعني ان الجبل استمر بعيدا عن سيطرة السلطة العربية الاسلامية المباشرة.وتحجم المصادر ايضا عن توضيح الضرائب التي فرضت على الجبل ولا ندري ان كانت قد جبيت سوى من مناطق المنيطرة التي اقتضت الثورة على عامل صالح بن يحي في مطلع العهد العباسي، ولكن المنطق يفترض ان ضرائب ما فرضت على الجبل من دون ان ندري مقدارها، ولا كيفية جبايتها.وهناك من يذهب الى ان الجبل لم يدفع الضرائب.المهم في المعادلتين ان خصوصية ما تمتع بها الجبل اللباني.

    المشكلة الاساسية تكمن اذا بالتاريخ العام الذي لا يوضح اي من المسائل التي طرحت، خصوصا على مدى العصر الراشدي. وهذا يطرح تساؤلا رئيسا هل رضي الخلفاء الراشدون بالسيطرة على السواحل فقط لضبطها ومنع البيزنطيين من العودة اليها؟ ايضا لاجواب واضح حول الموضوع. ومن جهة ثانية ، كان سكان الجبل متفاهمين مع الامويين ما قيل عهد عبد الملك، ويحصلون على اعانات اموية خصوصا من معاوية، ويذهب الدكتور كمال الصليب، في تفسيره لاسباب ثورة المنيطرة، الى القول ان هذه الاعانات استمرت حتى نهاية العهد الاموي. ما يعني ايضا وضعا خاصا للجبل. في المقابل وعلى اثر الفتوح اسكن العرب جماعات من الفرس واليهود والعرب وغيرهم عل السواحل لحمايتها، وبالتالي ارتبط هؤلاء بالسلطة العربية مباشرة، ونفذوا ما كان يطلب منهم، ما يعني انهم لم يتمتعوا باي خصوصية حتى ذلك التاريخ. ولكن بعد ثورة المنيطرة وما ترتب عليها من آثار بالغة الخطورة شجع العباسيون قبائل عربية على السكن في السواحل واطرافها واعطوا المناطق التي سكنوها اقطاعات يستغلونها عوضا عن الرواتب النقدية، بمعنى انهم ربطوا مصير القبائل بتلك المناطق. وهكذا اسس التنوخيون اول امارة عربية في لبنان، وخدموا الدولة العربية حتى في عهود انحطاطها اي في العهود الطولونيين، والاخشيديين، والفاطميين، والسلاجقة والايوبيين، والمماليك. وهذا لا يعني انه لم يتمتع التنوخيون بوضع خاص، فقد اسسوا امارة سلالية تعتبر الى حد دويلة دامت أكثر من اية امارة عربية وغير عربية عبر التاريخ الوسيط، وكان يتم الاعتراف بالسلطة التنوخية وسلطانها على بيروت والغرب، حتى في العهد الصليبي انما بمقدار اقل، وتبعا لقوة وضعف الصليبيين.    

  ونجح يوحنا مارون بحسن تدبيره وقيادته الواعية ان يؤسس الامة المارونية في لبنان ان جاز التعبير، اذ لم يغضب الخلفاء الامويين ، ولم تسئ تصرفاته اليهم ، وتمكن في آن من وضع حد نهائي لتدخل الروم في شؤون طائفته ، وذلك عندما ارسلوا – على الارجح عام 685 – حملة عسكرية لتأديب الموارنة لخروجهم على طاعة المجمع المسكوني، فقتلت عددا من الرهبان في دير مار مارون ، وتبعت الفارين بقيادة بطريركهم الى لبنان للنيل منه ومن اتباعه ، ولكن الموارنة دحروا المهاجمين في اميون وقتلوا قائديهم موريق وموريقيان.

    ولم يعترض السكان الاصليون في جبال لبنان الشمالية على النازحين الجدد ، لأن المذهب الخلقدوني كان يجمع بينهم ، بل اندمجوا في بوتقة واحدة في العهد الاموي لتأسيس امة (جماعة) لها مقوماتها الخاصة في ظل تنظيمها الكنسي ، الذي اتخذ بعدا زمنيا من دون ان يتحول الكنسي الى نظام سياسي. وقد ساهمت جغرافية المكان المنيعة ، التي تحميها الجبال العالية والمعابر الصعبة المسالك ، بتمتع المجتمع الجديد ، الذي غدا مارونيا ، بمقدار كبير من الاستقلال خصوصا ان الموارنة لم يسيئوا الى الدولة الاموية ، بل تحولوا الى حلفاء لها بعد ان ناصبوا الروم العداء حين عمد هؤلاء الى استغلالهم استخدامهم من اجل المصالح الرومية البحتة. 

       ويمكن القول ان العهد الاموي اسس لتوزيع ديموغرافي جديد في لبنان ، بحيث استقر الموارنة في شماله ولاسيما في الجبال ، واقامت في معظم مدن الساحل حاميات اسلامية قد تكون حصلت على ارضي زراعية لاستغلالها عن طريق الاقطاع وهذا يفترض وجود سكان غير عرب لاستثمارها لان العرب انفوا من العمل الزراعي ومنعوا عن ممارسته ، ونعتقد ان بعض السكان عادوا بعد ان هدأت الفتوحات للاقامة ان لم يكن في المدن انما في جوارها، اي السفوح الجبلية. وقد استقرت في لبنان الجنوبي عناصر عربية الى جانب السكان الاصليين ، وقد يكون الامويون قد جعلوا منه منفى لاعدائهم ونستدل على ذلك من نفي معاوية لابي ذر الغفاري اليه ، ما يفترض ان انتشارا اسلاميا بدأ فيه. وقد جعل الامويون بعلبك قاعدة اساسية لمنطقة البقاع ، ومركزا لقاعدة عسكرية تغذي المناطق عند الضرورة ، وبنوا فيه قلعة عنجر. وكان المسيحيون الملكيون الذين سيعرفون في ما بعد بالارثوذكس منتشرين على السواحل الشمالية للبنان، ولاسيما في الكورة. ويذهب بعض المؤرخين الى الاعتقاد ان الملكيين كانوا منتشرين ايضا في المتن.ان هذا التوزيع الديموغرافي سيكون له شأن في مفهوم الخاص والمشترك

  خصوصية الجبل وقيام المقدمية المارونية :

يرجع الدويهي قيام السلطة الزمنية في شمالي لبنان الى عهد البطريرك يوحنا مارون وتحديدا الى نسل اخته التي انجبت ولدين:ابراهيم وقورش، بحيث تولى الاول تدبير امر الجماعة المارونية عسكريا، وسلك اخوه طريق خاله يوحنا مارون.و كأن الدويهي يريد ان يقول لنا ان هناك تزامنا بين السلطتين الروحية والزمنية، لا بل يذهب ابعد من ذلك وهو تاسيس دويلة مارونية في الجبل لها سلطاتها الدينية الخاصة والزمنية وتساعد الواحدة الاخرى. وليس لدينا مصدر آخر يبت بالامر سلبا او ايجابا، والدويهي وان كان يعكس تفكير موارنة زمانه، فانه يعني انه كانت لذلك التفكير جذور قديمة راسخة في اذهان الناس ان صحّت روايته او لم تصدق.

  واذا اخنا بعين الاعتبار رواية ابن القلاعي عن ثورة المنيطرة والاحداث التي سبقتها:لبس المقدم الياس التاج ورفع الصليب شعارا لثورته او دويلته، نلاحظ التوجه عينه عند الاثنين، واذا كان ابن القلاعي عاش في بداية العهد المملوكي، والدويهي في القرن 18 فانهما يعكسان التوجه عينه، ما يعني عمليا ومنهجيا انه كانت للجبل ميزاته الخاصة ونوع من الاستقلال الذاتي. ويؤيد ذلك صراع موارنة الجبل مع الحكام الصليبيين عندما حاول هؤلاء فرض نظمهم الاقطاعية على موارنة الجرد، والتدخل في شؤونهم الخاصة .وهنا تفسير مهم للدكتور كمال الصليبي بين فيه الخلاف لا بل الصراع بين الفريقين وكيف ان موارنة الجرد خرجوا على طاعة الكرسي الرسولي في روما وانتخبوا بطريركا خاصا بهم هو لوقا البنهراني بوجود بطريرك آخر تابع لروما هو ارميا الدملصاوي. واذا عدنا للعنطوريني نجده يحدد الحكام الموارنة في العهد الصليب ويسميهم الرقباء ويذكر ان الرقيب على جهة بشري كان شدياقا وهي رتبة كنسية. ويربط الياس القطار بين الامرين ليبين مدى اهتمام الحكام الموارنة بالارتباط بالكنسي. ويذهب الدويهي ابعد من ذلك بنقله رواية عن ابن القلاعي:انه كان يوجد ثمة امير ماروني على كسروان يدعى يوحنا، ومن ثم يسميه الملك ( هاجر الى قبرص بعد سقوط طرابلس). ونفيد من النص عينه الذي حلله القطار: ان عدد المقدمين بلغ ثلاثين، وحدد مقدمية كل منهم. ويستخلص ايضا مدى عمق الترابط بين السلطتين الزمنية والروحية. ومن ثم يصور الهالة الروحية والقدرة التي وهبها الله للبطريرك الذي لعن المقدم سالم الذي لم يلبث ان توفي بعد ثلاثة ايام. كما كانت له ايضا السلطة على رسم المقدمين الذين كان دورهم الى جانب جباية الضرائب حماية الموارنة من اي اعتداء خارجي.

    واذا عرضنا للرواية التي انفرد بها الدويهي عن التجاء الظاهر برقوق الى وادي قنوبين وتثبيته للمقدم يعقوب ابن ايوب مقدما وكأنه بذلك يكرس سلطته من اعلى سلطة مملوكية انذاك، ويؤسس لعلاقة جديدة بين المماليك والموارنة بعد الحملات المملوكية على لبنان. وهوبذلك ينقل السلطة من بلاد جبيل الى جبة بشراي. اذا ربطنا كل ذلك بعضه بالبعض الآخر يمكننا الاستنتاج ان حكما ما لا نعرف مدى نسبته من الاستقلال كان قائما في الجبل بين جبة بشراي من جهة وبلاد جبيل من جهة ثانية، وان السلطة الاسلامية لم تتعرض له بل تركت له حرية التصرف ما دام القيمون عليه لا يعادونها جهارا، وبالتالي كان هذا نوعا خاصا انفرد به الجبل اللبناني المذكور.

الامارة التنوخية :يذهب محمد علي مكي الى القول ان ثورة المنيطرة اثارت حفيظة العباسيين فشجعوا قبائل عربية الى الانتقال والاقامة في الساحل اللبناني لحمايته مخافة ان يقوم تحالف بين البيزنطيين وموارنة الجبل. طبعا لن اناقش هذا الرأي على ضعفه، انما ما يهمنا هو انتقال التنوخيين الى البقاع اولا ثم الى بيروت للاستقرار فيها ونيلهم اقطاعات في منطقة الغرب، – الانتقال الى البقاع اولا يضحض رأي مكي حول التحالف بين الموارنة والبيزنطيين- ومن ثم حدث صراع بينهم وبين موارنة سن الفيل ادى بالتنوخيين الى الرحيل عنها الى الشويفات، وتوسعت هذه الامارة فيما بعد على عهد المأمون لتشمل صفد في فلسطين. وعمد الخلفاء العباسيون الى زيادة حصون السواحل من اجل ان تصبح شديدة المناعة واوكلوا امر الدفاع عنها الى التنوخيين وهكذا اصبحت بيروت مركز التنوخيين ومناطق الغرب امتدادا لهذا التواجد وعصبا له. تمكن الامير النعمان التنوخي من توريث امارته، وغدا الامر سابقة جرى على خطاها كل الامراء التنوخيين على الرغم من الخلافات التي جرت بين افراد العائلة الواحدة، كما في كل العائلات، من دون ان تؤثر على طبيعة الامارة.

هكذا نشأت هذه الامارة برضى السلطة الحاكمة، ونفذت مقرراتها، وسارت بفلكها بامانة. وهذا امر خاص بكل تأكيد له مقوماته وان كان يختلف عن الخاص في المقدمية المارونية.  لان الامارة التنوخية لم تخرج عن السلطة الحاكمة ايا كانت حتى في عهود الانحطاط، فلم تحارب الطولونيين ولا الاخشيدين، وكانت عضدا للفاطميين. وبعد الدعوة الى الوهية الحاكم بامر الله الفاطمي اعتنقت الدعوة الدرزية وحاربت من اجلها.وبالتالي نشأت الامارة التنوخية سلطة زمنية لخدمة الديني على غرار المقدمية المارونية ولكن الاهداف كانت مختلفة، فكان لكل منهما وضعا خاصا لا نجده في اية منطقة اخرى.

   وقياسا على الامارة التنوخيو والمقدمية المارونية فان الدويلات التي نشأت في لبنان لم تدم سوى سنوات قليلة فالامارة المرداسية او الدولة المرداسية التي أسسها صالح بن مرداس في شمالي سوريا ولبنان انتهت في معركة الاقحوانة 1030 . وفي العهد الفاطمي نشأت امارة بني عمار في طرابلس ولم تكن مؤلفة من ابناء البلاد وحدهم ولم تكن بخدمة الخلافة الفاطمية وحدها، انما تأرجح ولاؤها بين الفاطميين والسلاجقة، ومن ثم سقطت من دون ان تشكل وضعا خاصا بالمعنى الحقيقي، بل مشتركا بين السلطة الفاطمية اجمالا ودورها كدويلة داخل لبنان. وهي على غرار امارة ابن الشيخ في صور ، وكذلك امارة بني عقيل في صور ايضا التي تقلبت بين الفاطميين والسلاجقة ومن ثم قضى عليها بدر الجمالي.لم تدم سوى سنوات، الامر الذي يميز المقدمية المارونية والامارة التنوخية عن الدويلات التي نشأت في لبنان.  

تصدت الامارة التنوخية للصليبين بمساعدت الفاطيين والسلاجقة انما تأرجح ولاؤها فتخلت عن السلاجقة عندما انجدها الفاطميون باسطول ، ثم عادت لخدمة السلاجقة او على الاقل التعاون معهم. وبالتالي استمرت تخدم الديني الذي من اجله نشأت. وقد استمرت ايضا في الفترة الصليبية، وان خرجت من بيروت الى منطقة الغرب عام 1111. ولما تولى المماليك السصلطة ارتبط بهم التنوخيون ارتباطا وثيقا .

    اما المدن الرئيسة اللبنانية فكانت مراكز ادارية للسلطة العربية او الاسلامية الحاكمة ؛ فبعلبك كانت باستمرار مركز اداري مهم جدا منذ العهد الاموي على واحتلت مركزا مرموقا جدا في العهد المملوكي بحيث اصبحت نيابة صغرى. وكانت صور مركزا بحريا مهما ترابط فيه باستمرار قطع للاسطول العربي والاسلامي، وتتواجد فيها حامية عسكرية مهمة. اما طرابلس فكان لها شأن عظيم ففيها كان يرالابط الاسطول الاسلامي، ويحكمها وال على الاقل منذ العهد الفاطمي، وتحولت الى نيابة كبرى في العهد المملوكي. ما يعني ان مدن الساحل ارتبطت بالسلطة العسكرية الحاكمة منذ العهد الاموي، وكانت تنفذ سياستها، ما كان يكسبها وضعا خاصا بعلاقتها بهذه السلطات ووضعا مشتركا كونها لبنانية وتشرف على عدد من المناطق اللبنانية.

    الحملات المملوكية :قد تكون هذه الحملات على اختلاف دوافعها اكسبت قسما كبيار من اللبنانيين وضعا خاصا، واضفت على بعض المناطق اللبنانية ايضا وضعا خاصا. فللمرة الاولى نشهد تحالفا لبنانيا بين المسيحيين والشيعة على تنوع مذاهبهم، وبعض الدروز خصوصا في معركة 1305 ولم يكن هذا الموقف الا تعبيرا عن الدفاع عن الخاص اللبناني، وعن مواقع الطوائف والمذاهب المتميز كل في منطقته. وكان لانتصار المماليك دور في اعادة التوزيع الديموغرافي في لبنان، وفي ازدياد العزلة عن المحيط. وتكمن اهمية الخاص في لبنان ان الاسر الكردية والتركمانية التي اسكنها المماليك على الساحل بين انطلياس وعكار اندمجت في المجتمع اللبناني ونسيت هويتها الاساسية لتصبح لبنانية من حيث التقاليد والعادات بما في ذلك التنافس السياسي.

   وفي العهد المعني سيكتسب لبنان وضعا خاصا بامتياز من حيث ازالة العوائق التي فرضتها السلطة الاسلامية على التجنيد، اذ تمكن فخر الدين من جمع معظم اللبنانيين في بوتقة واحدة مرسيا بذور وطن له معالمه الخاصة بدليل ان الحرب العثمانية الثانية على لبنان جرت على الارض اللبنانية وليس خارجها على رغم وسع الرقعة الجغرافية التي كان يحكمها الامير اللبناني، وكان سقوطه على الارض اللبنانية.وسيكسب الميثاق الشهابي لبنان ايضا وضعا متميزا :من حيث تنظيم الحكم في الجبل ومن حيث قواعد السلوك السياسي على حد تعبير الدكتور جان شرف:”كان من المستغرب ان تقبل الحزبيات الدرزية بأمير غريب الدار مطلق الصلاحية في ادارة شؤون الجبل.” فنظام الحكم هذا قام على مبدأ الشورى بين الامير والاعيان فالامير يكون حصرا من العائلة الشهابية التي خصت بامتيازات لقاء تعهد الامير بالا يزيد الضرائب على الاعيان.قضية التجنيد من ماله الخاص،  لا يستطيع تجنيد الاهلين الا برضى الاعيان.وبالتالي انتقل مجتمع الجبل من التعايش الى الاجتماع السياسي.وهو امر له مدلوله الكبير والمهم على مستوى الخاص في لبنان عامة والجبل خاصة لان سلطة الامير الشهابي شملت عموما معظم لبان الحالي.وقواعد السلوك السياسي ارتكزت على المناصب بما في ذلك الامير، وهذه المناصب التي تبناها الميثاق حدت من سلطة الامير وجعلت الاعيان يلتفون حوله وبالتالي دفع الميثاق اصحاب المناصب لمقاومة الاتراك.ونجد تحليلا رائعا لجان شرف حول هذا الموضوع.

مرتكزات المشترك والخاص :ادت الحملات المملوكية الى فراغ سكاني في كسروان وبعض المتن، وبدأت عملية النزوح التدريجي الذي تزايد منذ اواسط القرن 17 الى كسروان والشوف بغية تلبية حاجات متبادلة افرزت نظام التعايش الدرزي الماروني من دون ان يلغي الخاص بكل جماعة التي حافظت على خصائصها.واخذ هذا التباين بعده الثاني المهم في ركائز نظام التعايش من خلال الديموغرافيا التي ارتبطت بنظام الالتزام العثماني الذي ادى بطريقة ما الى صراع قيسي يمني حدد التوجه السياسي وكان مشتركا بين فئتي المجتمع.واذا عدنا الى كتاب الحركات لحسين غضبان ابوشقرا “كانت الطائفتان محبة احداهما للاخرى آنسة ايها”.وقد اعترفت كل واحدة بالاخر وبخصوصياته وبحق التمايز:الدين واليقين هما من الخصوصيات، وهما على هامش العلاقات الاقتصادية.ويبرز هذا الامر واضحا ليس لدى العامة فقط بل ايضا لدى الاعيان الدروز الذين سمحوا لبعض الموارنة الاهتمام بمصالحهم.و”شكل التسليم بالحريات الاساسية وفي طليعتها الحرية الدينية المرتكز الثاني للخاص وفي الوقت عينه للمشترك وهو تعبير سوسيولوجي للافراد والجماعات.وشكل حق الملكية المرتكز الثالث للخاص والمشترك في آن لان الجبل تميز بوضع خاص على هذا الصعيد عن الولايات العثمانية.وقد بدأ حق التصرف بالارض منذ فخر الدين الثاني الذي اعتبر نفسه بديلا من السلطان في الجبل واعطى الموارنة حق التصرف ببعض الاراضي، والاهم بعد فخر الدين حيث عم نظام الالتزام وتحول الى ملكان.واهم ما يميز الجبل ان عقود البيع لم تسجل في المحكمة الشرعية في صيدا او في طرابلس على غرار ما كان يتمم في مناطق الساحل.الميزة الرابعة ان علاقة الجبل بالعثمانيين لم تتعد الحالة الامنية ودفع الضرائب لان الشأن الداخلي ترك امره للامير والاعيان خصوصا على صعيد ملكية الاراضي بيعا وشراء وحرية تصرف.( عقود الشراكة)

    متى اهتز هذا النظام؟ عند التدخل الاجنبي بدأ من عهد الجزار.

رأي واحد على “الخاص والمشترك في لبنان”

  1. شكرا لهذه المدونة. استعير منها في كتابة بحثي عن موضوع بناء السلام في لبنان بعد النزاع. ونحن نرجو التعاون مع صاحب المدونة في المؤتمرات التي سنعقدها للإضاءة على تاريخ التعايش بين الحضارات في لبنان واهميته في صناعة افعتدال في الخطابة بين الطوائف. أرجو إجاتي.
    السفير د. هشام حمدان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *