العلاقات المسيحية الاسلامية فيى نيابة دمشق المملوكية بين سلطة متعسفة ورجال دين متشددين.

مقدمة:احتل التاريخ العسكري والسياسي وما يزال، مركز الصدارة في التأريخ لمختلف عصور وحقبات الذاكرة العربية. ولم يُعن كفاية بالتاريخ الاجتماعي، الذي ظل يُدْرس بمقدار ما يتيح له المؤرخ السياسي والعسكري من مساحات ضيقة. كما صُوّر انه دراسة المباني على تنوعها، ووصف بعض المظاهر الاجتماعية كالحفلات والاعياد وما شابه، من دون التطرق الى صلبه كدراسة الفئات المكونة للمجتمع، من حيث علاقة كل جماعة في ما بينها من جهة، وعلاقة كل الفئات في ما بينها من ناحية ثانية. فانه يصعب عليه توضيحها بمعزل عن قراءة متأنية للعوامل الاقتصادية والاجتماعية، التي قد تكون احيانا في اصل تلك التحولات، وفي توجيه التاريخ السياسي والعسكري، فتصبح الاستعانة بالتاريخ الاجتماعي من مهامه الاساسية. وبالتالي يعطي، اليوم، معظم المؤرخين اهمية قصوة للدراسات الاجتماعية، لاعادة تركيب الماضي بكل ابعاده، بما في ذلك التداخل بين السياسة والاجتماع والاقتصاد.”لأن الزمان يكتسب فعاليته ويمر بتحولات طويلة او متقطعة، او يستمر تراتبيا، من خلال الفعاليات البشرية، ومما يعانيه الانسان في مجتمعه وبيئته”.[1]  

تتبدى صعوبة دراسة التاريخ الاجتماعي، في العصور الوسطى، لأفتقارنا الى عناصر البنية الاجتماعية، المكوَّنة من مجموعة عضوية من التقارير الشديدة التماسك، اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا،التي تحتزنها الاصول والمصادر. واقل ما يقال في البنية: انها تتكامل في تقليد، وفي نظام خلقي، وتحدث اعادات ولا تتجدد، لان الحدث التاريخي هو الذي يحدث التجديد والابداع، ويحوّل بعض البنى ولا يقضي كليا على تماسكها الداخلي.[2] فمن واجب التأريخ الاجتماعي اذا تحديد الظواهر، التي تخضع لها المكونات الاجتماعية، ودراسة تطورها البطيء والسريع، بهدف تحديد مستوى التطور ايجابا اوسلبا. كما دراسة بنية العلاقة بين الحكام وفئات الشعب، لأهميتها في فهم الدينامية الاجتماعية.

في الربع الاخير من القرن العشرين حظي هذا النمط من التأريخ، في المشرق العربي، بعدد ضئيل من الابحاث، لأن العلائق بين المكونات الاجتماعية، في العصور الوسطى، كانت شديدة التشابك وئاما واختلافا، ومنها المسيحية الاسلامية، التي قلما بحثها المؤرخون بجدية، لأن السواد الاعظم من شعوب المشرق العربي مسلمون. وبنشوء الدول الحديثة، التي تساوى فيها المسيحيون والمسلمون امام القانون، تمت دراستها من مناظير مختلفة؛ فكتبها بعضهم بمشاعر ذاتية، املا بشد اللحمة بين الفريقين، واختزلوا الاحداث التاريخية التامة تسويغا لاهدافهم، مفترضين انها كانت سليمة اجمالا، من دون الاستناد الى مسوّغات مصدرية صلبة. وطوّع آخرون الحوادث لتوافق اهوائهم الاحادية للاحداث، فتماهوا بطريقة او باخرى مع المواقف السابقة، بهدف اعلاء شأن الاسلام، من دون ان يميزوا بين احكام الاسلام، وتدابير واجرآت الحكام على اختلاف تسمياتهم، كما بين التدابير، التي اتخذها بعض رجال دين مسلمين متشددين، مدفوعين بحمية تبرر الاساءات الاسلامية للمسيحيين. فهم غير مساوين للمسلمين، ويجب ان يتميزوا عنهم في السلوك، والثياب…ومعظمهم عملاء لأعداء الاسلام، ومشكوك بصحة ولائهم، ومتهمون بانتهاك شروط العهد. من دون ان يحددوا ماهية هذا العهد، وكيف ابرم ومدى توافقه مع مضامين القرآن، لائذين بالشروط “العمرية” التي اكتسبت لقب عهد الذمة، بعد ان باتت جزءاً من السنة، من دون ان يدرسوا مدى قانونيتها، مستندين فقط على ممارسات خلفاء واجتهادات فقهاء.

اولا: السلطات الاسلامية والمجتمع الفاضل:

1-الحكم واحكام الشريعة:

أ- في العهدين الراشدي والاموي:يعتقد معظم المسلمين ان المجتمع الاسلامي افضل المجتمعات، لأن نظمه مستمدة من كلام الله، ويؤدي تطبيقها الى جعله افضل من غيره فحسب، بل ساميا. هذا على المستوى النظري والايماني او العقائدي، انما عمليا عجز العصر الراشدي عن جعله فاضلا ومغايرا لكل نظائره في العالم، بفعل التنازع الخافت والظاهر بين قيادييه على السلطة، والمكاسب المادية على تنوعها. ولم يفلح ابو بكر، ومن بعده عمر بن الخطاب، بالتصدي لها، فاجّلا حلّها لاسباب كثيرة ( ليست موضوع دراستنا)، وفشلا بتحقيق المجتمع الفاضل. ودفع الخليفة عثمان بن عفّان حياته ثمنا لتجاوزه حدود الدور الديني المرسوم له، بابقائه على القرآن المعروف باسمه، واحراق المصاحف الاخرى، ولاسباب رئيسة اخرى[3]. ما يعني ان العصر الراشدي لم يفشل فقط بتحقيق المجتمع الاسلامي الامثل، انما حدث فيه الانشقاق الكبير بين المسلمين(صراع علي ومعاوية)، واصاب منه مقتلا ما يزال فاعلا حتى اليوم. فكيف بالتالي تعتبر تدابير عمر بن الخطاب جزءا من السنة وسبيلا الى المجتمع الفاضل؟! وسقط الاموييون في فخ التحزّب بين المسلمين، فصنّفوهم درجات وفق قرب كل فريق من السلطة، بل كل قبيلة، فاختل توازن الدولة وسقطت.

والجدير بالملاحظة انه كلما ابتعدنا زمنيا عن عهد الرسول، تبتعد الدول الاسلامية عن الهداية الايمانية الحقة، فالمذاهب السنية الاربعة لا تتطابق تفاسيرها لكل الاحاديث النبوية، ومنها ما يتعلق بمعاملة المسيحيين. ومن المفترض ان تكون السنة هداية ونبراسا لكل مسلم، ترشده سوي السبيل، لا عامل اخلال في المجتمع تفقده تلاحمه وتوازنه.

ب- العصور العباسية: افتقد العباسيون الى تطبيق المساواة، ابرز شعائر دعوتهم، بوقوعهم في فخ الصراع مع الشيعة، ومع بعض العرب. ومنذ اواخر العصر العباسي الاول، ضمرت هيبة دولتهم تدريجا في العصور التي تلته:( التركي المعروف بالفوضى العسكرية، والبويهي، ثم السلجوقي، فالايوبي، حتى سقوط الخلافة العباسية في مستهل العهد المملوكي على يد المغول( 656/ 1258). حيث صارت صلاحيات الخلفاء السياسية والدينية باهتة، وبعضهم لم يكن ضليعا في علوم الدين ولا بشؤونه، ما افسح في المجال للقادة العسكريين المتغلبين على الحكم، من امراء، وامراء الامراء، وبعضهم كان رقيقا، ومن ثم الملوك البويهيين، فالسلاطين السلاجقة، ليقتل الخليفة او يعزله او يعذبه حتى الموت[4]. وشكّل المجون وحياة الترف والبذخ، الخارجة على كل النظم الاسلامية، عناوين انماط عيش معظم الخلفاء وسلوك حواشيهم[5]. وبالتالي لم تنجح السلطة في الاسلام حتى ذلك التاريخ 1258/656 بالتحول الى سلطة سياسية دينية، او تتكامل فيها السلطتان الزمنية والدينية، لتحقيق العدالة الاسلامية وفق الشريعة. بل باتت سلطة زمنية بامتياز، ظاهرها ديني وحقيقتها خاوية منه، وبدت شبيهة باية سلطة زمنية اخرى. وسيست الرعية بالتسلط والقهر والعنف حينا، وبجباية الضرائب الفادحة، وزرع الشقاق بين المكونات الاجتماعية حينا آخر. وغدا الفساد عنوان المجتمع الاسلامي، الذي تحوّل مجتمعات متدرجة واضحة المعالم، على رأسه الحاكم من دون ان تلصق به اية صفة دينية، نزولا حتى القاعدة او سواد العامة. ما افرغ المجتمعات الاسلامية من مقوماتها الاساسية الصحيحة.

2-اهل الذمة:

أ- عهد الذمة بين جدلية النص والتطبيق في العهد الراشدي: منذ عهد الرسول وحتى اواخر العصور الوسطى لم يشكل عهد الذمة بين السلطة الاسلامية والمسيحيين علاقة سياسية، لأنه عقد اجتماعي يجيز للمسيحيين العيش في المجتمع الاسلامي بشروط الذمة، التي استحدثها خلفاء وفقهاء، مستعينين بالآية 29 من سورة التوبة :{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون بدين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}، وبغيرها من الآيات، وبفتاوى واجتهادات، تعارضت بنسبة عالية مع عهد الرسول المبرم مع مسيحيي نجران،[6] المفترض ان تؤسس عليه العلائق المسيحية الاسلامية،[7] ما افرغه من جوهره.

لم يرد ابدا مصطلح أهل الذمة في القرآن، الذي يشير الى المسيحيين واليهود ب”اهل الكتاب”. وتُعرّف المعاجم العربية “الذمة”: بالعهد او الكفالة، والذمي هو رجل عهد، ولهذا اسمي المعاهد “ذميا”لحصوله على امان المسلمين لقاء الجزية، التي تؤخذ منه، والواجبات الاخرى…[8] وتعتبر الجزية احد اهم شروطه، لأنها امّنت للدولة الاسلامية مداخيل رئيسة وشبه ثابتة، وشكلت باستمرار علامة فارقة بين الذمي والمسلم في المواطنة، فكان الاول معفيا منها، في حين كان الثاني ملزما بأدائها، وفي حال تخلّفه عن دفعها يباح دمه. ويجيز معظم الفقهاء، سوى المتشددين منهم، تولي اهل الذمة الوظائف في الدولة الاسلامية، سوى التي لها الصفة او الطابع الديني، كالقضاء، والحسبة، وقيادة الجيوش، ورئاسة ديوان الجند، ووزارة التنفيذ، لأن وزير التنفيذ ينفذ ما يأمر به الخليفة، على عكس وزير التفويض، الذي يقرر الامور بنفسه وينفذها…[9]  على الرغم مما ورد في كتاب نجران، اعتبرت  تدابير عمر بن الخطاب بحق المسيحيين جزءا من السنة، فكرر فرضها خلفاء آخرون، لاسيما حفيده عمر بن عبد العزيز الاموي[10]،  واضاف بعضهم اليها موجبات اخرى، فعرفت كلها ب” الشروط العمرية“. ولعل اهمها: يحظر على المسيحيين بناء كنائس جديدة او ترميم القديمة منها، واظهار صلبانهم في الطرق والاسواق العامة، التي يسلكها المسلمون، وحمل السلاح وركوب الخيل، والزواج من مسلمات.  ويجاز لهم مرة واحدة فقط، الخروج  بزياح خارج المدينة مع حمل الصلبان، شرط الا يمروا بين المسلمين، وإلزامهم ارتداء ملابس مغايرة لثياب المسلمين، واعتبرت شهاداتهم محدودة امام القضاء. فرضت الشروط العمرية على الذميين عموماً ليتميزوا من المسلمين على اكثر من مستوى؛ في اللباس، بارتداء لباس خاص يشير إلى نوعية الذمي (نصراني ، يهودي، صابئة). وفي آداب الحياة اليومية؛ فلا يتناولوا طعاما وشرابا علنا خلال شهر رمضان، ولا يرفعوا الصوت أمام مسلم، والا يقتنوا خدما مسلمين، ولا رقيقا سباه مسلم، ولا يحوّلوا مسلما الى المسيحية، او يدرّسوا اولادهم القرآن. ولا يدخلوا الحمامات مع المسلمين احيانا، وان دخلوها تفرض عليهم علامات فارقة: وضع اجراس، او صلبان ثقيلة في الاعناق[11]، وان يفسحوا الطريق للمسلم. ودفعوا ضرائب تفوق ما كان يدفعه المسلمون على التجارة، وعلى الارض، فدفعوا الخراج عنها بقيمته غير المحددة، في حين كان المسلمون يدفعون عشر المحصول. ويعتبر سورديل ان الخراج والجزية ارسيا ركيزة النظام المالي الاسلامي في كل الدول الاسلامية المتعاقبة.[12]

وعليه، لا بد من عودة سريعة الى عهد الرسالة الاسلامية لتبيان مدى صحة عهد الذمة ( الشروط العمرية) باحكامه. لأن دراسة الحدث معزولا عن ظروفه البعيدة والقريبة، تأتي مبتورة من دون التبحر بالاحداث الكبرى الماضوية ذات الصلة، المؤثرة في صيرورته التاريخية والاجتماعية، لأنها تبلوره، وتظل مشروطة بمقدرة الباحث في تعليل الحوادث وتحليلها واعادة تركيبها.

ينسبها بعض فقهاء وعلماء الدين ومؤرخين مسلمين الى احد الخليفتين عمر بن الخطاب، او حفيده عمر بن عبد العزيز الاموي. وهي موضوع نقاش من حيث شرعيتها، وتطابقها مع الاحكام القرآنية، لاسيما ان الاثنين ما كانا فقيهين او عالمي دين، وجل ما فرضاه لا يعدو تدابير سياسية لأحداث آنية، وغير مستمدة من القرآن. فذمة الله ورسوله محددة بالكتاب، الذي حرره الرسول الى مسيحيي نجران، وبموقفه من عامة المسحيين[13].

تجاوزت، مضمون كتاب نجران، ممارسات واجتهادات فقهية متشددة، اسس لها بعض الخلفاء، وتراكمت عبر الزمن التاريخي لتصبح جزءاً من السنة، على رغم تعارض بعضها مع احكام قرآنية، وتَشدّد بعض الفقهاء واغروا الحكام من اجل تطبيقها. والجدير بالملاحظة، ان الدولة الاسلامية عندما اشتدت قوتها، ألغى الحكام عهود الامان التي ابرمها قادة الفتوح مع المسيحيين، واستعاضوا عنها بما اصطلح على تسميته” الشروط العمرية”. ولكي لا نغرق في التفاصيل، سأشير الى ابرز محطاتها السابقة على العهد المملوكي موضوع البحث. فقد تجاوز الخليفة عمر بن الخطاب مضمون عهد الرسول لمسيحيي نجران: فطردهم من بلادهم الى الشام، [14]زاعما انه: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب[15]، فلماذا اذا كتب الرسول عهده لمسيحيي نجران؟ وامر ايضا :” لا تبنى كنيسة في الاسلام، ولا يبنى ما خرب منها.”[16]واجتهد لتحويل المسيحيين الى الاسلام؛ فكتب الى امراء الاجناد بوجوب ختم رقاب اهل الذمة”.[17] وحذّر مسيحيي بني تغلب “الا ينصّروا وليدا”[18]، ورفض قبول الجزية منهم، زاعما انهم نقضوا عهد الذمة لأنهم يعمدون اطفالهم[19]. وآزره علي بن ابي طالب في موقفه، وبدا اكثر تشددا بقوله:” ان تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي:” لأقتلن مقاتلتهم، فقد نقضوا العهد، وبرئت منهم الذمة، حين نصروا اولادهم”.[20] وقلّل عمر من شأنا المسيحيين، مفترضا تواجودهم في الدولة الاسلامية ليس الا لخدمة المسلمين[21]، فمنعهم من حمل السلاح، والتقلد بالسيوف، وركوب الخيل والبغال، وقصر ركوبهم على الحمير فقط وبالاُكُف (البرادع الخشبية) وعرضا[22] اي لجهة واحدة. وقال فيهم ” لا اكرمهم بعد ان اهانهم الله، ولا اعزهم بعد ان اذلهم الله، ولا ادنيهم بعد ىان اقصاهم الله”.[23]واشترط في عهود الامان، مواد صارت ركنا مهما في الشروط العمرية، بل جزءا عضويا منها.[24] وفي السياق عينه عزلهم في مناطق خاصة، فكتب الى عماله في الامصار: على اهل الكتاب “ان يجزوا نواصيهم، وان يربطوا الكستيجات (الزنانير العريضة) في اوساطهم، ليعرف زيهم من زي اهل الاسلام”[25]، واضاف:” ايّما مصر مصرته العرب فليس لاحد من اهل الذمة ان يبنوا فيه بيعة… ولا يضرب فيه ناقوس”[26]، ومنع ايضا اظهار الصلبان بين المسلمين[27]. وتحدث الى جنوده قائلا:” ادبو الخيل، وإياي واخلاق الاعاجم، ومجاورة الخنازبر، وان يرفع الصليب بين اظهركم”[28]. وعندما تم فتح سواد العراق عنوة ، كتب الى امراء الاجناد ان يفرضوا على المسيحيين الجزية، ويختموا رقابهم[29]. فهل من مذلة اعظم من ذلك؟! وكأنهم موبوؤن ويجدر بالمسلمين تجنبهم. وزاد في احتقارهم عندما رفض اقتسامهم اذ اجاب احد القادة الملح على اقتسامهم كغنائم:” أرأيت لو اخذنا اهلها فاقتسمناهم، ما كان يكون لمن يأتي بعدنا من المسلمين، والله ما كانوا يجدون انسانا يكلمونه، ولا ينتفعون بشئ من ذات يده، وان هؤلاء ما يأكلهم المسلمون ما داموا احياء. فاذا هلكنا وهلكوا اكل ابناؤنا ابناءهم ابدا ما بقوا. فهم عبيد لاهل دين الاسلام.”[30] واستمر يذلهم ” ولجعل الكفار يُعرفون بسيماتهم- ان يعتمد كل من اليهود والنصارى ما يصيرون به مستذلين ممتهنين…وليفرّق بين المسلمين وبينهم في الشبه والزي…وليوسموا بالغيار وشد الزنار وازالة ما على المسلمين من تشبههم به من العار.”[31]واجرآته تلك، اسست لما عرف بصراط السلف الصالح، التي توسلها معظم المتشددين في تدابيرهم واجتهاداتهم، بل تذرعوا بها لاضطهاد المسيحيين.

ونسأل: لماذا استبدل عهد الذمة بما اصطلح على تسميته” الشروط العمرية”؟ فعهد الرسول لمسيحيي نجران، ومن خلاله الى كل المسيحيين، واضح ومما جاء فيه” ” …ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم. ولا يدخل شيئ من مال كنائسهم في بناء مسجد ولا في منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله…ويكفّ عنهم ادب المكروه حيثما كانوا وحيثما حلّوا. وان صارت النصرانية عند المسلمين فعليه – صاحب السلطة في الاسلام- برضاها وتمكينها من الصلوات في بيعها. ولا يحيل بينها وبين هوى دينها…”[32] وقد حصّنهم الرسول، في العهد عينه، مخافة اعتداء المسلمين عليهم اذ ورد فيه ما حرفيته:”ما لأحد نقضه – اي العهد- ولا تبديله، ولا الزيادة فيه، ولا الانتقاص منه، لأن الزيادة فيه تفسد عهدي، والانتقاص منه ينقص ذمتي.”[33] مع ذلك لم يلتزم المسلمون به، واستعاضوا عنه بالشروط العمرية!!! 

اما الشروط العمرية فنوعان: مستحق ومستحب[34]. “يتضمن المستحب ستة شروط:1- عدم ذكر الاسلام بذم له او قدح فيه، 2- عدم ذكر الله بطعن له او تحريف فيه، 3- عدم ذكر الرسول بتكذيب له او ازدراء، 4- الاّ يصيبوا مسلمة بزنى او باسم نكاح، 5- الا يفتنوا مسلما عن دينه، او يتعرضوا لماله، 6- الاّ يعينوا اهل الحرب”

يعتبر ابن الاخوة، وهو احد الفقهاء المتشددين، عدم التقيد بهذه الشروط نقضا لعهد الذمة[35]. وكان المماليك يحيلون من يخالفها، على قضاة من المذهب المالكي المأثور عنهم التشدد في تطبيقها، فلم يكن يقبل من المتهم لا توبة، او اي امر آخر، سوى اعتناق الاسلام، او قطع رأسه.[36]

اما المستحبة فما كانت تنقض العهد، وهي بنيت على ستة احكام او شروط هي: 1″- لبس الغيار، 2- الاّ تعلو ابنيتهم فوق ابنية المسلمين، 3- الاّ تعلو اصوات نواقيسهم وتلاوة كتبهم، 4- الاّيجاهروا بشرب الخمر واظهار صلبانهم، 5- ان يخفوا دفن موتاهم، ولا يجاهروا بندب عليهم ولا نياحة، 6- ان يمنعوا من ركوب الخيل ولا يمنعوا من ركوب الحمير”.[37] 

طبقت هذه الشروط في معظم عهود الخلفاء والدول، وقلما خلا عهد طويل نسبيا، من اعادة العمل بها جزئيا او كليا، وااحيانا صار يتم التهاون في تطبيقها في العهد نفسه، وقد يتم فيه التأكيد على مضمونها بكتاب جديد، تبعا لرغبة الخلفاء، ودور المتشددين. ولعل ابرز محطاتها عهود عمر بن عبد العزيز، والمنصور، والرشيد، والمتوكل، والحاكم بامر الله الفاطمي…

ب- الشروط العمرية من نهاية الراشدي وحتى المملوكي: في العهد الاموي، اسس لها الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي اثر عنه التقوى، ومحاولة اصلاح الدولة. ولكن موقفه من المسيحيين يتناقض تماما مع رؤيته الاصلاحية، فهو صاحب نظرية هدم الكنائس، وغيرها من التدابير التي صارت سوابق، وطبّقت طيلة العهود الاسلامية، فكتب الى عماله:” ان تهدم الكنائس، التي في امصار المسلمين، ويمنع النصارى بالشام ان يضربوا ناقوسا، ويجزوا نواصيهم، ويشدوا مناطقهم، ولا يركبوا على سرج، ولا يلبسوا عصبا ولا خزا، ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم…وان تمنع نساؤهم ان يركبن الرحائل”.[38]واعتبرهم كفرة مشركين لأن الله جعلهم[حزب الشيطان][39]. وكتب الى عماله ايضا:” فلا اعلمن ان احدا من العمال ابقى في عمله رجلا متصرفا على غير دين الاسلام الا ونكلت به، فان محو اعمالهم كمحو دينهم، وانزلوهم المنزلة التي خصّهم الله بها من الذل والصغار.”[40]

اما الخلافة العباسية فقد قامت على انها دولة اممية، يتساوى فيها الجميع من دون التمييز بين المسلمين من حيث الاعراق او الاثنيات، ويبدو ان المسسيحيين ما كانوا من ضمن المجتمع العباسي، ووجب عليهم العيش على هامشه، تبعا ليعض الخلفاء. فقد استهل الخليفة المنصور عهده بتدابير لا تتوافق مع الرؤية الاممية العباسية، فحظّر في عام 139/757 بناء كنائس جديدة، وانشاد ترانيم دينية خارج جدران الكنائس، ومناقشة المسلمين في الدين، ثم اخضع الرهبان للجزية[41]. وفي سنة 142/ 759-760 طرد المسيحيين من الوظائف الديوانية[42]. وازداد تشدده عام 149/766 حين منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية الا ليلا، وألزمهم ازالة الصلبان من على قبب الكنائس، وحظر على المسلمين تعلم الآداب المسيحية.[43] وفي سنة 153/770 فرض عليهم حلق لحاهم، واعتمار قلانس طول الواحدة ذراع ونصف الذراع. وبلغ تشدده مبلغا مخيفا، حين امر بوسمهم بالحديد الحامي في رقابهم، على طريقة دمغ الحيونات اليوم[44]. وباتت اجرآته هذه، وتدابير العمرين، نهجا لمن يرتئيها من بعدهم، وادت الى فرار عدد كبير من المسيحيين الى الدولة البيزنطية، والى تحوّل بعضهم الى الاسلام قسرا.

 لم يكن الرشيد بارحم من المنصور، فبناء على رغبة القاضي “ابو يوسف”، منع ظهور الصلبان في كل الاقطار الاسلامية، والمسيحيات من ركوب الرحائل، وخرّب الكناس[45]. ومنع المأمون الاحتفالات الدينية في الكنائس، كالزياحات وما شابهها، وطرد الموظفين المسيحيين من الدواوين، وامر بسجن 2800 منهم[46]. وتربع المتوكل على قمة الاضطهاد العباسي، فاستحدث عام 235/ 850 استيفاء العشور على منازل المسيحيين، وصادر دورهم الواسعة والكبيرة، وحوّل بعضها، او ما يصلح منها، الى جوامع، وهدم البقية هدما تاما. وحظر استخدام المسيحيين في الدواوين، واضاءة الشموع في الاحتفالات خارج الكنائس، وزياحات الشعانين في الطرقات، لكي لا يظهر صليب امام الملأ. وجعل قبورهم بمستوى الارض، لكي لا تشابه قبور المسلمين. وهدم بيعهم المستجدة، ولم يفسح لهم في الدخول الى حمامات المسلمين. وبلغ اضطهاده مستوى مخيفا من الكراهية، عندما امر برسم صور الشياطين على ابواب منازلهم، تمييزا لها عن مثيلاتها الاسلامية. ومنع اولادهم من الدراسة في الكتب الاسلامية،[47]. وصرف المقتدر الكتاب المسيحيين من الدواوين وسمح استخدامهم في الطب فقط،[48]لأن فيه مصلحة اسلامية. واستدعى الخليفة القائم بطريرك المسيحيين وألزمه التعهد بتنفيذ كتابه الهادف، الى جعل المسيحيين يرتدون ثيابا تغاير ما يلبسه المسلمون[49].وتكررت اعادة العمل بالشروط العمرية جزئيا او كليا في معظم العهود العباسية كالراضي والآمر…[50]حتى باتت اجراءً اداريا، لا سيما عندما كان يتدخل رجال دين متشددون.

 لن اتوسع في ذكر كل التدابير، التي مارسها الحكام المسلمون بحق المسيحيين في العهود السابقة على عصر المماليك[51]، انما عهد الحاكم بامر الله الفاطمي، يشكل علامة فارقة وشديدة الوطأة بممارساته؛ فألزم المسيحيين ارتداء الغيار، ومنعهم من دخول حمامات المسلمين، وحدد لهم حمامات خاصة وضعت على ابوابها صلبانا خشبية، واوجب على من يدخلون الى الحمام تعليق صلبان خشبية ثقيلة في اعناقهم. وحظر عليهم دق اجراس الكنائس، والمواكب المسيحية العامة، وظهور اي صليب في كامل رقعة الخلافة الفاطمية، وقلع الصلبان من الكنائس والبيع، وهدم الكنائس، بما فيها كنيسة القيامة، وصادر محتوياتها.[52]  

ثانيا:السلطة والدين في العهد المملوكي:

1-المماليك ونظرية حماية الاسلام: اجتهد عدد كبير من المؤرخين المسلمين، ولا سيما المصريون منهم، لاظهار المماليك حماة الاسلام منذ معركة عين جالوت، التي كانت مصيرية للمماليك والايوبيين. وهذا رأي دونه نقاش، فمثلا لو هزموا فيها لكانت ستصتأصل شأفتهم، وبالتالي كانوا يدافعون عن مصيرهم قبل اي اعبار آخر. وعلى الرغم من هذا الخطر المصيري، لم يتّحد المسلمون في ما بينهم، بمن فيم المماليك؛ فبعضهم تخاذل وطلب الصلح من المغول وخضع لهم، والبعض الاخر حارب الى جانبهم، وفريق ثالث آثر الحياد[53].

لم يؤد انتصارهم في عين جالوت الى تغيير في ذهنيتهم المتجزرة بالحسد، والغيرة، والتنازع المستمر على السلطة؛ فعلى الرغم من وطأة الخطرين المغولي الرابض في العراق، وعلى الحدود الشمالية لبلاد الشام، والصليبي المتمركز في بلاد الشام، اغتال الاميرُ بيبرس البندقداري السلطانَ قطز، غير آبه بالصراعات المملوكية الداخلية، معرّضا مصير المسلمين في المشرق العربي الى خطر حقيقي،[54]ما ينفي نظرية حماية المسلمين. ولكي يضفي على حكمه، وعلى العهد المملوكي عامة، شرعية اسلامية، احي الخلافة العباسية في القاهرة شكليا، وجرّد الخليفة من صلاحياته الاساسية، وحصرها بشخص السلطان[55].

ان السلطة المتعسفة هي التي تمارس حكما استبداديا، على كل الناس. وقد تجور على فريق أكثر من غيره، من دون مراعاة النظم والقوانين، وتستبيح المحاذير تأمينا لمصالحها. ومارس المماليك هذا النوع من الحكم، فلم يراعوا النظم الاسلامية الا من حيث الشكل، لأن كل انجازاتهم وتدابيرهم الادارية، وبنية نظاميهما العسكري والاقطاعي، تشي بذلك. لقد احتكروا الجندية وحدهم، وسمحوا لبعض القبائل العربية الانخراط ضمن اجناد الحلقة لقاء خدمات يقدمهمونها. واقتسموا الاراضي الزراعية كلها وفق نظام استحدثوه، ارتبط عضويا بنظامهم العسكري، وتفننوا بالتسلط على كل الناس مسلمين وغيرهم، حتى صار من يعملون بالارض اشباه اقنان[56]. واستولى امراء المماليك على المرافئ، والمراكز الجمركية، والمعاصر المتنوعة، ان طريق الاقطاع. ومارس معظم السلاطين الاحتكارات، واستحدثوا ضرائب جديدة: كالمشاهرة، والمجامعة(الضرائب الاسبوعية)، والطرح، والتحكير، والرمي،[57] حتى قال المقريزي :” لم يسلم من الضرائب الا الهواء”.[58]

2-مميزات الجهاز الحاكم: شكل السلطان وامراؤه واجناده طبقة عسكرية حاكمة مغلقة عن الشعب، وحدد الانتماء اليها بشروط لم تتوفر بالسكان الاصليين: كالعرق[59]، والرق[60]، واجادة اللغة التركية [61]، والتربية في الطباق ( الثكنة العسكرية )، والعتق، والتدرج بالامرة[62]. وانحصر تزاوج امراء المماليك، اما من نساء تركيات جيء بهن خصيصا لهذه الغاية، او من بنات امراء المماليك، وقليلون منهم من تزوجوا من بنات مياسير التجار، او بنات المتعممين[63]. وكانت جميع اسماء الامراء تركية، ولم يجرؤ احد الخروج على هذه القاعدة مخافة القتل او العزل[64]. وانفردوا بارتداء ثياب مميزة [65]، واقتناء الرقيق، وركوب الخيل، الذي لم يجز لغيرهم ركوبها[66]. وعلى رغم اسلامهم، لم يحتكم الامراء في ما بينهم الى الشرع الاسلامي، انما تقاضوا ب “الياسة او اليسق” وهي مجموعة القوانين المغولية، التي اصدرها جانكيز خان ( 1206 – 1227م.)[67]. وتمتع السلاطين والامراء المماليك الكبار بثراء فاحش[68]، لنهمهم غير المرتوي للمال، مسببين حروبا وفتنا شبه متتالية، طبعت عهدهم باكمله. ما كان يضطرهم التجاوب احيانا مع ضغوط رجال الدين، لا سيما المتشددين منهم، تخفيفا للنقمة الشعبية المتصاعدة ضدهم.

3دور رجال الدين المسلمين: من المفترض ان يشكل رجال الدين صمام امان في المجتمع الاسلامي، لانهم احتلوا منزلة رفعيعة فيه، وكان الناس ينظرون اليهم باكبار، لممارستهم شؤونا مدنية اجتماعية، مثلت، في المبدأ دور الرقابة على ممارسة الجهاز العسكري الحاكم. ولكن الفساد تسرب الى بعضهم، ممن آثروا مصالحهم الذاتية، ونفذوا رغبات الطبقة العسكرية، غير آبهين بمصير الشعب، فتندر بهم الناس. ومع ذلك ظلوا يحتلون منزلة مهمة، ليس على المستوى الشخصي، انما تقديرا للوظيفة الجليلة التي يشغلونها.

احتل قضاة القضاة المنزلة الدينية الارفع بعد الخليفة، وتوجب على قاضي قضاة دمشق افهام نائبها، الذي كان واليا للمظالم ايضا، الصحة بالاحكام واصول الشريعة،[69] لأنه كان يجهل القواعد الشرعية واحكامها، واحيانا كثيرة اصول اللغة العربية. ومع انحطاط الدولة، ونهم السلاطين للمال، صارت المناصب القضائية تشرى بالرشوة، وفسد معها معظم النظام القضائي، وغدت بعض الاحكام تصدر بالرشوة[70]. وتمكن بعض القضاة من جمع اموال طائلة بطرق مشبوهة، من دون ان يخجلوا، وراح بعضهم يتباهى بسطوته ونفوذه، غير آبه بتهكم الناس، او مكترث بأحكام الشريعة، فاحتقره زملاؤه والناس على حد سواء.[71] لا سيما من كان جاهلا باصول القضا،ء واحكام الشريعة ،والعلوم الدينية الاخرى، التي هي في اساس التربية الاسلامية، ومنارة السلوك الاجتماعي.[72]ومارس قضاة القضاة، كما القضاة، ضغوطا على نائب دمشق وجهازه الاداري، لاطلاق من اعتقل ظلما وعدوانا، او للشفاعة بمن اعتقل اثناء الصراع بين الاجناد المماليك والسكان، وما شابه تلك الحالات.[73]

شكل رجال الدين قوة فاعلة في الادارة، فشغلوا المناصب الدينية كلها، ومعظم المالية[74]، وقاموا بدور مهم في الحياة اليومية والدينية. وصار لبعضهم انصار يسلكون توجههم الديني، كالصوفية، وينصاعون لتدابيرهم، وكان عددهم يزداد تدريجا، ما مكنهم من ممارسة ضغوطا شديدة الوطأة على اركان السلطة، وازعاجا حقيقيا لاحقاق حق تنافى احيانا مع مصالحها[75]. وادّى تعسف السلطة الى نقمة دمشقية على المماليك عموما، لاسيما على نواب دمشق. فلم يتقبلوا الواقع المرير بسهولة، وادركوا انهم مغلوبون على امرهم، واصلاح الحكام اصلاحا جذريا غير ممكن، فلجاءوا الى رجال الدين، الذين حظي بعضهم بتقدير اركان السلطة لورعهم وصلابتهم، وخشية منهم في آن معا، ولنجاحهم احيانا في رفع الحيف عن المظلومين.[76] واذا فشلت الوساطة احتج العامة سلميا بالتكبير- النزول الى الاسواق هاتفين في الشوارع الله اكبر- ويعترضون مواكب النائب او احد مساعديه، يتقدمهم القضاة والعلماء، واذا لم يمر احد، كبروا في الجوامع، تأكيدا على استرجاع حق سليب، ولاضفاء الصفة الشرعية على التظاهرة، آملين ان يرعوي الحكام. كانت تلك التظاهرات تخيف المماليك ،بوجه عام، بما تخلق من حالات عدم الاستقرار، التي ينفذ من خلالها المصطادون بالماء العكر للاخلال بالامن، او للتعدي على من يجدون من المماليك منفردين[77].

  وكان لفشل تلك المساعي آثار سيئة على الوضع العام في دمشق، واصاب العديد من متوسطي الحال باليأس، وحولتهم التعديات المتكررة الى شبه معوزين، وفقراء، وسلكوا دروب الجريمة المتنوعة، فازدهرت اعمال اللصوصية والحرامية، وكثرت الجرائم، ومناسر الليل، واعمال النهب. وانخرط بعضهم في منظمات الزعر، ما زاد في الطين بلة، وساءت، بوجه عام، احوال الدمشقيين. فازدهرت في مجتمعهم انواع المفاسد الاخلاقية، كالدعارة، والتحشيش… نتيجة ممارسات الحكام الجائرة[78].

4-مواقف المتشددين: من الواضح ان بعض رجال الدين ما كانوا مقتنعين بقدرة المجتمع الاسلامي على استيعاب غير مسلمين. ومنهم من كان ينظر بغيرة، وحسد، وحقد، الى من يتولى من المسيحيين وظائف ديوانية رسمية، اوعند الامراء الكبار، اجازت لهم ركوب الخيل، والحصول على مداخيل عالية، امنت لهم حياة رغيدة. فبنى بعضهم دورا توازي مثيلاتها عند المسلمين مساحة وارتفاعا، وربما افضل منها احيانا.[79]ولم يغضبوا على الموظفين وحدهم، بل على جميع المسيحيين، وكان اي خطأ يرتكبه احدهم ينال عقوبة قاسية، واحيانا تطال معظم المسيحيين، ان لم يكن كلهم. ولعل مرد ذلك، الى رغبة بطرد المسيحيين من الدول الاسلامية، لا سيما من ديار المماليك، او بتحويلهم الى الاسلام قسرا. وكان تأثيرهم عظيما، على طلابهم ومريديهم، ما كان يجعل افكارهم تطرد عبر كل العصور، وما زلنا نعاني منها في هذا القرن الواحد والعشرين، للضرر المخيف، الذي يسببونه في كل المجتمعات والدول. وفي العهد المملوكي أثروا بفعالية على العامة، والمعدمين، الذين املوا، عن خطأ، ولشدة ظلم السلطة وسوء تدابيرها، في ان يخلصوهم من بؤسهم. وسنكتفي بالحديث عن بعض مواقف اربعة منهم.

 أ – ابن تيمية(661- 716/ 1263-1329) : تبنى المتشددون تراكم السلف الصالح، والفتاوى والاجتهادات التي تلته، فاعلنوا ما يشبه الجهاد ضد المسيحيين، ولا سيما في ممارسة طقوسهم الدينية، فاتهموهم بكل سوء، ووسموهم بالضلال، ولم يعتبروا ديانتهم سماوية، وحرّضوا السلاطين ليعيدوا العمل بالشروط العمرية مرارا وتكرارا. وسببوا لهم مآسي كثيرة، سنوردها في الكلام على وضعهم.

لكثرة تشدده حض ابن تيمية السلاطين ونواب دمشق على اضطهاد المسيحيين، واعادة العمل بالشروط العمرية. وتأثر به طلابه ومريدوه، ومسلمون كثر. وساهمت بيئة عصره المشبعة بالصراع بين الفرنجة والمسلمين؛ من ايوبيين ومماليك، “بين المسيحية والاسلام”، اضافة الى نهله، منذ نعومة اظافره، من المذهب الحنبلي على ابيه، في تكوينه الفكري وثقافته العامة. فدافع عن الاسلام والمسلمين باستماتة؛ ووقف الى جانب الايوبيين، فالمماليك في صراعهم ضد الفرنجة (الصليبيين). واجتهد ليبسط الاسلام سيطرته على الديانات الاخرى، والمذاهب السنية على ما عداها. فحرّض المماليك السنة، على اعادة توحيد المسلمين على مذاهب اهل السنة، لأعتقاده الراسخ، ان انحطاط العالم الاسلامي، نابع من تشرذمه الى مذاهب وفرق، وصراعها في ما بينها. وحثهم على طرد الفرنجة والمغول من البلاد الاسلامية، وضرْب كل من ساندهم من ابناء المشرق العربي [80].

جسّد الفكر المتشدد بحق الذميين عامة، متخذا مواقف قاسية بحق المسيحيين، من دون اي مبرر سوى رغبته بتحويلهم الى الاسلام. فتمسّك بالشروط العمرية، وشجع على احيائها، واضاف اليها مواقف متصلبة، استمد بعضها من آيات قرآنية، واحاديث نبوية، واجتهادات فقهية. وبذل جهدا لدى السلاطين لفرضها والاستمرار بتطبيقها، لأن المسيحيين كفار ومشركون، ” ليس شيئ من امور الكفار في دينهم ودنياهم، الا وهو:اما ناقص في عاقبته…”[81] وهم ناقصون في دينهم وعقولهم ومضللون “يجتهدون في اصناف العبادات بلا شريعة من الله[82]. و” يشكلون خطرا حقيقيا على الاسلام، كونهم حلفاء طبيعيين لاعدائه…!!؟”[83] “وحرص، من موقعه كعالم وفقيه، على تحديد طريقة تواجدهم في الدولة الاسلامية، وعلاقتهم بالمسلمين. وحصر التعامل معهم باملاءات وقيود، استوحى معظمها من الشروط العمرية.

رفض ظهورهم بمظاهر تشابه المسلمين في لباسهم، وشعورهم(جمع شعر)، وركوبهم، مستندا الى ادلة استمدها من القرآن والسنة[84]. فالتميز في هذه الحالات ضروري جدا، على حد تعبيره، لأن عدمه يعني مشاركة الكفار في الظاهر، وبالتالي مشابهتهم في الاخلاق والافعال المذمومة ، و”تورث هذه المشاركة محبة وموالاة في الباطن …يجب الا يتشبه اهل الكتاب بالمسلمين في الثياب والركوب،[85] “وهو امر منهى عنه في عامة امورهم الدينية والدنيوية[86]… اذا كانت المشابهة في الامور الدنيوية، تورث المحبة والموالاة، فكيف المشابهة بالامور الدينية؟ فان افضاءها الى نوع من الموالاة أكثر واشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الايمان”. ويضيف ” ليس شيئ من امور الكفار في دينهم ودنياهم، الا وهو:اما ناقص في عاقبته، حتى ما هم عليه من اتقان امور دنياهم، قد يكون اتباعنا لهم فيه مضرا:اما بدنيانا وآخرتنا. “[87] ومخالفة النصارى ضرورية[88] ” اذا المخالفة في المظهر واجبة لأن  الكفار – المسيحيين – : لا يتصوّر شيء من امورهم كاملا قط.”[89]

اصر دائما على تقزيمهم لأنهم “كفرة”، وعلى وجوب تمييزهم من المسلمين بالذل والتحقير. رافضا رفضا قاطعا اظهار الشعائر الدينية المسيحية في الشوارع العامة، وفي اماكن تواجد المسلمين، وعلى مرأى منهم، ولو كانت المناسبة عيدا مهما، ” لعدم جواز اجتماع شعائر الكفر مع شعائر الاسلام”، ولعدم جواز ايضا مشاركة المسلمين اعياد المسيحيين لأن :” الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر…”[90] ” انما منعناهم من اظهارها لما فيها من الفساد”[91]. وما يفعلونه في عيد دينهم الملعون من الاعمال المنكرة …مثل القرابين والذبائح وغير ذلك من المنكرات[92]“. “ان مشاركتهم في العيد اقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم، لأن تلك علامة وضيعة ليست من الدين، وانما الغرض منها التمييز بين المسلم والكافر”[93]

وتكرّم عليهم برفع صلبانهم وكتبهم المقدسة داخل كنائسهم، واديرتهم، وصوامعهم فقط، ودق اجراس الكنائس والاديار، على الا تسمع اصواتها خارج الاماكن المذكورة،كي لا تزعج المسلمين. وبالمقابل منعهم من بناء كنائس او بيع جديدة، او ترميم المهدم منها. واذا اخلوا بالعهد (الشروط التي فرضها هو) تنتزع الكنائس واماكن العبادة الاخرى منهم.[94]

رفض بشكل قاطع اسناد وظائف ادارية للمسيحيون لأنها تجعلهم ارفع من المسلمين وتسلطهم عليهم، واضاف اليها اسبابا اخرى اولها التخوين؛ فالرفيعة منها تتيح لهم الاطلاع على اسرار الدولة ونقاط ضعفها، وبما انهم اعداء طبيعيون للمسلمين، على حد اعتقاده، فسيزودون اعداء المسلمين تلك الاسرار للنيل منهم!!!. والثاني فئوي بامتياز، لأنها تمكنهم من مساعدة ابناء ملتهم في شتى المجالات، ومنها ترميم اماكن العبادة. والثالث تعصب اعمى، باصراره على استخدام المسلمين في الوظائف عينها، حتى لو كانوا اقل كفاءة من المسيحيين، فهذا ” انفع للمسلمين في دينهم ودنياهم”. ومنع المسيحيين دخول المساجد، الا اذا رغبوا بالتحول الى الاسلام، في حين اشترط ان تظل ابواب الكنائس والبيع والاديار مشرّعة باستمرار لاستقبال المسلمين، وايوائهم فيها ثلاثة ايام على نفقة القيمين عليها[95]. وفي هذه الحال، يتوجب على المسيحيين خفض اصواتهم في تلاوة صلواتهم، لكي لا تزعج المسلمين المأويين. وتعرّض الى جوهر الديانة المسيحية ناكرا صحة الاقانيم الثلاثة، ومفسرها على هواه[96].

 وعليه كان يهدف الى تحويل المسيحيين الى الاسلام، ليصبح المجتمع الاسلامي متجانسا، لأن غير المسلمين مختلفين عن المسلمين فكرا عقيدة، غير آبه باهمية التنوع الثقافي والمعرفي في تطوير الفكر الانساني، زاعما ان الفكر الاسلامي وحده يجمع كل ذلك. انها سياسة القوي ضد الضعيف، من دون ان يسيئ الاخير الى الاول. وهي تمييز عنصري بامتياز بمقياس الاجتماع الانساني اليوم. ونسي ابن تيمية، او تناسى ان الاسلام نادى بالمساواة، وتوجهت تعاليمه الى كل الناس: “يا ايها الناس”. فكيف يجوز له ولغيره من المتشددين حجب القرآن عن المسيحيين. وهل يجدر التحول الى الاسلام من دون الاطلاع ودراسة مضامين القرآن والعلوم الدينية الاخرىن بتلاوة الشهادتين؟ ام بالقهر، والاذلال فقط؟!! وما قيمة هذا التحول؟!!! 

 ب – تقي الدين السبكي م. 756/ 1355: كان صنوا لابن تيمية؛ عالما وفقيها، شغل مناصب دينية رفيعة، من ابرزها قاضي قضاة المسلمين في بلاد الشام. تفاعل مع بيئته الثقافية والسياسية، وأثرت آراؤه ومواقفه سلبا على اوضاع المسيحيين عموما، لتأثيره البالغ على الحكام. فقد استغل حادثة حصول مسيحيي الشام على امان من هولاكو، ابان هجومه على بلاد الشام، وثورة بعضهم في دمشق، وممارستهم امورا غير مألوفة، وغير مسؤولة ضد المسلمين: دق اجراس الكنائس، ورفع الصلبان في الشوارع، وافراط فريق منهم باحتقار المسلمين، والتعدي على بعض مقدساتهم. فاستاء المسلمون من كل ذلك، وعبروا عن غضبهم بعد انتصار المماليك في عين جالوت، بقتل عدد وافر من المسيحيين، والاعتداء على الكنائس وتخريبها[97]. ولكثرة الكنائس التي هدمت جزئيا او كليا، اختلف الفقهاء حول الاجازة باعادة بنائها وترميمها. فقاضي قضاة المسلمين تقي الدين السبكي جرّم  المسيحيين جميعهم، واعتبرهم فاقدي حقهم بكنائسهم وجعل رقبتها للمسلمين:”اني اقول ههنا على الكنائس، لا أسلم انها للنصارى بل للمسلمين…”[98] وبالجملة المشهور من مذهبنا التمكين من الترميم، والحق عندي خلافه…”[99] معتبرا المسيحيين نقضوا عهد الذمة، وفي هذه الحال، يخيّر الذمي، بل يختار له فقهاء المسلمين، وفق المصلحة الاسلامية، واحداً من اربعة امور: القتل، او المن، والاسترقاق، والفداء. فاختار السلطان بيبيرس القتل، فقتل عددا من المسيحيين[100]، ما اثلج قلب السبكي، الذي لم يكتف بهذا العقاب، بل صب جام غضبه على بعض المفتين، ممن اجازوا سنة 755/ 1355 اعادة بناء الكنائس المهدمة، ومنعهم من الافتاء، وصنّف كتابا في هذا الموضوع اسماه ” الدسائس في الكنائس.”[101] واصرّ على فقدان المسيحيين الحق بكنائسهم، وحوّل رقبتها وفق فتواه ملكا للمسلمين.

عجز السبكي عن التمييز بين ما فعله فريق من مسيحيي الشام، والمسيحيين عامة، فساوى الجميع بالخطيئة. واعمى الغضب بصيرته، واذكى عواطفه، فجانب المنطق. وكان لفتواه على هذا النحو، آثار سيئة على سلوك العامة، لأنها وجدت بفتاويه ما يبرر تصرفاتها الشائنة. وكأن التاريخ لا يعظ، او هناك من لا يريد الاتعاظ منه؛ ألم يقرأ السبكي تقريظ الامام الاوزاعي للخليفة العباسي ابي جعفر المنصور، بسبب تصرفاته المتشددة تجاه عامة مسيحيي المنيطرة، بعد فشل ثورة المنيطرة، وخاطبه واعظا:” فكيف تؤخذ عامة بعمل خاصة؟ …وقد بلغنا ان من حكم الله عز وجل، لا يؤخذ العامة بعمل الخاصة، ولكن يأخذ الخاصة بعمل العامة”.[102] ويبقى السؤال:هل فعلا اغتاظ السبكي مما حصل فقط، ام كان يبيّت امرا آخرا للمسيحيين منتظرا الظرف المناسب؟!! وهل اعتقد ان هذه هي الطريقة الفضلى لتحويلهم الى الاسلام؟!!

3-ابن الاخوة: فقيه تتلمذ على ابن تيمية، واكتسب التشدد منه، ولا سيما تجاه المسيحيين. خصص كتابه” معالم القربى في احكام الحسبة” للكلام على دور المحتسب والحسبة عموما “مراقبة الاسواق والاسعار وسلوك الناس…” وابدى نقمة على المسيحيين في سياقه. فاستعاد الشروط العمرية، التي شرطها عمر بن الخطاب على المسيحيين في عهود امانهم.[103]ولا ادري ان كانت نسبتها صحيحة، لأنه اوردها شبه شاملة لكل ما نعرفه عن الشروط العمرية، معتزا به، ومرتاحا لتشدده بتطبيقها. وقد اغاظه في عصره، دور الكتاب المسيحيين، لاسيما اصحاب النفوذ منهم، غير آبه بكفاآتهم. فهم باعتقاده مهما بلغ شأوى ثقافاتهم، يظلون ابدا اقل شأنا من المسلمين ممن هم اقل معرفة منهم، ويجب الا يتقلدوا اي منصب، يجعل المسلم، مهما كانت منزلته الاجتماعية والثقافية متواضعة، يعود اليهم في بعض مسائله، لأنه يصبح في وضع حرج، عندما يسأل خدمة ممن هو دونه منزلة على المقياس الديني. ويعتريه حزن شديد من وضع الموظفين المسيحيين الاجتماعي الرفيع، لا سيما ذوي مناصب عالية، بالحياة المرفهة التي يعيشونها. ويترحم على عمر بن الخطاب، متنميا لو يبعث حيا ليقتص منهم:”لو شاهد عمر…اليهود والنصارى في زمننا هذا، وادُرُهم تعلو على يُثيْع المسلمين، ومساجدهم، وهم يُدعون بالنعوت التي كانت للخلفاء، ويكنّوْن بكناهم فمن نعوتهم الرشيد، …وبابي الحسن وهو علي بن ابي طالب…وبابي الفضل، وهو العباس عم الرسول…وقد جازوا حدّ اقدارهم، وتظاهروا باقوالهم وافعالهم، واظهرت منهم الايام طبائع شيطانية مكنتها، وعضدتها يد سلطانية فركبوا مركوب المسلمين، ولبسوا احسن لباسهم، واستخدموهم، فرأيت…النصراني راكبا يسوق بمركبه، والمسلم يجري في ركابه، وربما تضرعوا وتذللوا له؛ ليرفع عنهم ما احدثه عليهم.

واما نساؤهم اذا خرجن من دورهن، ومشين في الطرقات فلا يكدن يُعرفن، وكذلك في الحمامات، وربما جلست النصرانية في اعلى مكان من الحمام، والمسلمات يجلسن دونها، ويخرجن الى الاسواق، ويجلسن عند التجار فيكرموهن بما يشاهدون من حسن زيهن، فلا يدرون انهن اهل ذمة، فيجب على المحتسب الاهتمام بهذا الامر…ويمنعون من احداث بيع وكنائس في دار الاسلام…”[104]

يرتاح ابن الاخوة الى طريقة دفع المسيحي الجزية، لما فيها من احتقار وذل لانسانية الانسان، لأن المسيحي فاقد للكرامة بمقياسه الديني الاجتماعي:” اذا جاء عمال الجزية اقام المسيحي بين يديه، ثم يلطمه على صفحة عنقه، ويقول: ادّ الجزية يا كافر، ويخرج الذمي يده من جيبه…فيعطيها له بذلة، وانكسار…”[105]

وكأن اذلال المسيحيين يريحه، وتحقيرهم يجب ان يطال سلوكهم الاجتماعي والديني، وطرق عباداتهم، وكنائسهم، وشعائرهم الدينية، وازياءهم. ويفترض اقتصار وظائفهم على ما عند المسيحيين وحدهم وفي بيئتهم، لأن خضوع المسلم لهم، ولو عن طريق تلبية حاجاته، هو الكفر بذاته، لأنهم كافرون. انها دعوة صريحة لتحويلهم الى الاسلام، من دون ارشادهم الى افضل السبل. امحصر اهتمامه باعلاء شأن الاسلام والمسلمين، وزوال الكفّار من المجتمع. لأن دعوته هذه تريحه، وتكسبه اجرا عند الله.

ج-ابن قيم الجوزية: فقيه متشدد، لم يرق له ان يعامل المسيحيون بما يستحقون من العلم والمعرفة، وحسن التدبير الاداري في الادارة المملوكية او في غيرها، وعلى قدم المساواة بالمسلمين. فأرّخ في كتابه”احكام اهل الذمة” للتدابير المذلة التي مورست بحقهم، منذ العهد الراشدي وحتى عصره، جاعلا من كتابه مصدرا رئيسا لأفضل السبل في التعاطي مع المسيحيين في الدول الاسلامية، رغبة منه بتعميم الاضطهاد عليهم، ليس في عصره وحده، انما في العصور القادمة، حتى يثوبوا الى رشدهم، ويتحولوا الى الاسلام. واسند تأريخه- ان جاز التعبير-، الى احاديث نبوية، وآيات قرآنية، انتقاها بعناية فائقة، وفسّرها بما يلائم توجهه، ودعّمها بسلوك خلفاء تسلحوا بفتاوى فقهاء متشددين. يحمل كتابه في طياته دعوة الى اعلاء شأن الاسلام، “افضل الاديان”، والى اقتلاع المسيحيين من المجتمع الاسلامي، واذلالهم بالانتقاص من كراماتهم :” لا يستعان بمن خان الله –المسيحيين- خالقه ورازقه، وعَبِد من دونه الاها فكذّب رسله، وعصى امره واتبع غير سبيله، واتخذ الشيطان وليا من دونه…وهم موسومون بغضب الله والشرك به، والجحد لوحدانيته…وامة الضلال هم النصارى المثلثة عبّاد الصلبان…وتبرأ الله من اتخذ الكفار وليا.”[106]ويبدو انه لم يترك آية قرآنية واحدة تدل عل “شرك او كفر” المسيحيين الا واظهرها، وعلّق عليها. واشاد بالخلفاء ممن تشددوا بتطبيق”الشروط العمرية”، وبمن سبقه من الفقهاء، الذين ارشدوا الخلفاء في شأنها.[107] ويستهل معظم فصول الكتاب بمقدمات تصب في اذلال المسيحيين، انظر ما كتبه في مستهله “حكم تولية اهل الذمة”:” …وقد حكم تعالى بان من تولاهم فانه منهم، ولا يتم الايمان الا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع الولاية والبراءة ابدا، والولاية اعزاز، فلا تجتمع هي واذلال الكفر ابدا، والولاية صلة، فلا تجامع معاداة الكافر ابدا.”[108] ” وعلى رغم كفر المسيحيين، على حد تعبيره، يظل بقاؤهم المذل في الدولة الاسلامية نافعا ماديا، بالجزية التي يدفعومها، فهم ليسوا مواطنين بل دافعو ضرائب. “ان اقرار النصراني بين اظهر المسلمين على باطل دينه بالجزية والذل والصغار، والتزام احكام الملة، وكف شره عن المسلمين، خير وانفع للمسلمين من ان يخرج بماله الى بلاد الكفار المحاربين، فيكون قوة للكفار، محاربا للاسلام، ممتنعا من اداء الجزية…مع اقامته على الدين الباطل. “[109]

لم ينظر المتشددون الى المسيحي كفرد عامل في المجتمع، وقصروا عمله على خدمة المصلحة الاسلامية، افرادا وجماعات، وسلطة حاكمة، لا سيما في الموضوع المالي. وجعل من المعيار الديني وحده مقياس الانسانية، فالفرد ايا يكن مستواه الثقافي، وسمو سلوكه الاجتماعي، والوظيفي، يسقط في فخ التحزب الديني. فاعتناق الاسلام فقط يجيز للانسان القبول في مجتمع ابن قيم الجوزية، فهو ان لم يكن مسلما شابته عيوب كثيرة لانه مصاب بها اصلا. وانني لأسأل بماذا اضرّ المسيحيون بالمسلمين على كل مستوى، ولماذا هذا الحقد الاعمى، وما هي كوامنه البعيدة والقريبة، لأن احدا من الفقهاء المتشددين او غيرهم من المسلمين لم يحدد عوراتهم، سوى انهم يختلفون عنهم في الدين. ولم يشر احد منهم الى الآيات القرآنية التي تشيد بالمسيحية، وتمنع الاعتداء على من يعتنقها. وكل من ناقشهم في دينهم، وعجز عن مجاراتهم اعتبرهم اغبياء، شأن ابن كثير مع احد البطاركة، من دون ان يشير الى موضوع الغباء، او اين عجز عن مناقشته. فكان سلوكه كمن يهرب الى الامام. وانني لأعجب من بعض الفقهاء، لا سيما انهم ادرى من غيرهم من المسلمين، بمواقف الرسول من المسيحيين، ومما جاء في القرآن في شأنهم.

  ثالثا: المسحيون في العهد المملوكي:

1-المسيحيون في نيابة دمشق: منذ ان نشأت المسيحية انتشرت في بلاد الشام، ولا سيما في دمشق. وادى الخلاف على قضايا لاهوتية، الى انقسام المسيحيين الى مذاهب متعددة. فكان معظم مسيحيي المشرق من الروم الملكيين، واليعاقبة بمن فيهم السريان. ونحن نفتقر الى معلومات دقيقة حول اماكن استقرارهم في نيابة دمشق، سوى معلومات ضحلة امدتنا بها مصادر نادرة. ولا يذكرهم المؤرخون اجمالا الا من خلال التدابير المتخذة بحقهم؛ كتقيدهم بالشروط العمرية، والتعدي على الكنائس، واهراق الخمور واخبار الخمارات، والعقوبات التي نزلت بهم. واحيانا بالاجرآت الضرائبية غير المبررة، التي كانت تفرض عليهم،كالمصادرات، والطرح وما الى ذلك. او من خلال العلائق الخلافية بين مسيحي ومسلم، وبالتالي فهي معلومات شبه نادرة، ويبدو الحصول عليها مهمة شاقة. وتبعا لها، كانت حارة المسيحين في دمشق، تقع خارج اسوار المدينة، في المنطقة الشمالية الشرقية بالقرب من باب توما[110]، ومقابرهم على مقربة من الاسوار.[111] واستقر مسيحيون في صور، وبيروت.[112]وكان للموارنة حضور فاعل في جبل لبنان، لا سيما في القسم الشمالي منه.

اعترفت السلطات الاسلامية بالهرمية الكنسية عند المسيحيين: كان البطريرك رأس الكنيسة والقائم بامور الدين، ويليه الاسقف وهو نائب البطريرك، فالمطران الذي يتولى القضاء بين رجال الدين ممن هم دونه، ويليه القسيس، ثم صاحب الصلاة المعروف بالجاثليق وهو القيم على الكنيسة، فالراهب المتعبد في خلوته.[113] وكان مركزا البطريركين اليعاقبة والملكيين في دمشق، ويتبع لكل منهما ابناء مذهبه في كل بلاد الشام[114]. وهو مسؤول امام نائب دمشق، ويصدر السلطان منشور تثبيته[115]الذي يتضمن، الى جانب كلمات التكريم، الوجبات المترتبة عليه:الحض على القيام بما يليق بمركزه، والزهد في الدنيا، واصلاح الحال بين المتخاصمين بالحسنى:” اياه ان يتخذ تجارة مربحة، …واليه امر البِيَع والكنائس، وعليه ان يتفقدها في كل وقت…ويحذر الرهبان من جعلها مصيدة للمال، وتجنّب الخلوة بالنساء فيها، وايواء اي من الغرباء القادمين بما يريب، ولا يكتم ما اطلع عليه على المسامع الشريفة السلطانية، ولا يخفي كتابا يرِد اليه من احد الملوك، او جوابا …”[116] وكان يوصيه الإلتزام بالشروط العمرية ويحدد بعضها: يمتنع المسيحيون عن قرع اجراس الكنائس، ويصلوا باصوات منخفضة لا تزعج المسلمين، لا سيما في مواقيت صلاتهم. وينبهه للالتزام بالازياء المفروضة عليهم كما صدرت في المناشير السلطانية السابقة[117]. واستضافة من يمر بهم من المسلمين ثلاثة ايام، وفتح ابواب الكنائس والاديار لهم في الليل والنهار، وتوسيع ابوابها للمارة وابناء السبيل.[118] انها توصيات رادعة، بل تهديدات منمقة مباشرة. وبالتالي لم تكن الشروط العمرية ظرفية، ومرتبطة باصدار مراسيم سلطانية فقط، انما كان مفعولها المخيف ساريا في كل وقت، وسيفا مسلطا على رأس الكنيسة ورعاياه.

في العام 767 هـ/ 1365م اجتمع الاساقفة في دمشق وانتخبوا بشارة الملقب بمخائيل بطريركا عليها، ليستقر فيها. فلم يوافق النائب على قرارهم، فاستمر مركز البطريركية في انطاكيا.[119] وفيما بعد حصل هذا الانتقال وباتت ابرشية دمشق تابعة للبطريرك القائم عليها. ومنذ ذلك التاريخ، صار يتم انتخابه من قبل مطارنة الابرشيات الاخرى التابعة لها[120]. ويقومون بتنصيبه وتسليمه صولجان البطريركية في الكنيسة المريمية اذا كان المنتخب مطرانا، ومن المفترض حضور المطارنة جميعهم، وموافقتهم على الانتخاب، ويتولى الرسامة مطران صيدا وصور، لتقدمه على جميع اقرانه في المرتبة. وفي حال غيابه ينوب عنه مطران حوران، وبحضور الاساقفة المجاورين لدمشق؛ الزبداني، معلولا، صيدنايا، بعلبك، قارا ويبرود.[121] اما بطريرك اليعاقبة فكان نائب البطريرك في مصر، ولا يجوز له التوقيع الا باذن منه.[122]

على الرغم من رفعة منزلة البطريرك، الذي اطلقت عليه القاب سنية في المناشير والمكاتبات السلطانية، التي حفظ لنا بعضا منها القلقشندي مثل: كنز الطائفة العيسوية، المشكور بعقله عند الملوك والسلاطين، المبجل، العالم بامور دينه، الحبر.[123]وتعمّد بعض المؤرخين الحط من مقامه السامي، وهي دلالة على نقمته على المسيحيين عموما، وفي آن، على عجزه عن افحامه في الشؤون الدينية. فأطلق ابن طولون عام 894/1488 على بطريرك الملكيين ميخائيل الاول في دمشق سنة 768/ 1366 لقب” كنز الكفر”[124] ربما نقمة منه على المسيحيين عامة. واما لعجز الآخرين عن مجارات البطاركة في المناقشات الدينية وفي شرح بعض النصوص، فعندما عجز ابن كثير في التفوق على البطريرك في شرح مسائل لاهوتية، ومناقشة نصوص دينية ايمانية، لم يجد حجة سوى تحقيره، فمعته بكلام ناب لا يليق به كرجل دين ومؤرخ:” فاذا هو يفهم بعض الشيئ، ولكن حاصله حمار من أكفر الكفار لعنه الله.[125]

2-مراسيم الشروط العمرية ودوافعها:كان الحكام يجددون العمل بالشروط العمرية لاسباب متنوعة: نزولا عند رغبة وإلحاح فقهاء وعلماء مسلمين، حسدا من مستوى ونفوذ ارباب الوظائف الديوانية المسيحيين، للاقتصاص من كفاآتهم بالعزل ومصادرة اموالهم ومتلكاتهم احيانا، ولتغريمهم اموالا بين الحين والآخر من دون موجب شرعي، سوى اغناء خزانة السلطان. وقد يتذّرُع بعض الحكام، ومن وراؤهم بالرد على عمل عسكري اوروبي، ضد مسلمين في اي مكان من العالم. وقد يجبر المسيحيون على اعتناق الاسلام للاستمرار بالوظيفة، واحيانا قد لا يقبل منهم سوى القتل. او ردا على اعمال قرصنة اوروبية بحتة لا علاقة لها بالدين بتاتا، ولا بمسيحيي المشرق العربي. او بتأثير رجال دين سياسيين او نافذين؛ شاهد وزير ملك المغرب موكبا لموظف يتضرع اليه الناس وهو يعرض عنهم، وينهرهم ويصيح بغلمانه بطردهم، فسأل المغربي عنه فقيل له انه نصراني. فاستنكر الامر ورفعه الى الاميرين بيبرس الجاشنكير وسلار، فصدر منشور سلطاني فرض الشروط العمرية على الاراضي المملوكية كلها، وسفر عنه هجوم العامة على الكنائس، فهدموا بعضها، وتحوّل بعض من كان في الدواوين الى الاسلام طمعا بوظائفهم.[126] وكلّما كان يبرز في المجتمع او الادارة احد المسيحيين، يغار منه بعض المسلمين ويحرّضون عليه في الشارع او منزله، وقد تحدث فتنة، ما يدفع السلطان والامراء الى اعادة العمل بالشروط العمرية.

وتتمحور كل هذه الذرائع حول هدف رئيسي واحد: تحويل المسيحيين الى الاسلام، وكأن المجتمع الاسلامي، في رؤية اولئك المتشددين، لا يتعايش فيه الا المسلمون وحدهم، ولا يتسع لغيرهم!!! وهي جعلت المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية على حد تعبير احمد الزين،[127] ما افقدهم حق المواطنة الكامل، فحرموا الحقوق السياسية خلال الحكم الاسلامي في المشرق العربي، وأدت الى اكراه اعداد كبيرة منهم الى التحول الى الاسلام قسرا،” هربا من العنف والقسوة التي عوملوا بها وخوفا من الموت. وهكذا كان التحول كبيرا، ودوافعه قاسية، واعداد المتحولين كبيرة جدا …”[128]

قد تكون سنة 663/1265 اسست لفرض الشروط العمرية في العهد المملوكي، حين اتهم مسيحيون في تلك السنة، بافتعال حرائق في القاهرة والفسطاط[129]. وفي عام 680/1281 اصدر السلطان قلاوون مرسوما طلب فيه: ان يُسْلم من في الدواوين، والكتبة من اهل الذمة تحت طائلة القتل، فاسلم بعض منهم، اما الاخرون فوضعت الحبال في اعناقهم، وعرضوا في سوق الخيل في القاهرة لكي يصلبوا.[130]واتبعه بآخر سنة 1283 [131] وكرر ابنه الاشرف خليل الامر عينه سنة 689/1290، فمنع استخدام المسيحيين في الدواوين،[132] وألزم كل كتاب الدواوين المسيحيين اعتناق الاسلام، او دفع فدية قيمتها ألف دينار، فاسلم اربعة من ارباب الوظائف العالية.[133] ومنع السلطان كتبغا عام 694/1294 المسيحيين من ركوب الخيل والبغال، واجاز للمسلمين سلب من وجدوه راكبا، فاستغل بعض الغوغاء الامر وتعدوا على المسيحيين ،[134]وبالتالي تم استرضاء العامة واستيعاب نقمتها. وكرر اخوه الناصر محمد سنة 700/1300، منع المسيحيين من العمل في دواوين الامراء، ومن ركوب الخيل والبغال، وفرض على كل المسيحيين في البلاد المملوكية ارتداء العمائم الزرقاء، تحت طائلة العقوبة.[135]و في سنة 709/ 1309 لم يجد السلطان نفسه غضاضة في ان يعتمر المسيحيون عمامات بيضاء عوضا عن العلامات الفارقة، التي تميّزهم عن المسلمين، مقابل فدية مالية. ولكن ابن تيمية انتفض ضد هذا التدبير، وحثّ السلطان ليس على ابطال المرسوم فحسب، انما على تغريم المسيحيين جميعهم 700 ألف دينار سنويا زيادة على الجزية مفروضة عليهم، وليعتمروا العمامات الفارقة ايضا[136]. وهذا دليل آخر على استغلال المسيحيين ماديا، ودفعهم للتحوّل الى الاسلام. وفي سنة 721/1321 فرضت الشروط العمرية كاملة، في كل الديار المملوكية، وطلب السلطان الناصر محمد بن قلاوون من نوابه في النيابات، التشدد في تطبيقها، وباقفال الكنائس والاديار.[137] وفي سنة 755/1354 منع السلطان الناصر حسن، من دون اي سبب، استخدام المسيحيين في الدواوين الشريفة والكريمة على حد سواء، ورسسم في المنشور عينه، وجوب تصغير عمامة المسيحي الى عشرة اذرع، وزيادة صبغها، لكي تتميّز بجلاء عن عمامة المسلم، والا يركبوا الا الحمير وبالأُكُف، وان ترتدي نساؤهم ثيابا مغايرة لازياء المسلمات، ويحتزين خفين من لونين مختلفين.[138]

تكرر الامر عينه، سنة 766/1364[139] على عهد الاشرف شعبان، وكذلك عام 767/1365 على اثر هجوم ملك قبرص على الاسكندرية، فاصدر ابنه السلطان علي بن شعبان مرسوما قضى برد الاموال، التي  أخذت من نساء مسيحيات بدل دخولهن حمامات المسلمات، على ان يُمنعن من دخولها مجددا لكي لا تتساوين مع المسلمات في الحقوق. وفرض على الرجال، عند دخولهم حمامات المسلمين، تعليق اجراس في اعناقهم. وتكرر الامر عينه سنة 782/1380 .[140] في العام 1465م منع السلطان خشقدم المسيحيين من تعاطي الترجمة والسمسرة والعمل مع التجار الاجانب، انتقاما من سقوط غرناطة بيد الأسبان، ومن الاشتغال مع التجار الفرنج[141]. وفي سنة 1488 امر نائب دمشق اهل الذمة، عند دخولهم الى الحمامات، ان يربط الرجال حبالا في اوساطهم، وتعلق النساء الاجراس في رقابهن، ومنعهم من ركوب الدواب داخل المدينية[142]. وفي العام 1510 م  عاد الاضطهاد إلى سالف عهده، بعد ان كان تلاشى نسبيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما ذنب المسيحيين المشرقيين اذا كان ملك قبرص هاجم الاسكندرية، وانزل خسائر بشرية ومادية فيها، علما ان السلطات المملوكية لم تجد رابطا واحدا بين المسيحيين والمسؤولين عن الحملة ؟! وهل كان الانتقام منهم يعوض عجز المماليك عن إلحاق الهزيمة بالقبارصة، ويحوله الى انتصار، ام كان الامر تأكيدا على الحط من قدر المسيحيين انتقاما من الهزيمة؟! ومن ناحية ثانية ما هي المعادلة القيّمة، التي توازي بين المادي والروحي، فهل فعندما يدفع الموظف المسيحي في الديوان بدلا ماليا ليستمر في وظيفته، وعلى دينه، تحل مشكلة دينه؟! كانت قضية استغلال مالية؛ طمعا باموال المسيحيين، ولسد عجز بيت مال المسلمين، أكثر مما كانت تعلقا بالدين الاسلامي. فالسلطان كان شبه موقن انهم لن يبدلوا دينهم، وسيحصل على اموال مجانية. وفي الوقت عينه يتم استرضاء عموم المسلمين لا سيما الفقراء والمعوزين، الذين صوُّر لهم المسيحيين كفارا مشركين، وتجدر معاقبتهم.

3-وطأة الشروط العمرية

أفي الادارة: منذ ما قبل الاسلام، كان الذميون، بمن فيهم المسيحيون ، بارعين في الشؤون الادارية ويتقنون فنونها. واعتمد عليهم في دواوين جميع الدول الاسلامية المتعاقبة، بما فيها العهد المملوكي. وشغلوا كل المناصب التي يجيزها الشرع الاسلامي؛ وزارة التنفيذ، والكتابة في مختلف دواوين السلطانية، او التابعة للامراء.[143]ما سمح لهم المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان يعينون بمراسيم شريفة(سلطانية)، ويعزلون غالبا بالطريقة عينها تطبيقا للشروط العمرية، بتأثير من رجال دين متشددين او لاسباب اخرى. واطلق السلاطين ونوابهم على الموظفين المسيحيين ألقاب تشريف مثل: شيخ، وحضرة، او حضرة الشيخ، او ولي الدولة. وزيادة في التكريم كان يضاف الى الاسم الاساسي”أل” مثلا الشيخ شمس يصبح” الشيخ الشمس” والشيخ الصفي” و”الشيخ الموفق” واذا اسلم احدهم يضاف الى اسمه كلمة “الدين”، فيغدو اسمه الشيخ الشمس” شمس الدين”…[144] واجيز لبعضهم ممن نال لقب امير، شراء عدد من المماليك من ماله الخاص يتناسب مع رتبته، يقومون على خدمته[145]. نذكر منهم جمال الدين آقوش الرحبي من مسيحيي اربيل، الذي حمل لقب امير طبلخاناه عندما صار واليا على دمشق، واقتنى اربعين مملوكا، واقطاعا مناسبا[146]. وغبريال القبطي الذي صار وزيرا بدمشق لعلاقته الحسنة بتنكز نائبها، ومن ثم تحول الى الاسلام، بعد ان تم التآمر عليه وابرح ضربا.[147]وكان ابن مكانس القبطي وزيرا بدمشق، ويساعده عدد من المباشرين[148]. وذكرت المصادر بعض اسماء من تولى مناصب في دمشق مثل: جمال الدين آقوش الرحبي شاد الدواوين[149]. والرشيد سلامة كاتب سنجر البشمقدار، والمكين يوسف بن يحي عامل الجيش، والمكين يوسف بن ابي الكرم كاتب الحوطات، والمكين يوسف كاتب بهادر آص، والعلم عامل بيروت[150]، والموفق بن فضل الله الصقاعي الدمشقي الذي تولى عددا من المناصب ومنها الكتابة في ديوان المرتجع[151]. وابو الكرم النصراني كاتب في الدواوين الرسمية الدمشقية،[152]وبدر ابن القسيس القبطي كاتب الامير سيف الدين كجكل.[153]وموسى بن سمعان النصراني الكركي كاتب الامير قطلوبك الجاشنكير .[154] وكاتب مسيحي-لا يرد اسمه في المصادر- في خدمة القاضي الشافعي في دمشق.[155]

كانت نقمة بعض رجل الدين المسلمين عظيمة ضد الموظفين المسيحيين، لا سيما من تولى منهم وظيفة مرموقة كالوزارة، وأي منصب يجيز جباية الاموال، وحذروا باستمرار من تولي الصيارفة وظائف في بيت مال المسلمين[156]. نذكر منهم ابن القيم الجوزية، وابن النقاش، وتاج الدين السبكي[157]، وابن تيمية، وابن الاخوة، فضلا عن عدد من المؤرخين ممن كانوا يعتبرون علماء دين كأبن تغري بردي… ولم يسلم الكتّاب المسيحيون من نقمة زملاء مسلمين كانوا ادنى منهم مرتبة، كما حصل مع عبد الله بن يوسف السفاح احد كتاب الدواوين، الذي غضب بسبب تولي الذميين مناصب عالية في حلب، فتركها الى دمشق، ولما وجد الوضع فيها مشابها، نظم شعرا يعبّر عن مكنونات صدره الناقمة على المسيحيين والسلطة معا[158]. وكان يتم ابعادهم او عزلهم بمراسيم شريفة ،كما في السنوات: 689/1290، 700/1301، 755/1354، 757/1356، 765/1363… وقد وصل منشور سلطاني الى دمشق سنة 700/1301 يدعو الى محاربة المغول والكتاب المسيحيين. انها مفارقة عجيبة، تجعلك تتساءل عن هذه المساواة بين العدو الرهيب وابن البلد المختلف عنه في الدين، والذي يخدم الدولة؟!

بفي الاقتصاد:

الضرائب: اهتم المماليك بجباية الاموال، لشدة نهمهم منقطع النظير لها، فعلى رغم سيطرتهم شبه التامة على معظم مقدرات الاقتصاد، وتحويل فريق من عامة الناس الى اشباه اقنان، استمروا يتفنّون باستحداث ضرائب غير شرعية[159]. وشكلت الجزية او الجوالي ركيزة مهمة في نظامهم المالي، ليس لأنها فريضة إلاهية، وتشعر دافعها بالذل والصغار فحسب، بل لأن مردودها كان مرتفعا جدا، ويغذي دواوين السلاطين المالية. وهي ترتبت على البالغين من الرجال فقط. في البدء كان اوان استحقاقها في شهر محرم ثم تحول الى رمضان[160]، ويستوفيها شاد الجوالي المعين من قبل السلطان، بناء على انهاء نائب دمشق[161]. وعلى رغم فداحتها، كانت تصاعدية وفقا للمصادر، فبلغت دينارا على الفقير، واثنين على متوسط الحال، واربعة على الغني[162]. وتفاقمت فداحتها بالضرائب المتعددة الاخرى الشرعية وغير الشرعية، التي توجبت على المكلف. وظلم المسيحيون في تأديتها، لأنهم دفهعوها احيانا مقدما، وعن اكثر من سنة، كما  في عام 742/1341 حيث جبيت عن ثلاث سنوات مقدما.[163]

  في مطلع عهد المماليك كان البطريرك في الشام، او”حاشر المسيحيين”، ينظم قوائم باسماء نوعي رعاياه المكلفين: “الرواتب” وهم ابناء البلاد، و”الطوارئ” اي القادمون من بلاد اخرى. ويذكر في نهايتها اسماء من توفي، او سافر، او تحول الى الاسلام لاسقاطها عنهم[164]، ويرسلها الى شاد الجوالي، الذي كان يحرر، لمن يدفعها، ايصالا بقيمتها ممهورا بخاتمه[165].

لم تكن تجبى الجزية دائما افراديا، لأن البطريرك ونائب الشام كانا يتفقان على تأدية مبلغ معين عن جميع رعاياه من دون التمييز بين غني وفقير[166]، لا سيما عندما يصر النائب على جبايتها مسبقا، كما في العام 762/1361 [167]. ومن يتأخر عن دفعها يوضع في الترسيم اياما، ثم يسجن حتى يؤدي المتوجب عليه[168]. واذا تأخر عدد كبير عن دفعها لأكثر من سبب؛ ككقحط المواسم، او الفقر.. يمنع جميع المسيحيين من الصلاة في الكنائس[169]. وعلى اثر الروك الناصري لبلاد الشام سنة 1313، باتت جبايتها اشد قساوة، لأن اموالها لم تعد حكرا على الديوان الخاص، – الخاص بالسلطان وحده-، انما صارت كل جماعة تدفعها للامير الذي تعيش في نطاق اقطاعه[170]بحيث تجاوز معظم الامراء الحدود المرسومة لاسوب استيفائها. كما انها لم تعد تصرف في الوجوه التي حددها بعض الفقهاء، كرواتب الولاة، والفقهاء والقضاة، وعلماء الدين، والمجاهدين، ومن دون التقيد بالشرع الاسلامي، الذي لا يجيز اقطاع الضرائب، لأنها حق لبيت مال المسلمين وحده. وعجز كثيرون عن دفعها، وتحوّل قسم كبير منهم الى الاسلام قسرا للخلاص من عبئها.[171]

دفع المسيحيون، بالاضافة الى الجزية، ضريبة الحج ليسمح لهم تأدية فريضته الى الاراضي المقدسة المسيحية في القدس، وكانت فادحة على حد تعبير فحص، وتوزعت على ثلاثة مكوس: الاول للدخول اليها، والثاني لزيارة كنيسة القيامة، والثالث لحارسي القافلة من الجنود، وهو كان يفوق كثيرا ما كان يدفعه المسلمون لخفر جنود قافلة الحج الاسلامي. علما ان المسافة من الشام الى القدس اقصر منها الى الاماكن الاسلامية المقدسة في الحجاز. ففي سنة 766/1365 دفع كل حاج مسيحي 63 درهما، وكان مقدار هذا المكس في ارتفاع مستمر[172]. وهي، بهذا المعنى، وسيلة ضغط ليعتنق المسيحيون الاسلام. ودفعوا ايضا ضرائب على انتاج الخمور وبيعه، وعلى الارث.[173]

المصادرات: المصادرة بدعة ضرائبية مؤداها اتهام شخص، او جماعة كالتجار، او حارة، او حي، او طائفة معينة، بتهمة ما، قد لا تكون صحيحة، تخوّل السلطان مصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة حزئيا او كليا. وقد فرضت اجمالا  على من اشتدت شكيمته من الامراء وبات خطره داهما على السلطان وعلى نظرائه، اوطمعا بمن ازدادت ثروته من اصحاب المناصب العالية، اومن اساء الامانة، او اخلّ بوظيفته، وما شابه ذلك. وقد يبرر السلطان احيانا هذا التصرف الشاذ، بتجهيز حملة عسكرية، او تحصين ثغور، او دية قتيل وجد في محلة او حارة ما، من دون معرفة القاتل، فكانت تتم مصادرة اموال محددة من سكانها. وكانت تلك اموال تكدس في احد ديواني السلطان المفرد او الخاص. وهذه البدعة او الظاهرة البشعة، التي اجازها بعض رجال الدين تقربا من اركان السلطة او حشية منهم، او انتقاما من شخص او جماعة، طبعت العهد المملوكي برمته، على الرغم من رغم مخالفتها الشرع الاسلامي.

عانى المسيحيون في نيابة دمشق من شدة وطأتها، فقبيل موقعة عين جالوت 658/1260، اتخذ السلطان من اساءة بعض مسيحيي دمشق الى المسلمين بمساعدة من المغول، او غض الطرف منهم، عندما رشوا الخمور على حيطان المساجد، واظهروا الصلبان في الشوارع، سببا ليصادر من جميع مسيحييها مليون درهم، جبيت بالضرب وانواع التعذيب، وطالت من شارك ومن لم يشارك في الاساءة[174]. ولما اشعل بعض المسيحيين حرائق في اسواق دمشق، اتت على جزء من الجامع الاموي، وما حوله من اماكن تجارية ومدارس، واوقعت خسائر كبيرة، لم يقبض نائب الشام على الفاعلين وحدهم، انما على ستين من رؤساء المسيحيين ايضا، من غير ذنب، وضربوا جميعهم بالمقارع، وانزل بهم انواعا من التعذيب، وصودرت اموالهم بمختلف الطرق، ثم صلب احد عشر من اعيان الكتاب المسيحيين- قد يكونون هم المسببين- وطيف بهم في الاسواق، ثم احرقوا، وسجن قسم من الباقين، وتحوّل عدد من المقبوض عليهم الى الاسلام لكي يطلق سبيلهم، وصودر من اربعة كتاب مليون ومائتي درهم[175]. ولما علم السلطان بالامر، استاء من تصرفات تنكز نائب الشام، ليس رفقا بالمسيحيين، انما خوفا من انتقام الروم من مسلمي القسطنطينية، ومن دون ان يتدخل لانصاف المظلومين.[176] وفي سنة 741/1341 صودر بامر سلطاني من مسيحيي دمشق، ما يقارب 107 آلاف من الدنانير، وفي الوقت عينه افرج عمن كان مسجونا منهم بسبب حادثة الحريق. وفي السنة عينها جبيت منهم جزية ثلاث سنين مقدما.[177]وفي سنة 767/1365، وردا على حملة ملك قبرص بطرس الاول على الاسكندرية، اصدر السلطان امرا شريفا الى “منكلي بغا” نائب دمشق، يأمره بالقبض على مسيحيي الشام ومصادرة ربع اموالهم، فطُلبوا في بيوتهم، واهينوا من دون ان يدروا ما الذي ارتكبوه، وهرب بعضهم الى جهات مختلفة[178]. ويذكر الدويهي، في هذا الصدد، ان السلطان امر بالقبض على اساقفة دمشق، فهرب بعضهم خوفا، واستقر احدهم في قبرص، وسجن الباقون.[179]وامر يلبغا الناصري، الذي تولى الحكم بعد انقلابه على السلطان برقوق، بمصادرة اموال الرهبان ومقتنياتهم، واموال المسيحيين جميعهم في مصر وبلاد الشام،  فبلغت غلّته من الصلبان اثني عشر ألف صليب، من بينها واحد ذهبي زنته عشرة ارطال مصرية.[180]ولما اجتمع ابن كثير، وهو مؤرخ ورجل الدين، بنائب دمشق انكر عليه هذا التصرف بحق المسيحيين، لأنهم في ذمة المسلمين. فاجاب النائب انها الاوامر من القاهرة، التي افتى بها بعض رجال الدين في مصر. ثم جمع من المسيحيين ربع اموالهم، وارسل ولاة الى البر الشامي فاستخلصوا اموال المسيحيين، بكل انواع التعذيب والاهانات.[181]

ج-الابنية: اجتهد فقهاء مسلمون في تفسير نظرية”الاسلام يعلو ولا يعلى عليه”[182]، واتخذوا منها ذريعة لتحقير غير المسلمين ومنهم المسيحيون. شمل هذا التحقير ممارسات اسلامية متعددة: في اللباس، ودخول الحمامات، وركوب الرحائل… وجعل بيوت المسيحيين اقل  ارتفاعا من دور المسلمين[183]، لأنه حق خالص للاسلام ولايجوز للمسلمين مخالفته. فان رضي الجار المسلم، ان يوازي سقف بيت جاره المسيحي سقف داره، او يزيده ارتفاعا، فان المحتسب كان يمنع المخالفة، ويأمر بالهدم، او بخفض مستوى السقف. وكثيرا ما حدث ذلك على ما يذكر المؤرخون[184].

د- اعتناق الاسلام قسرا:في عهد الرسول كان المجتمع متنوعا، يعيش فيه المسلم الى جانب المسيحي واليهودي، وفرض على غير المسلمين دفع الجزية فقط. وفي هذا المسار جهد بعض السلاطين المماليك، ورجال دين مسلمين متشددين، لتتحويل االمسيحيين الى الاسلام. وقد يكون السبب ما خلّفته من احقاد الحروب الفرنجية او الصليبية، وغزوات المغول، وقضاؤهم على دول اسلامية عديدة، ولا سيما الخلافة العباسية. قد نسلّم بهذه الاسباب، التي اجتهد بها مؤرخون، لو لم يكن هذا الجهد قد بدأ منذ العهد الراشدي، الذي فيه ارسيت ابرز ركائز الذمة في مفهوميها الاجتماعي والديني، ونشأت معايير الردة، التي تطورت بالممارسات والنصوص، وما عادت محصورة فقط بالتراجع اللفظي عن الاسلام، انما بات شتم الرسول، وامور اخرى من ركائزها الاساسية. وفي هذه الحال كان يخيّر كل من يذم الرسول، او يحقره، بين امرين: اعتناق الاسلام، او القتل. لن نغوص في هذا الموضوع لأنه يخرجنا عن هدف بحثنا. وبذل رجال دين متشددون، وسلاطين، ونواب حكموا دمشق، جهودا حثيثة لتحويل المسيحيين الى الاسلام، مستغلين اسبابا شرعية وغير شرعية. وكل من تحول الى الاسلام، وبعد مدة عاد الى اعتناق المسيحية يعدم. وكانت تحال معظم هذه الحالات الى القاضي المالكي، الذي لم يكن يقبل توبة المرتد، ويأمر بضرب عنقه.

 ورد في المصادر حالات عمّن تحول الى الاسلام، ومن ثم رجع الى اعتناق المسيحية، نذكر منهم رجل اقيمت البينة عليه سنة 812/1409 واقر بالتهمة، واصر على مسيحيته فضربت عنقه[185]. وعُزّر المسلم عماد اسماعيل لأنه شهد ان الانجيل والتوراة ما بدّلا، وانهما بحالهما كما انزلا على حد تعبيره[186]. واعدم المسيحي موسى بن سمعان، لأنه حول احد المسلمين الى المسيحية، ونقش على يده اشارة الصليب[187]. وامر نائب دمشق برجم احد المسلمين، لأنه حمى مسيحيا شتم النبي[188]. في سنة 693/1294، بسبب خلاف بين رجلين مسيحي ومسلم، شهد بعض اهل السويداء على المسيحي انه ذمّ النبي، وحاول الامير عساف بن احمد بن حجي ان يجيره، ولكن ابن تيمية وشيخا آخر طالبا باعدامه، ما اثار العامة، فرجموا المسيحي والامير عساف معا. ومنعا للفتنة اعتقل عز الدين ايبك الحموي نائب دمشق الشيخين، ولم يتمكن مجلس العدول، الذي انعقد نزولا عند رغبته، من تبرئة المسيحي، الذي حفاظا على حياته، تحول الى الاسلام[189]. في عام 726/1326 مثل مسيحي امام القاضي الحنبلي بدمشق، واعترف بما نسب اليه: بان مؤذني جامع دمشق كفرة، ومخافة الموت اسلم على يديه[190]. في سنة 730/1330 قال احد المسيحيين، في احد جوامع دمشق، اريد ان اسلم، ثم ترجع عن موقفه، فاعتبر كافرا وضربت عنقه، ثم احرقت جثته[191]. واعتنق الراهب توما بن عبد الله النصراني الاسلام على يد ابن تيمية ولازمه فترة، ودرس القرآن، وبعد مدة عاد الى المسيحية، وقال صراحة: “ان القرآن ثلثه من التوراة، وثلثه الثاني من الانجيل، والاخير صنفوه”، فضربت عنقه[192]. وفي عام 785/1383 مثل مسيحي امام القاضي الشافعي بدمشق، واقر بارتداده عن الاسلام وتاب امامه، وبعد مدة اعتنق المسيحية مجددا، فامر القاضي المالكي بضرب عنقه[193]. واسلم رجل مسيحي اتقاء للقتل، وبعد اشهر من عذاب الضمير، توجه الى بعض القضاة، وارتد عن الاسلام واعتنق المسيحية، وقال انا اريد ان اتطهر بالسيف، وقدح بالدين الاسلامي وعظّم المسيحية، فقطعت عنقه[194].

من اجل نهب الكنائس وهدمها، كان بعض المسلمين يشتكون للسلاطين، متهمين مسيحيين باستجداد او ترميم كنيسة، فيأمر السلطان بهدم ما استجد. فيستغل مسلمون الامر لنهب كنائس واديار، وهدمها كليا او جزئيا وان كانت غير مستجدة، ويعتدون على المسيحيين، ما كان يدفع قسرا عددا منهم الى الدخول في الاسلام[195]. واضطر بعض المسحيين اتقاء للقتل الى اعتناق الاسلام، ومن ثم كان بعضهم يتوبون عن هذه الخطيئة المميتة، على حد اعتقادهم، ويرغبون في الشهادة للمسيح، فيشهرون مسيحيتهم، فتضرب اعناقهم واعناق نسائهم. وعلى الرغم من ذلك استمر عدد من المسحيين ممن اسلموا يرتدون عن الاسلام، رغم قناعتهم بالمصير المحتوم[196].

 لم ينحصر التحول الى الاسلام بتلك المواقف المتشددة والفردية وحدها، بل كانت السلطة عموما تدفع بهذا الاتجاه، بضغط من رجال دين متشددين. ويتركز معظمها على المسيحيين العاملين في الدواوين الرسمية. فقد اصدر السلطان محمد بن قلاوون مرسوما قضى بتحويل من يعملون في الدواوين الرسمية وعند الامراء الى الاسلام، والّا غرّم بستة آلاف درهم، او الطرد من الوظيفة، فاسلم اربعة منهم[197]. وتحول غازي شهاب الدين الواسطي، الذي تولى نظر الدواوين  في وحلب، ثم في دمشق، الى الاسلام مكرها، لكي يستمر في وظيفته[198]. وغضب رجال دين على احد الكتاب المسلمين، لأنه جعل احد المسيحيين نائبا له في القضاء، واصروا على عزله او يتحول الى الاسلام[199]. وفي عام 701/1302 اسلم غبريال متولي الدواوين في دمشق، هو و”امين الملك” مستوفي الصحبة[200]. واسلم النشو احد الوزراء في دمشق ليستمر في وظيفته[201]. وغرّم علماء مسلمون احد المسيحيين بستمائة درهم استياء منه، لأنه قال لأحد المسلمين: انا اخوك وانت اخي، ولا فرق بيني وبينك[202].

يمكننا ان نفهم بعض الحالات التي توجب معاقبة بعض المسيحيين، ممن اساءوا الى الرسول، او الشعائر الاسلامية، ولكن ما لا يمكن ادراكه هو استغلال اتفه الامور، للنفاذ لمعاقبة المسيحيين، ودفعهم قسرا الى التحوّل الى الاسلام. فهل اذا دفع المسيحي بدلا ماليا تغتفر خطيئته، ويتساوى مع المسلم، وبالتالي يزول مبرر تحوّله الى الاسلام؟!! كانت سياسة الدفع نحو الهاوية بالتدرج، حتى السقوط او اعتناق الاسلام.

ه-الملابس: لا ندري ما هي الحكمة، التي افترضتها الشروط العمرية، بما عرف ب“الغيار”، التي تلزم المسيحيين ارتداء ملابس واحذية مغايرة لما يلبسه المسلمون[203]. فهل كان المسيحيون موبوئين، او مجرمين او نجيسين، وتجدر مجانبتهم، ام كان المقصود احتقارهم واذلالهم، تبعا لنظرية الاسلام يعلو ولا يعلى عليه؟!. فقد اثر في كل المجتمعات القديمة والحديثة ارتداء الثياب الفاخرة كل من يقدر على شرائها، وهي ليست حكرا على دين او طائفة. ولم يكن حذو بعض السلاطين المماليك في إلزام المسيحيين ارتداء الغيار، الا استمرارا لسلوك حكام مسلمين سابقين، وارضاء لتشدد بعض رجال الدين المتسلحين بالشروط العمرية. فاصدروا مناشير مرارا وتكرارا تضمن بعضها “الغيار”، ومن شروطه الاّ يرتدي المسيحي عمامة بيضاء، انما صفراء او زرقاء، والاّ يزيد طولها عن عشرة اذرع، واقتصرت احيانا على ذراع ونصف الذراع[204]. ووفرض الناصر محمد سنة 700/1300 على كل الرجال المسيحيين في البلاد المملوكية، ارتداء العمائم الزرقاء، تحت طائلة العقوبة.[205]و في سنة 709/ 1309 لم يجد السلطان نفسه غضاضة في ان يعتمر المسيحيون عمامات بيضاء، بالعلامات الفارقة في بقية ملابسهم، التي تميّزهم عن المسلمين، مقابل فدية مالية. ولكن ابن تيمية انتفض ضد هذا التدبير، واعتبره غير كاف، وحثّ السلطان على تغريم المسيحيين جميعهم 700 ألف دينار سنويا، زيادة على الجزية، المفروضة عليهم، واعتمار العمامات الفارقة[206]. وفي العام 1324م ورد منشور سلطاني، فرض على المسيحيين رجالا ونساء تعليق اجراس في رقابهم عند دخولهم الحمامات، وانتعال نعلين احدهما أسود والآخر بلون مغاير. ما افرح المسلمين، ودعوا للسلطان بطول العمر[207].  وكان الزنار يلبسه جميع الناس نساء ورجالا مسلمون ومسيحيون وغيرهم، وهو عبارة عن حبل يشد في وسط الجسم فوق الثياب، واشترط ن يكون زنار المسيحي  غليظا وازرق اللون[208]. وتكررت هذه المناشير او الكتب،كما في سنة 755/1354 على عهد الصالح صلاح الدين، الذي فرض: لا تزيد عمامة المسيحي عن عشرة اذرع، ولا يدخلو الى الحمامات، الا بالعلامات من جرس، او خاتم نحاس اصفر، او رصاص، ولا تدخل نساؤهم الحمامات مع النساء المسلمات، وليكن لهن حمامات تختص بهن، وإزارا من كتان ازرق، وأحد خفيها اسود والآخر ابيض.”[209] واعيد العمل به مجددا 1365، ونودي في البلد على أهل الذمة، الالتزام بالصغار، وتصغير العمائم، والّا يستخدموا في شيء من الأعمال، ولا يدخلون الحمامات الا بعلامات الكفر، من اجراس، وخواتيم، ونحو ذلك، وتنتعل المرأة خفين مختلفي اللون على ما ورد في المنشور.[210]وتكرر الامر في معظم المناشير الشريفة. وفي سنة 1488 اشترط نائب دمشق رجال اهل الذمة، عند دخولهم الى الحمامات، ربط حبال في اوساطهم، وعلى النساء تعليق الاجراس في رقابهن، ومنعوا جميعهم من ركوب الدواب داخل المدينية [211] . وفي العام 1510 م  عاد الاضطهاد إلى سالف عهده.

ز-ركوب الرحائل: استمرارا في الاحتقار، والتمييز الديني، منع المسيحيون من امتطاء الخيل والبغال، تبعا لمناشير عديدة. وهي اذا اضيفت، الى لبس الغيار، تؤكد عدم المساواة في مجتمع اريد له ان يكون نموذجيا، ومغايرا  لكل نظائره في العالم. لقد منع السلطان كتبغا عام 694/1294 المسيحيين من ركوب الخيل والبغال، واجاز للمسلمين سلب من وجدوه راكبا، فاستغل بعض الغوغاء الامر وتعدوا على المسيحيين ،[212] فتم، في آن واحد، الاقتصاص من المسيحيين، واستيعاب غضب العامة على ممارسات السلطات المملوكية. وصدرت مناشيسر اخرى، تؤكد على ما سبقها كما في العام 755/1354، حيث اجيز للمسيحين ركوب الحمير فقط، وبالأكف، وبالعرض.[213] وتلته كتب اخرى[214] لا سيما الذي صدر عام 765/1364-65 على عهد الاشرف شعبان.[215] ومنعهم السلطان خشقدم من ركوب الدواب داخل المدن، ومنها دمشق اكبر النيابات المملوكية [216]. ولسنا ندري ما الحكمة من ذلك، فهل كل مسلم ينضح قداسة، ويفوق المسيحي تقى ونقاوة وايمانا. انما الايمان الحقيقي يكمن في حسن السلوك الاجتماعي.

ح-الخمور: امتلك المسيحيون اراضي كثيرة، تعود ملكيتها الى ما قبل الفتوحات الاسلامية، وحافظوا على بعضها عبر الزمن، وزرعوها بانواع الاشجار المثمرة، ومنها الكرمة. واعتاد الناس، منذ ما قبل الاسلام، على شرب الخمور وصنع الزبيب وتناوله في الشتاء. والخمرة ركيزة اساسية في الطقوس الدينية المسيحية، لهذا زرعت اراضي تابعة للكنائس والاديار بالكرمة [217]. وكان المسيحيون يستخدمون العنب في استعمالاتهم الشخصية، وصناعة الزبيب. وأمّنت الخمرة لهم مردودا ماليا مهما، لأن معظم الفئات الاجتماعية كانت تقصد الخمارات، التي فرضت عليها ضرائب عالية، ما يعني انها اجيزت بقرارات من السلطة المملوكية.

من المسلم به ان القرآن حرّم الخمر شربا وصناعة واتجارا، وزاد بعض المتشددين، على هذه الاحكام، الاقتراب منها. واجيز للمسيحيين انتاجها وشربها، والاتجار بها بعيد عن مرأى المسلمين[218]. وكأن في الامر خديعة، فهل اذا دخل مسلم دار مسيحيي وهو يبيع الخمر، او يشربه، يعتبر الامر مخالفة شرعية، توجب اهراق الخمور ومعاقبة صاحبها؟! انها معادلة تحيق الخوف بالمسيحيين. وكان بعض المسلمين يقبلون على شرائها من الخمارات، التي كانت تتزود بانتاج المسيحيين اجمالا، وتنافس على ادارتها مسيحيون ومسلمون على السواء، لما كانت تدره من ارباح وفيرة، لا سيما تلك التي كان يمارس البغاء فيها. وقد شاع شرب الخمرة المحرمة بين جميع فئات المجتمع المملوكي وطوائفه ومذاهبه. وانتشرت الخمارات في ارجاء دمشق، ولكثرة مردودها المالي، وضمنها وحماها بعض نواب دمشق، وكبار امرائها، وافردوا لها اجنادا يسهرون على سلامة الامن فيها، وتأمين وصول المواد الاولية اليها، ومرافقة الباعة الى مقاصدهم.[219]

كان يعمد بعض السلاطين، بضغط من رجال الدين، او تقربا من الله في الشدائد، ومنها انتشار الاوبئة كالطاعون، الى اصدار مناشير باهراق الخمور، ويطلب الى المحتسب التشدد بتنفيذها، باراقتها في الشوارع على مرأى من المسلمين. واقفال الخمارات وملاحقة صانعي الخمور، وكبس بيوت المسيحيين، والمشتبه بهم من المسلمين، ممن كانوا يشاركون في هذه التجارة[220]. واجتهد بعض الصوفيين والعامة الدمشقية للحد من انتشار هذه الآفة، على حد تعبيرهم، واطلقوا النداآت في الشوارع، على طريقة التظاهرات المنددة، بمساعدة بعض رجال الدين او بطلب منهم، واحيانا بمبادرة ذاتية، تنفيسا عن اوضاعهم المذرية. وكانت تصادر اموال طائلة من اصحاب الخمارات تعسفا، وتدهم بيوت المسيحيين، ويعتدى عليهم بحثا عن الخمور لاهراقها، من دون اي اعتبار لعهد الذمة، وللقانون الذي يجيز لهم تخزينها في منازلهم. وكثيرا ما ادت الى صراعات بين المداهمين وحماة الخمارات من المماليك، واسفرت عن قتلى وجرحى.[221] فقد كبس الشيخ خضر العدوي، باذن من السلطان بيبرس، بيوت المسيحيين، والاديار بدمشق، واهرق الخمر، واتلف الزبيب[222]. واعيدت الكرة في منشور 767/1365. وتكررت العملية عينها في سنوات كثيرة، على مدى عهد المماليك.

كان يتم اقفال الخمارات بقرارات تصدر عن السلطات المخولة، ولكن ان تدهم البيوت من دون مسوّغ حتى في الارياف، ألا يعتبر تعديا على الناس وارزاقهم؟! فلماذا مثلا لا يتم، عندما تنتشر الاوبئة، وقف التعدي على الناس، كل الناس بمنع الطرح، والتحكير، والمصادرات، او تخفيف الضرائب؟!! فهل الله لم يكن يقبل الشفاعة الا بالاساءة الى المسيحيين، ليرضى على اركان السلطة، والمسلمين جميعهم؟!! ام انها كانت ذرائع يتوسلها الحكام والمتشددون للتعدي على المسيحيين بقصد تحويلهم الى الاسلام، وارضاء لعامة المسلمين، الذين تثقفوا على اضطهادهم. ولماذا كان كبار رجال الدولة يعودون، بعد الازمة، الى المشاركة بالعمل في الخمارات حماية واستثمارا من دون ان يجرؤ احد على ردعهم؟!!

طالتعدي على الكنائس:  في العهد المملوكي، كان التعدي على الكائس شائعا، لأنه قلما انزلت العقوبة بالمعتدين. وكثيرا ما كانت الكنائس تدمر، او تحوّل الى جوامع، بدسيسة من بعض رجال الدين المتشددين، او بعض العامة الراغبة بالتعدي عليها لسببين: ايذاء المسيحيين، ونهب محتويات الكنائس والاديار. وعندما يحصل التخريب، لم تكن غالبية الفقهاء تجيز اعادة بناء ما تهدم، على الرغم من حصوله من دون موجب، وكان بعض السلاطين يباركون، ويسكتون عن جريمة تحويل الكنائس الى مساجد. والكنائس عند المتشددين ليست بيوت الله:” من يعتقد ان الكنائس بيوت الله، او انه يعبد فيها، او انه يحب ذلك ويرضاه، فهو كافر؛ لأنه يتضمن صحة دينهم، وذلك كفر…ومن يعتقد ان زيارة اهل الذمة كنائسهم قربة من الله، فهو مرتد.”[223]وقد افتى تاج الدين السبكي بهدم الكنائس، واجلاء اليهود والمسيحيين.[224] ولن نذكر في هذه العجالة،كل اعمال الهدم والتدمير والحرق، التي طالت الكنائس والاديار وغيرها، لأن الموضوع سيطول كثيرا ويصبح قائما بذاته[225].

-المماليك والتجار المسيحيين:شكلت دولة المماليك اقصر حلقة اتصال بين الشرق الاقصى والغرب الاوروربي، لأنها سيطرت على كل موانئ حوض المتوسط الشرقي، باستثناء “اياس”الارمني. وعلى موانئ البحر الاحمر، والخليج العربي عموما[226]. وكان الغرب الاوروبي بحاجة ماسة الى توابل الشرق الاقصى[227]، لذلك، وبعد سقوط آخر المعاقل الصليبية بايديهم عام 1291، استهل البنادقة العلاقات التجارية معهم، بعقد معاهدة صلح وامتيازات تجارية. كان المماليك يحتاجون بشدة الى المواد الحربية الاولية، لا سيما ما يدخل في صناعة الاسطول، كالحديد والاخشاب والرصاص…كما الى المماليك” المشتروات” للتجنيد،[228] والى زيادة ارباحهم التجارية. والتجار الاوروبيون عموما، بخاصة البنادقة والجنويون كانوا يحتاجون الى سلع الشرق الاقصى،  وقد تحدوا التحريمات البابوية، وأمنوا ما يحتاجه المماليك من مواد اولية، وسلع تجارية. وشجع المماليك، بدورهم انشاء الفنادق، والوكالات التجارية، ووزعوها عليهم.[229]وتسابق الدول التي ينتمون اليها الى عقد معاهدات تجارية مع المماليك.[230] وتمكنت البندقية من فرض سيطرة شبه تامة على التجارة مع المماليك لا سيما في اواسط القرن 15م.، فكانت تتراوح ارباحها السنوية بين 300000الى 500000دوكة.[231] وتضمنت المعاهدات المسؤولية الفردية للتاجر، وليس للجالية كلها، عن كل اخلال يقوم به على اي مستوى في الاراضي المملوكية. ولا توجب مهاجمة القراصنة مراكب التجار المسلمين اي مسؤولية على التجار البنادقة، الذين تمتعوا بالاقامة في فندق داخل المدن: الاسكندرية، بيروت، دمشق…وحق لهم استخدام الحمام في يوم محدد من الاسبوع، وامتلكوا فرنا، وكنيسة لممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة. وتميز القنصل البندقي بصلاحيات مهمة: ادارية، وقضائية، من دون تدخل السلطات المملوكية. وخصّه السلطان ب”جامكية” راتب شهري، ومنزل، واجاز له التوجه اليه مباشرة لرفع اي شكوى.[232]وحلت المعاهدات التجارية، التي شكلت نوعا من التحالف بين التجار والسلطان، وامنت لهم حماية غير محدودة زمنيا، عوضا عن عهد الامان، الذي كان يحمي التاجر طيلة المدة المحددة فيه فقط.[233]

اثارت هذه الامتيازات حفيظة رجال الدين عموما، والمتشددين خصوصا، وناشدوا السلاطين مرارا وتكرارا لالغائها، واحلال الشروط العمرية مكانها، واصدروا فتاوى، على مدى القرن 14م، تطال المستأمنين من اهل دار الحرب، كي لا يطال عهد الامان تواجدهم بين المسلمين، لاكثر من سنة. واصروا على عودة التجار، ممن يقيمون في دار الاسلام مدى طويلا، الى بلادهم، لأنهم يشكلون خطرا حقيقيا على المسلمين، بما ينقلونه من معلومات تفيد اعداء الاسلام. وكانوا يغتاظون من اتخاذهم بعض المسلمين خدما لهم، مما يجعلهم ارفع منزلة من المسلمين، [234]وهي بحد ذاتها مخالفة للشروط العمرية. ورفع لواء هذه الحملة الشعواء ضد التجار الاوروبيين، رجال الدين المتشددين، من امثال: ابن تيمية، وابن النقاش، والاسنوي[235]… ولم توجه حملاتهم ضد التجار الفرنج فخسب، انما ايضا شملت الموظفين المسيحيين في دواوين السلاطين والامراء. ما اضطر السلاطين لاصدار مراسيم اعادة العمل بالشروط العمرية، التي ذكرناها آنفا بحق المسيحيين المشرقيين وحدهم،[236]ورافق تلك المواقف المتشددة تظاهرات للعامة تضامنا مع المتشددين. وكانت تتم التسويات لصالح التجار الاجانب المسيحيين، بتدخل من حكام دولهم لدى السلاطين، وتطبق شروط الامتيازات التجارية كاملة، خوفا على العائدات الجمركية المتزايدة قيمتها باستمرار. فقد احدث تجار مسلمون مشرقيون شغبا في القاهرة والاسكندرية، ضد التجار الاوروبيين، وهاج الشعب معهم، وحاول المتظاهرون مهاجمة القلعة مقر السلطان، لأنه يعامل الاوروبيين بما يلائم ارباحه ضد مصالح المسلمين. فقُبض على والييْ القاهرة والاسكندرية، وامر بتوسيط ثلاثين تاجرا مسلما.[237]

اعفي البنادقة من الجزية، وهي مخالفة صريحة للشرع الاسلامي، واستعيض عنها بشراء البنادقة كمية من البهارات بثمن يفوق اسعار السوق. واجيز لهم، اعتبارا من عام 1415م على عهد السلطان شيخ المحمودي، رفع شكاويهم امام نائب السلطان، والحاجب –بعد الغاء منصب الاول، واذا اضطر الامر امام السلطان مباشرة كونه والي المظالم،  متجاوزين النظام القضائي الاسلامي كله، وتساووا مع الامراء المماليك امام القضاء[238]. وقرر السلاطين عقوبات استنسابية في القضاء الجزائي، فعوضا عن قطع اليد والرجل، او الرجم، اكتفوا بالتعزير والبدلات المالية. وفي عام 1442نال البنادقة امتيازا جديدا يجيز لهم امتطاء الخيل، وارتداء ملابس شرقية على غرار المماليك والتجار الشرقيين الآخرين، في تنقلاتهم الداخلية.[239] ومن اجل زيادة ارباحهم،  عاقب السلاطين قضاة ومسؤولين رفيعي المناصب، لتعرضهم للتجار البنادقة.

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تحترم التشريعات الاسلامية مع التجار الاجانب المسيحيين. الا تعتبر كل تلك التدابير والاجرآت مخالفات شديدة الوضوح لنظام الذمة المعمول به في الديار المملوكية، وللشروط العمرية، التي فرضها السلاطين بمبادارت منهم او بضغوط من رجال الدين، وللشرع الاسلامي عموما؟! الا توضح امكانية الشرع الاسلامي للاجتهاد، يتماشيا مع مصالح الدولة حينا، والشخصية حينا آخر، وبالتالي فان الغاية تبرر الوسيلة؟! فكيف يجوز معاملة المسيحيين المشرقيين، وهم عرب بالاجمال، بالتشدد والاضطهاد احيانا، في حين تُطَوع كل القوانين والتشريعات، لصالح تجار اجانب ينتمون الى دول معادية للمماليك المفترض انهم حماة الاسلام، على حد زعم بعض المؤرخين!! انها سلطة متعسفة، لا تلتزم بالقوانين لا بل بالشرع لأن مصالحها تحتل المقام الاول. وكلما كانت تخشى نقمة رجال الدين المحصنين بمراكزهم، وبالشعب الغاضب من ممارساتها، تعمد الى اضطهاد المسيحيين.

العلاقات المسيحية الاسلامية بعيدا من السلطة ورجال الدين: يفرز كل مجتمع عادات وتقاليد واساليب حياة تشكل ظواهر اجتماعية تخضع لها معظم المكونات الاجتماعية، مع احتفاظ كل جماعة دينية او عرقية بمميزاتها. ومنهم المسيحيون الدمشقيون الذين مارسوا كل المهن، التي تعاطاها المسلمون، وخضعوا جميعهم الى نظام المهنة، وامتثلوا الى اوامر شيخها، الذي عُهد اليه المحافظة عليها وتنفيذ قوانينها، وكانت تشابه انظمة النقابات في عصرنا الحاضر. وتشارك الدمشقيون، على الرغم من قلة الوثائق، الاحتفتلات الدينية كلها، المسيحية والاسلامية. اما المسيحيون فقد احتفلوا بالعديد من الاعياد؛ من ابرزها الميلاد، الذي كان يقع باستمرار يوم احد، على حد تعبير شيخ الربوة.[240] وتشابهت احتفالاتهم في الانحاء الشامية كلها، وترك لنا شيخ الربوة نموزجا احتفاليا في حماة:”وفي هذه الليلة يوقد اهل حماة، كبيرهم وصغيرهم، وجليلهم وحقيرهم، وجندهم واميرهم، من القناديل فوق الاسطحة، ومن القنّب والشيح عظيما، ويوقدون من البارود والنفط انواعا شتى.”[241] ان مشاركة المماليك:( جندهم واميرهم)، – كانت الجندية احتكارا مملوكيا- بالاحتفالات يعطي العلاقات الاجتماعية بعدا رائعا، لم تعكر صفوه الا مواقف المتشددين[242]. واحتفلوا ايضا بعيد ختان السيد المسيح، الذي كان تاريخه في ثامن يوم للميلاد، وبعيد الغطاس ايضا.[243] وكان عيد الفصح يتوّج احتفالاتهم، ويُطلق عليه”عيد النصارى”. واليك هذا الوصف الرائع ، بعيدا من سطوة رجال الدين المتشددين، للعلاقات الاجتماعية الاسلامية المسيحية في حماة، التي  يبدو انها كانت مركزا دينيا مسيحيا مهما، لأن الناس كانوا يتوافدون اليها من نواحي ومدن عديدة:” وفي هذا العيد تبطل اهل حماة مدة ستة ايام، اولها الخميس الكبير، وهو خميس العهد (خميس الاسرار)، وآخرها يوم الثلاثاء، ثالث الفصح. وتنتقش فيه النساء، وتُلبس فيه الكساوة الفاخرة، ويصبغون فيه البيض، ويعملون الاقراص والكعك، والمسلمون فيه اكثر من النصارى. ويرد الى حماة اهل سائر البلاد المجاورة لها مثل: حمص وشيزر، وسلمية، وكفر طاب، و ابو قُبيْس، ومصياف، والمعرة، وتيزين، والباب، وبُراعة، والفوعة، وحلب. ويطلعون جميعا الى العاصي، ويضربون لهم اهل حماة على شطوطه خياما، ويركبون في المراكب بالمغاني، ويرقصون في المراكب، والنساء والرجال على الشطوط، حتى تتهتك الخلائق، ويمضي لهم ستة ايام لا يرى في الوجود مثلها…”[244] واحتفل المسيحيون ايضا ب” السلاّق” خميس الصعود، وبالعنصرة وهو عيد البارقليط[245]. وبعيد الاول من نيسان، وبآخر يلي خميس البيض، وعيد مولد السيدة العذراء في الثامن من ايلول، وعيد الصليب في 14 منه.[246] اما في دمشق، فقد احتفل المسيحيون باعيادهم في حاراتهم واحيائهم الخاصة، فيما خلا خميس النصارى، الذي كانوا يحتفلون به في القابون. وشاركهم اعيادهم مسلمون، اما احتفالا اومشاهدة.[247]

ان هذا التآلف والمشاركة الاجتماعية والدينية، واتساق غالبية فئات المجتمع الى ظواهر اجتماعية تشد اواصر الحياة، وتزيل الحواجز، كان يغيظ رجال الدين المتشددين. ولعل ابن تيمية كان اكثرهم انزعاجا وغضبا، فاستمرار الفوارق الاجتماعية كان مبتغاه، وقهر واذلال المسيحيين وسيلته للتقرب من الله. فكتابه “اقتضاء الصراط” مليئ بالمواقف الحاضّة على احتقار المسيحيين، واجتنابهم “اجتنبوا اعداء الله في عيدهم”.[248]وينهي المسلمين عن الدخول الكنائس ايام الاعياد المسيحية، لأنها مخالفة الاهية، وتقربهم منهم، وكأنهم وباء :”لأن الموافقة في العيد، موافقة في الكفر.” و”دين النصارى ملعون”.[249]وينتقد المسلمين الذين يشاركون احتفالات المسيحيين في اعيادهم، ولا يعتبرهم مسلمين حقيقيين، مشككا بصحة ايمانهم، ومقتديا باقوال عمر بن الخطاب :” اياكم ورطانة الاعاجم، وان تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم فان السخطة تنزل عليهم، واجتنبوا اعداء الله في اعيادهم”[250]. ويزداد تشدده مصحوبا بالغضب والكره للمسيحيين، ما يجعله لا يجد اية مكرمة في الديانة المسيحية، فينعت اتباعها باقذع الاوصاف:”ان مشابهتهم في اعيادهم هو سبب لنوع من اكتساب اخلاقهم التي هي ملعونة. ومشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في الاخلاق والافعال المذمومة، وهي تورث نوع محبة ومودة، فاذا كانت المشابهة بامور دنيوية تورث المحبة والموالات، فكيف المشابهة بامور دينية؟” [251]واضاف “أليست موافقتهم في العمل اعظم من موافقتهم في اللغة؟ أوليس عمل بعض اعمال عيدهم اعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم”[252]  ويضيف:وعامة اعمال النصارى في اعيادهم قد زينها الله لكثير ممن يدعي الاسلام…انما خصوصا في الدين الباطل…وفيه مشابهة لهم”[253]:ويستطرد” ان المشابهة تفضي الى الكفر، او معصية غالبا، او تفضي اليهما في الجملة.”[254] وهذه المعصية تطال بعض المسلمين المتآلفين اجتماعيا مع المسيحيين، لأنه ينكر عليهم، غسل اولادهم في الحمام تيمنا بعيد الغطاس:” وقد صار كثير من جهال النساء يدخلن اولادهن الى الحمام في هذا الوقت، ويزعمن ان هذا ينفع الولد وهذا من دين النصارى، وهو من اقبح المنكرات.”[255]ويستمر بتحقير مقدساتهم بحقد، ومن دون دليل :”وفي آخر خميس من الصوم – وهو الخميس الحقير- على حد تعبيره، يجتمعون في اماكن اجتماعات عظيمة ويصبغون البيض ويطبخون اللبن …ويصنعون الاطعمة…ويتهادون الهدايا…”[256] ويشدد على المسلم لكي يختلف في سلوكه العام عن المسيحي، لا سيما في المشاركة في الاعياد، لأنها معصية كبيرة جدا.

صب ابن تيمية جام غضبه وحقده على المسيحيين، بمجرد انهم ليسوا مسلمين، ومن دون ان يناقش اي رجل دين مسيحي لكي يقنعه بالتحول الى الاسلام. فهو لا يقر امرا عن المسيحية الا ما جاء في القرآن من منظاره، ومن دون التطرق الى الآيات التي تمجد السيد المسيح. لم يجد في التسامح الذي حض عليه السيد المسيح اية مكرمة، ولا في دعوته الى التواضع والمغفرة، الا مذمة. وحذا حذوه عدد من المتشددين في زمن المماليك، لا يسعنا الاطلالة عليهم جميعهم في هذا البحث.

اما في المجتمعات التي لم يتأثر سكانها بالمتشددين، نجد نوعا آخر من السلوك الاجتماعي والديني. وسأكتفي بهذه العجالة بمقال لرئيس الرهبان الفرنسيسكان يتحدث فيه عن علاقات مسلمين شيعة ودروز بالرهبان الفرنسيسكان، في نواحي بيروت في اواسط القرن 15م.[257] ويتحدث عن اختبار شخصي لايمان “الكفرة” على حد تعبيره، كان المسلمون يبجلون كنيسة الرهبان بمقدار الرهبان انفسهم: ومن شدة ايمانهم يرسلون المرضى الى حدائق الكنيسة والدير لقطف الازهار الطبية، على الرغم من وجود مثيلاتها في الاسواق، لأعتقادهم بقدرتها على الشفاء بوضعها على الرأس[258]، ويؤمنون بما يتحدث به الرهبان عن الحياة والموت، ويطلبون منهم البركة والنصائح[259]. واذا تنزّه الرهبان في بساتين المسلمين، كان هؤلاء يطلبون منهم لمس الاشجار لمباكتها. وكانوا يحملون اليهم منتوجاتهم، ويبيعونها لهم باسعار متهاودة، واذا لم يستطيعوا دفع كامل ثمنها، ماكانوا يذكرونهم، خجلا، بما يستحق لهم بذمتهم، ولكن الرهبان كانوا يسددون دينهم. وعندما كان احدهم يشيد بيتا يطلب من الرهبان تبريكه بالماء المقدس على الطريقة المسيحية[260].

على الرغم من المبالغة الواضحة في النص، فهو يعبر عن تقدير مسلمين لرجال دين مسيحيين اغراب، متخذين من حسن المعاملة معيارا. فالعلائق بين الطرفين خلت من الحقد، والرفض، والبغض، وسادتها وشائج انسانية تقوم على احترام الآخر ايا يكن دينه ومذهبه. وهي تؤشر الى علاقات وئام بين الفئات الاجتماعية بعيدا عن المتشددين. وبالتالي يتسع المجتمع الاسلامي لغير المسلمين اذا اتسمت السلطة بالعدالة، وخلا المجتمع من التعصب الاعمى، والعنصرية الدينية.   

سلبيات الشروط العمرية: هذه عينات معبرة عما كان يعانيه المسيحيون، في نيابة دمشق المملوكية، من تعسف واضطهاد، تحد من حريتهم وترهبهم من اعادة العمل بالشروط العمرية، الخاضعة لمزاج رجال دين متشددين، وسلاطين يخشون انفلات غضب العامة، فكانوا يعملون على تخديرهم بتلك المناشير. فطوال حوالى خمسين عاماً، تعرّض المسيحيون لتسعة إجراءات تعسّفية، خفّت وطأتها في ما بعد. سُلطت تلك الشروط على اهل الذمة،[261] وكان تنفيذها شديد الوطأة عليهم يشعرهم على المستوى الاخلاقي بالدونية والاذلال، وعلى المستوى الوطني بالمواطنة غير الموثوقة، وعلى المستوى الاجتماعي بالشك بولائهم واتهمامهم بالخيانة كونهم غير مسلمين، ومستهدفين بسوء الامانة، لأنهم ميالون بطبيعتهم ودينهم الى الدول المسيحية اعداء المسلمين، ويستغلون الظروف لتزويدها بنقاط ضعف الدول الاسلامية، على حد زعم بعض رجال الدين المتشددين. وباتت المواطنة تقاس بالانتماء الديني، وليس بالولاء السياسي والانتماء المشرقي؛ فالامة هي مجموع المؤمنين المسلمين فقط، لأنهم وحدهم المختارون عند الله، اما الآخرون فمشركون. هذا ما كان يعكسه موقف فقهاء وعلماء متشددين، دفعوا السلاطين مرارا وتكرارا لاتخاذ اجراءات وتدابير تتنافى مع النظرة القرآنية للمسيحيين. لا ندري لماذا لم يستلهم عمر بن الخطاب ومن تلاه من الخلفاء طيلة العصور الوسطى العلاقة مع اهل الكتاب من “دستور المدينة” عهد الصحيفة، الذي ساوى فيه الرسول بين المسلمين مهاجرين وانصار واليهود في المعاملة، ومن يرتكب اثما  يكون وحده مسؤولا عن فعلته، ويرفضه قومه والموقعون على العهد جميعهم؟![262] مؤسسا بموجبه ركائز الدولة الاسلامية، التي يعيش فيها كل من آمن بالله الواحد واليوم الآخر بسلام وامان.

ويبقى السؤال هل شكل المسيحيون المشرقيون فئة متميزة عن بقية السكان؟ تصعب الاجابة على ذلك نظرا لقلة المعلومات، التي وفرتها مصادرنا، انما المرجح، انهم تمتعوا في احيائهم الخاصة بنظم محددة ميزتهم، في بعض وجوهها، من الفئات الاجتماعية الاسلامية. وخضعوا، كما المسلمين، الى ظاهرة اجتماعية عامة، فتشاركوا مع الدمشقيين الاعمال عينها، والاحتفالات والاعياد المتنوعة.

ان التعميم في التأريخ ساقط بلا شك، واذا كان عهد المماليك حبل بالكثير من الاضطها والتعسف بحق المسيحيين، بسبب الاوضاع الداخلية القلقة التي رافقته، كما بتسلط بعض رجال الدين على بعض السلاطين، ممن كانوا يرون الانسانية بمنظار ضيق جدا، وحصروا المكارم في الاسلام والمسلمين فقط، على الرغم من الممارسات المملوكية الخارجة على كل قانون وعرف، بما سببوه من فساد رهيب على الصعد كافة. واجتهدوا لتحويل الناس من دين الى آخر بالقهر والاضطهاد. ففي عهد صلاح الدين الايوبي، على الرغم من الصراع الديني، الذي بلغ ذروته بين المسلمين والفرنجة المسيحيين الاغراب عن المشرق العربي، لم يؤثر عنه مواقف اسلامية متشددة. واذا سلمنا بما قاله مؤرخه ابن شداد “ومن عدله أن في أيامه، لم تتمكن أكابر الأمراء من التعدي على أقل العوام، بل على أدنى اليهود والنصارى، ومتى رفع إليه يهودي أو نصراني أو أقل العوام، ظلامة على أحد من أعيان دولته، أنصفه منه وكفه عنه . . .[263]“. هل كان من العدل تحويل الناس الى الاسلام عن طريق القهر والاضطهاد فقط، ومن دون ان يسمح للمقهور بالاطلاع على القرآن، وغيره من الكتب الدينية كالحديث، والفقه… من دون ايمان؟!!

من دون ادنى شك، جعلت المراسيم السلطانية، وفتاوى وممارسات المتشددين، المسيحيين يخافون على كراماتهم، ويخشون الاضطهاد، وربما أرّقت حياتهم الرهبة من اعادة العمل بالشروط العمرية، في اي وقت، وفي اي ظرف. وادت تلك السياسة الرعناء الخارجة على مفهوم الاسلام الحقيقي، باعتمادها على اجزاء من الآيات، ووضعها في غير السياق العام للقرآن كله، وتفسيرها الكيفي، والاجتهاد في تطبيقها، والى عدم التطرق الى الآيات التي، تبارك عيسى وتجعله كلمة الله، وروح الله، والعجائب التي صنعها، وتلك التي تبارك السيدة العذراء، وتقول انها ولدت من دون خطيئة، وانها لم ترتكب اثما في حياتها….ما ادى الى خلل في الاجتماع الانساني في المرحلة المملوكية. لماذا لم يثر المتشددون على جور السلطة المملوكية في الاقتصاد، والامن، والامن الاجتماعي الذي زاد في بؤس الناس. والسلطة المملوكية كانت تخشى من النقمة الشعبية العارمة والعامة، التي توسلت احيانا رجال الدين للتعبير عن يأسها، والظلم الحائق بها. لا سيما انها غريبة عن البيئة المشرقية، عرقا، وسلوكا سياسيا، وتصرفا اجتماعيا، وممارسة اقتصادية، وتخشى الفتن الشعبية، التي، اذا اضيفت الى الصراع شبه غير المنتهي بين الامراء من جهة، وبين طوائف الاجناد من ناحية ثانية، قد تودي بالسلطان واركان حكمه. ما جعلها تخضع احيانا الى تسلط رجال الدين المتشددين، فيزداد تعسفها تعسفا، وجورها احتداما، وتنتقم من الفئة الاضعف “المسيحيين”، ارضاء للمتشددين. وبات هذا السلوك غير السوي، ان جاز التعبير، ثقافة عامة تماهت سلوكا بالاذلال، والرعب، والخوف من القتل. حتى بات المسيحيون يعيشون احيانا على هامش المجتمع، وليس في قلبه. ان هذا الاسلوب المرعب، الذي مارسه المتشددون، وجارتهم فيه السلطة المتعسفة، ما نزال نعاني خطورته حتى اليوم، وفي كل اصقاع الدنيا، بعد انتشر الارهاب فيها، بتشجيع من دول وافراد.

  نموزج عن المناشير السلطانية:” ” فلما كان في يوم الخميس السابع والعشرين من الشهر جلس السلطان على العادة، وحضر الأمراء وغيرهم إلى الخدمة فخاطب السلطان أكابر الأمراء في هذا الأمر، وقال: قد قررت على النصارى مضاعفة الجزية فيؤخذ منهم جزيتان. وأمر أن ينادي في المدينتين أن يلبسوا الثياب الزرق مضافة إلى العمائم، وأن يشدوا الزنانير فوق ثيابهم، وأن يميزوا إذا دخلوا الحمام بجلجل يجعلونه في أعناقهم، وأن لا يستخدموا في الدواوين السلطانية ولا في دواوين الأمراء ولا في الأعمال والبرور. فنودي بذلك، وبرزت الأمثلة الشريفة السلطانية به، وقرئت على المنابر بالمدينتين، ونفذت إلى العملين، وتضمّن المثال المجهّز منها إلى الوجه القبلي الذي قرئ على منابر المدن ما مثاله بعد البسملة :

 ” ( . . . ) وكان جماعة من مفسدي النصارى قد تعدوا وطمعوا، وتمادوا في المخالفة إلى ما تقتضي بعض العهود، وبغوا ومكروا مكرا كبارا، فأدخلوا نارا، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا؛  وتعرضوا الرمي بنار أطفأها الله تعالى بفضله، ومكروا مكرا سيئا (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله )؛ اقتضى رأينا الشريف أن نأخذهم بالشرع الشريف في كل قضية، ونجدد عليهم العهود العمرية، وأن نقرر على من شمله عفونا ممن ضعف منهم الجزية ما تكون به أنفسهم تحت سيوفنا مرتهنة، ونضرب عليهم في لباسهم وحرمانهم الذلة والمسكنة. فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي “السلطاني الملكي الناصر، لا زال ناصر الدين بجنوده، مظهر دين الحنفية على الدين كله، أن تستقر الجزية على سائر النصارى بالوجه القبلى ضعف ما عليهم الآن، ويؤخذ من كل نصراني جاليتان المستقرة أولا واحدة ، والزيادة نظير ذلك للخاص الشريف مهما كان مستقرا بسائر النواحي بالوجه القبلي في الإقطاع، حسب ما قررت في الروك المبارك الناصري، يكون للمقطعين، والزيادة الثانية المضاعفة الآن تكون للخاص الشريف، وأن تلبس سائر النصارى عمائم زرقاً وجهابأ زرقاً ويشدوا والزنار في أوساطهم، وأن لا يستخدم أحد من النصارى في جهة من الجهات الديوانية والأشغال السلطانية، وكذلك لا يستخدم أحد من الأمراء أحدا من النصارى عنده، وأن يبطلوا جميعهم من الجهات التي كانوا يخدمون بها. والحذر ثم الحذر من أن أحدا منهم يخرج عما رسمنا به، ومن فعل ذلك منهم كانت روحه قبالة ذلك، ولا تنفعه بعدها فدية ولا جزية. وتحسم مادة فسادهم ، وينكشف بذلك ما أظهروه من سوء اعتمادهم فليثبت حكم هذا المرسوم الشريف، وليدخل تحت أمره المطاع كل قوى وضعيف؛  وليستقر ضرب هذه الجزية استقرارا بلا زوال، مستمرا بدوام الليالي والأيام، باقية بدوام الأعوام والسنين، مخلدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فإنها حسنة ساقها الله تعالى لدولتنا الشريفة، ومثوبة وذخيرة صالحة لم تزل في صحائفنا الطاهرة مكتوبة، ومعدلة يسرها الله تعالى على يدينا في الآفاق، وأجراً يكون ثوابه عند الله باق. وسبيل كل واقف عليه، والياً ونائباً، وحاضرأ وغائباً ، وناهياً وآمراً، وشاهداً وناظراً ، ومأموراً ، وأميراً ، وكبيراً، وصغيراً، الانتهاء عند هذا التحذير، فيبادرون إلى امتثال المرسوم الشريف، ويسمعون ويسارعون إلى العمل بما فيه”[264].


[1] – شرف (جان )،الايديولوجية المجتمعية ، منشورات الجامعة اللبنانية،بيروت،1996، ص 100

[2] -Soboul, Albert, L’histoire sociale_ Sources et Méthodes, Colloque de l’Ecole Normale supérieure de Saint-Cloud, 15-16 MAI 1965, Paris 1965, p.10.

[3]  –  لمزيد من الاطلاع انظر: شعبان (محمد عبد الحي)، صدر الاسلام والدولة الاموية، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1983، ص 46، 51-53،66،76-81…

[4]  – الصولي (محمد بن يحي)، اخبار الراضي لله والمتقي بالله، مطبعة الصاوي، مصر ، دون تاريخ، ص 142-149، مسكويه (احمد بن محمد )، تجارب الامم، تحقيق امدروز، مطبعة التمد الصناعية، مصر، 1915، ج1، ص 86، 151، ج2، ص112، و ابن الجوزي ( ابو الفرج عبد الرحمن)، المنتظم في تاريخ الملوك والامم، حيدر آباد الدكن، 1965، ج8، ص 202 واماكن متعددة منه ومن الجزء التاسع، وضومط، الشرق، ص112-115، 135-137، 171-172، 182-184

[5]  – ان نظرة سريعة على مجموعة الاغاني كافية لمعرفة المستوى الذي بلغه البذخ والمجون عند العباسيين، انظر : ابو الفرج الاصفهاني، علي بن الحسين، الاغاني، الهيئة المصرية العامة القاهرة، 1970 – 1974

[6] – حميد الله، محمد، الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدية، دار النفائس، ط4،، بيروت 1983، ص 180- 185

[7] –  الوثائق السياسية، ص 561- 563. ومما جاء فيه ” نفر من اصحابه سألوه كتابا لجميع اهل النصرانية، امانا من المسلمين، وعهدا ينجز لهم الوفاء بما عاهدوهم، واعطيتموه اياه من نفسي… ومن نكثه وخالفه الى غيره وبدّله فعليه وزره، فقد خان امان الله” ويضيف “ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم. ولا يدخل شيئ من مال كنائسهم في بناء مسجد ولا في منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله…ويكفّ عنهم ادب المكروه حيثما كانوا وحيثما حلّوا. وان صارت النصرانية عند المسلمين فعليه – صاحب السلطة في الاسلام- برضاها وتمكينها من الصلوات في بيعها. ولا يحيل بينها وبين هوى دينها…”

[8]  – ابن منظور، جمال الدين محمد، لسان العرب،  دار صادر، بيروت، لا ت ، مادة ” ذمم” ، ص 221-222

[9]  – الماوردي، علي بن محمد، الاحكام السلطانية، مصر، 1228 هجرية، ص 6

[10]  –  اختلف المؤرخون الى من يعود تأسيس الشروط العمرية ألعمر بن الخطاب او لحفيده عمر بن عبد العزيز الاموي، فابن القيم الجوزية يعيدها كلها الى ابن الخطاب.

[11] – ابو يوسف، يعقوب بن ابراهيم، كتاب الخراج، المكتبة السلفية، 1932 هجرية، ص72، ابو الفدا، المختصر في اخبار البشر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997، ج2، ص 385، ابن كثير، البداية، ج14، ص 16، صبح، ج13، ص 377-378

[12]  –  سورديل، ج. و د.، معجم الاسلام التاريخي، الدار اللبنانية للنشر الجامعي، لبنان، 2009، 435-436

[13] – انظر الحاشية رقم 7

[14]  – ابن هشام، السيرة النبوية،  القاهرة، 1936،ج2، ص 779، والبلاذري، احمد بن جابر، فتوح البلدان، بيروت، 1957، 90

[15]  – مستندا الى حديث نبوي يذهب بعضهم الى ان الرسول ادلى به على فراش الموت” لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا ادع فيها الا مسلما” ابن هشام، السيرة النبوية، صورة مصورة عن طبعة غويتن، ج2، ص 779، ابن سلام، ابو عبيد القاسم، الاموال، مؤسسة ناصر الثقافية، بيروت، 1981، ص 48، الوثائق السياسية، ص 523،

[16]النفائس في احكام، ص17

[17] – الاموال، ص 30

[18]  – الاموال، ص 20، احكام اهل الذمة، ص 209

[19] -” فهم صبغوا في دينهم” اي عمدوا اولادهم انظر، الاموال، ص 20.

[20]الاموال، ص 20، احكام اهل الذمة، ص 209

[21]  – انظر لاحقا حديثه مع احد فاتحي العراق عنوة

[22]ابن بسام،  محمد، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، بغداد، مطبعة المعارف، 1986، ص 207.

[23] – ابن الااخوة، محمد بن احمد، معالم القربى في احكام الحسبة، دار الفنون، كمبردج، 2010، ص 39 قال ذلك لابي موسى الاشعري لأنه اتخذ كاتبا مسيحيا

[24] – ” لما قدمتم علينا، وقد سألناكم الامان لأنفسنا، وذرارينا، واموالنا على ان لا نحدث في مدائننا، ولا حولها كنيسة ولا ديرا، ولا قلاية، ولا صومعة راهب، ولا نحدث منها ما خرب، ولا ما كان منها في خطط المسلمين في ليل او نهار، وان نوّسع على من مر بنا من المسلمين في الضيافة ثلاث ليال، ولا نكتم عينا للمسلمين، ولا نعلم اولادنا القرآن، ولا نظهر شرعنا، ولا ندعو اليه احد، ولا نمنع احد من ذوي قرابتنا من الدخول في الاسلام…وان نوقر المسلمن، ونقوم لهم في مجالسنا…ولا نتشبه بهم بشيئ من لباسهم…ولا نركب بالسروج، ولا نتقلد بالسيوف، …ولا ننقش على خواتمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، ولا نسقيها احدا، وان نجز مقدم رؤوسنا، ونجعل الزنانير على اوساطنا، ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيئ من طرق المسلمين، ولا اسواقهم، ولا نضرب النواقيس في شيئ كنائسنا الا ضربا خفيفا. ولا نرفع اصواتنا بالقراءة في شيئ بحضرة المسلمين، ولا نرفع اصواتنا مع موتانا…ولا نظهر باعوثا، ولا شعانين، ولا نجاورهم بموتانا، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، ولا نطلع على منازلهم.” وهناك المزيدانظر معالم القربى ص 40-41 

[25] – ابن قيم الجوزية، محمد بن ابي بكر، احكام اهل الذمة، تحقيق يوسف بن احمد البكري، وشاكر العاروري، الدمام، دار الرمادي للنشر1997، ص.491 ، الاموال، ص30، الوثائق السياسية، ص 508

[26]  – الاموال ، ص 46- 47

[27]الوثائق السياسية، ص 485

[28]الاموال، ص 47

[29]الاموال، ص 30

[30]الوثائق السياسية، ص 484

[31]احكام، ص 492-493

[32] ، الوثائق السياسية، ص 561-563

[33]الوثاءق السياسية، ص 184

[34] – الماوردي، الاحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، بيروت، لا. ت. ص 184-185

[35]معالم، ص 95

[36] – ابن قيم، احكام، ج2، ص 809، ابن كثير، ج14، 122، 273

[37] – الماوردي، الاحكام السلطانية ، ص 185

[38] – السيد بن حمودة، النفائس في احكام النفائس ويليه بما يحكم اهل الذمة، لا مكان للنشر، 2012، ص 31-32

[39] – مستندا الى جزء من سورة المجادلة، الآية 19.،

[40]احكام اهل الذمة، ص

[41] – فييه، جان موريس، احوال النصارى في خلافة بني العباس، دار المشرق، بيروت، 1990، ص 58

[42] – فييه، ص 59

[43]احكام، ص 465، احوال النصارى، ص 59

[44] – فييه، ص 59

[45] – الطبري،ى محمد بن جرير، تاريخ الامم والملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2001 ، ج4، ص 617، ابن قيم الجوزية، محمد بن ابي بكر، احكام اهل الذمة، تحقيق يوسف بن احمد البكري، وشاكر العاروري، الدمام، دار الرمادي للنشر، 1997، ص465.

[46]احكام ، ص 470، احوال النصارى، ص 118، 128

[47] – الطبري، تاريخ، ج5، 304-305 ، احكام، ج1، ص 471

[48]احكام، ص472، صبح، ج13، ص 368

[49] – فحص، اهل الذمة، ص 20

[50] – لمزيد من الاطلاع انظر: احكام اهل الذمة في مواضع متعددة.

[51] – فالقادر مثلا صرفهم من الدواوين، والقائم فرض لبس الغيار… صبح، ج13، ص 368 ، فحص، اهل الذمة، ص 20

[52] – الانطاكي، يحي بن سعيد، تاريخ الانطاكي، جروس برس، طرابلس، 1990، ص 295-297، ولمزيد من التفاصيل انظر: سيد ايمن فؤاد، الدولة الفاطمية في مصر، الدار المصرية اللبنانية، ط2، القهرة، 2000، ص 166

[53]  – ابو شامة ( شهاب الدين عبد الرحمن)، الذيل على الروضتين، دار الجيل، بيروت، ط2، 1974، ص207، اليونيني (قطب الدين)، ذيل مرآة الزمان، حيدر آباد الدكن، مطبعة المعارف العثمانية، ط1، 1960، ج1، ص 361، ابن كثير ( الحافظ)، البداية والنهاية، دار الفكر، بيروت، 1978، ج13، ص221-225،  ابن العبري، غريغوريوس، تاريخ مختصر الدول، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، ص 483، سلوك، ج1، ق2، ص 409، ابن تغري بردي (ابو المحاسن، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، طبعة دار الكتب المصرية، ج7، ص 56

[54]  – ابو الفدا (اسماعيل بن علي)، المختصر في اخبار البشر، القسطنطينية، 1286 ه، ج3، ص207، نجوم، ج7، ص86-87

[55]  – لمزيد من الاطلاع انظر: عاشور (سعيد عبد الفتاح)، مصر والشام في عصر المماليك والايوبيين، دار النهضة العربية، بيروت، 1972، ص 171-186 العبادي، (احمد مختار)، قيام دولة مماليك الاولى في مصر والشام، دار النهضة العربية، بيروت، 1986، ص175 وما بعد، والحاشية رقم 5

[56]  – المقريزي، اغاثة الامة بكشف الغمة، مطبعة لجنة التأليف والنشر، القاهرة، 1940، ص 45-47، سلوك، ج4، ق1، ص 473، الطرخان، ابراهيم علي، دولة المماليك الجراكسة، النهضة المصرية القاهرة، 1960، ص 240- 242 ، ضومط، انطوان، الدولة المملوكية، التاريخ السياسي والعسكري والاقتصادي، دار الحداثة،بيروت، ط1، 1980، ص 148-150

[57]  – لمزيد من الاطلاع انظر : ،البصروي، علي بن يوسف، تاريخ البصروي، دار المأمون للتراث، دمشق، 1988، ص 110،125، 176، 179… ابن طولون، شمس الدين محمد، مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، القاهرة، 1962-1964،ج1، ص 247، 249،261، 287، 374…وللمؤرخ نفسه، اعلام الورى بمن ولي من الاتراك بدمشق الكبرى، دار الفكر، دمشق، 1984، ص 157، 171، 178، 205، 222،208…المقريزي، كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك، دار الكتب المصرية، 1970-1972، ج1، ق3، ص810-814، ج2 ق1، 150-152، ج2، ق2، 439، 444، ج3، ق2، 55، ج4، ق3، 1127 ……انطوان ضومط، المؤتمر الدولي السادس لتاريخ بلاد الشام، ” دمشق – الشام على عهد الدولة المملوكية الثانية” ص 416-418 ، – ” التجديد في منهج المقريزي”، ضمن كتاب، نحو تاريخ ثقافي للمرحلة المملوكية، “إرغون فرلاغ” فوتسبورغ، بيروت، 2001، ( 94- 111). ص99-100 والشربيني، البيومي اسماعيل، مصادرة الاملاك في الدولة الاسلامية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997، ج2، 98-108

[58] – القلقشندي، احمد بن علي، صبح الاعشى في صناعة الانشاء، القاهرة، 1913، ج3، ص50، 68 458، وغيرها كثير، المقريزي، تقي الدين احمد، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، 1270 هجرية، ج1، ص 87-90 وغيرها، ضومط، الدولة المملوكية التاريخ السياسي والاقتصادي والعسكري، دار الحداثة، ط1، 1980، ص 106-113، 133- 144، 148-152.

[59] – القلقشندي، (احمد بن علي)، صبح الاعشى في صناعة الانشاء، دار الكتب المصرية، القاهرة ، 1913، ج4، ص472

[60] – خرق هذا الشرط احيانا قليلة عندما كان ينعم بعض السلاطين على اولادهم وابناء الامراء بالأمرة، انظر: ابن تغري بردي، نجوم، ج9، ص99-100، وابن اياس، بدائع، ج1، ص225، وج2، ص5

[61] – Ayalon, D, the Muslim City and the Mumluk Military Aristicracy, proceeding of the Academy of Sciences and Humanities, 2 ,Jerusalem, 1968, p323

[62] – ضومط،(انطوان)، الدولة المملوكية، التاريخ السياسي والاقتصادي والعسكري، ط1، دار الحداثة، بيروت، 1980، ص86

[63] – Ayalon, Muslim city, p323

[64] – Ayalon, Muslim city, p323

[65] – القلقشندي، صبح، ج4، ص40-41

– ىالمقريزي، خطط، ج2، ص98

[66] – ضومط، الدولة المملوكية، ص88

[67] – القلقشندي، صبح، ج4، ص310-312

خطط، ج1، ص357-358

[68] – عندما توفي الامير سلار ترك كنوزا مذهلة ذكر ابن اياس بعضا منها: خمسة وعشرين رطلا احجار كريمة من زمرد وياقوت، وثلاث مائة قطعة ألماس، ومائة وخمسين حبة لؤلؤ كبيرة زنة الواحدة منها مثقالا، ومائتي ألف دينار ذهب عين، واربع مائة ألف دينار من الفضة، واربعة قناطير من المصاغ الذهبي، عدا عن الخيل و غيرها من الماشية؛ ويزعم ابن اياس ان دخله بلغ من اقطاعاته وحماياته مئة ألف دينار وبلغت قيمة اموال نائب الشام التي صادرها السلطان الناصر محمد بن قلاوون ( 1309 _  1340م.) حوالى المليون ونصف المليون من الدنانير الذهبية. ووزع الامير قوصون، الذي عين نائبا على الشام ، النفقة على الامراء على غرار السلاطين، منها ثمانين جارية، واثني عشر ألف اردب غلة، وكثيرا من الذهب و الجواهر، ولكثرة عطاءاته توجس السلطان منه خيفة فاوقع به، وصادر له العامة اربع مائة ألف دينار ذهب عين، وعددا كبيرا من الكلفتاه المزركش والاواني الفضية والذهبية، فضلا عن ثلاثة اكياس اطلس كبيرة مليئة بالجواهر قدرت بمائة ألف دينار.وقد احصي ما تركه ” تنكز ” نائب الشام فبلغ مليونين وسبع مئة ألف دينار، وسبع مائة وثلاثين ألف درهم فضي فضلا عن المجوهرات.  ابن اياس، بدائع الزهور، ج1، ص155-156، ابن تغري بردي، نجوم، ج9، ص153وج10، ص6-8-44، العلببي، دمشق، ص 145

[69] – السبكي، 56، القلقشندي ، ج11 ، ص 408 – 414، ابن طولون ، نقد الطالب لزغل المناصب، دار الفكر المعاصر، بيروت ، 1992 ، ص 46

[70] – ابن طولون ( شمس الدين محمد الصالحي الدمشقي )، الثغر البسام في ذكر من تولى قضاء الشام ، تحقيق صلاح الدين المنجد ،دمشق 1956، ص 130، 165، 219، 255 ،  وابن طولون ، نقد الطالب لزغل المناصب ، حققه محمد احمد دهمان وخالد محمد دهمان ، دار الفكر المعاصر ،بيروت ، 1992 ، ص 45 والمقريزي ، السلوك ، ج3، ق3، 1073 و 1168 ، والبصروي ، ص 174

[71]  – ابن طولون ، الثغر البسام ، ص 128 – 130

[72]  – الثغر البسام، ص 155

[73]مفاكهة ،ص 115،158، 160 ، 162 وغيرها كثير

[74]  – لمزيد من الاطلاع انظر: ضومط انطوان، “جوانب من الحياة الاجتماعية في دمشق المملوكية” ، مجلة التاريخ العربي التي تصدر عن جمعية المؤرخين المغاربة، العدد السابع ، 1998 .

[75]  نصار ( اندريه طانيوس ) ، العامة بدمشق المملوكية ، رسالة دبلوم دراسات عليا غير منشورة ،الجامعة اللبنانية ،كلية الاداب ،الفرع الثاني – الفنار، ص 360-364

[76]مفاكهة، ج1، ص 6، 41، 62،  64، 65، 79،  124-125 ، 146 ، 147 ، 160، 178، 215، اعلاو الورى، ص 96، 97،

[77]  – ابن طولون ، مفاكهة الخلان، ج1، ص 8-9،41، 65،124 79، – 125، 227، 299، 234

[78] – لمزيد من الاطلاع، انظر: ضومط، انطوان، ” جوانب من الحياة الاجتماعية في دمشق المملوكية” في اماكن متعددة في البحث

[79] ابن ىالاخوة، ضياء الدين محمد، معالم القربى في احكام الحسبة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 1982، ص 96-97

[80]  – جهد ابن تيمية بطريقته الخاصة كعالم وفقيه لاعادة توحيد العالم الاسلامي بزعامة المماليك، فاتخذ مواقف متشددة من الفرق الشيعية كلها، ومن غير المسلمين ايضا ودعاهم الى الدخول في الاسلام لينجو المسلمون من كفرهم. ولتحقيق مأربه راسل الفرق الشيعية ودعاها الى التوبة والعودة الى الاسلام الحقيقي السني. ولما لم تتجاوب حرّض المماليك، انطلاقا من موقفين سياسي وديني على قتالهم مهرقا دماءهم بفتاويه، وعلى قتال المسيحيين لا سيما موارنة لبنان” الحلفاء الطبيعيين للصليبيين”، ولمشاركتهم بالدفاع عنهم. وشارك شخصيا في بعض الحمالات المملوكية على لبنان لتطهيره من الكفرة على اختلاف انتماآتهم، لأنه كان يخشى عودة المسيحيين الاوروبيين الى احتلال شواطئه، والسيطرة مجددا على بعض البلاد الاسلامية المشرقية. لمزيد من الاطلاع على الحملات المملوكية على لبنان وعلى= =مواقف ابن تيمية منها، انظر: القطار، الياس، نيابة طرابلس على عهد المماليك، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1998، ص 112- 120

[81]  – ابن تيمية، اقتضاء الصراط،تحقيق ناصر بن عبد الكريم العقل، الرياض، مكتبة، الرشد، لا ت.،40،418 ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج1، ص 91-92 ، نقلا عن احمد حطيط، ابن تيمية، ص 373

[82]  – ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة اصحاب الجحيم، تحقيق ناصر بن عبد الكريم العقل، مكتبة الرشد الرياض، لا ت. ، ص 66

[83]  – حطيط، ص 373

[84]  – الصراط، ص، 90 ومن نمازجه الصارخة على كرهه لاهل الذمة ما ذكره احمد حطيط، نقلا عن ابن عبد الهادي، عن المجلس الشرعي الذي عقده السلطان الناصر محمد بن قلاوون للبت بطلب المسيحيين للعودة الى ما كانوا يلبسون على ان يدفعوا جزية زيادة عما كانت عليه، سكت جميع الحاضرين الا ابن تيمية الذي جثا على ركبتيه وقال للسلطان :” لا تفعل، واني اعيذك ان يكون اول مراسمك…تنصر فيه الكفار وتغرّهم من اجل حطام الدنيا الفانية.” حطيط، ابن تيمية، ص 374.

[85] – الصراط، ص82، 354 ،366، 422، 426، 489،

[86] – عينه ص 90

[87] – الصراط، ص 40، 182، 186، 418، 480

[88] – الصراط، ص176

[89]  –  اقتضاء الصراط، 176، 182،186، 480

[90]  – ابن تيمية، الصراط ص 454. ويستند لتبرير مواقفه تلك بما اثر عن ائمة السنة:” فمشابهتهم في اعيادهم، ولو بالقليل، هو سبب لنوع لاكتساب اخلاقهم التي هي ملعونة…” انظر: اقتضاء الصراط، ص 460، 454، 476

[91] – الصراط،  ص 454

[92]الصراط، 476

[93]الصراط، ص، 470

[94]  – اقتضاء الصراط، ص، 267، 180، 195.

[95]  –  ابن تيمية، الصراط، ص 381

[96]  – لمزيد من الاطلاع انظر ابن تيمية، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، مكتبة المدين، جدة، دون تاريخ.

[97]  – فجاءوا من باب توما باتجاه درب الحجر ورشوا الخمر على رباط الشيخ ابي البيان، وعلى مسجد باب الحجر الصغير، والمسجد الكبير. انظر ابن العميد، اخبار الايوبيين، بور سعيد الظاهر، مكتبة الثقافة الدينية، لا. ت. ص 53-54، الذهبي، دول الاسلام،= =الهيئة المصرية العامة، مصر، 1974 ج2، ص 163، ابن كثير، ج13، ص 221، سوك، ج1، ق2، ص 425-432، نجوم، ج7، ص 80-81

[98]  – السبكي، تقي الدين علي، فتاوى السبكي، دار المعرفة، بيروت،  ج2، 407 – 408

[99]  – السبكي، فتاوى، ص 417 ،

[100]  – ابن شداد، تاريخ الظاهر بيبرس، بيروت، 1984، ص 357-358، ابو الفدا، المصدر السابق، ج4، ص 14، السبكي، فتاوى، ص 419، نجوم، ج7، ص 140، اسماعيل، اكتمال، الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحملات المغولية على بلاد الشام، دار رسلان، دمشق، 2008، 187-188

[101]  – ابن كثير، بداية، ج14، ص 319-320

[102] – البلاذري، احمد بن يحي، فتوح البلدان، دار الكتب العلمية، بيروت1978، ص 192، الاموال، 182-183

[103] – انظر اعلاه دور عمر بن الخطاب في الشروط العمرية

[104]معالم القربى، ص 39-43

[105]معالم القربى، ص45

[106] – ابن قيم، احكام، ص 482-484، 488

[107] – انظر مثلا: احكام، من ص 490 الى 499 فكلها آيات استنبط منها ما يسيء الى المسيحيين واليهود.

[108]احكام، ص 499

[109]احكام اهل الذمة، ص 202

[110]  – ابن طولون، محمد، مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، نشر محمد زيادة، القاهرة، 1962-1964، ج1، ص 124، 153، زيادة، نقولا، دمشق في عهد المماليك، مكتبة لبنان، 1966، ص131، نصّار،” اندره، اوضاع المسيحيين في دمشق وحلب في العصر المملوكي” ص41-75 ضمن كتاب نحو تاريخ ثقافي للمرحلة المملوكية،  ص 44

[111] – زيادة ، ، دمشق في عصر المماليك ، ص 131 – 133.

[112]  – القطار، الياس، ” الموارنة واليعاقبة والشيعة والدروز في الجبل اللبناني في العهد المملوكي جدلية الاضطهاد والتسامح” ضمن كتاب نحو تاريخ ثقافي للمرحلة المملوكية، المعهد الالماني للابحاث الشرقية، بيروت، 2010، ص 6

[113]  –  القلقشندي، احمد بن علي، صبح الاعشى في صناعة الانشا، القاهرة، دار الكتب، 1913، ج5، ص 443-445، الخالدي، المقصد الرفيع المنشا الهادي لديوان الانشا، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة القديس يوسف، بيروت، 1988، ص 266- 265

[114]صبح، ج5 ، ص 443، و ج13، ص 276

[115]  – صبح، ج4، 201، و ج12، ص 422-423

[116]  – صبح، ج11، ص 388-389، و ج12، 425-426

[117]صبح، ج12، 424

[118] –  ابن قيم الجوزية، احكام، ق2، ص 659- 661 ، صبح، ج12، 424، الخالدي، ص 375

[119] – ابن كثير، البداية، ج14، ص 319-320

[120]  – نصّار، المرجع السابق، ص 46-47.

[121] – باشا، قسطنطين المخلصي، لمحة تاريخية في الرهبانية الباسيلية المخلصية، المطبعة الادبية، بيروت، 1909، ق1، ص 59-60

[122] – الخالدي، ص 275

[123]  – صبح، ج6، ص 164-165، ج12، ص 389، نصار، اوضاع، ص 48

[124]  – مفاكهة، ج1، ص 100، نصار،  اوضاع، ص 48

[125]  – ابن كثير، بداية، ج14، ص 249، نصار، اوضاع، ص 48

[126] – ابن الرفعة الشافعي، نجم الدين احمد، النفائس في هدم الكنائس، مؤسسة بينونة للنشر والتوزيع، دولة الامارات العربية المتحدة، 2013، ط1، ص 44-46

[127]  – فهو يقول:” كان عهد عمر…يفرض على المسيحيين حالة من الاضطهاد ومن مواطنية الدرجة الثانية…انظر: الزين، حسن، الاوضاع القانونية للنصارى واليهود في الديار الاسلامية، دار الفكر الحديث، ط2، بيروت، 2000، ص 63 . واحكامها، انظر : ابن القيم الجوزية، احكام اهل الذمة، تحقيق صبحي الصالح، بيروت، 1961، ج2، ص 657

[128]  –  المقريزي، تقي الدين احمد، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج4، ص 389 وما بعد، الزين ص 64

[129]    –  حطيط، ابن تيمية، ص31

[130]  – ابن كثير، البداية، ج11، ص 294

[131] – المقريزي، تقي الدين احمد، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1998، ج3، ص 778

[132]  – ابن الشحنة، روض، مخطوط الفاتيكان رقم 271، ص 122،خطط، ج3، ص 778-779اسماعيل، الآثار الاجتماعية، ص 188

[133]سلوك، ج1، ق2، ص 542، ابن تغري بردي، المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، ج5، ص 274

[134]  –  البداية، ج13، ص 340

[135]  – البداية، ج 14، ص 16، النويري، نهاية، 31/416-426. ابن تغري بردي، النجوم، 8/133-135، خطط، ج3، ص 780-781، سلوك، – دار الكتب العلمية، ج2، ص337-338321

[136]  – السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 484، النويري، نهاية، 31/416-426، أبو الفداء، المختصر، 4/47. ابن كثير، البداية والنهاية، 14/55 ابن تغري بردي، النجوم، 8/133-135، خطط، ج3، ص 780-781، سلوك، – دار الكتب العلمية، ج2، ص337-338321

[137]  –  سلوك، ط.دار الكتب العلمية، ج3، ص44

[138]  – سلوك، ج4، ص 201، الدويهي، الأزمنة، ط. توتل، ص 182، خطط، ج3، ص 782-783، سلوك، ج4، ص 201

[139]البداية، ج14، ص 317

[140]  –  بداية، ج14، ص 305-306

[141] Sobernheim, Corpus, pp. 125-126.

[142] – ابن طولون، مفاكهة، ج1، ص 87

[143] – انظر سابقا

[144] – القلقشندي، صبح الاعشى في صناعة الانشا، ج5، ص 460

[145] – لم يجز للمسيحيين لقب امير مائة ومقدم ألف لأنها رتبة حربية، انما سمح لهم بالقاب طبلخاناه، وعشرين، وعشرة وخمسة واحيانا اثنين

[146] – الصقاعي، فضل الله بن ابي الفخر، تالي كتاب وفيات الاعيان، المعهد الفرنسي بدمشق، المطبعة الكاثوليكية ، بيروت، 1974، ص 186

[147] – شيخو، وزراء، ص 186

[148] – الصقاعي، تالي الوفيات، ص11-12

[149] – الصقاعي، تالي، ص ، 186، ووظيفته حساسة جدا لأنها اختصت بتحصيل المصادرات

[150] – الشجاعي تاريخ، ص 75، البصروي، تاريخ، ص 89

[151] – شيخو، وزراء النصرانية ، ص 77، تكمن اهميته الى جانب وظيفته، انه ألف عددا من الكتب مثل: ذيل على تاريخ ابن العميد، واختصر وفيات الاعيان لإبن خلكان، واضاف اليه ذيلا اسماه” تالي وفيات الاعيان”.

[152] – الجزري، ج1، ص 389-390

[153] – الجزري، حوادث، ص 114

[154] – ابن حجر، انباء، ج2، ص 139

[155] – ابن طوق، التعليق، ج2، ص 682-683

[156] – السبكي، معيد، ص 139-140

[157]السبكي، معيد، ص 139-140

[158] – الهيب، الحركة الشعرية، ص 68

[159] – الضرائب غير الشرعية هي التي لا يجيزها الشرع الاسلامي كالرمي، والطرح، والمجامعة والمشاهرة، والمصادرات على اختلاف انواعها. لمزيد من الاطلاع انظر: ضومط، انطوان: دمشق الشام على عهد الدولة المملوكية الثانية، ص 416-417، ضمن كتاب المؤتمر الدولي السادس لتاريخ بلاد الشام، مطبعة جامعة دمشق، دمشق، 2001

[160] – نصار، ص 59

[161]صبح، ج12، ص 306-3607، ابن طولون، مفاكهة الخلان، ج1، 16

[162] – ابن الاخوة، ص 99-100

[163] – ابن قاضي شهبة، تاريخ، مج2، ج1 ص 231، البداية، ج14، ص 198، صبح، ج3، ص 530

[164] – القلقشندي، ج3، ص 97، 350

[165] – القلقشندي، ج 3، ص 530

[166] – فحص، اهل الذمة، ص 117

[167] – الذهبي، محمد بن احمد، ذيول العبر في خبر من غبر، دار الكتب العلمية، بيروت، لا تاريخ، ج4، ص 190

[168] – فحص، اهل الذمة، ص 117

[169] – المكان عينه

[170] – القلقشندي، ج3، ص531

[171] – نصار، اوضاع، ص 59

[172] – فحص، اهل الذمة، ص 122

[173] – نصار، اوضاع، ص 59

[174] – اليونيني، قطب الدين، ذيل مرآت الزمان، حيدر آباد الدكن، مطبعة دار المعارف العثمانية، 1960، ج1، ص 362-363، ابن كثير، ج13، ص221 .

[175] – ابن كثير، الحافظ ابو الفدا، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت، 1988، ج14، ص186، ابن الوردي، تاريخ، ج2، ص 318

[176] -ابن كثير، البداية، ج14، ص 86، ابن الوردي، تاريخ، ج2، ص318، البصروي، تاريخ، ص 89-90

[177] – ابن كثير، البداية، دار المعارف، ج14، ص 198

[178] – ابن كثير، البداية، ج14، ص115-117

[179] – الدويهي، البطريرك اسطفان، تاريح الازمنة، طبعة فهد، بيروت، دار لحد خاطر، لا ت، 322-323 ، نصار، اوضاع، ص 62

[180] – نصار، اوضاع، ص 62

[181] – ابن كثير، البداية، ج14، ص 315

[182] ، شمس الدين بن ابي بكر، احكام اهل الذمة، تحقيق صبحي الصالح، دار العلم للملايين، ط4، 1994، ق2، ص705. شرح الشروط العمرية، دار العلم للملايين، ط2، 1981، ابن القيم الجوزية، ص 49

[183] – ابن الاخوة، معالم، ص 49

[184] – ابن ىالاخوة، ضياء الدين محمد، معالم القربى في احكام الحسبة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 1982، ص 96-97، النويري، شمس الدين احمد، نهاية الارب في فنون الادب، الهيئة المصرية العامة، 1992، ج31، ص 417. القلقشندي، صبح، ج13، ص 379. سلوك، ج4، ص 202

[185]  العسقلاني، ابن حجر، انباء الغمر بابناء العمر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986، ج8، ص 258

[186] – الجزري، شمس الدين محمد، تاريخ ابن الجزري، تحقيق عمر تدمري، المكتبة العصرية، صيدا، 1998، ج2، ص 112

[187] – العسقلاني، انباء،ج2، ص 139،  شيخو، لويس، وزراء النصرانية وكتابها في الاسلام، المكتبة البولسية، بيروت، 1987، ص 220

[188] – ابن كثير، ج14، ص122

[189] – الجزري، ج1، ص203-205، ابن كثير، ج13، ص 335-336

[190] – نصار، اندره، “اوضاع المسيحيين في دمشق وحلب في العصر المملوكي” ضمن كتاب نحو تاريخ ثقافي للمرحلة المملوكية، مطبعة درغام، بيروت، 2010، ص51

[191] – الجزري، ج2، ص 400

[192] – الجزري، ج2، ص 108، مفاكهة، ج1، ص 153

[193] – العسقلاني، ج4، ص 4

[194]سلوك،ج4، ق2، ص 884

[195]سلوك، ج2، ق3، ص 921-927

[196] سلوك، ج3، ق1، ص 372-373

[197] – الذهبي، تاريخ الاسلام، حوادث ووفيات، ص 26

– شيخو، لويس، وزراء النصرانية وكتابها في الاسلام، المكتبة البولسية، بيروت، 1987، ص 22

[198]  فحص، اوضاع، ص64

[199] – الجزري، ج2، ص 319

[200] – الجزري، ج3، ص590، 678،736، 866.

[201]تاريخ الجزري، ج2، ص 523

[202] – الجزري، ج2، ص 319

، شمس الدين محمد، مفاكهة الحلان في حوادث الزمان، ج1، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، 1962، ص 68

،[203]  – نهاية الارب، ج31، ص 385، ابن كثير، البداية، ج 14، ص 99، 250، 305، 306 وغيرها، القلقشندي، صبح، ج13، 378، المقريزي، خطط، ج3، 778، 781، 784، 822، سلوك، ج3، ص 44، ج4، ص 302-303

[204] – البداية، ج 14، ص 250، صبح الاعشى، ج13، 377-378، سلوك، ج2، 337-338، ج4، ص 203

[205]  – البداية، ج 14، ص 16، النويري، نهاية، 31/416-426. ابن تغري بردي، النجوم، 8/133-135، خطط، ج3، ص 780-781، سلوك، – دار الكتب العلمية، ج2، ص337-338321 –

[206]  – السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 484، النويري، نهاية، 31/416-426، أبو الفداء، المختصر، 4/47. ابن كثير، البداية والنهاية، 14/55 ابن تغري بردي، النجوم، 8/133-135، خطط، ج3، ص 780-781، سلوك، – دار الكتب العلمية، ج2، ص337-338321

[207] القلقشندي، صبح،13/20.

[208]  ابن الاخوة، معالم، ص 95،- البداية، ج14، ص 99 ، 250، سلوك، ج3، ص 44، 203

[209] – ابن كثير، ج14، 250

[210]البداية، ج14، ص 317

[211] – ابن طولون، مفاكهة، ج1، ص 87

[212]  –  البداية، ج13، ص 340

[213] – البداية، ج14، ص 250

[214] – انظر الكتب او المناشير السابقة.

[215] – البداية، ج14، ص 305-306

[216]  ابن طولون، مفاكهة، ج1، ص 87

[217]مجلة المشرق، الزيات حبيب، الديارات الاسلامية في الاسلام ، عدد 36، بيروت، 1938، ص 291-417، ص320

[218]احكام اهل الذمة، ق2، ص 727

[219] – نصار، اوضاع، ص 57

[220]خطط، ج1، 304-305

[221] – ابن كثير، البداية، ج14، ص 317، ابن قاضي شهبة، تاريخ، مج3، ص273، البصروي، صفحات مجهولة من تاريخ دمشق في عصر المماليك، تحقيق اكرم العلبي، دار المأمون للتراث، دمشق، 1988، ص 204-205، مفاكهة، ج1، ص 21، 30، 32،109، 153-154، 158، 203، 205، 248-249، 303، 314. ابن طولون، اعلام الورى، بمن ولي نائبا من الاتراك بدمشق الشام الكبرى، ط2، دمشق، دار الفكر، 1984، ص 116-117، 186-188

[222] – الذهبي، تاريخ، ص 50-51

[223]النفائس في احكام الكنائس، ص15

[224] -السبكي، فتاوى، ج2، ص373

[225] – لمزيد من الاطلاع انظر: ضومط انطوان، “مسيحيو المشرق العربي اواخر العصور الوسطى جدلية السلطة والدين، مجلة المشرق، السنة التاسعة والثمانون، الجزء الاول، كانون الثاني، 2015. وايضا بالكلام على المتشددين في هذا البحث

[226] -لمزيد من الاطلاع انظر:ضومط ،انطوان، الدولة المملوكية التاريخ السياسي والاقتصادي والعسكري، بيروت، دار الحداثة، ط1، 1980، 188-196

[227] – لمزيد من الاطلاع، انظر: ضومط، الدولة المملوكية، ط1، ص، 182-183، 220 – 232

[228]-Heyd,W, Histoire du commerce du Levant au moyen-age,II, Leipzig,1885-1886,p.86

[229]– ibid,II, p.430-431

ضومط، الدولة، ص206-209

[230] – انظر هذه المعاهدات في بحث: بيار مكرزل، المعاهدات التجارية بين البنادقة والسلاطين المماليك، المشرق، تموز-كانون الاول، 2013، ص590-591

[231]-Ashtor,E, Les metaux precieux et la balance des paiement du Proche Orient a la basse epoque, S.E.V.O.E.N., Paris,1971,p.65

[232] – مكرزل، المعاهدات،  ص592

[233] – عينه، ص 593

[234] – مكرزل، المعاهدات، ص593

[235] – من اكثر المتشددين السنة الشوافع

[236] -انظر مراسيم الشروط اعلاه، والمقريزي، سلوك، ج2،ص337-338،ج3، ص 41-44، ج4، ص201-202

[237]-Wiet,Gaston, L’egypte arabe de la conquete arabe a la conquete musulmane,(642-1517), Le Caire, 1937, p491-493

– ضومط، الدولة، ص225

[238] –  القلقشندي، صبح، ج4، ص 310-312، مكرزل، المعاهدات، ص597-598

[239] – مكرزل، المعاهدات، ص 599

[240] – شيخ الربوة الدمشقي، كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، لابزيغ، 1993، ص 281،نقلا عن اندره نصار، اوضاع، ص55

[241] – المصدر عينه، ص281

[242] -انظر لاحقا

[243] – نصار، اوضاع، ص56

[244] – شيخ الربوة، ص 281

[245] – المكان عينه، نصار، اوضاع، ص 56-57

[246] – نصار، اوضاع، ص 57

[247] – العلبي، اكرم، دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق، 1982، ص 88-89

[248]اقتضاء، ص 458

[249]اقتضاء، ص 460، 470.

[250] -هذا القول لعمر بن الخطاب اورده ابن تيمية انظر الهامش التالي

[251] – اقتضاء، ص، 454-456، 484

[252] – عينه، 458

[253]اقتضاء الصراط، ص، 479

[254]قتضاء، ص 480

[255]اقتضاء، 518

[256]اقتضاء 471، 479-480

[257]– Suriano Fancesco, Treatise on the Holy Land, translated by T. Bellorini &E. Hoade,Jerusalem,1949, reprinted, 1983, pp170-172

[258] Ibid, p 170

[259] Ibid,171

[260]-ibid, p,171

[261]  – ويتعذر  التمييز، في تعبير اهل الذمة، بين اليهود والمسيحيين. لذلك سنقصد به  المسيحيين فقط، بخاصة ان الصابئة والمجوس لم تشير اليهم الفرامانات او المراسيم السلطانية

[262]   – لمزيد من الاطلاع على عهد الصحيفة انظر:حميد الله، الوثائق السياسية، ص59 – 62

[263] – ابن شدّاد، تاريخ، ص 281-282.

[264] – المقريزي، السلوك، 2/959- 962

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *