امين الريحاني

ايها الاصدقاء

في اطار مهرجانها الحادي والعشرين للكتاب، ومن ضمن تراثها الثقافي المتجدد ابدا بتكريم اعلام الفكر اللبناني والعربي، تستذكر الحركة الثقافية –انطلياس معكم فكر امين الريحاني بمناسبة مرور مئة وخمسة وعشرين عاما على ولادته. وتفتح نوافذ على جوانب منه نحن قد نكون بامس الحاجة الى استقرائها اليوم، بما يتخبط به وطننا راهنا من مشاكل كان الريحاني قد صاغ افكارا تصلح كقاعدة لحلول لها

   ايها الاصدقاء، ابصر امين الريحاني النور في السنة عينها 1876 التي تولى فيها العرش العثماني السلطان عبد الحميد الثاني، والتي  شهدت ايضا ولادة الدستور العثماني.ترى اهي مصادفة جمعت بين تناقضين :  فكر الريحاني الرحب والخلاق الذي سبقت بعض نواحيه فكر معاصريه رؤية نافذة للعولمة والاصلاح والديمقراطية ومعنى العروبة.ونظرة السلطان عبد الحميد الثاني المعادية بامتياز لكل ذلك.ام ان الارهاب الفكري والسياسي التي شهدته تلك الحقبة الزمنية ولا سيما بتولي جمعية الاتحاد والترقي السلطة الفعلية التي توسلت الاستبداد نهجا، والطورانية المتقوقعة مبدأ ، وقتل وسجن الوطنيين والمصلحين اسلوبا .هل ان كل ذلك ساهم بتكوين فكر الريحاني؟ لانه كان في تلك الحقبة الزمنية المشرقية الحالكة ينهل من فكر شكسبير، ويختزن آراء فكتور هيغو الثورية والاصلاحية، وتحتضن حنايا ذاكرته كل ما توفر له من روائع المؤلفات العالمية المتعددة الاتجاهات.

        وكان فيلسوف الفريكة منذ حداثته يدرك ان المعرفة الاحادية الاتجاه ، وخصوصا الغريبة عن موطنه تظل ابدا منقوصة، ان لم تستكمل بالفكر المشرقي الذي ينتمي اليه، ما دفعه الى الكب على الثقافة العربية المشرقية يختزن انسانيتها، ويستصفي روائع شعرها، و قد خص ابا العلاء المعري منزلةمميزة. ما جعل الجدلية الثقافية المشرقية -الغربية اساسا لفكره.

    وبديهي القول ان هجرته الى اميركا، وترحاله في اوروبا لم يعمقا فكره الثقافي الحضاري الاجتماعي الفلسفي حصرا، انما ايضا آفاقه السياسية ، ولا سيما انه كان قد  بدأ تخصصه في الحقوق.اضافة الى حضوره السياسي على اعلى المستويات، وفي ارفع المحافل: كاجتماعه بالرئيس الاميركي روزفلت، وحضوره مؤتمر لاهاي للسلام عام  1919 .ولم يكن انخراطه في المجال السياسي على هذا المستوى ابتغاء لمركز سياسي مرموق في وطنه، انما خدمة له ولكل البلاد العربية التي كانت ترزح بمعظمها تحت استعمار مقنع اتخذ تسميات ملطفة كالحماية والانتداب.

       من هنا قام برحلته العربية عام 1922 بهدف شحذ الشعور القومي العربي، وحض الملوك والرؤوساء العرب على التضامن والعمل المشترك من اجل العمل الدؤوب والفعال لحل القضايا العربية المحورية.وقد اكسبته هذه الرحلة ايضا معلومات جغرافية واجتماعية زخرت بها مؤلفاته.فكان الرحالة العربي الحديث بامتياز ممن اكمل النهج الذي كان بدأه الجغرافيون العرب منذ القرن التاسع الميلادي وزاد عليه.

    لن اتطرق الى مضمون وميزات مؤلفاته لانها ليست من عمل هذه المقدمة، انما سأمر سريعا على بعض سيماتها فاسحلا في المجال للمحاضرين الكرام لاشباع جوعنا اليها.

        قد يكون الريحاني احد ابرز رواد العولمة، من دون ان تكون تلك التسمية معروفة، كانت اعماقه تزخر بصورة الشرقي بكل ما تضم من طيبة سجية يجسدها التآلف الاجتماعي، وتترنح تحت السطوة الغربية الطماعة.كما انه كان قد عايش الحضارة الغربية المادية التي افرزتها الثورة الصناعية..فبدا العالم وكأنه يخوض صراعا حضاريا بين عالمين متمايزين.لذا جاءت دعوته الى عولمة مبنية على الفكرين معا من دون تصارع يرهق العالم كله.

        وكان الريحاني قد خبر الديمقراطيات في اميركا واوروبا، ووعى مباشرة مضامين الاصلاح السياسي، الذي ينعكس باستمرار على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية.وكان ايضا ، وكما اسلفت، قد عايش العسف السياسي الذي بدأه عبد الحميد الثاني، واكملت مسيرته بوطأة اشد  جمعية الاتحاد والترقي.وكان شهد ايضا التخبط السياسي في البلاد العربية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، والنزاعات الداخلية، والانقسامات الطائفية.فجاءت كتبه صدى رافضا لكل تلك الممارسات، ودعوة صادقة للاصلاح مبنية على العلمانية، وعلى الديمقراطية.

      ونحن اليوم اذ نستذكرك يا فيلسوف لبنان والعرب جميعهم، ندعوك الى القيام برحلة روحية الى البلاد العربية، تشرح للملوك والرؤوساء والامراء العرب، الذين ستنعقد قمتهم قريبا في لبنان، ان خلافاتهم وتصفية صراعاتهم على الارض اللبنانية ومن خلال اللبنانيين ، جعلت ديمقراطية لبنان تتوكأ عصا هزيلة محدودبة، وتحولت كابوسا سياسيا ترك بصمات مخيفة على الاقتصاد والمجتمع في لبنان.ونرجوك ان تعيد صوغ ما كنت قد قلته لهم عن فلسطين، ارفع الحجاب عن اعينهم، واشفي صممهم علهم يشاهدون المجازر الاسرائيلية، ويسمعون صرخات وانين الفلسطينيين، فييخذون موقفا تضامنيا انقاذيا على الاقل بحده الادنى.

                                                انطوان ضومط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *