التأريخ في العهد المملوكي

       

اولا– البيئة السياسية والثقافية للتأريخ في العهد المملوكي :

1- السلاجقة والاجماع الاسلامي.

ارتبط التأريخ منذ نشأته في الدولة العربية-الاسلامية بالتأريخ للخاصة من دون ايلاء العامة نصيباً يذكر، لا بل شكل الحكام على اختلاف مستوياتهم وتسمياتهم ركائزه. وفي مرحلة الانحطاط العباسية، صار القادة الاتراك، ثم الملوك البويهيون، فالسلاطين السلاجقة محاوره الاساسية. ولم يتعدّ النشاط السياسي والعسكري العام في ارجاء الدولة الاسلامية الصراع بين قادة مختلفين، او بين مغتصبي ولايات، واحيانا تناول فتوحا جديدة بعد ان كانت قد استقرت رقعة الدولة.

وشكل العهد السلجوقي مرحلة جديدة في الفكر السياسي-العسكري بمحاولة اعادة سيطرة المذاهب السنية على ما عداها من المذاهب الاسلامية، واسترداد ما اعتبره بعض مفكري السنة اراضي استولى عليها الفاطميون. انحلت السلطنة السلجوقية وانقسمت على نفسها الى اتابكيات تنتسب اسميا الى البيت السلجوقي وتتخاصم فيما بينها. واحتل الفرنجة السواحل اللبنانية والفلسطينية والسورية مع اجزاء من داخل بلاد الشام، وحاولوا تكرارا الاستيلاء على مصر الفاطمية. وأدى بالنهاية تشابك مصالح الفئات الثلاث المذكورة الى سقوط الخلافة الفاطمية عام 1171 وقيام الدولة الايوبية في مصر وبلاد الشام.

ونتج عن التنافس بين خلفاء صلاح الدين الايوبي( 1171 ) زوال الدولة الايوبية في مصر اولاً وقيام الدولة المملوكية الفتية. وتلا ذلك هجوم المغول وانهاء الخلافة العباسية في بغداد عام 656/1258. فتحولت مناطق الخلافة العباسية الشرقية الى السيطرة المغولية. وأعقب ذلك معركة عين جالوت 658/ 1260 التي وضعت حدا لتقدم المغول، والى زوال الدويلات الايوبية، وترسيخ دعائم الدولة المملوكية التي صارت بنظر المسلمين حامية الديار الاسلامية في مصر وبلاد الشام والاماكن الاسلامية المقدسة. وأضفى احياء السلطان بيبرس الخلافة العباسية في مصر على المماليك مأثرة دينية اضافية ساهمت بتثبيت دعائم الدولة الجديدة.

وقد أثّرت كل هذه التطورات المتسارعة على توجيه الفكر الاسلامي العام وخصوصا السني، الذي صارت مصر وبلاد الشام مرتعاً اساسياً له بعد ان غدت دولة المماليك احدى اقوى الدول الاسلامية. وقد جزّأت هذه التحولات السياسية والعسكرية المتسارعة، في منتصف القرن السابع/الثالث عشر، العالم الاسلامي الى اربعة مناطق على الاقل: بلاد فارس وبلاد ما وراء النهر تحت السيطرة الإلخانية المغولية ذات الثقافة الفارسية، التي تحولت تدريجا الى ثقافة مغولية فارسية اسلامية لها ميزاتها وطابعها الخاص بعد ان اعتنق إلخانات فارس الاسلام، وتمتعت باستقلال سياسي تام من دون اي ارتباط بالخلافة العباسية في القاهرة، والدولة العثمانية الفتية التي تطورت قوتها بعد قضاء المغول على دولة سلاجقة الروم عام699/ 1300 ما مكّن العثمانيين ضم معظم اراضيها، والتوسع على حساب اراضي الامبراطورية البيزنطية. والدولة المملوكية في مصر وبلاد الشام حاضنة الخلافة العباسية المتجددة الباسطة نفوذها على الاماكن الاسلامية المقدسة، والمغرب العربي امتدادا الى بلاد الاندلس المتنازع عليها بين الاسبان والمسلمين.ما قيمة هذه الصورة السياسية المذهبية الاسلامية على مستوى التأريخ والفكر الاسلاميين؟

2- إلخانات فارس والاجماع الاسلامي:كانت الخلافة العباسية في بغداد، قبل سقوطها، تمثّل الجامع لا بل المرجع الديني الرئيسي لكل القوى الاسلامية المتصارعة فيما بينها. وقد ادى سقوطها الى افراغ الاجماع السني من محتواه خصوصا بعد ان اعتنق غازان ( 694-703 / 1295-1304) الاسلام على المذهب السني. لأنه لم يكن بوارد الخضوع للخلافة القائمة في كنف المماليك اخصامه السياسيين، لأن من شأن ذلك ان يجعله تحت السيطرة المملوكية وان اسميا، وتاليا معنوياً. فاعتمد الحل العسكري مخرجا من هذه التبعية، لكن فشله في معركة مرج الصفر عام 1303 اسقط كل تطلعاته فتحول الالخانيون في بلاد فارس تدريجا الى المذهب الشيعي الاثني عشري، الذي يعتبر كل حاكم يعترف بالأئمة الاثني عشر وبالمذهب الجعفري حاكما شرعيا، فيطيعه رعاياه وينصرونه[1].

ان هذا التحول التدريجي في دول الالخانيات الى المذهب الشيعي اعاد قسمة العالم الاسلامي مجددا بين السنة والشيعة، ولكنه أخذ هذه المرة بعدين اضافيين: عرقيا (قوميا) عصبيا فارسيا مغولياً، يتمتع بالمقومات الجغرافية والستراتيجية ويخضع للسيطرة المغولية. والمماليك الاغراب المسيطرين على مصر وبلاد الشام بتوجه اسلامي تطغى عليه الصفة العربية. وكان المغرب والاندلس منشغلين باوضاعهما السياسية غير المرتبطة اجمالا باحوال المشرق العربي. وتحوّل الحكم المملوكي الى حكم متسلط فئوي، منفصل عن الشعب، لا بل مُسخّرا الشعب لخدمة الفئة ( الطبقة ) العسكرية الحاكمة. ورغم كل التجاوزات المملوكية غير المبررة شرعا وعلى المستوى الانساني، فان المؤرخين وكبار رجال الدين وعوا امرا على جانب كبير من الاهمية وهو انّ الاسلام ما يزال متمركزا في الديار المملوكية حيث تقوم الشرعية الدينية الوحيدة في العالم الاسلامي. وهذا الوعي يفسّر الانفصام شبه التام بين التأريخ وعلم الحديث من جهة، وتاليا بين المدني والديني، ويبرّر من ناحية ثانية هذا الكم الهائل من كتب التاريخ، وكتب التراجم والطبقات التي تحمل عموما اسماء دينية مثل: طبقات الحنابلة، او الشافعية…تجاه انحطاط مأسوي في بقية العلوم على تنوع موضوعاتها.

ثانيا ازدهار التأريخ

1- انواع المؤلفات:يبدو ان معظم المؤرخين شغلوا وظائف ديوانية مثل كتابة السر، والحسبة والتوقيع بديوان الانشاء… ما سمح لهم الاطلاع على دقائق سجلات هذه الوظائف، وعلى ركائز النظامين العسكري والاقطاعي المملوكيين فازدهرت كتب الادارة مثل مسالك الابصار للعمري، ونهاية الارب للنويري، وصبح الاعشى للقلقشندي، والمواعظ والاعتبار للمقريزي، وزبدة كشف الممالك للظاهري… اضافة الى التواريخ العامة، التي لم يقتصر حضورها على السياسي والعسكري بل تعداهما الى النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والادارية. فاكتملت بذلك صورة التاريخ بابهى حلله، واروع روآه، وصارت المؤلفات تنبض بالحياة، تتحدث عن الخاصة والعامة معا بعد ان كانت حكرا على الاولى.

تجاه هذا الازدهار المنقطع النظير للمؤلفات في ميدان التاريخ على تنوع مواضيعه، نلاحظ انحطاطا مخيفا ومربكا في بقية العلوم على مدى العصر المملوكي. وقد يكون مرد ذلك الى وعي المؤرخين للديني المرتبط بالسياسي الناتج عن احتضان المماليك للشرعية الدينية السنية الوحيدة، فصارت بنظرهم دولة المماليك وحدها الدولة الشرعية في العالم الاسلامي، وتحوّلت الدول الاخرى غير الخاضعة للخلافة العباسية الى دولٍ عاقّة، ما جعل التاريخ المحلي او الاقليمي يزدهر بامتياز، بحيث قلّما تجاوزت مضامين مؤلفات المؤرخين المشرقيين حدود الدولة التي يعيشون في كنفها اللهم الا ابتهاجا بفتح اسلامي، او نجاة المسلمين من هجوم الفرنجة.

وبذلك، غابت عن الساح التأريخية مؤلفات التاريخ العام الشامل، وان اطلقنا على بعضها هذه الصفة لان حضورها اقتصر على التاريخ الاقليمي الخاضع اصلا لنفوذ سياسي محدد. ما عكس الانقسام السياسي على الفكر الديني وعلى الوضعين الاجتماعي والاقتصادي. ولم يعد العالم الاسلامي كله مسرحا لأقلام المؤرخين المسلمين، بل تقوقع التوجه، خلال الحقبات التي تطورت فيها المناهج التأرخية، ليحدّد السمات العامة للمراحل الاخيرة من العصور الوسطى. وقد حرمنا هذا المنظور السياسي الديني الضيّق من كنوز كثيرة لأنه لو توفّر للمقريزي وزملائه، بما تمتعوا به من نفاذ البصيرة والحس الاجتماعي، الاطلاع على اخبار الدول الاسلامية الاخرى ودوّنوا اخبارها لكانت اغتنت المكتبة العربية بمادة علمية تاريخية قلّ نظيرها. ولكن مع الاسف الشديد اقتصر حضورهم التأريخي على دولة المماليك .

2- عوامل ازدهار التأريخ: ولعل ما ساعد على تطور الحركة التأريخية في العهد المملوكي عوامل أخرى قد يكون من ابرزها:

أ- تأثير الوظائف الديوانية على التأريخ: شغل بعض المؤرخين وظائف ديوانية، ممّا جعلهم قريبين من القرار السياسي، ومطلعين على معلومات كان متعذرا على غيرهم الوصول اليها، ومدركين بدقة بنية المؤسسات المملوكية بسلبياتها وايجابياتها.

ان تحدُّر بعضهم من العرق المملوكي وانتسابه الى الفئة العسكرية الحاكمة كإبن ايبك، وبيبرس الدوادار، وابن تغري بردي، وابن اياس وغيرهما مكّنهم من ان يعكسوا في مؤلفاتهم مواقف المماليك بعضهم من البعض الآخر، وتصرفات الحكام تجاه الشعب، وبالتالي مفهومهم وموقفهم من السلطة العسكرية الحاكمة، وان كان مؤرخون آخرون تمكنوا من فهم هذه العقلية، فان شهادة هؤلاء بابناء جنسهم جاءت بالغة التعبير.

ب- سوء استعمال المماليك للسلطة:ان سوء تصرّف المماليك كحكام بل كطبقة عسكرية حاكمة منغلقة عن بقية الفئات الاجتماعية، ادى الى انفصام مجتمعي بينهم وبين الشعب لأنهم اجتهدوا باستنزاف كل طاقاته، حتى صار المجتمع اعرج يشكو بعضه من التخمة والبعض الآخر من الضنك. فانبرى عدد من المؤرخين يصوّر هذا الواقع الاليم وينتقد تصرف الحكام ويفنّد مساوءهم.

ج- دور التجارة: كان لاتساع التجارة وتطور طرقها وسيطرة المماليك عليها، واحتكارهم التجارة العالمية بين الشرق والغرب لان طرقها كانت اما تبدأ واما تنتهي باحد الموانئ او المحطات المملوكية، ممّا مكّن الرحالة المشارقة ومنهم مؤرخون من التجوال بسهولة في معظم ارجاء العالم القديم ومن تدوين مشاهداتهم: وصف المحطات التجارية، والطرق، وانواع السلع التجارية ومصادرها، مراكز الجمارك ، قيمة الضرائب…

تطور علم التراجم الذي بدا وكأنه انفصل عن علم التاريخ وصار من اختصاص رجال الدين، وبالتالي لم يعد مقصورا على الخاصة من الحكام بل شمل نماذج اجتماعية رفيعة الشأن، ممّا جعل التراجم تنبض بشيء من الحياة الاجتماعية.

نشطت المدارس ولا سيما في العهد الجركسي، فقام المدرسون على اختلاف درجاتهم بترشيد المجتمع بمحاولة لضبط المساوئ الاجتماعية التي استشرت فيه، احيانا بتوجيه النقد اللاذع للمسؤولين او لمن يمالئونهم.

إلتزم فريق من المؤرخين بحياة الناس الاجتماعية والاقتصادية التي تردّت كثيرا في القرن الخامس عشر، وعلى رأسهم المقريزي، بتقريظ السلطة ومن يمالؤنها.

3 – انواع المؤلفات: ساهمت العوامل الانفة بازدهار الحركة التأريخية في العهد المملوكي في مختلف ميادين النشاط الانساني، وسنكتفي بالاشارة الى بعضها: ففي الادارة: التعريف بالمصطلح الشريف، ومسالك الابصار في ممالك الامصار للعمري م 749/1348.  وتاريخ الدول والملوك لإبن الفرات م 806/1404، ونهاية الارب في فنون الادب للنويري م 733/1332، وصبح الاعشى في صناعة الانشا للقلقشندي م821/1418، وزبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك لابن شاهين الظاهري م 873/1468، والمقصد الرفيع المنشا الهادي لديوان الانشا للخالدي، والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي م 845/1441 و هو ايضا في الخطط اوالطوبوغرافيا. وفي التراجم: تاريخ الاسلام وطبقات المشاهير والاعلام للذهبي م 748/1348، واعيان العصر واعوان النصر  والوافي بالوفيات للصفدي م 765/1368، وطبقات الشافعية للسبكي م 771/1369، والدرر الكامنة باعين المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني م 852/1448، والضوء اللامع في اعيان القرن التاسع للسخاوي م 902/1496.

اما في التاريخ العام فهناك العديد من المؤلفات، وهي تطغى على غيرها مثل: عيون التواريخ لإبن شاكر الكتبي م 764/1362، والسلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لإبن تغري بردي، وبدائع الزهور في وقائع الدهور لابن اياس م 930/1524.

الفروسية: الفروسية والمناصب الحربية لإبن الرماح، والتدبيرات السلطانية في سياسة الصناعة الحربية لإبن منكلي.

التاريخ الاجتماعي: وتتناول مؤلفاته جوانب معينة من المجتمع ونذكر منها: تاريخ البصروي للبصروي، وفيه معلومات عن قضاة دمشق، كما عن الحياة اليومية الدمشقية. ومؤلفات ابن علوان المتعددة وبعضها ما يزال مخطوطا، ونذكر منها: اسنى المقاصد في بدع المساجد ويتناول المنكرات التي مارسها رجال الدين والعامة على حد سواء في المساجد، ومصباح الهداية ويتحدث فيه عن عادات الدمشقيين، ونسمات الاسحار وفيه معلومات فريدة عن عادات الزواج وحفلات الزفاف في دمشق. اضافة الى مؤلفات ابن المبرّد واهميتها انه كان شاهد عيان على الاحداث اليومية التي تناولها، ومن المؤسف ان معظم هذه المؤلفات مايزال مخطوطا، ونذكر منها:الاعانات في معرفة الخانات نشر قسما منها حبيب الزيات في مجلة المشرق. ونزهة الرفاق في شرح حالة الاسواق وهو يكمل الاعانات في معرفة الخانات لأنه يتحدث عن الاسواق الدمشقية. الحسبة يتناول الموظفين واصحاب المهن في دمشق، ذم الهوى والزعر في احوال الزعر ويتحدث عن الفئات الاجتماعية المسحوقة. وآداب الحمام يتناول عادات الدمشقيين في ولوج الحمامات. ومن الكتب الاجتماعية الدارس باخبار المدارس للنعيمي، وكذلك مدارس دمشق وربطها وجوامعها وحماماتها للاربلي. ومن المؤلفات المهمة جدا ما تركه محمد بن طولون التي سنتناول بعضها في هذا الكتاب[2] 

الفصل الثامن مؤرخو العهد المملوكي

شهد العهد المملوكي نهضة تأريخية قلّ نظيرها ربما على مساحة العصور الوسطى، ومن العسير جدا التطرق الى مناهج كل مؤرخيه، لذا سأكتفي بنماذج منهم بادئا بالمقريزي.

تقي الدين احمد المقريزي (766-845/1364-1442

اولا حياته ومؤلفاته

1 – حياته: هو تقي الدين احمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن ابراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن ابي الحسن بن عبد الصمد بن تميم التقي العبيدي- نسبة الى الخلفاء الفاطميين-[3]المقريزي، وهذه الشهرة الاخيرة لازمته وما تزال وهي تعود الى احدى حارات بعلبك التي عاشت فيها اسرته قبل انتقال جده لأبيه من بعلبك الى دمشق[4]. ولد المقريزي في القاهرة في حارة برجوان عام 766/1364 في اسرة اشتهرت بتحصيل العلوم؛ فجده لأبيه نشأ في بعلبك وتثقف على عدد وافر من العلماء والفقهاء[5] ثم انتقل الى دمشق حيث ولد ابنه علي والد المقريزي. بعد دمشق ارتحل الى القاهرة واستقر فيها حيث تقلب في عدة وظائف ديوانية[6]. وقد يكون جده لأمه، الذي عاش المقريزي في كنفه، اكثر ثقافة من جده لأبيه[7]. درس مؤرخنا في الازهر على عدد وافر من العلماء والفقهاء بلغ عددهم ستمائة[8] من ابرزهم: شمس الدين بن الصائغ جده لأمه، وابي اسحق التنوخي، وسراج الدين البلقيني، والعماد الحنبلي، وابن خطيب الناصرية المؤرخ المعروف، وابن خلدون بعد ان استقر في القاهرة منذ عام 784/1364 وقد تأثر به كثيرا ولا سيما بمقدمته المشهورة. كما اجازه عدد من اعلام عصره نذكر منهم: العماد ابن كثير (ت 774/1373، وابا البلقاء السبكي (ت 777/1375) وابا الفضل النويري ( ت 786/1384)[9].

كان المقريزي على اتصال وثيق بالسلطان برقوق، وبابنه السلطان فرج، وبالامير يشبك الدوادار، ما سمح له اشتغال عدة وظائف حكومية: كتابة التوقيع بديوان الانشاء، ومحتسب القاهرة والوجه البحري أكثر من مرة كانت اولاها عام 801/ 1398 وآخرها عام 807/1404، ونائبا من نواب الحكم عند قاضي قضاة الشافعية. وتولى الخطابة بجامع عمرو بن العاص وبمدرسة الناصر حسن بن قلاوون، وقراءة الحديث بالمدرسة المؤيدية، كما عين عدة مرات للوعظ والقراءة بالمساجد الجامعة. ودرّس في أكثر من مدرسة وعلى فترات متباعدة: فبناء على توصية من استاذه ابن خلدون درّس بالمدرسة المؤيدية ، ثم تخلّى عن التدريس ليعود اليه مجددا عام 811/1408 وهذه المرة في دمشق بالمدرستين الاقبالية والاشرفية. وعرض عليه الناصر فرج منصب قاضي قضاة الشافعية بدمشق فاستعفى، كما تمنى عليه ان يكون رسوله الى تيمورلنك ولكنه اعتذر.[10]

ثم ما لبث ان اعتزل الوظيفة العامة لينصرف الى تدوين مؤلفاته جاعلا من بيته موئلاً لاهل العلم من تلاميذه واصدقائه. ولا يمدنا من ترجم له باسباب هذا الاعتزال، ومنهم السخاوي، الذي صب جام غضبه على مؤرخنا الكبير. ولكننا نعلم تماما ان الوظائف منذ أواخر عهد الدولة التركية (المملوكية الاولى ) صارت تشرى بمال، واسشترى هذا الفساد في عهد الدولة الثانية، ما يجعلنا نعتقد ان المقريزي لم يكن بوارد شراء اي منصب صونا لنزاهته، وكبير ايمانه، وشدة تقواه، لأن من يشتري منصبا كان لا بد له من تحصيل ما دفعه من مال بطرق مريبة. ومن جهة ثانية فإن قراءاته الكثيرة في مختلف ميادين المعرفة الانسانية، واكتسابه معارف أخرى مباشرة وفّرتها له الوظائف التي شغلها، اضافة الى رغبته بالتأليف، قد تكون هذه كلها دفعته للاعتزال والتفرغ للتأليف، الذي وجد فيه السلوى والسلوان عمّا آلت اليه اوضاع البلاد الاقتصادية، وعمّا فقده من وظائف، وعزاء ذاتيا لفقدانه ابنته فاطمة التي توفيت بالطاعون عام 826/1423. وذهب هو نفسه ضحية الوباء عينه عام 845/1441 مخلفا ثروة علمية ضخمة ، ومدرسة تأريخية خاصة.

2- مؤلفاته : ترك المقريزي عددا كبيرا من المؤلفات في مختلف ميادين العلوم الانسانية اربت على المائتين على ما ذكر السخاوي[11]، ويبدو ان معظمها قد ضاع، وما بقي طبع معظمه.

أ – في التاريخ:

1 – اتعاظ الحنفاء باخبار الائمة الفاطميين الخلفاء، وهو تأريخ للخلافة الفاطمية منذ بدء الدعوة الهادية وتأسيس الدولة على يد الداعي ابي عبد الله الشيعي واعلان الخلافة الفاطمية وحتى سقوطها على يد صلاح الدين الايوبي. وقد يكون افضل مصدر عن العهد الفاطمي لما تضمّنه من معلومات المصادر المعاصرة التي ضاع كثير منها، ولسعة مدارك مؤلفه واطلاعه الشامل.

2 – اغاثة الامة بكشف الغمّة ، هو كتيب اقتصادي اجتماعي، عرض فيه مؤرخنا الى التراتب الاجتماعي عموما مركّزاً على العهد المملوكي، الذي عاصر ردحا منه، وقد قسمه اجتماعيا الى سبع فئات جامدة بل مغلقة، هي:

ارباب الدولة، مياسير الناس من التجار والفقهاء والمتعممين، متوسطو الحال من التجار والباعة واصحاب المعاش والسوقة، الفلاحون من اهل الزراعة، سكان الارياف والقرى، ارباب الصناعات والحرف، وأخيرا المعدمون[12]. وهوتفريع مبني على الوظيفة، ويماثل بعض المناهج المعتمدة حاليا في الدراسات الاجتماعية، ما يجعل المقريزي يحتل منزلة بارزة في الوعي الاجتماعي والحس الانساني. فاذا كان ابن خلدون وضع نظريات علم الاجتماع، وجعل هذا العلم قائما بذاته ولذاته، فان المقريزي جهد بتطبيقها في كتابه هذا، اذ درس التضخم النقدي من حيث اسبابه ونتائجه وهو موضوع على جانب كبير جدا من الاهمية. رابطا بين اسعار السلع وقيمة النقد، والاحتكار، وسوء تدابير السلطة الحاكمة[13]، وموجها لها نقدا لاذعاً، ومحذرها من سوء عاقبة الاحتكار على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. وهو الى ذلك، فسر الاحداث قدرياً معتبرا ان الارادة الآلهية تدخل لمعاقبة مستغلي الغلاء من تجار وامراء واجناد :« واصيب جماعة كثيرة ممن ربح في الغلال، في مدة الغلاء، اما بنفسه بآفة من الآفات، او بإتلاف ماله التلف الشنيع، حتى لم ينتفع.»[14] ان دراسة التضخم النقدي بهذه الطريقة الفذة المبنية على ترابط الاسباب بالنتائج لأمر بالغ الاهمية في مرحلة العصور الوسطى، يظهر منزلة المقريزي العالية بفهمه للعوامل المؤثرة على مجرى التاريخ.

وعلى هذا، يعتبر كتاب إغاثة الامة من اجلّ الدراسات الاجتماعية والاقتصادية خلال العصور الوسطى، رغم المبالغات الواردة فيه، مثل أكل الناس بعضهم البعض الآخر، او أكل الآباء اولادهم مشويين او مطبوخين…[15] لما فيه من معلومات قيمة عن علاقة المقطعين بالفلاحين، وسوء استغلال السلطة، فضلا عن رؤية اقتصادية شاملة.

3- الاوزان والاكيال الشرعية، وهو يتمم الكتاب السابق، وباعتقادي ان المقريزي وضعه بعد تجربته المريرة في وظيفة الحسبة.

4 – البيان والاعراب عما بارض مصر من الاعراب، كتيب عن القبائل العربية التي دخلت الى مصر ابان الفتح العربي، ويتحدث عن اندثار معظمها، من بقي منها.

5 –   التاريخ الكبير المقفى في تاريخ اهل مصر والواردين عليها،  وهو تراجم لأكابر المصريين ومن دخل الى مصر من العلماء والمشاهير، مرتب على حروف المعجم. صدر منه حتى الان ستة عشر مجلداً، ويبدو ان المقريزي اراد له ان يكون في حوالى ثمانين مجلدا على حد تعبير السخاوي وابن تغري بردي[16].

6 – التذكرة ” مؤلف في التاريخ، ذكره ابن تغري بردي[17].

7 – تراجم ملوك المغرب

8- خلاصة التبر في كتابة السر [18]

9- درر العقود الفريدة في تراجم الاعيان المفيدة[19].

10- الدرر المضية في تاريخ الدولة الاسلامية، ذكره السخاوي[20].

11 – الذهب المسبوك في ذكر من حجّ من الخلفاء والملوك، منشور.

12 – شذور العقود في ذكر النقود، منشور.

13 – عقد جواهر الاسفاط في اخبار مدينة الفسطاط [21]

14 – منتخب التذكرة [22]

15 – المنتقى من اخبار مصر لابن ميسّر، منشور

16 – كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك ، سأدرسه بشكل تفصيلي.

18 – المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، درسه بشكل مفصل وممتاز عز الدين علي[23]، وبالتالي لا موجب الى اعادة دراسته.

وهناك العديد من المؤلفات ذكرها السخاوي، وابن تغري بردي، واعطى الدكتور محمد كمال الدين عز الدين علي معلومات عنها وتوسع بمضمون بعضها خصوصا المخطوط منها التي تمكن من الاطلاع عليها.[24]

واذا كان منهج المقريزي يستند الى كل مؤلفاته التاريخية، فان دراسته من هذا المنطلق تستدعي جهود عدد وافر من المؤرخين، على الاقل من اجل قراءة مؤلفاته المخطوطة ونشرها.  لذلك سنقتصر بدراسة منهج المقريزي على كتاب السلوك

ب – المواضيع الاخرى: تناول مواضيع متنوعة يطال قسم منها في بعض جوانبه نواحي دينية واجتماعية وادبية. نذكر منها على سبيل المثال:

 الاشارة والايماء الى حل لغز الماء [25]

 تجريد التوحيد المفيد، نشر

 حصول الانعام والمير في سؤال خاتمة الخير [26]

 ذكر ما ورد في بنيان الكعبة المعظمة [27]

ضوء الساري في معرفة تميم الداري ” نشر

وللمقريزي ايضا رسائل وكتيبات في مواضيع متعددة ذكرها الدكتور محمد كمال الدين عز الدين علي[28].

وعلى هذا، يعتبر انتاج المقريزي غنيا جدا، ومواضيعه شديدة التنوّع طالت معظم نواحي المجتمع الانساني ان لم يكن كلها، وهذا ما سنتطرق اليه بدراستنا لنظرته التاريخية في السلوك.

ثانيا:منهجه

I-  نظرته التاريخية في السلوك:

قد يكون تقي الدين احمد المقريزي اول المؤرخين الذين نظروا الى الاجتمتع الانساني نظرة عامة شاملة، من دون ان تكون تنظيرية في المطلق، بل حكمتها ركائز من ذاتيته غدت قوانين خاصة به، وعامة للمؤرخين الاخرين شأن ما طرحه ابن خلدون في مقدمة كتاب « العبر وديوان المبتدأ والخبر ». فجاءت نظرة معرفية نابعة من خبرة التعاطي في الشأن العام، ومراقبة الاحداث وتطورها، ومن رؤيته الانسانية العامة المتأثرة من دون شك بنظريات استاذه ابن خلدون بمحاولة لتطبيق النظري في التأريخ. وهي نظرة هادفة، غايتها تبديل سلوك الحكام نحو الافضل علّ الخلف يتعظ من السلف.

ويهمنا في هذا الاطار تبيان احاطته الشاملة بمختلف النشاطات الانسانية في المجتمع المملوكي، لأن نظرته تطرّقت الى نواحي متعددة: سياسية، وعسكرية، وادارية، واقتصادية، وعمرانية، واجتماعية بمختلف ابعادها شأن الاوبئة والامراض، والجرائم، والحرائق… وتأثيرها على الحالة الاقتصادية. وطالت ايضا تصرفات المماليك سلطانا وامراء واجنادا: من ناحية اولى، صراعهم على مختلف الاصعدة السياسية والادارية والعسكرية. ومن ناحية ثانية، تعسفهم بحق الرعية، وتداعياته على تطور المجتمع في مختلف الميادين وبخاصة الاقتصادية.

واذا كان اراد التأريخ في السلوك للمماليك بشكل رئيسي، فانه قدم لموضوعه هذا بدراسة سريعة، لا بل موجزة جدا للتاريخ الاسلامي السابق على العهد المملوكي متحدثا عن الخلفاء الراشدين الاربعة مضيفا اليهم الحسن بن علي. ثم أرّخ للامويين، فالعباسيين، محددا ابرز مستجداتهم على مستوى المجتمع والدولة. واستمر هذا الاقتضاب حتى العهد الايوبي الذي توسع فيه جزئيا، من دون ان يؤرخ للفاطميين لأنه خصّهم ب« اتعاظ الحنفا».

1- نظرته الى الوضع العسكري: لم يؤرخ المقريزي ليروي اخبارا للسمر، انما سجّل الماضي جاعلا من احداثه عبرة للخلف. فتخطّى المدلول العسكري التقليدي ليحيط بجوانب الحدث كلها أكان داخليا ام خارجيا، نافذا الى نتائجه لتأتي العبرة أكثر واقعية وفعالية.

شكل الصراع بين فئات المماليك على اختلاف مستوياتهم وتنوع انتماءاتهم محورا رئيسيا في حياة المماليك منذ تأسيس دولتهم وحتى عام 844/1441 وهو العام الذي تتوقف عنده اخبار ” السلوك”. وتستوقفنا في هذا المدى ثمة محطات صراعية بارزة على هذا المدى، توضّح بعضها جليا بعد مقتل الاشرف خليل، في سلطنتي اخيه الناصر محمد بن قلاوون الاولى والثانية، ولكن المشهد يبدو أكثر اضطرابا في عهود ابناء الناصر محمد بن قلاوون واحفاده بحيث صوّر المقريزي المجتمع المملوكي مجتمعا دمويا غادرا تلفه المؤامرات والفتن.[29]ويستمر المشهد عينه على امتداد معظم العهد الجركسي وفق محطات او مفاصل قد يكون من نماذجه النافرة ما حصل في بداياته بين برقوق ومنافسيه، ثم في معظم عهد الناصر فرج بن برقوق[30]. كالصراعات بين منطاش وشيخ المحمودي ونوروز الحافظي، وبين جقمق واينال[31]، وبين السلطان جقمق والامير قرقماس[32]. ولم يحصر المقريزي آثار ما كان يحصل بالمماليك فقط بل تناول تداعياته المدمرة على كل فئات المجتمع. من هنا علّق على هذا النمط من القتال الدامي وغير المبرر في غالب الاحيان:« وحل بالقاهرة ومصر خوف شديد بسبب اختفاء الاشرفية – نسبة الى السلطان الاشرف برسباي- وتطلبهم، فاذا دخل المماليك جهة من الجهات للبحث عنهم حلّ بسكانها انواع البلاء ما لا يوصف من النهب والهدم والعقوبة والغرامة وجد فيها اشرفية ام لم يوجد. وكان يتبعهم بهجومهم غوغاء العامة فحلّ بالنساء بلاء لا يوصف، فهدمت بعض المدارس ونهب بعضها الآخر…»[33]

وتتجاوز المواقف العسكرية اخبار الحالات الدامية شبه الدائمة بين المماليك انفسهم الى حروب المماليك الخارجية؛ كالذي حصل مع المغول كما في معركة الخزندار ( مجمع المروج )[34] اوفي قتال شاه رخ ابن تيمورلنك الامارات التركمانية الخاضعة لنفوذ المماليك[35]. او في اخضاع بعض الامارات التركمانية المتمردة مثل دلغادر[36]، او قرايلك[37]. ولم يهمل المعارك البحرية وتعديات الافرنج على الموانئ المملوكية مثل هجومهم على صيدا، والاسكندرية، وطرابلس. حتى انه ميّز بين الافرنج، محددأ علاقة كل دولة من دولهم بدولة بالمماليك[38].

ولكي تتبلور الصورة العسكرية تعدى المقريزي الصراعات الى وصف المعارك متحدثاً عن الفنون القتالية وطرقها، والخطط الحربية، وانواع الاسلحة المستخدمة. فوصف في حوادث 837/1434 حصار آمد، والمدفع النحاسي المستخدم فيه الذي بلغت زنته مائة وعشرين قنطارا مصريا، وزنة قذيفته 570 رطلا مصريا[39]. ووصف ايضا انواع السفن الافرنجية، والسفن المملوكية وسبل استخدامها[40].

وفي المسار عينه أرّخ المقريزي لعلاقة العربان العدائية بالسلطة المملوكية الناتجة اصلا عن ثورات العربان بالتعدي على المدن وقطع الطرق، او بسبب رفض فرض ضرائب جديدة ان لم نقل خوات، او ردا على كبس احد النواب لمضاربهم بقصد الغنيمة او الانتقام من تعد سابق[41]. ويتقاطع هذا الموضوع مع نواحي اخرى متعددة تتكامل جميعها معا، ممّا يجعل المشهد العسكري تاما بأحداثه وتفاعلاته بما يفرز من نتائج اوتداعيات.

 ولم يكن تأثير الصراعات العسكرية المتكررة لا بل غير المنتهية منفصلاً عن اوضاع المسلمين عامة، فكثيرا ما كان يوضح مؤرخنا تداعياتها اونتائجها الايجابية عليهم. وقد يكون هذا الامر دفعه للتأريخ لبعض المسلمين غير الخاضعين للمماليك وان بطريقة مقلة، إمّا لأنه لم يحصل على معلومات كافية، او لانه اعتبر الامر ثانويا لان محور الثقل الاسلامي ترّكز في الدولة الحاضنة الخلافة الاسلامية الوحيدة.

لذلك، يمكن القول ان المقريزي لم يؤرخ لأحداث المسلمين الصراعية خارج حدود دولة المماليك إلا انتقائيا؛ فذكر بايجاز كلي نبش قبور خلفاء الموحدين وبناء مدينة فاس[42]، و احتلال ملك البرتغال مدينة سبتة[43]. وتوسع احيانا بتأريخ الاحداث عندما تكون لصالح المسلمين شأن فشل هجوم ملك قشتالة عام 834/1431 لاحتلال غرناطة ذاكرا خسائره التي بلغت ستة وثلاثين ألف قتيل[44].

وعلى هذا، تمحورت مركزية نظرته العسكرية حول احداث المماليك على مستويين اساسيين: صراعات داخلية بحتة بين فئات المماليك لم يكن للمسلمين فيها اي شأن او مصلحة بل على العكس فانهم كانوا ينكبون جراء تداعياتها المدمرة في معظم الاحيان. وخارجي للدفاع عن مصالح المماليك، وتاليا دفاعا عن السلطنة بما فيها من سكان.    

2 – موقفه من الاقتصاد: يحتل الاقتصاد منزلة تأريخية مهمة جدا في السلوك، فهو المحتوى الاساسي لكل النشاطات في الدولة والمجتمع، والمحرك المحوري لكل الصراعات الداخلية من جهة، وللظلم الذي مارسته الطبقة العسكرية الحاكمة على الشعب من جهة ثانية. وقد حاول المقريزي الاحاطة بمجمل الركائز الاقتصادية ودرسها افقيا وعموديا مستخلصا العبر منها.

أ – النقود: يعتبر النقد العصب الاساس في كل عملية اقتصادية، وهو مقياس لتطور الوضع الاقتصادي او لركوده. من هنا، جاء تركيز مؤرخنا على قيمة النقود مبينا جودتها وغشها، ودور الغش في افقار الناس[45]. ما دفعه لدراسة تطورية للنقود منذ العهد الايوبي وحتى ايامه ذاكرا اسباب غشها وتداعياته على الاسعار والحياة الاجتماعية، دارسا بطريقة تركيبية نظرية متكاملة للتضخم النقدي[46]. وتزداد هذه النظرية وضوحا كلما اقترب من عصره بسبب وفرة المعلومات، فقد درس تطور الرواتب، وازدياد ارباح التجار وانعكاس الامرين على ارتفاع قيمة اجرة الفدان، وعلى النظام الزراعي عموما، محملا المماليك المسؤولية:« وكل ذلك من سوء نظرة ولاة الامور»[47]. وتكتمل نظرية التضخم النقدي بدراسته أسبابه؛ اذ يرجعه الى كثرة ما كان يتوجب على الدولة من جوامك ( رواتب شهرية) للمماليك السلطانية، محدداً مقاديرها النقدية والعينية من لحم وكسوة وعليق للدواب[48]. وهذه الموجبات (الجوامك) المرفهة جدا، وسوء تصرف المماليك السلطانية من اجل الحصول عليها وعلاوات ايضا، ادّيا الى افساد ادارات الدولة، ” والى خراب اقليم مصر وزوال نعم اهله “[49]. ما دفعه الى الحديث عن الروك من اجل اصلاح الحال الاقتصادية الزراعية[50]، وتقدير الانصبة الاقطاعية للطبقة العسكرية سلطانا وامراء واجنادا. وفي الاطار عينه تحدث عن اقسام الجيش المملوكي لينفذ منها الى تجاوز المماليك الانظمة المالية:« وصار الامراء يأخذون اقطاعات الحلقة باسماء مماليكهم وطواشيتهم، وتخدم اجناد الحلقة عندهم وتأخذ المماليك السلطانية ايضا الاقطاعات والجوامك، فقلّت عدة الرجال، وكثر متحصل قوم، وقلّ لآخرين ما يحصل من الاقطاعات، وخربت عدة بلاد من كثرة المعارم وعجز مقطعيها.»[51]

ولفهم عملية غش النقود واثرها على التضخم النقدي قارن بين النقود الذهبية المملوكية ومثيلاتها الاوروبية المستخدمة في الديار المملوكية محدداً مستواها واقبال الناس عليها: الاول هو الهرجة وقد قلّ بأيدي الناس، والثاني يقال له الافرنتي والافلوري اي «الفلوران الهولندي» والبندقي او الدوكة، وقد وصفها جميعها. والثالث الدينار الذهبي الناصري. كما تحدث عن جميع انواع الفلوس[52]. وبذلك، يكون المقريزي اول مؤرخي العصور الوسطى الذين احاطوا باحوال النقود الايجابية والسلبية، وتداعياتها على كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.

ب – الرسوم والضرائب: واستكمالا لنظرته الاقتصادية تحدث عن عمليات الطرح والتحكير، والاحتكارات، والرشوة، والمصادرات، والرسوم، وهي جميعها ضرائب استثنائية باتت عادية لكثرة ما فرضت. وتناول ايضا الغلاء ومسبباته، وتطور الاسعار. فقد تحدث عن الرسوم من حيث اصنافها، وكيفية فرضها، وتأثيرها على الناس[53]. وقد شرح بعض المصطلحات كالطرح وهو ان يشتري الوزير او الاستادار سلعا بأسعار بخسة او يصادر سلعا تحت عناوين جائرة متنوعة، ثم يعيد بيعها من التجار باسعار مرتفعة جدا. وهذا النهج وان نشأ في عهد الدولة التركية فانه ازداد سوءا في العهد الجركسي حتى بات احدى سماته النافرة[54]. ولعل المصادرة السمة النافرة الاخرى في سجل المماليك التي كانت تثير حفيظة المقريزي وتدفعته لتصوير مساوئها وتداعياتها على التجار وارباب الحرف وكبار الاداريين من المتعممين، كما تداعياتها على تطور الحياة السياسية والعسكرية والادارية المملوكية. وكانت المصادرات تتم لصالح الديوان الخاص[55]، او من اجل تشييد مرفق عام، شأن عمارة قلعة دمشق التي صودرت لأجلها اموال كثيرة للتجار[56]. ولم تكن توفّر المباشرين[57]، وجهات اخرى متعددة: اموال المغنيات[58]، ومدخرات الموظفين[59]، وثروات كبار الامراء[60]. ولم تسلم منها اموال الايتام، حتى ان القضاة الذين كانوا يتجرّؤن اظهار عدم شرعية مصادرة اموال الايتام كانت تتم معاقبتهم[61]. وكانت تتم كل تلك الممارسات في سبيل استمرار بذخ الطبقة العسكرية الحاكمة المنقطع النظير، وتأمين حاجة الدولة الدائمة للاموال، لأن اقتصادها كان في تراجع مستمر لأسباب متنوعة ليس اقلّها قلة العناية بالقطاعات الانتاجية، وسوء الادارة وفسادها.

كانت الرسوم والضرائب تثقل كاهل الناس حتى بلغ بعضهم مستوى الفقر والبعض الآخر ما دونه. وكان غشّ النقود يسبب غلاء بالاسعار وحال من الفوضى الاقتصادية، وللغلاء عند المقريزي اسباب اخرى؛ مثل قلة فيضان النيل او شدته، وان جاء الامران شديدي الوطأة كان يعم الجوع والمرض حتى:« أكل الناس من شدة الجوع الميتات والقطط والكلاب والحمير، وأكل بعضهم لحم بعض.»[62] والجراد الذي كان يأتي على المزروعات[63]، والمطر المتساقط قبل الاوان الذي تعقبه فترة من الحر الشديد كان يخرج دودا كثيرا يتلف المزروعات[64].

ج – نتائج السياسة الاقتصادية: لم تكن نظرته مركّزة على الوضع الاقتصادي المتردي فحسب وان كان الاكثر تعبيرا عن سوء احوال الناس الذين كانوا يقنعون بالفتات[65]، ولم تكن تنظيرية نابعة من فراغ، بل امدنا باستمرار، وكلما توفرت له المعلومات، باسعار السلع ارتفاعا او هبوطا، ومقارنا احيانا ما كانت عليه اسعارها وكيف صارت.[66]ودرس غلاء الاسعار احيانا بشكل بياني من دون ان يجد سببا موضوعيا لإرتفاعها سوى فساد الادارة المملوكية[67]. ولعل ابرز دراساته تلك التي خصصها لتطور سعر اردب القمح: فانه كان ينقص نصف سدسه بسبب كلفة سفره واجرة السمسرة، وحمولته، وغربلته، وطحنه[68]. وكانت الاحتكارات احدى اسباب الغلاء ولا سيما في عهد برسباي الذي فرض على التجار شراء السكر من المتجر السلطاني فقط، كما حظّر على المزارعين زراعة السكر لتبقى احتكارا سلطانيا[69]. وتعدى الامر السكر، الذي هو انتاج محلي، الى احتكار الفلفل المستورد اذ :« أوقعت الحوطة سنة 835/1432 على فلفل التجار بالقاهرة ومصر والاسكندرية…ورسم بان يكون الفلفل مختصا بمتجر السلطان.»[70] وفي هذا الاطار درس احيانا موازنة الدولة كما في عهدي اسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون[71]، برقوق[72].

ان استنزاف المماليك للطاقات الاقتصادية جراء فرض الرسوم والضرائب الجائرة، وطرح السلع على التجار، ومصادرة ممتلكات واموال الناس خصوصا ارباب الاقتصاد والادارة جعل هؤلاء، ولا سيما ارباب المعرفة بالاقتصاد[73]، يأنفون من تولي المناصب الادارية الاقتصادية  كالوزارة، ومتوليّي ديواني الخاص والمفرد، والاستادارية. والمقريزي، الى ذلك، درس بجلاء بنية الاقتصاد المملوكي المتردي محذّرا من ان استمراره سيؤدي الى اضعاف الدولة وسقوطها.

3–  موقفه من الادارة: لقد خبر المقريزي الادارة المملوكية عن كثب، اذ تولى الحسبة والقضاء وغير ذلك من المناصب الادارية، وادرك مدى اهتراء اهل الرأي فيها، ومدى ترددهم باتخاذ القرارات المسؤولة، ومن ثم التراجع عنها اكراما لهذا الامير او ذاك، او كي يتقرب السلطان من مسببي القلق السياسي في دولته علّه بهذا الاكرام يتّقي شرهم.

ويمكننا من خلال « السلوك » التعرف على وظائف الجهاز الاداري المملوكي بشقيها العسكري والديواني، والتطور الذي لحق ببعضها، والتعرف ايضا الى شاغلي الوظائف ومصائرهم ان لجهة العزل اوالمصادرة او الاكرام[74]. وكانت الادارة تشكّل جزءا من النظام العسكري، لان الوظائف الديوانية والعسكرية الادارية كان يكمل بعضها البعض الآخر. فالوزارة على رغم ارتفاع شأنها ودورها المالي ارتبطت بالسلطان، وخضعت ببعض ابوابها لموظفيه العسكريين الاداريين شأن ناظري ديواني الخاص والمفرد، لا بل لم يعد لها دور مهم بوجود الاستادار. وما عاد معظم اصحاب الوظائف الديوانية او المتعممين على اختلاف مراتبهم بمن فيهم قضاة القضاة، والقضاة يمارسون وظائفهم بنزاهة، بل صاروا في خدمة الطبقة العسكرية الحاكمة ولا سيما السلطان وامراء المئة، لأن وظائفهم صارت تشرى بمال حتى باتت الرشوة عنوان العهد الجركسي.

درس المقريزي في السلوك تطور القضاء منذ العهد الايوبي وحتى عصره، فوصف القضاة ومساعديهم، مشيدا بالموقف الرائع الذي اتخذه السلطان الصالح نجم الدين ايوب منهم اذ عيّن نوابا عديدن لولاية المظالم لقضاء حاجات الناس[75]. واستمر القضاء سليما معافى ما دام السلاطين يقظين يهتمون باحوال الناس ويسهرون على حسن انتظام المجتمع، شأن السلطان بيبرس البندقداري الذي اعتمد في النظام القضائي على اربعة قضاة قضاة من اجل حسن مراقبة الاحكام القضائية[76]. وفي المسار عينه كان السلاطين الحريصون على احوال رعيتهم يعزلون من تسوء سيرته من القضاة على اختلاف مراتبهم، كما فعل السلطان الناصر محمد بن قلاوون[77]. وبعض السلاطين ولا سيما في العهد الجركسي كانت علومهم الدينية متواضعة ما ادى الى فساد في النظام القضائي كما حصل في المجلس الذي عقده المؤيد شيخ لقضاة القضاة الاربعة ومشايخ العلم، وقد تنّدر به المقريزي قائلا:« فكان مجلسا بغاية القبح، من اهانة الهروي وبهدلته.”[78] وهو يعتبر ان القضاء تأثر باحوال الدولة حين تأصل فيها الفساد، اذ صار يتولى القضاء غير الجديرين بالمنصب بشفاعة احد كبار الامراء، او تقريرا من السلطان لغاية ما. وغدت المناصب، في غالب الاحيان، تشرى بمال وخصوصا الوظائف الديوانية التي فيها منعة الدولة وحسن تدبيرها. ويسوق المقريزي مثالا على هذه الاوضاع الشاذة اسناد الحسبة عام 808/1406 الى احد باعة السكر، معلّقا على ذلك:« فكان هذا من اشنع القبائح وأقبح الشناعات».[79] ويروي ان أقبغا الجمالي « سعى في الاستدارية على ان يحمل عشرة آلاف دينار»[80]. وأضاف السلطان عام 835/1432 الى كاتب السر الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ الوزارة ويعلّق على هذه الحادثة متحسرا:« ولم يقع مثل ذلك في الدولة التركية…وباشر مع بعده عن صناعة الانشاء وقلة دربته بقراءة القصص والمطالعات الواردة من الاعمال. غير ان الكفاءة غير معتبرة في زماننا، بحيث ان بعض السوقة ممن نعرف ولّي كتابة السر بحماه على مال قام به.»[81]

واذا كانت حال القضاء، المفترض ان يكون قويما من اجل ان تسود العدالة، على هذا النحو، فان الادارة بشكل عام نخرها الفساد خصوصا منذ اواسط القرن الثالث عشر وتحديدا في عهد اولاد الناصر محمد واحفاده بسبب سيطرة الطواشية على احوال الدولة[82]، وشراء المناصب. ومن نماذجه الصارخة شروع الامير أغرلو شاد الدواوين باستخدام الكتاب والولاة بمال حتى صار الامر سابقة انتُهجت فيما بعد[83]، واشتد سؤها في العهد الجركسي.

وهكذا، يمكننا من خلال السلوك الوقوف على مجمل نواحي الحياة الاقتصادية والادارية والعسكرية والسياسية للعهد المملوكي، وجزئيا للعهد الايوبي. ونظرة المقريزي لا تقف عند هذه الحدود بل تتخطاها الى صلب الحياة الاجتماعية لتدرس معظم جوانبها.

4 –   المجتمع:

أ – المجتمع القلق: مهد المقريزي لبنية المجتمع بذكر الامم الكبرى قبل الاسلام تبعا للنظرة المزدكية مخالفا بذلك آراء الجغرافيين العرب[84]. واعتبر ان الاسلام، والصابئة، والمجوسية، واليهودية، والمسيحية الاديان الاساسية في العالم، مميزا بين معتنقيها والمشركين[85]. وتناول معظم نواحي المجتمع المملوكي الايجابية والسلبية وموقف السلطة منها، على الرغم من انه لم يدخل الى اعماق الحياة الاجتماعية كلها بما فيها من عادات وتقاليد، مكتفيا باعطاء لمحات عنها هنا وهناك. وكان يفتقر مجتمعه الى الامن والطمأنية، ولم يكن السكان يخشون المستقبل فقط بل ايضا ما كان ينتظرهم في يومهم  ويمكننا الوقوف على هذا الشعور من خلال وصفه مواقف العامة من اركان السلطة. فاحيانا كانت تؤيد، في الفتن غير المنتهية، السلطان المهدد بالعزل ان كان استجاب احيانا لبعض مطالبها [86]، او احد الامراء ان كان قد عطف عليها، وكان لهذا العطف اكثر من مظهر: نثر الاموال، والسلوك الحسن، او الاحسان. واحيانا لم تكن تأبه لأي من الفرقاء، بل كانت مصالحها تحتل المقام الاول فكانت تنهب بيوت الخاسر ايا يكن. وقد يكون مؤرخنا ركز على هذا المجتمع غير المطمئن لشدة الصراعات الدامية بين طوائف المماليك وامرائهم ما كان يؤدي الى غلاء الاسعار، واغلاق الاسواق ونهبها ، وخطف الناس من الطرقات، والتعدي على الرجال والنساء في الحمامات[87]. وكثيرا ما كان سبب الفتنة تافها كاشاعة كاذبة، او خلاف مؤقت بين اميرين لا يلبثان ان يتصالحا[88]. وكان المقريزي شديد الحساسية تجاه هذه التصرفات الخارجة على الاطر الدينية والاخلاقية، التي كانت تهدد حياة الناس ومصالحهم في كل وقت وتقض مضاجعهم، من دون ان يعمل يعمل المماليك على حلها جذريا، لأنهم كانوا مسببيها. ولم يكن لذلك المجتمع القلق هوية فكانت احداثه ومظاهره متشابهة ان لم نقل واحدة في كل مكان: القاهرة اوحلب او دمشق، على رغم تغيّر الظروف في كل منها. من هذا المنطلق رسم لنا مؤرخنا لوحات مخيفة وغير انسانية لمآسي الناس عندما اقتحم تيمور حلب فدمشق [89].

ب – مآسي اجتماعية اخرى: شكلت الحرائق احدى عوامل القلق الاجتماعي والامني بما كانت تسببه من اضرار بالغة من دون ان يُعرف اجمالا مسببوها[90]. وكذلك كانت حال المناسر التي كانت تشتد احيانا[91]. وعرض مؤرخنا للاوبئة والامراض ومسبباتها ونتائجها، ذاكراً بعض اسماء النباتات والفواكه المستخدمة كأدوية في معالجتها، محددا اسعارها متحسّرا بسبب عجز عدد وافر من الناس عن شرائها[92]. وكان الطاعون الاشد فتكا بين الاوبئة التي كانت تحصد العدد الوافر من الناس ما كان يؤدي احيانا الى زحمة في التوابيت[93]. وصوّر حالة الناس وارباب الدولة عندما كان يشتد الوباء ويعجز الاطباء عن الحد من انتشاره وعن شفاء المرضى، فكانوا امام هذا العجز يلوذون بالصلاة والصيام مدة ثلاثة ايام، او يخرجون للصلاة  في الصحراء [94].

ج – الملابس: واستكمالا للنظرة الكلية للمجتمع لم يغفل عن وصف الملابس، محددا مستوى وانواع ملابس كل فئة من فئات المجتمع المملوكي، ذاكرا اسباب منع ارتداء بعض الازياء واستبدالها بأخرى فتصبح(موضة )[95]. ويمكن للباس ان يشكّل بطاقة هوّية لبعض الموظفين، او تعريفا برتبهم. فاذا كانت للمماليك على اختلاف مراتبهم ألبسة محددة لكل فئة ومنزلة، فانه كان لكل درجة من المتعممين لباسها المميز:« خلع على شمس الدين محمد الهروي واستقر قاضي للقضاة…فغيّر زيّه، وهذه المرة الرابعة في تغيير زيّه، فانه كان اولا يتزيّ بزيّ العجم، فلبس عمامة عوجاء بعذبة عن يساره. فلما ولّي القضاء لبس الحبة، وجعل العمامة كبيرة، وأرخى العذبة بين كتفيه، فلما ولّي كتابة السر تزيّ بزيّ الكتاب وترك زيّ القضاة وضيّق اكمامه، وجعل عمامته صغيرة مدورة ذات اضلاع، وترك العذبة، وصار على عنقه طوق ولبس الذهب والحرير…»[96]

داللهو والاحتفالات: تناول «السلوك» انواع اللهو[97]، والاحتفالات الدينية والدنيوية التي كان يعبق بعضها بالفسق والفساد[98]، من دون ان يهمل  المغنين ونشاطاتهم[99]. ومدنا بنماذج عن مهر الزواج[100]. واعتبر مؤلفه  ان الخمر من المساوئ الاجتماعية متحدثا عن اسباب ابطال الخمّارات واهراق الخمور، التي قد يشمل امر اهراقها احيانا سائر ارجاء الدولة[101].

هالاعتراض على تدابير السلطة: نظر المقريزي الى المجتمع بكل ابعاده سيئها، وجيّدها وهذه كانت قليلة، فعرفنا الى اعمال البر والخير التي مارسها السلاطين او الامراء تقرّبا من الناس او من الله تكفيرا عن ذنوبهم وممارساتهم السيئة، وتحدث عن ومنشآتهم الدينية وتلك التي اوقفوها على جهات متنوعة[102]. وابرز موقف الناس، الذين رضوا بمصيرهم السيئ وخضعوا للمماليك الذين نهبوا خيرات البلاد، والوسائل التي اعتمدوها للاعتراض على الظلم بكل انواعه: ضرائب استثنائية، طرح، تحكير، مصادرات، كالتكبير في المساجد والطرقات على طريقة التظاهر في وقتنا الحاضر[103].

و – موقفه من الذمييّن: لم يقتصر مجتمع المقريزي على حياة المسلمين فقط انما أرّخ ايضا لعلاقة اهل الذمة بالمسلمين عامة واركان الحكم خاصة. وكان ينحاز الى جانبهم عندما يظلمون، ويهاجمهم عندما يلاحظ انهم اخطأوا، مبديا ملاحظات قيمة حول علاقاتهم الاجتماعية. فذكر ان الشروط العمرية طبّقت عليهم مرات عديدة[104]، وانهم منعوا مرات كثيرة من شغل الوظائف الحكومية او التي طردوا منها، متطرقا الى الاسباب الموجبة الى ذلك، وهي برأيه غير مطلقة بسبب تضارب مواقف الفقهاء منها بين مؤيد ومعارض[105]. وكان يأسف لهدم عدد كبير من الكنائس لأنه كان يتم مرارا، في غالب الاحيان، من دون مبرر او مسوّغ ديني او قانوني[106]. وتناول في مؤلفه تحول بعض المسيحيين الى الاسلام قسرا، وبعض الذين ارتدوا مجددا الى المسيحية تكفيرا عن ذنوبهم غير آبهين بالمصير المحتوم الذي ينتظرهم[107].

وهكذا نلاحظ ان نظرة المقريزي الى التاريخ تناولت معظم جوانب الحياة السياسية والعسكرية، والادارية، والاقتصادية، والاجتماعية؛ قبيحها وجيّدها. فيتبدّى لك ان مجتمع المماليك في ” السلوك” كان مجتمعا متحركا نابضا بالحياة. وقد يكون لرصيد ثقافة المقريزي الدينية، وحسّه الاجتماعي المرهف، واخلاقه الحميدة ما جنّبه الانجرار في مسار الفساد الجارف الذي ساد عصر المماليك، لا بل غدا ابرز سماته السيئة. ولست أغالي اذا اعتبرت ان هذا الرصيد برز في موقفه من ثقافة المماليك العامة في مختلف الميادين، ومن نقده اللاذع لممارساتهم غير المبررة دينيا وانسانيا. وازعم انه تناول كل ذلك من اجل تقويم المفاسد والمساوئ، لأن في التاريخ عبراً.

5 – موقفه من المماليك: لعل محور نظرته تركّز على موقفه من المماليك سلطانا وأمراء وأجنادا، فقد انصفهم عندما كانوا يستحقون الانصاف، وهاجمهم في غالب الاحيان لانه اعتبرهم مصدر المساوئ الادارية والاجتماعية والاقتصادية بسبب سوء تصرفاتهم، وشرههم للمال، وتصارعهم على المناصب الرفيعة، واهمالهم الرعية. وتعبيرا عن موقفه هذا، وسمهم بشتى انواع النعوت غير الحميدة. سأكتفي بالاشارة الى بعضها فقط: فقد ذكر في حوادث سنة 648/1251:” كثر ضرر المماليك البحرية بمصر، ومالوا على الناس وقتلوا ونهبوا الاموال، وسبوا الحريم، وبالغوا بالفساد، حتى لو ملك الفرنج ما فعلوا فعلهم”[108]. وتعليقاته على سوء تصرف المماليك كثيرة جدا، وقد اعتبرها غضبا من عند الله ليتم امره فيهم، كقوله بالامير يلبغا الجوباتي ابان صراعه مع الامير برقوق العثماني ( السلطان لاحقا ):” وكان الامير يلبغا لأمر يريده الله قد شحّت نفسه، وساءت اخلاقه…”[109]. وجاءت كثرة الفتن ومحاولة اخمادها وبالا على سكان المحلة او المنطقة التي كانت مسرحا لها: اذ كانت تنهب القرى نهبا قبيحا، ويسطى على المواشي، ويتم التعدي على النساء، وتعذيب من يظفر به المماليك حتى يطلعهم على ما عنده من علف وغيره[110]. ويغتنم المقريزي كل فرصة سانحة تعبر عن سوء تصرف اي سلطان او امير ليسمه باشد النقد قساوة ولذعا، شأن تعليقه على موت السلطان الناصر فرج بن برقوق الذي طرح على مزبلة عار الا من سروال يستر عورته:« وغوغاء العامة تعبث بلحيته ويديه ورجليه طوال نهار السبت، نكالا من الله، فإنه كان مستخفّا بعظمة الله سبحانه، فاراه الله قدرته فيه»[111]. واضاف معلقا على سوء حكمه وتدبيره، وجشع امرائه قائلا:« وكان الناصر هذا أشأم ملوك الاسلام، فانه خرّب بسوء تدبيره جميع اراضي مصر والشام…وَطرق ديار مصر الغلاء من سنة ست وثمان مائة، فبذل امراء دولته ومدبروها جهدهم في ارتفاع الاسعار…وأفسدوا مع ذلك النقود بإبطال السكة الاسلامية من الذهب…ورفعوا سعر الذهب حتى بلغ الى مئتين واربعين كل مثقال بعدما كان بعشرين درهما…وأخذت على نواحي مصر مغارم تجبى من الفلاحين في كل سنة، واهمل عمل جسور اراضي مصر…وأكثر وزرائه من رمى البضائع على التجار…بأغلى الاثمان…هذا مع تواتر الفتن واستمرارها بمصر والشام…»[112]. واعتقد ان رأيه هذا يحدد بكل دقة نظرته الى المماليك، كما يبرر دراسته للحياة الاجتماعية والاقتصادية، والادارية والسياسية للعهد المملوكي. وقد يكون رأيه في موت الامير تغري بردي- وهو غير الاتابك والد صاحب النجوم الزاهرة- تبريرا جديدا او تأكيدا آخر له اذ قال:« فمستراح منه، لا دين، ولا عقل، ولا مرؤة، ما هو إلا الظلم والفسق»[113]

وعليه، جاءت نظرته افقية عامة من جهة، وعمودية تحليلية من جهة ثانية؛ افقية لأنها تناولت كل النشاطات الانسانية في المجتمع المملوكي من دون ان تتعامى عن مساوئ المماليك، وعمودية لأن المقريزي درس حالات متعددة للموضوع الواحد قبل اصدار حكمه او رأيه به. ممّا اعطاه فرادة بين سابقيه ومعاصريه ليكون رائد مدرسة جديدة في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي المرتبط عضويا بالتاريخ السياسي والعسكري.

IIطريقة المعالجة في السلوك :

1 –   موقفه من المصادر: حاول المقريزي ،قدر المستطاع، ان يكون دقيقا بذكر اخباره، فاسندها الى مصادر مكتوبة خصوصا في الفترة السابقة على عصره؛ فذكر ابن حوقل في المسالك والممالك[114]، ووكيع القاضي[115]، وعبد اللطيف البغدادي[116]، والحافظ عبد العظيم المنذري[117]، وابن واصل[118]، وقطب الدين اليونيني[119]، وبيبرس المنصوري[120]، وغيرهم كالعمري، وابن الفرات، وابن الخطيب الناصرية. واسندها احيانا اخرى الى مشاهداته الشخصية التي يدل عليها بوضوح[121]، او الى من اخبره الحادثة ممن يثق به كقوله:« أخبرني من لا اتهم…ان الارضية أكلت… فكثر تعجبي من ذلك، وما زلت أفحص عنه على عادتي في الفحص عن احوال العالم حتى وقفت على ان ضرر الارضية تعدى…»[122]

   ولم تمنعه دقته من قبول بعض الخوارق والاساطير ما يطرح تساؤلا احيانا حول ثقته بمخبريه. وسأكتفي ببعض النماذج فقط؛ وقع برد بالدقهلية بلغ وزن الواحدة بين رطل الى رطلين، وسقطت واحدة على رأس ثور فقتلته[123]. واعتبر ان بعض الآبار إناث تحيض وبعضها الآخر ذكور[124]، وروى ان:« سحابة سوداء ارعدت شبه الزوبعة الهائلة تحمل الاحجار الكبار وترفعها في السماء مقدار رمية سهم وأزيد، وترفع الجمال بحمولتها…175[125]. وقال في مكان آخر: « وقع برد بصورة الآدميين من ذكر وأنثى، وفيه شبه صورة القرود»[126]، كما روي ان البحر ألقى:« دابة طولها خمسا وخمسين ذراعا، وعرضها سبع اذرع.»[127]

ولا تبخس هذه الاساطير مقدرة المقريزي في تقصي الحقائق التاريخية، وتتبع الاحداث ولا سيما العائدة الى عصره بحيث بلغ ببعضها دقة متناهية. وتعتبر مصادره دقيقة جدا اجمالا وشديدة التنوع. واذا قبل بعض الخوارق فمرد ذلك الى ثقافة عصره الاجتماعية، التي لم تكن على وجه العموم تستطيع الانفلات من تأثيرات رواسب الماضي، بما كان لها من رهبة ووقع في النفوس.

2 –   التأريخ الحولي وموقف المقريزي من الخبر:

أ- وفاؤه لصورة الخبر التقليدية: على الرغم من ان ابن الاثير خرج على الصورة التقليدية للخبر وطوّر مفهومه فجعله تاما بذاته ولذاته، متجاوزا الحول الى رؤية أكثر شمولا وتكاملا بنيت على عوامل اعطت الخبر اسبابه وجعلته يؤسس لنتائج اما تامة بذاتها، او سببية لخبر آخر، او للاثنين معا. فان المقريزي لم يطور هذا المنهج الخلاق، او يسر على منواله الا نادرا، وابن الاثير أرّخ قبله بما يزيد على القرنين، بل ظل وفيا عموما للمفهوم التقليديا للخبر، فحصره ضمن اجزائه السنوية الموزعة على ايام او اسابيع وربما شهور تبعا لمقتضى المدة الزمنية للحادثة-الخبر. واذا لم يكن تاما ضمن مدد وجيزة قطّعه الى اجزاء خصوصا اذا تجاوز السنة الواحدة،  رابطا بين هذه الاجزاء بالتعابير او بالحري المصطلاحات القديمة-الجديدة التالية:« وفيها حدث كذا» او « ورد الخبر من عكا»[128]، او «في اليوم كذا من شهر كذا فوّض القضاء الى»[129]، وغير ذلك من التعابير، لاتمام الخبر عينه من دون ان يربطه سببيا بما كان قد حدث الا في حالات يعود اليه وحده امر تقديرها، اما لأنها ترتبط بحدث مهم جدا، او تتعلق ببعض الامور الاقتصادية، كما سيتضح لاحقا.

أرّخ الاحداث من دون اعطاء الخبر عناوين رئيسة او ثانوية استكمالا لوضوح الرؤية ظنا منه انها تامة ضمن الصورة الكلية، على ما ازعم، بدليل انه يمكننا بسهولة اعطاء عناوين رئيسة لاخباره، وتقسيمها الى نقاط ثانوية. ونضرب مثلا على ذلك الصراع بين السلطان بيبرس والفرنجة: فيصبح العنوان الرئيس: قتال بيبرس الصليبيين، ويمكن اعطاؤه العناوين الثانوية من خلال تطور الاحداث:« ساق الى ارسوف وقيسارية» والبديل منه « سقوط قيسارية وارسوف»، وكقوله:« وفي سادس عشرينه سار السلطان جريدة الى عثليث» ويمكن استبداله ب «الهجوم على عثليث» وهكذا…[130]وقد يكون مرد ذلك الى منهج التأريخ الحولي الذي يمزق الحادثة.

ب- عطف الخبر على ما سبقه: ودوّن الخبر بطريقة اخرى، فعطفه على خبر او اكثر سابق عليه، ذاكرا احيانا اسبابه البعيدة، كما في ذكر أسباب هجوم السلطان قلاوون على عكا التي فنّدها كما يلي: خرق الصليبيون المعاهدة التي كانوا وقعوها مع السلطان بيبرس، وقتلوا التجار المسلمين وصادروا بضائعهم [131].

ويزداد هذا المنهج وضوحا باقتراب المقريزي من التأريخ لعصره، لأن الصورة، على ما أزعم، باتت أكثر جلاء في ذهنه والاحداث في متناول يده يتابعها عن كثب، اما بالاطلاع الشخصي المباشر، او باخذها من شهود عيان موثوقين.

  ج- استقلال الخبر لذاته: ونجد في السلوك نمطا آخر من الخبر، كالمستقل بذاته الهادف الى رؤية أحادية لموضوع محدد، كما في تعداده الاسباب التي ادت الى عزل الامير تنكز نائب الشام ومصادرة امواله على عهد الناصر محمد بن قلاوون، معددا خمسة منها[132]. وكذلك الاسباب الى ادت الى خلع السلطان احمد بن محمد بن قلاوون: كان صَحْبُه ورسله كلهم من اوباش الكرك، جاءوا معه الى القاهرة، وأكثروا من اخذ البرطيل، وتسلطوا على الوزير، وحجبوا السلطان عن الامراء. وجمعه الأغنام من الصيد بطريقة مريبة وتلك التي كانت لوالده ولبعض الامراء، واستيلاؤه على الحيوانات النادرة من الحوش السلطاني، واستيلاؤه ايضا على ذهب وفضة من شعائر السلطنة ومن اللجم…وسلبه ما كان لجواري والده من ذهب ومصاغ. ومصادرة نساء الامراء الذين أمر بقتلهم[133]. وهناك امثلة أخرى عن هذا النمط من التأريخ منتشرة على صفحات السلوك نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اسباب مقتل غرلو شاد الدواوين[134].

د – تعليل الحوادث: على الرغم من تفتيته الخبر على الطريقة التقليدية اذا تجاوز اليوم الواحد، فانه حلل بعض الحوادث وعللها، كما في تأريخه لضَيَاع المماليك السلطانية في سلطنة الناصر محمد الثانية: قويت البرجية بقيادة بيبرس الجاشنكير الاستادار، وكانت تقابلها الاشرفية والمنصورية بقيادة نائب السلطنة الامير سلار، وشاركهما الامير برلغى الذي التفت الاشرفية حوله، فاصبح المماليك السلطانية ثلاثة معسكرات متناقضة ما سمح للناصر محمد بالعودة الى الحكم[135]. وانظر ايضا تعليله للتضخم النقدي. ويتكرر هذا المنهج التحليلي الاستنتاجي بوضوح عند المفاصل التاريخية المهمة كما في التحليل الرائع لشخصية الامير برقوق العثماني واسلوبه بالتمهيد لاعتلاء العرش المملوكي:« وخلا الجو للأمير الكبير، ورأى انه قد أمن، فانه لما أخذ الامرة في ايام أينبك كان معه في ضيق، لأن نفسه تريد منه ما لا يؤهل له. فلما زالت دولة اينبك، وتحكم الامير طشتمر العلاي، لم يكن له معه كبير أمر، فما زال بطشتمر حتى أزاله وصار هو والامير بركة يتنازعان الامور، ولا يقدر على عمل شيء الا بمراجعة بركة حتى كان من امره ما ذكر، فصارت المماليك الاسياد يريدون التوثب عليه وهو يداريهم جهده، حتى وثب بهم، وأخذهم، فلم يبق له معاند، وصار له من المماليك الجراكسة عدد كبير…فرقاهم الى ما لم يخطر لهم ببال، وانعم على جماعة بأمريات…»[136]. وانظر في السياق عينه تحليله الرائع لتصرفات الناصر فرج بن برقوق السيئة، وموقف منها[137].

استخدم المقريزي هذه الدراسات التحليلية لتوضيح الصورة السيئة للدولة، لأن الايجابيات المملوكية قليلة في السلوك. فقد ابدع بدراسة اوضاع الوزراء محللاً سلوكهم او اسلوبهم بالتقطير على المماليك السلطانية، جاعلا منه سببا رئيسيا باستقالة النظار الخاص والوزراء بسبب التمرّد المماليك المذكورين الدائم. واظهر بالطريقة عينها كيف تمكّن وزير سيئ من استبدال رواتب المماليك السلطانية العينية من اللحم بالمال، جاعلا قيمة رطل اللحم درهما اي ما يساوي 1/7 من قيمته الحقيقية، فاصاب الناس جراء هذا التدبير مآسي كبيرة وانواع البلاء[138]. وعوّل على نتائج الاحداث المهمة، من دون ان يذكر انها نتائج، فأتت مكملة للحدث وكأنها جزء منه، وهي نتائج اقتصادية، وعسكرية، وادارية وسياسية، واجتماعية، كما في ذكره لتطور معركة وادي الخازندار[139].

   ويحتل التحليل والتعليل منزلة مهمة في الحوادث التي عاصرها المقريزي، خصوصا تلك التي كانت تسيئه، وتؤذي الناس، ما جعل منهج “السلوك” فذا على هذا المستوى، خصوصا ان احكام المقريزي ومواقفه تلك، لم تقتصر على ما ورد في الاخبار الحولية بل تعدتها الى تراجم الشخصيات، فأنصف من يستحق، وحطّ من قدر من اساء الى الناس، كل الناس من دون ان يميز بينهم من حيث عرقهم او دينهم او مذهبهم.

أرّخ المقريزي وفقا للمنهج الحولي سنة بعد سنة، موزّعاً  الحادثة الى اجزاء تلاءمت مع تسلسلها الزمني، فكان يذكر قسمها الاول في بداية حدوثها، ويتمّ القسم الآخر في اليوم التالي او في اي يوم آخر استكملت فيه، وقل الامر عينه عن الحوادث الطويلة زمنيا التي كانت تستكمل خلال اسابيع وربما اشهر. ففي اخبار مصادرة الناصر محمد بن قلاوون لابن النشو متولي الديوان الخاص تأتي اخباره وكأنها يوميات من دون اي لحمة بينها سوى ارتباط بعضها بالمصادرة[140].

ه التمييز بين الخبر الرئيسي والفرعي: ميّز المقريزي بين الخبر الرئيسي والاخبار الفرعية التي تصح مقدمة له؛ فكان يذكر الاخبار الفرعية يوما بعد يوم، ثم يورد الخبر الرئيسي تاما، مراعيا فيه احيانا ضوابط التأريخ الحولي التقليدي، كما في اخبار الصراع بين السلطان عز الدين ايبك التركماني والناصر يوسف الايوبي:« في يوم السبت ثالث عاشره…وفي يوم الخميس …نزل الملك المعز من القلعة…» وهنا يبدأ الحدث الرئيسي فتمحى فيه الاخبار شبه اليومية، لتتآلف وتنحصر بالحادث الرئيسي[141]. وما ان ينتهي منه حتى يعود للأخبار شبه اليومية، وكأنها نتائج للخبر الرئيسي[142]، واحيانا لا ترتبط بأي موضوع واضح او مهم.

و- التركيز على وحدة الموضوع: نجد في السلوك نمطا آخر من التأريخ الحولي، هو التأريخ المبني على وحدة الموضوع حيث تضطرد الاحداث بشكل متلاحم وتتلاقى فيها الاسباب بالنتائج، متجاوزة المنهج الحولي التقليدي الذي يمزق الخبر بالاستطرادات المتكررة الناجمة عن ذكر الحوادث اليومية[143]. ومن ابرز نماذجه اخبار الناصر محمد بن قلاوون منذ خروجه من مصر وتنازله عن العرش، وحلول بيبرس الجاشنكير مكانه، وحتى عودته الى العرش، ونتائج هذه العودة. ويبيّن هذا النمط مهارة المقريزي التأريخية[144]. ويشكل تأريخه للفداوية، من حيث علاقتهم بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون ونوابه، نموذجا صارخا لتماسك المعلومات وتمحورها حول موضوع واحد متماسك من دون ان يتوزّع على الايام والشهور[145]. ما يعني انه اعتمد بالتأريخ الحولي أكثر من نمط تبعا لمركزية الخبر وأهميته، من دون ان يمنعه ذلك من العودة الى الاستطرادات بعد اتمام الخبر الرئيسي، ليؤرخ ما جرى في السنة عينها من احداث اجتماعية او قضائية، او اقتصادية[146].

وعندما كانت تعوزه الاخبار في بعض السنوات اما لقلّتها، واما لأنها غير ذات اهمية، كان يختصر الاحداث، باخبار شديدة الاقتضاب، كما في حوادث السنوات الممتدة بين 755، و766 [147].

واعتبارا من سنة 755 صار المقريزي يستهل اخبار السنة الجديدة بذكر سلطان القائم وأكابر رجال دولته، ليعود الى متابعة الاحداث التي كان قد بدأها في السنة المنصرمة خلافا لما كان درج عليه باتمام الخبر عينه في زمن السنة الجديدة، من دون ان يستهل السنة بذكر السلطان القائم وكبار رجال دولته. وكان يستعرض احيانا، بعد ان يذكر في مطلع السنة السلطان وكبار الموظفين، الحالة العامة في الدولة، وهي ميزة لا نجدها الا عند المقريزي. فكان يصوّر الحالة العامة معبراً بها عن تمرّد نفسي على الحكام كل الحكام المماليك من شدة ظلمهم وسوء تدبيرهم، شأن ما استهلّ به اخبار سنة 828/ 1425:« واسواق القاهرة ومصر ودمشق في كساد، وظلم ولاة الامر من الكشاف والولاة فاشٍ، ونواب القضاة قد شنعت قالة العامة فيهم من تهافتهم. وارض مصر أكثرها بغير زراعة، لقصور مد النيل في أوانه، وقلة العناية بعمل الجسور، فان كشّافها انما دأبهم اذا خرجوا لعملها ان يجمعوا مال النواحي لأنفسهم واعوانهم. والطرقات بمصر والشام مخوفة من كثرة عبث العربان والعشير. والناس على اختلاف طبقاتهم قد غلب عليهم الفقر. واستولى عليهم الشح والطمع، فلا تكاد تجد الا شاكيا مهتما لدنياه. واصبح الدين غريبا لا ناصر له.»[148]، وكان يستهل بعض الاشهر بالتعريف بالحالة العامة وخصوصا بالاسعار التي كانت تشكّل بالنسبة له معيارا لتقويم الحكم سلبا او ايجابا متأثراً بنتائجها على الفقراء[149]

ز- طرائق ختم السنوات:كان يختم اخبار السنة بأكثر من طريقة؛ اما باخبار متقطعة تتناول مواضيع متنوعة مثل: وفاة بطريرك وخلو الكرسي البطريركي، او اخبار الغلاء، او القضاة [150]. او بتقويم عام لها، شأن ما ختم به عام 833/ 1430:« كانت ذات مكاره عديدة من اوبئة شنعة، وحروب وفتن، فكان بأرض مصر وبالقاهرة…وباء…وغرق ببحر القلزم … وغرق  بالنيل … وكان ببلاد المشرق بلاء عظيم وهو ان شاه رخ بن تيمور…وكان ببلاد السراي والدشت وصحارى القبجاق…قحط شديد …وكان ببلاد الحبشة بلاء لا يمكن وصفه…اما بلاد المغرب…»[151].

3- التراجم:كان مثل غيره من المؤرخين يترجم للسلطان او اية شخصية معروفة في سنة وفاتها ذاكرا ابرز صفاته، واخلاقه، ومستوى ورعه، وما الى ذلك، وعدد اولاده، وامواله المنقولة وغير المنقولة، وندماءه، وابرز انجازاته البنائية والاخلاقية والسياسية، والاشخاص الذين اعدمهم…[152]. وكان يتوسع بترجمة السلاطين الذي احسنوا ادارة الدولة شأن الناصر محمد بن قلاوون[153]، حتى باتت ترجمته تختصر عهده الزاهي.

    وترجم للسلطان برقوق متحدثا عن حسناته، واشاد به لأنه ألغى الكثير الكثير من المكوس، ولتقديره الفقهاء ورجال الدين عموما، ولإكثاره من المنشآت العمرانية، وبعد ان عدد جميع انجازاته البنائية اعتبر ان بعضها فريد من نوعه. ولشدة اعجابه به تناول موازنة الدولة في عهده، وقيّم موجوداته، وذكر كبار رجال دولته من اهل السيف ونوابهم ومساعديهم، والمتعممين الذين احتلوا مناصب حكومية بمن فيهم القضاة والوزراء بمصر، وكتّاب السر، وربما كل اصحاب الوظائف الديوانية[154]. ولم تمنعه تلك  الاشادة من ذكر سيئاته وتداعياتها كشدة حبه للمال حتى عمّت الرشوة البلاد لأن كبار أمرائه حذوا حذوه حتى صار البرطيل عرفا، وانتشار لواط الغلمان الذي اصبح عادة في عهده حتى تشبه بهم  البغايا[155].

ونجده مقلا بتراجم السلاطين الذين لم يرض عنهم شأن المؤيد شيخ، الذي قال فيه:« كان بخيلا مسيكا، يشحّ حتى بالاكل، لجوجا غضوبا، نكدا حسودا، معيانا، يتظاهر بانواع المنكرات، فحّاشا، سباباً، بذياً…وهو أكثر اسباب خراب مصر والشام لكثرة ما كان يثير من الشرور والفتن ايام نيابته بطرابلس ودمشق، ثم ما افسده ايام ملكه من كثرة المظالم، ونهب البلاد، وتسليط اتباعه على الناس يسومونهم الذلة، ويأخذون ما قدروا عليه بغير وازع من عقل، ولا ناهٍ من دين.»[156]. ولم يحكم احيانا على بعض السلاطين كما في كلامه على ططر:« ولم تطل ايامه حتى تشكر افعاله او تذم..»[157] والملفت للانتباه ان المقريزي لم يفرد للسلطان برسباي ترجمة حين وفاته، بل ذكر له ترجمة مقلة بين تراجم وفيات عام 841/1438، وقد يكون مرد ذلك الى الصفات السيئة التي اتصف بها ولا سيما احتكاراته وبخله:« كان له في الشح والبخل والطمع، مع الجبن والجور وسوء الظن ومقت الرعية…وسرعة التقلب بالامور وقلة الثبات اخبار لم نسمع بمثلها. وشمل مصر وبلاد الشام في ايامه الخراب، وقلت الاموال بها، وافتقر الناس، وساءت سيرة الحكام والولاة …»[158]. ويعكس مجموع هذه التراجم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية لعصر المماليك، وتشكل تاريخا مختصرا للحقبة التاريخية التي تناولها السلوك.

وتميّز المقريزي بالتأريخ وفق التقويم الهجري، وما يثير فضولنا هو معرفة السبب الذي دعاه لأن يقرنه احيانا بالاشهر القبطية:« يوم الخميس ثاني عشر رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة.»[159]، وهذا النمط كثير التكرار في السلوك، ويقرنه احيانا أخرى بتقويم الشهداء المسيحي كقوله:« ومات يوم الاحد أول كيهك سنة ثمان وسبعين وتسعماية للشهداء الموافق لثالث محرم سنة ستين وستمائة.»[160].

ان منهج تقي الدين احمد المقريزي من أكثر مناهج المؤرخين المسلمين تنوعا من حيث الشكل، تمتّع بخاصات طبعت السلوك وميزته من غيره من مؤلفات العصر المملوكي. وهي تتلاءم اجمالا مع نظرته التاريخية التي تشكل لبّ منهجه، وقد تفوّق بها على ما عداه من المؤرخين المعاصرين له والسابقين على عصره، ممّا أعطاه فرادة بينهم تنمّ عن عمق في التفكير قلما نجد له نظيرا، وشغفٍ بالنواحي الاقتصادية بمحاولات دؤوبة صوّرت واقع الحياة الاجتماعية. وقد قال فيه تلميذه ابن تغري بردي:« هو اعظم من رأيناه وادركناه في علم التاريخ ودروبه، مع معرفتي لمن عاصره من علماء المؤرخين، والفرق بينهم ظاهر، وليس في التعصّب فائدة» [161].

تقويم عام: سأكتفي برأي الدكتور محمد عبد الله العنان:« وليس فيما اخرجته الآداب التاريخية العربية عن مصر اثر في طرافته ونفاسته، كالاثر الذي خلّفه المقريزي عن حياة المجتمع المصري في عهد الدول الاسلامية المتعاقبة فهو المرجع  الفريد في نواح من تاريخنا لولاه لحجبتها الظلمات الى الابد[162]…» 


[1]  العمري ( شهاب الدين احمد) ، مسالك الابصار في ممالك الامصار، دراسة وتحقيق دوروتيا كراوفلسكي، المركز الاسلامي للبحوث، بيروت، 1986، المقدمة، ص 19

[2]  –  انظرها في حديثنا عن ابن طولون، ص340 وما بعد

[3]  -ابن تغري بردي (جمال الدين يوسف)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تحقيق ابراهيم علي الطرخان، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ج15 ، ص 490 و السخاوي، الضوء اللامع في اهل القرن التاسع، ج2، ص22

[4]  – كثيرون ترجمو لجدي المقريزي لأمه ولأبيه، ومنهم المقريزي نفسه، السلوك لمعرفة دول الملوك، طبعة القاهرة، تحقيق محمد مصطفى زيادة، ج2، ق1، ص 365 .وابن حجر العسقلاني ( احمد بن علي)، الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة، دار الجيل، بيروت، دون تاريخ، ج2، ص 391 

[5]  – لمزيد من الاطلاع انظر: عز الدين علي ( محمد)، اربعة مؤرخين واربعة مؤلفات، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، 1992، ص 161-163 حيث اسهب في ذكر تراجم الاشخاص الذين تثقف عليهم

[6]  – سلوك، ج2، ق1، ص 365

[7]  – وقد توسع عز الدين علي بالترجمة لمن اخذ عنهم العلم، المرجع السابق/ ص 164- 168

[8]–   انظر حول ترجمة المقريزي : السخاوي، الضوء اللامع، ج2، ص 21-24 ، ابن تغري بردي، المنهل الصافي، ج1، 394-399 ،

[9]  – عز الدين علي، ص172

[10]  – انظر حول وظائف المقريزي الحاشية رقم 7 ولا سيما السخاوي، الضوء اللامع، 2/22

[11]  الضوء اللامع، 2/22

[12]  – المقريزي، اغاثة الامة بكشف الغمة، القاهرة، 1940، نشر محمد مصطفى زيادة وجمال الدين الشيال، ص 72-73

[13]  – المصدر عينه، ص 3-4، 21 وما بعد،

[14]  – نفسه، ص 37

[15]   – نفسه، ص 24-25، 29-30

[16]  – السخاوي، الضوء اللامع، 2/22 ، المنهل الصافي، 1/397

[17]  –  ابن تغري بردي، المنهل الصافي، 1/398

[18]  – انظر حاشيتا عز الدين علي رقم 116 و117 ، ص 193-194

[19] –   انظر الحاشية السابقة

[20]   – الضوء اللامع، 2/23

[21]  – اشار اليه في السلوك ، ج1، 28

[22]  – عز الدين علي، ص210-211

[23]  – انظر كتاب الدكتور عز الدين علي ” اربعة مؤرخين”

[24]  – انظر ترجمة المقريزي في الضوء اللامع، والمنهل الصافي، واربعة مؤرخين واربعة مؤلفات، ص 127- 218

[25]  – لمزيد من التفاصيل انظر: عز الدين علي، ص 178-180

[26]   – المرجع السابق، ص191

[27]  – المقريزي،( تقي الدين احمد ) اتعاظ الحنفاء ،ج1، ص 18 ، لقد ذكر الدكتور شيال هذا الكتاب في مقدمة التحقيق لمؤلف اتعاظ الحنفاء

[28]  – اربعة مؤرخين واربعة مؤلفات، ص 177-218

[29]  – سلوك، 2 ق3/567-580

[30]  – سلوك، 3، ق3/960 وما بعد ولا سيما 1136 وما يليها

[31]  – السلوك،  4 ، ق3 /1072- 1081

[32]  – المصدر عينه،  4 ، ق3/ 1090- 1094

[33]  – سلوك، 4، ق3 / 1127

[34]  – نفسه، 1، ق3/886-897

[35]   – سلوك، 4، ق2/955-957، 962-963

[36]  – نفسه 4، ق2/948 ، 979

[37]  – نفسه، 4، ق2، 895

[38]  – سلوك، 3،ق1/104-108، 149 ، و4، ق2/666 ، و822

[39]  – نفسه، 4، ق2/906

[40]  – شيني اي سفن كبيرة، قرقورة وهي سفن كبيرة تستخدم بتموين الاسطول، الغراب لأن رأس السفينة يشبه الغراب وهو يحمل المقاتلين ويسير بالقلع، وطريدة وهي مركب خفيف وسريع، وشختورة وهي سفينة ضخمة. سلوك، 3، ق1/149

[41]  – انظر نماذج عن هذه الاوضاع : سلوك، 1 ق3/920-922 و 2، ق3/804 ، 917 ، و4، ق1/319، 396 …

[42]  – سلوك، 1، ق2/620

[43]  – نفسه، 4،ق1/292

[44]  -نفسه،4، ق2/856-857

[45]  – سلوك، 2، ق1/205،  2، ق3 /669 وغيرها كثير جدا

[46] –  3، ق3/1131- 1132

[47] –  4،ق1/27-29

[48] –  4،ق1/27-29

[49]   – المكان عينه

[50]   – الروك الحسامي، 1، ق3/842-849

[51]  –  4، ق1/462

[52] – 4، ق1/305-306 . ويعلّق على غش النقود وعلى عدم التداول بها بان الادارة لم تكن تثبت على أمر فحينا تمنع امرا ما ثم لا تلبث ان تتغاضى عن المنع ضاربا مثلا على المقود الاشرفية :” فلما نودي بالمنع منها عاد الامر كما كان، فخسر الناسعدة خسارات، وأخذت الباعة وغيرها بجمعها – اي الاشرفية – لتتربص بها مدة، ثم تخرجها شيئا فشيئا، لعلمهم ان الدولة لا تثبت على حال وان أوامرها لا تمضى .” 4، ق2/ 852

[53]  – ان ابرز الرسوم التي ذكرها هي: ساحل الغلة، نصف السمسرة، مقرر الحوائص والبغال، مقرر السجون، طرح الفراريج، مقرر الفرسان، مقرر الاقصاب زالمعاصر، رسوم الافراح، حماية المراكب، حقوق القينات، وشد الزعماء، حقوق النوبة والسودان، متوفر الجراريف، مقرر المشاعلية، ثمن العبى التي كانت تستأدى من البلاد، مقرر الاقبان، زكاة الرجالة. 2، ق1/150-152

[54]  – سلوك، 2،ق2/439، 444 ، و3، ق2/55 ، و 4، ق2/801، 4، ق3/1127 وغيرها

[55]  – نفسه، 2، ق2/358، 361، 370، 384، 431 . وقد طالت هذه المصادرات مباشري المعاصر والدواليب بحجة زغل السكر والعسل 2،ق2/419 واموال الايتام وتمت معاقبة القضاة الذين كانوا يدافعون عن اموال الايتام 2،ق2/432 ، كما كانت المغنيات تصادر بذرائع متنوعة 2، ق2/836 ، وكان كبار الامراء يصادرون بدورهم بسبب تآمرهم او غير ذلك كما كانوا سيغرمون اموالا وهذا الامر يعتبر مصادرة 3، ق3/1141

[56]  – سلوك، 4، ق1/40

[57]   – كمباشري المعاصر بحجة زغل السكر، سلوك، 2، ق2/419

[58]  – نراوحت قيمة الاموال المصادرة للمغنيات ما بين ألفين الى 3 آلافدرهم، 2، ق2/491

[59]  – 2، ق3/836

[60]  – غرم الامراء احيانا بمبالغ وصلت قيمتها الى  مائة الف دينا، 3، ق3/1141

[61]  – 2، ق2/432

[62]  – 1، ق3/810، 814

[63] – 2، ق3/702

[64] –  4، ق3/1098

[65]  – 1،ق1/130-134، 200

[66] –  1، ق2/446 وق3/717-718

[67] – المعلومات وفيرة حول هذه الناحية واليك بعض الصفحات: 3،ق3/982، و1100، 1133-1135

[68]  – 3،ق3/1132-1135

[69]  – 4، ق2/647،654، 766

[70]  – 4، ق2/869

[71] –  2، ق3/665، 671

[72]  – فذكر فيها مقدار الذي تركه حين وفاته، وقيمة ومقدار المخزون عنده من مختلف الاصناف، وعدد الخيول والجمال في اصطبلاته، ومقدار جوامك مماليكه الشهرية، وعليق خيولهم 3، ق2/938

[73] –  2،ق3/918-919

[74]  –  وهذه بعض العينات: 2،ق2/309-312، 348-349، 372…

[75]  – 1،ق2/306-307

[76]  – 1، ق2/538 – 540، 542

[77]  – 2، ق2/439-443

[78]  – وقد حضر هذا المجلس ابن مغلي قاضي قضاة الحنابلة الذي سأل قاضي قضاة الشافعي عن اربع مسائل وهو يجيبه فيقول له اخطأت، وتدخل قاضي قضاة الحنفية لصالح الاول وراح يشتم الهروي قاضي قضاة الشافعية ثم قال:” يا مولانا السلطان اشهدك على اني حجرت عليه الاّ يفتي.” 4، ق1/479-485

[79]  – 4، ق1/11

[80] –  4، ق2/ 866-867

[81]  – 4،ق2/ 870-871

[82]  – 2،ق3/679

[83]  – 3، ق3/687

[84]   – يذكر ان عدد الامم سبعة، 1، ق1/9-10

[85]  – 1،ق1/16-17

[86]  – تمكن العامة مرات عديدة ارغام اصحاب القرار التراجع عن مواقفهم فقد ارغموا الاميرين سلار وبيبرس الجاشنكير التراجع عن عزل الناصر محمد للمرة الثانية 2، ق1/25 .او موقفهم من الصراع بين السلطان برقوق ويلبغا ومنطاش فهم على رغم المال الذي اخذوه من برقوق توزعوا احزابا وفرقا يقاتل بعضها البعض الآخر ما ادى الى تعطيل الاسواق 3، ق2/608

[87]  – سلوك، 1، ق2/38

[88]   – 3، ق3/1018 والنماذج كثيرة

[89]   – انظر وصفه لحلب 3، ق3/1033-1034

[90]  – 3، ق1/27-28 ، 4، ق2/892

[91] – تخوف الناس من منسر انعقد بالقاهرة، وكان اعضاؤه يكتبون اوراقا يطلبون فيها اموالا من الاغنياء :” ومتى لم تبعث لنا ذلك كنا ضيوفك” 2 ،ق3/644، 901_902

[92]  – 3، ق3/1124-1126

[93]  – 4،ق1/42-43 ، وانظر عن الطواعين : 4،ق2/821-828 ، وق3/1126 ، وايضا 2،ق3/774-786، 4،ق1/248-257

[94] – 4،ق1/487

[95]  – 2، ق3/810-811

[96]  – 4، ق2/670-671

[97]  – بحديثه عن لهو السلطان شعبان يتناول حضير الحمام ( تربيتهاوكشها)، والصراع، والتثاقف، والشباك، وجري السعاة، والنطاح بالكباش، ومناقرة الديوك والقماري. 2، ق3/739

[98]  – ويتحدث المقريزي عن احد الشيوخ الذي عمل المولد عام 790وقد حدث فيه انواع الفساد :« وفي هذه الليلة عمل الشيخ…المولد على عادته في زاويته …فكان فيه من الفساد ما لا يوصف، الا انه وجد من الغد في المزارع مائة وخمسون جرة فارغة من جرار الخمر التي شربت تلك الليلة، سوى ما حكي عن الزنا واللياطة.” 3،ق2/576 .ويذكر ان المراكب منعت من عبور خليج الحاكمي لكثرة ما كان يحصل هناك من فساد والتظاهر بالمنكر، وتبرج النساء وجلوسهن مع الرجال مكشوفات الوجوه…وشربهن الخمر 2،ق1/29 ، وتتبع محتسب القاهرة اماكن الفساد بنفسه فمنع النساء من النياح على الاموات، ومنع ايضا التظاهر بالحشيش، وكفّ البغايا عن الوقوف لطلب الفاحشة في الاسواق ومواضع الريب» 4،ق1/790

[99]  – 3، ق2/576 ابرز المقريزي الشهرة التي كان يحظى بها احد المغنين، وبالتالي يمكننا من خلال السلوك التعرف على مشاهير المغنين والموسيقيين2، ق3/715

[100] –  2،ق2/333

[101] – 2،ق1/53-54 ، 211، 4،ق1/486 وغيرها

[102]  – من النماذج على ذلك ما ذكره المقريزي من اعمال السلطان الظاهر بيبرس في سنة 662 اذ وقف عدة قرى من اعمال الشام والقدس ليصرف ريعها ثمن خبز ونعال لمن يريد القدس من المشاة، وانشأ خانا وفرنا وطاحونا بالقدس…1،ق2/521

[103]  – عندما فرض نائب دمشق على املاكها واوقافها مقرر الخيالة اي ان تعيل 1500 فارس، رفض الناس هذه الضريبة وتجمّعوا وكبّروا ورفعوا المصاحف والاعلام ووقفوا للنائب فامر بهم فضربوا وطردوا . 2،ق1/104

[104] – 1،ق3/909-913 ، 2،ق3/921-927 ، وذكر ان الشروط العمرية طبقت على اهل الذمة من دون ذكر السبب 3،ق3/1040

[105] – 1،ق3/909-913، 2،ق1/226-228

[106]  – افتى الفقيه نجم الدين بن رفعة بنهب الكنائس وبوجوب هدمها فعارضه فقيه آخر، وكان تم هدم بعض الكنائس والبيوت في الاسكندرية وبقيت الكنائس في مصر مغلقة مدة سنة كاملة، ولم يتم فتحها الا بشفاعة ملك أرغونة 1،ق3/950 ، كما ذكر الاعمال الاحتيالية من قبل بعض المتعصبين لهدم الكنائس ما أدى الى هدم عدد كبير منها وكأنه، على حد تعبيره، أمر سلطاني 2،ق1/216-218 .وأمر السلطان برقوق بهدم كنيسة بوالنمرس لأن نواقيسها ازعجت احد المسلمين على حد تعبير المقريزي وحولها الى مسجد 3،ق1/340-341

[107]  – بضغط من العامة وتعصبهم تحول عدد من المسيحيين الى الاسلام خوفا على انفسهم على حد تعبيره 2،ق1/226-228 ، وروي ان بعض المسلمين كان يشتكي للسلطان ان المسيحيين استجدوا بعض الكنائس فيأمر بهدمها، فيستغل هؤلاء الموضوع لنهب الكنائس= =والاديار وهدم بعضها الاخر وان كان غير مستجد،  ووجه المقريزي لوما للسلطان وغيره من ارباب الدولة على هذا التصرف الاخرق. وكانت هذه الاعمال تؤدي الى تحويل بعض المسيحيين الى الاسلام قسرا 2،ق3/921-927 . وروي ايضا عن قدوم جماعات من المسيحيين ممن كانوا تحولوا قسرا الى الاسلام يشهرون ارتدادهم الى المسيحية تكفيرا عن ذنوبهم لأنهم كانوا قد ارتدوا عنها، فعرض عليهم الاسلام  ولما رفضوه  قتلوا مع النساء المرافقات لهم 3،ق1/372-373

[108]  – 1،ق2/38

[109]  – 3، ق1/130

[110]  – 4، ق1 /105

[111]  – 4، ق1/ 224

[112] – 4، ق1/ 225-226

[113]  – 4، ق2 / 701

[114] – 1، ق1/4

[115]  – 1،ق1/8

[116]  – 1، ق1 / 94

[117]  – 1، ق1/ 106

[118]  – 1، ق2/378، 406

[119] – 1، ق2 /635

[120]  – 1، ق2/ 637

[121]  – روي الصراع بين السلطان فرج والامير شيخ المحودي ( السلطان لاحقا ) متحدثا عمّا فعله المماليك بالقرى نهبا وسرقة واعتداء على الناس قائلا :« فركب الامير تغري بردي…ومعظم الامراء فصعدوا الى قلعة صرخد…وكنت معهم.» 4، ق1/105

[122]  – 4، ق2/649

[123]  – 1، ق1/47

[124]  – 1، ق2 /612-613

[125]  – 1، ق3/ 731-732

[126]  – 1، ق3/731-732

[127]  – 4، ق2/738

[128]  – 1، ق2/447

[129] – 1، ق2/448

[130]  – 1، ق2/524-531

[131]  – 1، ق3/753-754

[132]  – 2، ق2/509

[133]  – 2، ق3/618-619

[134]  – 2، ق3/735-737

[135]  – 1، ق3/875-876

[136]  – 3،ق2/474

[137]  – 3، ق3/1176-1178

[138]  – 4، ق1/39-40

[139]  – 1،ق3/897-904

[140]  – 2،ق2/473-485

[141]  – 1، ق2/373-374

[142]  – 1، ق2/378-380

[143]  – انظر مثلا مقتل الاشرف خليل وتتابع الاحداث حتى اعلان سلطنة الناصر محمد بن قلاوون، 1،ق3/788-798 ، وانظر ايضا في السياق عينه سلطنة لاجين فهروبه حتى اعتلاء كتبغا العرش 1، ق3/820-827

[144]  – 2،ق1/53وما بعد

[145] – 2،ق3/554-558

[146]  – انظر مثلا موقف دمشق والكرك من عز الدين ايبك التركماني والاشرف موسى، 1،ق2/371-372

[147]  – 3، ق1/104

[148]  – 4، ق2 /678 ، وانظر نمازجا اخرى : 4، ق2/ 705 ، 734 …

[149]  – 4، ق2/804 وغيرها كثير

[150]  – 1، ق2/380، 382

[151]  – 4، ق2/ 836-841

[152]  – انظر مثلا ترجمة صلاح الدين الايوبي: 1،ق1/113 – 114 , ترجمة الصالح نجم الدين ايوب: 1، ق2/ 339 – 342، وايضا ترجمة بيبرس البندقداري: 1، ق2 / 637-641 ، والسلطان قلاوون بحيث ذكر نوابه في القاهرة وبلاد الشام، وعدد مماليكه واستخدامه الجراكسة 1، ق3 /755-756

[153]  – فذكر امه، وتاريخ مولده، وعمره عندما اعتلى العرش للمرة الاولى، وتاريخ خلعه، وكيفية عودته، ثم تخليه عن العرش، وعودته الى الحكم للمرة الثالثة. وانتقامه من الامراء البرجية، ومهابته= =عند الامراء. كما تحدث عن اكثاره من المماليك والجواري، وتدرج المملوك من 3 الى 7 ثم عشرة، وسبل ترقيته. وتحدث في هذا الصدد عن رغبة المغول ببيع اولادهم واسعار الرقيق فتراوح ثمن المملوك ما بين 20 الى 40 ألف درهم عندما يشتريه التاجر، ويدفع فيه السلطان مائة ألف درهم فما دون :2، ق2/ 524-525 . شغف بالخيل، وهو أول سلطان اتخذ ديوانا للخيل، ص526-527 ، ولكثرة شغفه بها حاز عربان آل مهنا، ومرا، وآل الفضل الاموال الكثيرة، واهدى السلطان نساءهم الاطواق الذهبية المرصعة، وبعث لهنّ البراقع المزركشة، والمسك، وانواع الطيب، ص528 .عني بالصيد: صقور وشواهين حتى عمّ هذا النمط بين الامراء، ص530. وكانت له حرمة ومهابة، جعلت الامراء اذا وقفوا بالخدمة لا يجسر احد ان يتحدث مع رفيقه بكلمة، وكان لا يجسر احد ان يجتمع مع خشداشه في نزهة او غيرها، ص 532، ابطل نيابة السلطنة، ص 534. كان يبهر ملوك الشرق بهداياه فيحصل منهم على ما يريده، ص 537. كان محبا للعمارة، وحسّن منشاءات الري.  ذكر جميع اولاده، ومن صار منهم سلطانا، كما ذكر جميع نوابه ووزرائه في مصر، وأكابر موظفيه. وتبدأ ترجمته في الصفحة 524 وتنتهي ص 548 .

[154]  – 3، ق2 /937-947

[155]  –  3، ق2/ 626 – 618

[156]  – 4، ق1 /550-551

[157]  – 4، ق2 /589

[158]  – 4، ق3/ 1066

[159] – 1، ق2/267، وايضا 3،ق3/977

[160]  – 1، ق2/380

[161]  – نجوم 15/491

 [162] – العنان(محمد عبد الله)، – مؤرخو مصر الاسلامية، مؤسسة مختار، القاهرة، 1991، ص86

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *