التجارة والصيرفة في مؤلفات نقولا زيادة

قد تكون التجارة، منذ استقرار البشر في مجتمعات وان بشكل بدائي، احدى اولى السمات الانسانية الناظمة للعلاقات الاقتصادية بين الاقوام، وصارت تتقدم بمقدار ارتقاء المجتمعات وتأسيس الدول وتطور العلوم ولا سيما الجغرافيا والفلك. حتى بات التبادل التجاري يأخذ حيّزا مهما في علاقات الحرب والسلام ويشكل  احد روافد الحضارة.

ولعل هذه المقولة هي احدى العوامل العديدة التي دفعت الدكتور نقولا زيادة كي يتناول موضوعي التجارة والصيرفة في مقالات كثيرة تنوّعت مراحلها التاريخية؛ فبعضها يرقى الى بدايات العصور القديمة، وبعضها الآخر الى العصور الوسطى.ويبدو انه من هذا المنطلق محض الرحالة والجغرافيين ولا سيما العرب منهم ثقة كبيرة وافسح لهم مساحة مهمة في مؤلفاته العديدة[1]، ونال بعضهم وخصوصا ابن بطوطة منزلة عالية واحتراما بيّنا ودراسة موسّعة[2]، لأنهم شكلوا رسل حضارة بين ارجاء العالم الاسلامي من جهة، وبلاد الشعوب الاخرى من ناحية ثانية. ولأنهم ايضا رسموا بمؤلفاتهم الطرق الواصلة بين مختلف الدول المعروفة انذاك، وبين مدن الدولة الواحدة، وبالتالي حددوا مسالك الطرق التجارية العالمية بين المشرق العربي والشرق الاقصى من جهة، وبينه والبلاد الافريقية من جهة اخرى، وبعض البلاد الاوروبية من ناحية ثالثة. واشاروا الى الطرق الداخلية المشرقية والمحطات التجارية ونقاط الاراحة عليها.

وهكذا بدا هؤلاء الرحالة تجارا حقيقيين من دون ان يمارسوا مهنة التجارة، وجغرافيين بالوصف الدقيق لتضاريس البلاد التي وطأتها اقدامهم وللثغور البحرية التي حلوا فيها. فتحدثوا عن انواع السلع التي ترد اليها من بلاد اجنبية او التي تنتج فيها او التي ترد اليها من اريافها ومدنها غير المرفئية. واستهوتهم عادات وحضارات شعوب معينة بما فيها اساليب معاشهم فنالت فسحة في مؤلفاتهم.

ان مؤرخنا درس التجارة والصيرفة منذ العصور القديمة وصولا الى اواخر العصور الوسطى في مقالات قيلت في مناسبات مختلفة من حيث المكان والزمن ومن ثمّ فرزها وزّعها تبعا لمواضيعها على بعض مؤلفاته التي من ابررزها: ” مشرقيات في صلات التجارة والفكر ” و”عربيات حضارة ولغة” و”متوسطيات تجارة وحياة فكرية” هذا اضافة الى مقالات في ارشيفه لم تنشر بعد او ان بعضها على طريق النشر، وهي التالية:” من جنوب الجزيرة العربية الى شمالها” و”اقدم خط بحري في العالم القديم” و”طرق التجارة العالمية ومراكزها” و” التجارة والصيرفة من اواسط القرن الرابع الى اواسط القرن السادس للهجرة[3]“.

وسأحاول في هذا البحث تناول التجارة عبر تواليها الزمني من خلال ابحاث الدكتور نقولا زيادة بعين واعية ورؤية المؤرخ الناقد من دون محاباة. وسأجهد لدراسة تطور الطرق التجارية منذ العصور التاريخية القديمة وحتى نهاية العصور الوسطى محاولا قدر المستطاع اكمال نقاط لم يُعن بها كثيرا مؤرخنا الكبير بالاعتماد على المصادر والمراجع المتخصصة العربية والاجنبية.

وسأتبع في هذا البحث الخطة التالية:

اولا: التجارة في العصور القديمة لأنها تعتبر مقدمة لبقية الابحاث .

ثانيا: التجارة في العصور الاسلامية ومن ضمنها التجارة في العهد الصليبي في المشرق العربي.

ثالثا:الصيرفة.

رابعا: منهج الدكتور زيادة.

اولا: التجارة خلال العصور القديمة.

كان الدكتور نقولا زيادة عربيا بامتياز، بهرته الحضارة العربية فاحب اظهارها للملأ اقتناعا منه بانها كانت من ارقى حضارات العالم ان لم تكن افضلها. لذلك جهد، في مؤلفاته الوفيرة جدا يبرز دور العرب الحضاري على مختلف المستويات بما فيها التجارة التي تشكل برأيه عاملا اساسيا في تطور المجتمعات الانسانية. ويعتبر بحثه ” دليل البحر الارثري[4]” نموذجا واضحا في هذا الاطار.

 يتحدث فيه عن دور العرب في تجارة الهند معتبرا انه بعد انحسار النفوذ الفينيقي عن البحر الاحمر استأثر العرب بتجارة هذا البحر ولا سيما خلال قيام الامبراطوريات البرية مثل الآشورية والبابلية والفارسية التي اعتنت بتجارة القوافل او ما يعرف بالتجارة البرية.[5]وقد سيطر العرب لمدة طويلة على اسرار الطريق البحري بين جنوب الجزيرة العربية والشرق الاقصى. ويعتقد ان اهمية الطريق البحري بين الهند والبحر الاحمر المسيطر عليه من قبل العرب، حيث كانت تنقل عبر موانئ الخليج العربي وحتى سنة 1500 ق.م. سلع بلاد السند الى بلاد الرافدين ومنها الاخشاب والقطن والعاج والعقيق الاحمر واللازورد، دفعت الملك الفارسي داريوس حوالى سنة 510 الى ارسال بحار يوناني اسمه سكيلاكس لكي يكتشف الطريق المذكور ويرفع تقريرا عن نتائج بعثته. وللغاية عينها ارسل الاسكندر الكبير بعثة رأسها امير البحر نيخاريوس الذي دامت رحلته 146 يوما وقد حفظها لنا كاملة أريان مؤرخ الاسكندر[6] من دون ان تنجح البعثتان باكتشاف اسرار الطريق البحري. مؤشرا بالامرين معا على اهمية التجارة في البحر الاحمر خصوصا اذا علمنا ان المر واللبان، وهما سلعتان ثمينتان كانا ينتجان في جنوب الجزيرة العربية في منطقة حضرموت-ظفار، وفي الصومال ايضا وينقلان الى مصر عبر البحر المذكور[7].

وفي تقويمه لدليل البحر الارثري يستمر الدكتور زيادة في ترجمة الكتاب ويضيئ على بعض ما جاء فيه بتعليقات سياسية واقتصادية، ثم ينهيه بتقويم عام للتجارة في هذا البحر مركزا على الجزيرة العربية كنقطة محورية[8] فيقول: انه كانت هناك اربع مناطق ذات موارد طبيعية او فيها نتاج صناعي صالح للتبادل التجاري وهي: الهند ويقابلها في الطرف الثاني البعيد الامبراطورية الرومانية تتوسطهما منطقان هما الجزيرة العربية وشرق افريقيا. وقد جعل من هذه المعادلة محورا لدراسة التجارة اذ نجدها تتكرر وفق صيغ أخرى مشابهة لها في العديد من مؤلفاته وابحاثه [9].

ويتحدث عن انواع السلع التجارية في كل منطقة والطرق التي تنقل عليها[10]، من دون ان يهمل الكلام على الموانئ الاساسية كهرموس = ابو سُمَر، الذي يليه شرقا ميناء محصّن يدعى القرية البيضاء او لوكي كومي=الحوراء، ويمتد منه طريق الى البتراء. وكان التجار بل البحّارة يحاذرون سلوك شواطئ البحر الاحمر بسبب الامواج العاتية وقلة الموانئ الصالحة لرسو السفن[11].

ويستكمل الدكتور زيادة مفهومه للتجارة في العصور القديمة ببحث آخر هو “تجارة البحار الشرقية في العصور القديمة”[12]: ويستهله بالقول:” ان تطور التجارة في البحار الشرقية في العصور القديمة يدرس في مناطق ثلاث هي:الجزء الغربي من المحيط الهندي والبحار والخلجان المتصلة به، والمنطقة الهندية الاندونسية، وبحر الصين الجنوبي.”[13]

ان العلاقات التجارية بين منطقة البحر المتوسط من جهة وبلاد الصين من ناحية ثانية قديمة جدا ترقى الى بدايات العصور القديمة. وفي الغالب كانت تتم برا بواسطة القوافل التي تجتاز مسافة احد عشر ألف كلم. عبر الصحارى والجبال الوعرة.[14] وهذا الطريق استمر سلوكه مدى العصور الوسطى على الاقل. والدكتور زيادة لا يحدد في هذا البحث مسالكه ومساربه المتعددة انما يفصلها في بحث آخر هو ” التجارة الاسلامية من القرن الثاني الى القرن السابع الهجري”[15] . وبالاستناد اليها يمكننا رسم طريق الحرير كما يلي: ينطلق من وسط آسيا والهند عبر جبالها وممراتها الى بخارى، ومنها يتجه الى حلب فموانئ البحر المتوسط، او الى بغداد وديار بكر[16]، من دون ان يشير الى تفرعاته نحو آسيا الصغرى فاوروبا.[17]

وفي هذه الفترة التاريخية ما بين 205ق.م. الى 226م. كانت الطرق آمنة اجمالا لأنها كانت تخضع لسيطرة اربع دول كبرى هي : الامبراطورية الرومانية في اقصى الغرب، والصينية في عهد اسرة هان (206-220ق.م.) في اقصى الشرق، وكوشان الهندية ( حوالى40-220م.) التي كانت تسيطر على شمال الهند وافغانستان، ودولة الفرثيين في بلاد فارس وجوارها (حوالى 250ق.م.-226م.).[18] ويبدو ان موقف تلك الدول كان مشجعا للمبادلات التجارية لما فيها مصلحة للجميع. وفي هذه الحقبة التاريخية نشأت وانتظمت الطرق المعروفة بطريق الحرير. وكان اي خلل في العلاقات بين هذه الدول او بروز الضعف في واحدة منها يهدد بقطع تلك الطرق بحيث تصبح عرضة لقطاع الطرق المتعددي الانتماءات. وهذا ما حصل في اواسط القرن الثاني الميلادي حين اختل الوضع الامني في اواسط آسيا ما جعل التجار لا يجازفون بكثرة في ارتياد طريق الحرير. ولم تكن العلاقات السياسية دائما جيدة بين الامبراطورية الفرثية (البارثية) التي كانت تشغل الرقعة الجغرافية الممتدة من حدود افغانستان اليوم الى نهر الفرات وتسيطر على الجزء الشمالي الشرقي من الخليج العربي، والامبراطورية الرومانية. وكلما اختلت كانت تقع الحرب وبالتالي ينقطع الطريق البري. وقل الامر عينه عن علاقتها مع دولة كاشان في شمالي الهند.[19] وكانت الحوادث الامنية تتكرر على الطريق المذكور في أكثر من مناسبة؛ ومنها هجوم قبائل الهون على لويانغ وتدميرها سنة 311م.، واحتلال قبائل الهياطلة التركية الجزء الشمالي من الصين.[20]وازداد طريق الحرير صعوبة بسبب الجبال المرتفعة وثلوجها، والصحارى الواسعة وجفافها، وبتربص اللصوص بالتجار…”[21]

لم تكن حاله افضل خلال العصور الوسطى خصوصا بعد الضعف الذي اصاب الخلافة العباسية وسبب باتشار الدويلات العرقية والمذهبية على اطرافها الشرقية وفي مصر وبلاد الشام.[22] اذ صار الامان عليه يخضع لمزاج حكام الدول او الدويلات المسيطرة عليها، ولتعديات القبائل المتنوعة الاعراق التي كانت تضرب رحالها في سهوب تلك البقاع. وقد استمر هذا الامر على هذا النحو حتى اواخر العصور الوسطى ومطلع العصور الحديثة[23].

وفي المقابل كانت هناك طرق بحرية تضاهي الطرق البرية مسافة انما اقل خطورة رغم المصاعب التي كانت تنجم عن العوامل الطبيعية وعمليات القرصنة، مما جعلها الاكثر ارتيادا. ولعل من ابرزها الطريق الذي” يصل موانئ البحر الاحمر وجزيرة العرب الجنوبية، مثل عدن وقنا (عش الغراب) ورأس فاتك، ورأس غودفروا في القرن الافريقي وموانئ الخليج العربي في الجهة الغربية من المحيط الهندي بالموانئ الهندية الواقعة في الساحل الغربي لبلاد الهند…وبموانئ سيلان.”[24] ذلك ان عمليات التبادل التجاري بين شواطئ الهند الغربية، وسواحل بلاد فارس، وشطآن الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية، والبحر الاحمر ومصر والقرن الافريقي كانت نشطة[25]. والتجارة البحرية كانت أكثر تنوعا وغنى لكثرة انتشار المحطات التجارية البحرية التي كانت تتغذى بالسلع من المناطق الداخلية[26].

ويشرح الدكتور زيادة علميا اهتمام الحكام القدامى مثل داريوس (دارا) والاسكندر بالطرق البحرية وتحديدا الطريق بين مصب نهر السند وبلاد العرب.[27] ويعتبر ان النقل البحري بين جنوب الجزيرة العربية وافريقيا من جهة وبلاد الهند من ناحية ثانية تبدل في العقد السابع من القرن الاول الميلادي نحو الافضل بسبب اكتشاف هيباليوس مسيرة هبوب الرياح الموسمية[28]. ناهيك ان اسبابا اخرى ادت الى ازدهار الطرق البحرية على حساب مثيلاتها البرية، وكان اولها: اضطراب الامن في اواسط آسيا ما جعل الطريق محفوفا بالخطر، وثانيها ان عرب جنوب الجزيرة احتفظوا بسر المهنة البحرية[29] وتعرفوا الى المسالك المائية الاكثر امانا وقاموا بدور الوسيط التجاري الى ان اكتشف هيباليوس مواعيد هبوب الرياح الموسمية. اما السبب الاخير فهو ان السلع الهندية بما فيها التوابل والاحجار الكريمة والاخشاب النفيسة كان التجار العرب يدفعون ثمنها ذهبا[30]. ونلاحظ بوضوح تركيز الدكتور زيادة على محورية العرب في ازدهار التجارة العالمية في تلك الفترة.

واعتقد ان المحطات التجارية المتنوعة على الطرق البحرية شكلت عوامل مساعدة لتطور التجارة عليها، فضلا عن دوافع سياسية واقتصادية تمت على مراحل وسنذكرها تباعا وفقا لجدول مؤرخنا: شكّل قيام الدولة الساسانية عام 226م حدثا تاريخيا مهما لأنها بدأت تتوسع شرقا فاستولت على دولة كوشان الهندية، وشبه سيطرت على قسم كبير من الطريق البري الممتد من شمال الهند الى بلاد فارس. ما مكّنها من السيطرة على طريق التركستان الصيني وتفرعاته، واهمها الطريق الذي يصل الى حوض السند[31].

وعمل الساسانيون على اصلاح موانئ على الخليج العربي، والافادة من تجّار موانئ كوشان في شمال غرب الهند. ولعل الوهن الذي اصاب الامبراطورية الرومانية اضعف دور مصر التجاري مما سمح للساسانيين انتزاع هذا الدور. واكتملت سيطرتهم على التجارة البحرية عندما استولوا على اليمن عام 575 م. وبسطوا سلطانهم على مدخل المحيط الهندي الغربي.[32]

ويعزو الدكتور زيادة ايضا انتعاش الطريق البحري لاسباب ساسانية محضة؛ ان سيطرة الساسانيين على معظم الطريق البري دفعهم لاحتكار تجارة الحرير الصيني بالكامل، فحرصوا على منع التجار من عبور الطريق المذكور. ومن ناحية ثانية ادركوا ازدياد طلب الصين الجنوبية على السلع الغربية فقاموا بدور الوسيط التجاري عبر سيلان (سريلانكا)[33] وبالتالي صارت سيطرتهم على التجارة مع الشرق الاقصى شبه تامة.[34] 

من خلال هذين البحثين تمكّن مؤرخنا من اعطاء صورة الى حد بعيد واضحة عن التجارة المثلثة المحاور في العصور القديمة. ويمكننا اعتبار ما اورده من مقالات في كتابه “مشرقيات” مقدمة لتطور التجارة في القرون الوسطى التي سيتناولها في كتابيه:” متوسطيات تجارة وحياة فكرية، وعربيات لغة وحضارة”، اضافة الى ما وجدته في ارشفيه وعلى الاخص ” التجارة والصيرفة في الفترة من اواسط القرن الرابع الى اواسط القرن السادس/ العاشر- الثاني عشر م.”

ويمكن تقويم مفهوم الدكتور زيادة للتجارة في العصور القديمةبالميزات التالية:

1 – محورية الجزيرة العربية فيها واستئثار العرب بتجارة المحيط الهندي لمدة طويلة.

2 – ابراز اهمية طريق الحرير ودوره في التجارة العالمية، وتأثيره على العلاقات السياسية والعسكرية بين الدول المتصلة به. وعندما كان يختل الامان عليه، او عندما ايضا حاول الساسنيون احتكار تجارة الحرير انتعشت الطرق البحرية الموازية له.

3 – ادى اكتشاف هيباليوس لمواقيت هبوب الرياح الموسمية الى اطراد التجارة البحرية. 

ثانيا: تجارة العالم الاسلامي في العصور الوسطى: في هذا المدى التاريخي الطويل سأحاول دراسة التجارة في المشرق العربي فقط وعلاقته باوروبا من جهة والشرق الاقصى من جهة ثانية. لأننا اذا اردنا دراسة استنتاجية التجارة في شمال افريقيا والاندلس والصين لتطلب ذلك كتابا بحد ذاته. وساراعي في هذه الدراسة الاستنتاجية التوالي الزمني قدر المستطاع مستفيدا من كل ما تركه عنها مؤرخنا الكبير.

الوضع العام في العالم الاسلامي: لعل من ابرز الابحاث التي كتبها الدكتور زيادة هو” التجارة الاسلامية منذ القرن الثاني الى السابع الهجري”[35] وهو يتماثل الى حد بعيد مع ما وجدته في ارشيفه ” التجارة والصيرفة…” يدرس فيهما التجارة العالمية بشكل عام مركزا على علاقات المشرق العربي مع الشرق الاقصى من جهة، ومع بعض الغرب الاوروبي من جهة ثانية، هذا اضافة الى عدد آخر من الابحاث التي تصب في خانة البحثين المذكورين وتتمهما خصوصا ما كتبه عن الاسواق العربية، والادارة في العهد الاموي، وتكتمل الحلقة التجارية ببحث التجارة في العهد الصليبي. ولكي نفهم تصوّره للعلاقات التجارية خلال العصور الوسطى سأعمد دراسة استنتاجية مبنية على التداخل بين ابحاثه الموزعة على عدد من مؤلفاته لأن بعضها يتمم البعض الآخر ويضيء عليه.

يمهد لموضوع التجارة في المشرق العربي خلال العصور الوسطى بمقدمة واسعة جدا يتناول فيها تطور الاوضاع السياسية في العالم الاسلامي منذ قيام الدولة العباسية عام 132/750 وحتى مجيئ المماليك الى السلطة سنة 648/1250 تضع القارئ في صورة جليّة لتطور الاحداث السياسية واثرها على العلاقات الاقتصادية خصوصا بعد التجزئة التي مزقت الخلافة العباسية الى دويلات. وبرأيه لم يكن التفتت السياسي يؤثّر سلبا على الاوضاع التجارية، لأنه ادى بطرق عديدة الى تطوّرها، موائما بين الانعكاس السلبيني لاحتلال الصليبيين للسواحل الشامية على المستوين السياسي والعسكري، وبين التطور الايجابي للحركة التجارية العالمية التي ازدادت زخما باشتراك الايطاليين فيها[36].

وبعد ان يعلل دور طريق الحرير في الحركة التجارية يعتبر ان سلبياته ادت الى تطور خطوط الملاحة البحرية بين الخليج العربي والبحر الاحمر من جهة، والشرق الاقصى من جهة ثانية، لا سيما بعد ان احتكر الساسانيون تجارة الحرير، الامر الذي ادى الى نشاط تجاري كبير في المحيط الهندي، بحيث برزت سيلان (سريلانكا) كمركز تجاري مهم بل وسيط تجاري يعمل لصالح الساسانيين[37]. ما يعني ان مؤرخنا يؤسس للمسار التجاري في العصور الوسطى بما كان عليه الوضع خلال العصور القديمة القديمة معتبرا ان تطوّر الاحداث السياسية يؤدي الى تحولات جزئية فيه. وتوكيدا لهذه الرؤية يعمد قبل ان يشرع بدراسة التجارة الى تحديد اهم العوامل التي اثرت في تطوّرها منذ القرن الثاني/الثامن الى القرن السابع/ الثالث عشر م. :

 اولا: النمو السكاني الناتج اساسا عن انتشار الامن والسلام في ربوع العالم الاسلامي، وعن الهجرات السكانية الداخلية والخارجية المتكررة عبر القرون الاربعة المعنية. فقد ساهمت هجرات القبائل المتنوعة الاتنيات ولا سيما تلك التي دخلت في جيوش الخلافات (جمع خلافة) الاسلامية مثل بربر شمال افريقيا في جيوش الفاطميين، والاتراك والاكراد والفرس الديالمة في جيوش العباسيين والفاطميين على حد سواء… فضلا عن الرقيق الذي حمل الى اكثر من دولة او دويلة على اثر تفكك الخلافة العباسية الى دويلات، ناهيك ان هذه اسست حواضر او عواصم لها وصارت بحاجة الى الاساليب الحضارية المتنوعة[38]، ما ادى الى اغناء الارياف والمدن اقتصاديا على حد سواء.[39] ويُذكَر في هذا الاطار امران: تجمع السكان في المدن الكبيرة التي اعتادت بعد الفتوح وبناء المعسكرات، التي تحولت بدورها الى مدن كبرى، على حياة الترف والتمتع بالسلع المتنوعة. ويساق الامر عينه على المدن التي استحدثت لضرورات سياسية وغيرها كبغداد وسر من رأى وواسط، والقاهرة الفاطمية. وشمل النمو السكاني ايضا معظم مدن الساحل من شمال افريقيا الى انطاكيا. ومن الواضح ان سكان المدن هم احوج الى السلع الصناعية من سكان الارياف. ومعلوم ان الحضارة التي تمتع بها السكان في العالم الاسلامي “كانت عالية جدا فقد عرفوا السلع الاستهلاكية من طيوب وعطور وتوابل واقمشة حريرية وقطنية…وازدات حاجات الناس.”[40] واقتضى كل ذلك انتعاش الارياف لسد متطلبات المدن والحواضر.

وتطلبت الجيوش التابعة للدويلات مواد غذائية أكثر وصارت بحاجة الى الطراز بشكل أكبر ومستمر، والى خيول واسلحة، تطلبت صناعة تلك السلع مواد اولية كالحديد والجلود للتروس ومعظمها كان يستورد من الخارج.[41]

وكانت العناية بالطرق من العوامل المساعدة  بنمو التجارة خصوصا تأمين طرق الحج من مختلف المناطق،[42] الذي انصب الاهتمام عليه منذ العهد الاموي؛ فالخليفة الوليد بن عبد الملك بنى عليه المستشفيات والخانات وحفر الآبار لتأمين المياه[43]

ويمكن ان نضيف اليها المشاكل الاقتصادية التي سببتها جيوش الدويلات التي نشأت في رحم الخلافة العباسية من حيث اعتمادها على انظمة الاقطاع العسكرية، وسوء استغلالها للارض ما اضعف الزراعة والصناعة[44].  ويشار في الاطار عينه الى ازدهار معظم المدن المرفئية على ساحل بلاد الشام التي قامت فيها حكومات محلية في ظل الضعف الذي اصاب الخلافتين العباسية والفاطمية على حد سواء، جراء خضوع الخلفاء في بغداد لسيطرة الحكام الاتراك والفرس الديالمة ثم السلاجقة، وفي القاهرة لسلطة الوزراء الفاطميين.[45] .

الطرق التجارية: هي مدخل اساسي لدراسة التجارة فعبرها يتم نقل السلع وانتقال التجار. ان الطرق التجارية البرية والبحرية بين الشرق الاقصى والغرب الاوروبي عبر الجسر البري المتمثل بقسم كبير منه بمصر وبلاد الشام قديمة جدا، واستمرت هي عينها منذ ما قبل الميلاد وحتى اواخر العصور الوسطى على الاقل مع بعض التبديل المؤقت، الذي كان يطرأ على قسم من مسار بعضها لاسباب متنوّعة لعل من ابرزها الصراعات العسكرية للقوى السياسية المنتشرة عليها، وما ان كانت تنتهي اسبابها حتى تعود حال الطرق الى مجراها الطبيعي[46]. وقد اشار الدكتور زيادة الى هذا الموضوع مركّزا على طريق الحرير بشكل اساسي. اما الطرق الاخرى فقد تناول بعضها بشيئ من التوسيع ومرّ على البعض الآخر بصورة سريعة ومتقطعة.

ويبدو انه لم يكن يهتم بتتبع مسار كل طريق على حدة بدءا من احد الموانئ او المحطات التجارية الرئيسة وصولا الى ميناء آخر او محطة تجارية اخرى ذاكرا كل محطاته الاساسية والتفرعات الاساسية المنطلقة منه. بل يذكر مراحل من طريق محدد شأن كلامه على الطريق بين ساحل ملبار وبعض الموانئ على البحر الاحمر، ليعود في مكان آخر ومناسبة مختلفة الى الكلام على القسم المكمل له والذي يربطه بمحطة تجارية كما في حديثه على الطريق الذي يربط موانئ البحر الاحمر بدمشق مثلا[47]. ويعطي اهمية للطرق المنطلقة من مرافئ بلاد الشام بحيث ان لكل منها ممر طبيعي يصله بالداخل:”فالسويدية لها منفذ الى انطاكيا وحلب، واللاذقية يطل عليها ممر لسهل الغاب وحماه…”[48]  اما الطرق في بلاد الشام الشمالية فان اكثرها :” كان يتصل بآمد (ديار بكر) ومن هذه تخرج طرق تتصل بمعظم الثغور التي بازاء بلاد الروم.”.[49] ورسم بتفصيل طريقا رئيسيا يصل بغداد بدمشق وهذه بالقاهرة: يخرج الاول:” من بغداد الى الموصل ومدينة بلد بحذاء دجلة…فالى سنجار ونصّيبين ورأس العين والرقة ومنبج وحلب وحماه وحمص وبعلبك ودمشق. ومن هذه الى طبرية والرملة بالقاهرة.”[50] لم يتناول كل طرق القوافل او البرية بالتفصيل، فقد ذكر بعضها من خلال نصوص حرفية استقاها من الرحالة والجغرافيين العرب.[51] او مستفيدا من نصوصهم كما في رسم الطرق التالية المستوحات من ابن خرداذبه:- قنسرين-حماه-حمص-جوسية –دمشق

– طريق الحج من دمشق- ذات المنازل- عمان- تبوك- مدائن صالح (الحجر)- وادي القرى- الرحيبة- ذي خشب- المديتة المنورة – مكة المكرمة.

– طريق الحج المصري: كان يلتقي بطريق الحج الشامي في وادي القرى.[52]

ومن الجدير ذكره ان القوافل كانت تسلك طرقا شبه ثابتة تربط بين مختلف محطات وموانئ مصر وبلاد الشام والعراق وصولا الى بلاد فارس عبر الهضبة الايرانية، ومنها الى آسيا الصغرى.[53] وقد انتشرت عليها الخانات من اجل اراحة التجار ودوابهم، وكانت تتم فيها ايضا مبادلات تجارية بين تجار من جنسيات متنوّعة[54]. وقد ذكر الرحالة والجغرافيون العرب معظم طرق القوافل بشكل مفصل، استفاد من مؤلفاتهم بعض المستشرقين الاوروبيين والاميركيين ليرسموا الخطوط التجارية الداخلية. وقد ركز بعضهم على الخطوط المؤدية الى المرافئ اللبنانية والفلسطينية بسبب اهتمامهم بالتجارة في العهد الصليبي من جهة، وبالتجارة مع الغرب الاوروبي من جهة ثانية في مختلف العصور.[55] ولم يفصّل الدكتور زيادة مسالك كل الطرق التجارية اعتقادا منه انها كانت مطروقة منذ القدم وقد باتت معروفة[56]. واهتم بالناحية الامنية عليها فاوضح انها كانت محمية من قبل السلطة السياسية كونها عصب الادارة وسبل الاتجار التي تدر على بيت مال المسلمين اموالا طائلة بفعل التمكيس[57]، ومن جهة ثانية كان كثير منها يشكل طريق الحج الذي يعتبر الامان عليه واجبا دينيا لتأمين وصول الحجيج سالمين الى بيت الله الحرام. وكانت العناية به قديمة جدا تعود الى بدايات الدولة الاموية خصوصا في عهدي الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، حيث تم فيهما حفر الآبار وبناء الخانات والبيمارستانات على الطريق المذكور [58]. اضافة الى ذلك اتسمت الطرق التي تصل بلاد الشام بالحجاز بميزات محددة: فالمنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ العهد الروماني واستمرت كذلك مدى العصور الاسلامية. وقد اقيمت القصور الاموية على الطرق التجارية او على ملتقاها.[59] ان كل ذلك عزز الامان برأيه على طريق الحج.

الموانئ والمحطات التجارية: تعتبر الموانئ والمحطات العصب الثاني للتجارة، وقد تحدث مؤرخنا الكبير عن معظم الموانئ التي كان لها ارتباط تجاري بمنطقة الشرق العربي وتناول ادوارها التجارية عبر مختلف العصور بدأ بفترة ما قبل الميلاد وحتى اواخر العصور الوسطى. ووجد انها تتمحور حول ثلاثة مراكز رئيسة هي: موانئ الخليج العربي وجنوب شبه الجزيرة العربية والبحر الاحمر، والموانئ المتوسطية، واخيرا موانئ الشرق الاقصى التي كانت لها علاقة مع مثيلاتها في الخليج العربي بخاصة تلك المنتشرة على ساحل ملبار الهندي. ولم يكتف بابراز اهميتها الجغرافية بل تحدث عن انواع السلع التي كانت متوفرة فيها أكانت منتجة محليا او مرسلة اليها من مناطقها الداخلية. وتكلم احيانا على بعض الموانئ الافريقية التي كانت تزود مرافئ جنوب شبه الجزيرة العربية بسلع افريقية بما في ذلك تلك المنتشرة على البحر الاحمر.لم يصف الحركة التجارية فيها الا فيما ندر مستعينا بالرحالة العرب.

موانئ الخليج العربي والبحر الاحمر: تعددت هذه الموانئ وتراوحت منزلتها من حيث الاهمية تبعا للقرون والعوامل السياسية. فكان بعضها يزدهر لفترة قد تطاول القرنين من الزمن ثم تخبو اهميتها لصالح موانئ اخرى شأن كلامه على: سيراف (خلال القرنين الثالث/التاسع والرابع/العاشر م، وقيس او كيش التي عملت خلال القرون: الخامس والسادس والسابع/الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر م. وهرمز التي صار لها مركز الصدارة منذ القرن السابع/الثالث عشر[60]. اما الموانئ جنوب الجزيرة العربية فكانت: عدن وجدة والجار وقنا وصُحار ومسقط وظفار وقلهات[61].

موانئ البحر الاحمر: كان ابرزها عدن وعيذاب وسواكن وكانت على اتصال دائم بمثيلاتها في المحيط الهندي.

موانئ البحر المتوسط: وقبل ان يتحدث عنها رسم اطارا سياسيا عسكريا بحريا للعرب والبيزنطيين؛ مظهرا ان قوة العرب البحرية خلال القرن العاشر بدأت تتأرجح وتميل نحو الضعف، وفي الوقت عينه قويت نسبيا القوى البحرية البيزنطية بحيث بلغ تعداد سفن الاسطول البيزنطي ألفي سفينة حربية و1360 سفينة تموين. وتمكنت هذه العمارة البحرية الضخمة من احتلال جزيرة كريت سنة 350/961 . وعلى رغم انتصار هذا الاسطول على الاساطيل الاقليمية سنة 379/989 فان بعض الوهن داخله[62]. وتوضيحا للصورة العامة في المتوسط يشير الدكتور زيادة الى ان مقابل والوهن الذي لحق بالاساطيل الاسلامية والبيزنطية ارتفع شأن اساطيل الجمهوريات الايطالية ولا سيما البندقية وجنوا وبيزا  مما سيكون له تأثير مهم على الوضع التجاري في المشرق العربي والاسلامي[63].

كانت بيروت وصور وعكا من ابرز الموانئ المتوسطية وقد استقى المعلومات عنها من ثلاثة رحالة اثنين اروبيين اضافة الى ابن جبير[64]. ومن الموانئ المتوسطية المهمة الاسكندرية ودمياط. وكانت جميعها لها علاقات تجارية مهمة مع معظم مدن ودول الغرب الاوروبي[65]. وهو لا يتحدث بالتفصيل عن الموانئ المشرقية في البحر المتوسط او يتناول كل ميناء على حدة بل تحدث عنها بشكل عام عندما درس التجارة الصليبية في المشرق العربي، وفي كلامه على اهمية طبيعة بلاد الشام اذ يقول:” فالموانئ التي تقع على ساحل المتوسط والتي تستقبل السفن واحمالها، تنتهي كل منها عند ممر يصلها بالداخل”[66]. ويربط انتعاش الموانئ المتوسطية باسباب ازدهار التجارة الايطالية الناجم عن تطوّر الصناعة في اوروبا بحيث صار بامكان التجار الايطاليين مبادلة السلع الاوروبية بسلع مشرقية خصوصا بعد ان قل وجود الذهب والفضة.[67]وهوينقل عن بيغولوتي من دون ان يذكر كتابه ان 183 صنفا من السلع كان يتم تبادلها في منطقة البحر المتوسط[68].

موانئ الشرق الاقصى: كان من ابرزها: كلا الواقعة في الجهة الشرقية من بحر كندهار (خليج البنغال)، وهي النقطة الابعد التي استطاع العرب والفرس بلوغها لتسليم سلعهم الى السفن الهندية او الصينية. ويبدو انه كان فيها جالية تجارية عربية.[69]والى جانبها كانت هناك مرافئ اخرى مهمة مثل: كجرات وديو والديبل وقليقوت (كلكوتا) وكولام وسرنديب = سيلان[70].

واذا اخذنا بالاعتبار الطرق التجارية الواصلة بين هذه الموانئ وبين المحطات التجارية الداخلية ولا سيما المدن الكبرى العريقة مثل دمشق وحلب وبغداد والقاهرة والفسطاط وتلك المنتشرة على طريق الحرير مثل بخارى وطشقند…نلاحظ انها كلها كانت تتذود بمختلف انواع السلع ومن مصادر متعددة، وبالتالي لعبت بعض المحطات والموانئ دور الوسيط التجاري، حتى يمكن القول ان محور التجارة العالمية تمركز في المشرق العربي. وهذا يدفعنا للكلام على السلع التجارية.

السلع التجارية: شكّلت السلع لب العملية التجارية، واستفاض الدكتور زيادة بالكلام عليها. فنحن نجد معلوات وفيرة عنها في كل ابحاثه. ان السلع في اساس التجارة وفي تطوّر الموانئ والثغور، ومرتبطة الى حد بعيد بالانتاجين الزراعي والصناعي. ومن العسير جدا الكلام في هذه العجالة على الزراعة والصناعة وتطوّرهما آنذاك. وساحاول رسم صورة موجزة للتفاصيل التي زوّدنا بها الدكتور زيادة عن السلع، محاولا قدر المستطاع الاضاءة على سلع كل منطقة على حدة جاعلا منها مقدمة للكلام على الحركة التجارية.

السلع الاوروبية: كانت السفن الاوروبية وفي مقدمتها الايطالية تحمل الى موانئ الشرق العربي السلاح والزجاج والخمور والحديد والاخشاب والاقمشة التي تطوّرت صناعتها في اوروبا بشكل جيد خصوصا الفرنسية والفلمنكية[71]. والمعادن المتنوعة ومنها النحاس والقصدير والزئبق والزنك وسبائك الفضة، والكتب المختلفة خصوصا الدينية، والجلود والفرو[72].

سلع مشرقية الى اوروبا: كانت السفن الاوروبية تحمل في طريق عودتها اصنافا كثيرة بعضها من انتاج مشرقي والبعض الآخر مستورد من الشرق الاقصى، ومن ابرز ما كانت تحمله:” القماش الكتاني الطراز والتوابل…والسكر والعسل وزيت الزيتون، والمصنوعات النحاسية واخصّها الادوات المنزلية او الزخرفية من صنع دمشق، والادوات القاطعة من صنع تنّيس في مصر، وحجر الشب من المشرق العربي.” والاقمشة الحريرية ولاسيما تلك التي كانت تصنع بيروت وصيدا وصور وكانت تسمى النيما، والقطنية، والكتانية المصنوعة في جبيل وبيروت وصور واللاذقية، والمصاغ الذهبي والفضي، والفلفل والزنجبيل، وجوزة الطيب ومثيلاتها من الافاويه، والطيوب مثل المسك والعنبر، واللبان والمر ومواد الدباغة والصموغ والمواد الطبية والاقمشة الدمقسية والموصلينية والحلبية، فضلا عن العلب والبراويز والصناديق والمرايا والطاولات المزخرفة جميعها بالعاج[73].

سلع مشرقية الى الشرق الاقصى: كانت اصناف كثيرة مما تستورده منطقة الشرق الاقصى يأتيها من شرق افريقيا عبر الموانئ على البحر الاحمر عموما وقسم اخر من المشرق العربي، وقسم ثالث من اوروبا. ومن ابرز ما كان يصدر الى الشرق الاقصى: زيت الزيتون والاقمشة المصرية والشامية والاقمشة القطنية والصوفية والكتانية، ومصنوعات دمشق النحاسية والبلورية[74]. والذِّبْل والحبوب والذهب واللؤلؤ والعاج الافريقي والتمور[75]

سلع الشرق الاقصى الى المشرق العربي: كانت منطقة الشرق الاقصى تنتج اصنافا كثيرة مطلوبة في المشرق العربي وفي اوروبا ويمكن اجمالها بما يلي: “خشب التيك والحديد الخام والفولاذ، والفضة والاحجار الكريمة ومنها اللؤلؤ السوباري والعاج الهندي والطيوب والتوابل والعطور، والفلفل…ومواد الصباغة والدباغة…والعنبر…واقمشة قطنية وصوفية وصنادل.” والحرير والبورسلين بنوعيه البسيط والمطلي، والشاي، والفولاذ الهندي وخشب الصندل والارز والدهون الهندية. والكهرمان، والذِّبْل (غلاف السلاحف) والمرجان والخمور والارز والدهون الهندية والسكر والعقيق والياقوت الازرق والكحل والقطن. والكافور ومواد طبية والسيوف الهندية ودم الاخوين[76]

لا يمكن فهم الحركة التجارية الا في اطارها العام، المثلث المحاور الشرق الاقصى واوروبا الجسر الذي يصل بينهما ويعني به استاذنا بلاد الشام ومصر.

الاسواق: من المسلم به انه كانت لجميع المدن والمرافئ اسواق شبه دائمة كان بعضها ينشط بوصول السفن او القوافل التجارية اليها. وهي تشكل حسب الدكتور زيادة ركنا بارزا في المجتمع لانها صورة للحياة العقلية والاجتماعية، وكلما تعددت وازدهرت تعكس بالمقدار عينه النشاط في حياة الجماعة، وما ركودها الا نتيجة اضطراب شؤون المعاش والاحوال.[77] والاسواق العربية جعلت المجتمع دائم الحيوية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لشدة تنوعها واستمرارها طيلة ايام السنة. فكان بعضها موسميا كسوق المربد في البصرة، واسواق بزاغة الى الشرق من حلب، وسوق ابن ادهم في جبلة[78] واسواق الحج، وتلك المتعلقة بهبوب الرياح الموسمية في الشرق الاقصى. وكان البعض الآخر اسبوعيا، ونوع ثالث شهريا، ناهيك بالثابت منها[79]. وكان لكل سوق دور بارز في انتظام الحركتين التجارية والاقتصادية. وكان في بعضها مراكز صناعية او على الاقل مشاغل صناعية شأن اسواق الجوهريين والدباغين والصيادلة والغزالين… وكذلك اسواق عكا وحلب ودمشق [80] ولهذا كانت مسقوفة اجمالا[81]. وهي لعبت دورا بارزا في تأمين تبادل السلع التجارية بين مختلف مناطق العالم القديم.

عوامل التجارة الصليبية: لا يستقيم الكلام على هذا الموضوع بمعزل عمّا كان عليه الوضع السياسي في العالم الاسلامي انذاك؛ كانت الخلافة العباسية قد تمزقت الى دويلات ودول في مصر وبلاد الشام وفي اطرافها الشرقية. ونجح الشيعة الاسماعيليون باحتلال مصر عام 358/969 بعد ان كانوا انشاءوا خلافة لهم في المغرب سنة 297/909 . وتمكّن السلاجقة بعد سيطرتهم على العراق من ارجاع الهيبة والقوة للعباسيين، ولكنهم لم يلبثوا ان ضعفوا ونشأت في كنف سلطنتهم اتابكيات تنتمي اسميا الى السلطنة السلجوقية وكانت في الوقت عينه تتصارع فيما بينها.[82] وعلى الرغم من هذا الوضع المهتز في العالم الاسلامي فان التجارة فيه ومنه واليه بلغت مرحلة مزدهرة جدا في القرنين العاشر والحادي عشر قبل اندلاع الحروب التي سميت فيما بعد (صليبية).

وكان للتجار الغربيين وبخاصة الايطاليين، قبل اندلاعها، تجارة مهمة في المشرق العربي لا سيما في الاسكندرية وبيروت وطرابلس وصور، وينوبوا عنهم اثناء غيابهم وكلاء تجاريون،[83] كانت لهم في الوقت عينه علاقات تجارية مهمة مع القسطنطينية وغيرها من موانئ البحر الاسود ولا ادل على ذلك من المعاهدات التجارية التي عقدت بين الطرفين.[84]

لن ندخل في اسباب الحروب الصليبية وفي جدليتها المتعددة الوجوه والاهداف، انما سنتوقف قليلا عند العوامل الاقتصادية التي دفعت الاوروبيين للمجيء الى المشرق العربي لأنها كانت، على ما اعتقد،  في اساس الهجمة الصليبية، ومكتفيا بنقلها كما رآها الدكتور زيادة.

كانت قوة الاساطيل الايطالية تتطوّر بشكل ملحوظ في مقابل الضعف الذي كان ينال من الاسطولين الاسلامي والبزنطي على السواء، حتى كادت تكون سيطرة الايطاليين شبه تامة في البحر المتوسط. ذلك انه لم يكن لبعض المدن الايطالية كالبندقية مورد رزق سوى التجارة مما جعلها تعتمد بشكل شبه تام على البحر.

وشهدت اوروبا حركة ازدهار اقتصادية ملموسة على اكثر من مستوى، ولعل من ابرز مؤشراتها تطور الزراعة في فرنسا نوعا وكما فازدادت ثروة الفرنج وصار بمقدورهم دفع ثمن السلع المستوردة عينا من انتاجهم الزراعي. وتقدمت صناعة الاقمشة في البلاد الفلمنكية وفي فرنسا وصارت تنقل الى الموانئ الايطالية لتحل مكان السلع المستوردة من المشرق العربي. وجهد المسؤولون في اروربا للاهتمام بالطرق من اجل حسن سير التجارة، ولتأمين انتقال الحجاج الى زيارة اماكن بعض القديسين التي تحولت مراكزهم اسواقا موسمية لتبادل السلع المصنوعة محليا وتلك القادمة من الشرق. وسهّل سك النقود تبادل السلع نقدا عوضا عن المقايضة العينية فتحسّنت العمليات التجارية[85].

 ان هذا التطور الاقتصادي الاوروبي ادى  الى رفاه في المجتمعات الاوروبية التي صار بمقدورها شراء السلع المرتفعة الثمن. وادى نمو المدن في غرب اوروبا ثم في وسطها وكذلك تركيز الصناعة في اسواقها الى ازدياد في زخم التطوّر الاقتصادي الاوروبي بحيث صار سهلا اتقال التجار من مدينة الى اخرى والتمركز فيها حاملين معهم سلعهم[86].

فاذا كانت هذه الاسباب قد شكّلت دوافع لنمو التجارة في اوروبا فان عوامل اخرى فاقتها اهمية واوصلت الحركة التجارية الصليبية الى اوج ازدهارها. واعني بها الامتيازات التجارية، التي حصلت عليها بعض المدن الاوروبية خصوصا الايطالية او”الجمهوريات الايطالية” مثل البندقية وجنوا وبيزا وآملفي… في المدن الساحلية المشرقية بدءا من انطاكيا وحتى حدود مصر لقاء خدمات الايطاليين العسكرية التي لولاها لما اقدم الفرنجة على المجيء الى المشرق العربي ولا تمكنوا من احتلاله.[87]

 كانت جنوا اول المدن الايطالية التي شاركت بالحملة الاولى على المشرق سنة 1097-1098 ثم تلتها بيزا، ولكن الثقل العسري المهم شكلته البندقية فيما بعد[88]. ونالت جنوا مقابل خدماتها كنيسة وسوقا وثلاثين حيا في انطاكيا، وحازت بيزا وآمالفي مثل ذلك في اماكن اخرى. اما البندقية فقد استخدمت قوة كبيرة من السفن والمحاربين وعلى فترات متلاحقة ما جعل حصّتها في المملكة (اللاتينية) حيا بالقدس وربع ميناء عكا وثلث مدينتي صور وعسقلان. ومنح تجار البندقية حرية التجارة في ارجاء المملكة واعفوا من ضرائب في الموانئ والاسواق. هذه الامتيازات جعلت احياء الايطاليين مناطق خاصة وشبه مستقلة ضمن المدن يدير شؤونها قناصل ايطاليين.[89]

الحركة التجارية او الميزان التجاري: ان المعلومات الرقمية حول هذا الموضوع تستدعي العودة الى ارشيف المدن الايطالية، وبما الامر صعب جدا[90] استعاض الدكتور زيادة عنه بالاعتماد على حركة تبادل السلع بالمراجع الاجنبية التي اعتمد بعضها جزئيا على الارشيف المذكور. فقد رأى ان التجارة في الخليج العربي والمحيط الهندي ازدادت زخما بما كان يصلها من سلع الشرق الاقصى المطلوبة في المشرق العربي وفي اوروبا، وبالسلع الاوروبية الموجّهة الى الشرق الاقصى بفعل نشاط الاساطيل التجارية الايطالية، حتى بلغ به الموقف الى القول: ان تجارة بلاد الشام الساحلية اصبحت موجهة نحو الحاجات الاوروبية[91]. وفي الوقت عينه اخذت اوروبا تعنى بتصدير ما تصنعه الى الشرق عن طريق الموانئ الصليبية في المشرق العربي وعبر الاسكندرية ودمياط. ومن ناحية ثانية كانت تلبي حاجات الفرنج من بلادهم ولا سيما الثياب للمناسبات الرسمية، وتعود محملة بانواع السلع المشرقية المطلوبة في اوروبا[92]. ويعتقد مؤرخنا بالاستناد الى مجموع الوثائق التجارية ان تجارة اوروبا مع موانئ شرق المتوسط الشامية في النصف الاول من القرن السادس/الثاني عشر جاوزت مجموع التجارة بين اوروبا وبيزنطة ومصر مجتمعتين.[93]

هذا باختصار كل ما زوّدنا به الدكتور نقولا زيادة حول التجارة المثلثة الاتجاهات: الشرق الاقصى، العالم الاسلامي المشرقي، واوروبا. وهويعتقد ان حجم التجارة اي القيمة المالية التي كان يتم تبادلها بلغت اقصى اتساعها في فترة الحروب الصليبية، علما ان التجارة العالمية قبل ذلك كانت مزدهرة. وبالتالي فان الحروب بين الصليبيين والمسلمين لم تُفْقد التجارة زخمها بل عمل الفريقان على اطرادها[94]، خصوصا ان السفن صارت اكبر واسرع بفعل تطوّر صناعتها، ما جعل الاعتماد  على النقل البحري اكثر جدوى من النقل البري، الامر الذي ادى الى تطوّر الملاحة والطرق البحرية والى تحديد مواعيد ثابتة لرحلات السفن من حيث قدومها الى المشرق العربي وعودتها الى اوروبا، وقد اطلق بعض المؤرخين الاوروبيين على هذه العملية اسم “سفن المدة”[95].

واستطرادا نقول انه لا يمكن فهم الحركة التجارية الا في اطارها العام من حيث وضع البلاد الجغرافي وما حصل فيها من تطوّر او تقهقر في الموانئ والطرق التجارية والسلامة عليها، والاخذ بالاعتبار الوضع السياسي والعسكري تأزيما او مهادنة، ولايفهم ايضا الا في اطار المعاهدات التجارية التي كانت تتم بين التجار والحكام في المشرق العربي، وهذا امر اشار اليه الدكتور زيادة بشكل سريع جدا ومن دون تفصيل. فالعالم آنذاك كما تصوّره مؤرخنا :” هو وريث عالم اقدم تدور حياته الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافيةحول منطقتين:… غربية وهي دائرة حوض المتوسط، والثانية شرقية…هي الصين والهند وهذه المنطقة فيها المحيط الهندي وذراعاه الخليج العربي والبحر الاحمر وامتدادته.”[96] ويضيف ان هناك جسرا كان يربط بين المنطقتين تمثّل ببلاد الشام[97]، وكأنه ضمنا يبرز دور الموانئ الشامية في التجارة العالمية، معتمدا نظرية جيوسياسية تقارن بين مرحلتي التاريخ القديم والتاريخ الوسيط؛ ففي الاولى لم يلحظ وجودا لبلاد الشام لأنها كانت جزءا من الامبراطورية الرومانية، واعطاها في الثانية دورا محوريا لأنها كانت في صلب العالم الاسلامي. واكتمالا لصورة الحركة التجارية يضيف:” كان لعالم البحر المتوسط امتداداته…في البحر الاسود…”[98]

الصيرفة

لا تقتصر الحركة التجارية على عملية بيع وشراء السلع او مقايضتها، وعلى الاسواق من حيث توفّر السلع…بل ايضا على مقدار الضرائب المجباة، وكمية النقود المتداولة وانواعها، وعلى حركة الصيرفة، وخضوع كل ذلك الى تشريعات ترعى تطبيقها. ويمكن البحث في الامور المالية واساليبها على ركيزتين: المعاملات الرسمية، والمعاملات الخاصة. ومن العسير فهم الحركة التجارية وموضوع الصيرفة بمعزل عنهما.

 وتجدر الاشارة الى انه حتى القرن الرابع/العاشر كان النقد “في شرق عالمنا فضيا وكان ذهبيا في غربه” ثم صار بعد ذلك ذهبيا في كل التبادل التجاري العالمي.[99]وكان المشرق العربي غنيا ماليا اجمالا وزاد في غناه المالي تدفق الجاليات الايطالية اليه واستقرار بعضهم في المدن الخاضعة للسيطرة الصليبية، وبذلك التقت فيه النقود البيزنطية مع الدينار العربي والنقود التي سكّها الصليبيون مثل الدينار الاسلامي.[100]ان هذا الكم من النقود المتنوعة المصادر والنشاط التجاري المتزايد اوجبا ايجاد مراكز مصرفية، وفي الوقت عينه مؤسسات مالية رسمية. وكانت الجمهوريات الايطالية تملك مصارف ضخمة توزّعت فروعها في انحاء عديدة من العالم بما فيها المدن الصليبية في المشرق ما اسهم قي تسهيل عملية التبادل التجاري.[101]وقابل هذا العمل المالي مراكز مصرفية مشرقية مهمة جدا كانت السبّاقة في هذا الميدان كما سنلاحظ ذلك في الصفحات اللاحقة.

المعاملات الرسمية: عرّفها الدكتور زيادة بما يلي:” تشمل هذه جمع الضرائب من المناطق المختلفة وتحويلها الى العاصمة والقيام باقراض اهل الحكم، والحفاظ على اموالهم الخاصة.”[102]وكان يقوم بمهامها عدد من الموظفين من ابرزهم:

الجهبذ: هي وظيفة قديمة جدا تعود الى ايام الساسانيين، وعُمل بها منذ بدايات الدولة العربية الاسلامية، وافرد لها العباسيون ديوان خاصا. وكان من مهامه استلام الوارد من الخراج وغيره من الضرائب، وتحضير حسابات شهرية وسنوية بالمداخيل.[103]

ادارة الاموال: كانت الاموال خلال العصور الوسطى وفيرة جدا في ايدي التجار وكبار موظفي الدولة. ويعمد هؤلاء ولا سيما التجار الى اخفاء ثرواتهم خوفا من مصادرة ارباب الدولة لها اما بدفنها في الارض او يعهدون بها الى الصيارفة، لأن الجهابذة والصيارفة يقومون بنقل الاموال الخاصة والرسمية ويدينون الاموال للمؤسسات الرسمية وللاشخاص.[104]

كان الصيارفة وغيرهم من الموظفين الماليين ممن يديرون اموال ارباب الدولة يحصلون على عمولة عليها، وينالون ارباحا اخرى تنتج عن اختلاف اسعار النقد، ومن الفوائد على الديون. هذا ناهيك ان هؤلاء كانوا يقومون بجميع انواع التجارة أكان في النقد او في السلع.[105] ويقول مؤرخنا ان :” المعاملات المالية والتجارة والصيرفة كانت مترابطة فيما بينها في ذلك الزمن، ومن التنظيمات التي تمت ايامها انشاء اول مصرف رسمي سنة 301/913″ [106]  . وقد اقتضت الامور والمؤسسات المالية قيام شركات تجارية او مصرفية.

الشراكة: ان كثرة الاموال ووفرتها في القرون الوسطى ادت الى انشاء الشركات التجارية من اجل تسهيل التجارة والحصول على اكبر قدر ممكن من الارباح. واذا كانت الشراكة قديمة العهد عند العرب وترقى الى ما قبل الاسلام، فانها انتظمت في التشريع الاسلامي وقوننتها كتب الفقه.

 ويمكن اعتبار تجارة المفاوضة النوع الرئيس في الاتجار وقد تكون بين شريكين او اكثر، وكل ما يتجر به بيعا وشراء خاص بالشركة، والشركاء مسؤولون بالتساوي، والشريك هنا كفيل.[107]

وتعتبر “تجارة العنان” الوسيلة الثانية للاتجار، واساسها هو كل ما لا تقبله شركة المفاوضة. وقد يشترك في تأسيسها وادارتها طرفان او اكثر، وقد تتخصص بنوع واحد من الثياب، وفي هذه الحال لا يكون الشريك كفيلا.

وكانت الشركات لا تحبّذ نقل الاموال بين الاماكن المتباعدة او من بلد الى آخر بسبب الاخطار المتعددة التي قد تصادف ناقل الاموال على الطرقات، لذلك اعتمد على “الصك” وسيلة بديلة عن الاموال النقدية وهو يماثل الشك في ايامنا. هذا اضافة الى ان التجار قد يحتاجون احيانا الى الاموال فكانوا يلجؤن الى الصيارفة يستلفونها منهم بالطريقة عينها. استخدم الصك في كامل البلاد الاسلامية في الشؤون الكبيرة والصغيرة. كانت الارباح على الصكوك كبيرة جدا لان الصيارفة كانوا يتقاضون درهما واحدا عن كل دينار في صك، وازدادت ارباحهم كثيرا عندما تعاملوا مع الحكومات .[108]

واستخدمت “السُفْتَجة” (مشابهة للصك) كوسيلة اخرى لنقل الاموال وكان معظم التعامل يتم بها بين الجهابذة. والى جانب السفتجة والصك، الذين اعتمدا في نقل الاموال، استخدمت الحوالة في جميع اصناف المبادلات المالية والتجارية اي التعامل بالسلع على انواعها.[109]

كان هناك صنف آخر من التجارة عرف بتجارة الصداقة او الصحبة وهي تقوم بين تجار يعيشون في اماكن متباعدة. وقوامها ان يرسل تاجر بضاعةً الى آخر لا يعرفه شخصيا انما يتمتع بسمعة طيبة، فيبيعها له هذا ويحاول الحصول على اكبر قدر ممكن من الارباح من دون ان يتقاضى عمولة لقاء هذه الخدمة، ومن ثم يرسل ما حصل عليه الى تاجر قريب منه كان المرسل اعتمده وكيلا عنه. وكان هناك صنف آخر من الشراكة عرف بشراكة الاسرة قوامها الآباء والاخوة والاعمام.[110]

وكيل التجار: وقد وجدت فئة من التجار لم تعثر على تجار مراسلين تتعامل معهم فنشأ عنها منصب “وكيل التجار” ويقول فيه مؤرخنا:” قد يكون مجرد رجل عادي يتعامل في تجارات صغيرة، او تاجرا كبيرا يتعامل مع كبار التجار لقاء مبلغ معيّن من نسبة الارباح. وفي هذه الحال يكون هو نفسه تاجرا ثريا معروفا، وتكون له “دار وكالة”…وهو يعتبر نقلا عن Goitein ان منصب القنصل في الجاليات الايطالية نشأ عن المنصب المذكور.[111]ويضيف غويتن ان المدن التجارية الكبرى مثل الفسطاط وصور وحلب… حفلت بالكثير من الوكلاء التجاريين حتى ان بعض البلدات العادية كان فيها وكيل تجاري[112].

توابع تجارة: واقتضت التجارة على اختلاف انواعها تأمين “توابع تجارة” ومنها : استئجار اشخاص لحراسة للسلع ونقلها، او لايداع السلع عند اشخاص آخرين تمهيدا لبيعها او تخزينها لحين الحاجة اليها. وفي مثل هذه الوضعية قد يتطلب الامر تمديد المهلة الزمنية للاعتماد المالي.[113] واقتضت التجارة ومستلزماتها المالية والادارية تشريعات فقهية افتى بها المذهب الحنفي ولا سيما في ما يقتضيه ” تحصيل الربح” من العمل التجاري.[114]

منهج نقولا زيادة في دراسة التجارة والصيرفة:لا يمكن فهم شغف نقولا زيادة بالرحالة اذا لم نكن قد عايشناه واستمعنا الى رؤيته للاحداث والى تعليقاته عليها، او ان نقرأ بامعان مؤلفاته وندخل الى اعماق تفكيره، فهو نفسه كان رحالة بامتياز. ولست اغالي ان قلت، كونني كنت تلميذه وصديقه على مدى اربع وثلاثين سنة، انه زار معظم البلاد والمدن بل الاماكن التي تحدث عنها في مؤلفاته.

ولنستوعب منهجه يجب ان ندرك انه كان شغوفا بعادات الشعوب واساليب معاشها؛ استهوته الاسواق ولا سيما الاسواق العربية ما جعله يولي دراستها عناية خاصة في مؤلفاته، فوصفها بكثير من الدقة من دون ان يهمل الكلام على الانجازات البنائية على اختلاف انواعها وهندساتها المعمارية للبلاد او المدن التي تناولها.

ولعل ما يحدونا لفهم اهتمامه بالتجارة، هو اعتباره لها شكلا حضاريا متطوّرا يتوافق مع نظرته التاريخية المبنية على الولع بدراسة الانجازات الحضارية. فهو قلّما أرخ لمواضيع عسكرية صرفة، وما كان تناوُلُه لبعضها بشكل سريع الا للإضاة على نواح حضارية تخدم موضوعه. لم تكن تهمه التفاصيل العسكرية الا للمعارك التي انتصر فيها من لم يكن يُنتظر انتصاره. كان يركّز على ابداعاته العسكرية الفذة، انطلاقا من اهتمامه بنتائج المعارك الايجابية اوتداعياتها بعد ان يكون تحدث بعمق عن اسبابها.

واذا تفحصنا مؤلفات الدكتور زيادة من حيث التركيب البنيوي نلاحظ: ان معظمها قُسّم الى فصول او نقاط او اقسام رئيسة، يضم كل واحد منها مجموعة ابحاث متجانسة الى حد او متقاطعة مع المحور الرئيس.  من هذا المنطلق لم يدرس  التجارة كموضوع مستقل وفي كتاب تام، بل تطرق اليها من خلال ابحاث كان انجزها منذ فترات بعيدة قدّم بعضها في ندوات او مؤتمرات علمية، والبعض الآخر نشره في دوريات متخصصة، ثم جمعها وفق تجانس مواضيعها ومراحلها الزمنية ووزعها على عدد من مؤلفاته مثل:” مشرقيات في صلات التجارة والفكر ” و”عربيات حضارة ولغة” و”متوسطيات تجارة وحياة فكرية” هذا اضافة الى مقالات موجودة في ارشيفه لم تنشر بعد او ان بعضها على طريق النشر، وهي التالية:” من جنوب الجزيرة العربية الى شمالها” و”اقدم خط بحري في العالم القديم” و”طرق التجارة العالمية ومراكزها” و” التجارة والصيرفة من اواسط القرن الرابع الى اواسط القرن السادس للهجرة”.

لذلك، لا يمكننا دراسة التجارة عند نقولا زيادة على انها كل متكامل وفي كتاب واحد، لأن بعض المواضيع تكررت فيها معلومات ذكرت في ابحاث سابقة او اخرى لاحقة تبعا لتوالي صدورها الزمني. وللاضاءة على دراسة التجارة في التاريخ القديم علينا اعتبار بحث” دليل البحر الارثري” الصادر في سبعينيات القرن الماضي[115] مقدمة لما سيليه من ابحاث تتعلق بالتجارة في تلك الفترة، او انا على الاقل اعتقد ذلك. وقد حاول المؤلف ان يجمع هذه الابحاث بل يصنّفها ضمن الكتاب الواحد الذي تتآلف فيه. ويؤكّد هذه النظرة البحوثُ التي تليه في (مشرقيات) مثل: “تجارة البحار الشرقية في العصور الوسطى”، و:” تطوّر الطرق التجارية بين البحر الاحمر والمحيط الهندي”. ما يعطي دليلا دامغا على ان المؤلف لم يرد دراسة التجارة بشكل متكامل ومطرد بل جزّءها تبعا للعصور وتواؤم ابحاثه معها. وقد تداخلت معلومات الابحاث فيما بينها ما يعني ان مؤرخنا كتبها بالتدرج مستعينا لبعضها الاكثر حداثة بمعلومات استقاها من سابقاتها، مطوّرا الجديدة بمعلومات اضافية اكثر حداثة.

جاءت التجارة في العصور الوسطى كناية عن ابحاث يتطرق كل واحد منها الى موضوع محدد يتناسب مع العناوين المتجانسة في فصل محدد من احد كتبه التي ذكرت، قد يكون عن تجارة منطقة جغرافية او دولة معينة في فترة التاريخ القديم يرقى الى ما قبل الميلاد ويتجاوزه الى ما بعده[116].ولا بد من الاشارة هنا الى ان المقالات في كتبه وارشيفه متداخلة، بل ان بعضها يزاوج بعضا آخر حتى ان مقاطع حرفية او شبه حرفيا استخدمت في اكثر من بحث. ما يجعل كتاباته في موضوع التجارة  ككل تفتقر الى خط محوري واضح يشد اجزائها بعضها الى البعض الآخر ويؤسس الى مركزية الموضوع. فالمحور غير مقسّم الى نقاط رئيسة تستند الواحدة على الاخرى او تمهّد لما سيليها، وتمنع التكرار. وبالتالي فان هذه الابحاث تتحدد بارتباطها بموضوعي التجارة والصيرفة، وبالانتماء العام الى الحضارة التي تشكل عمودها الفقري، وهذا لا يبخسها قيمتها العلمية الراقية ولا فهم مؤرخنا لابعاد التجارة عبر العصور من حيث الطرق التي تبّدل بعضها بفعل عوامل سياسية او ادارية، ومن حيث الموانئ ايضا التي ضعف بعضها وتطوّر بعضها الآخر. وخصوصا انه يتابع مصادر السلع وانواعها واهمية كل منها في التجارة العالمية، ليعطينا معلومات عن اهمية بعض السلع وتطوّر تصديرها منذ ما قبل الميلاد وحتى اواخر العصور الوسطى شأن البخور والمر واللبان والحرير والتوابل والافاويه والاقمشة… ومن الملاحظات المهمة في ابحاث الدكتور زيادة ان كل واحد منها يرسم مصورا جغرافي للبلاد التي يتناولها، فتدرك انك امام جغرافي بارع يهدف الى ايصال المعلومات التي يريد باكبر قدر ممكن من ايضاح الصورة وبايجاز ملفت للانتباه. فمؤرخنا لم يحاول اعادة صوغ ابحاثه في كتاب واحد مبني على معطيات ابحاثه بل اكتفى منهجيا بما ذكرت. ربما ليعرف القارئ بتطوّر تفكيره ومنهجه منذ بدايات حياته البحثية والاكديمية.

يعرفنا الدكتور زيادة باسماء المناطق والمدن التي كانت تشتهر بها عبر التاريخ القديم والوسيط وباسمائها الجديدة مثلا: قنا = بير علي، واورغانا = هرموز، وجزيرة اوركتا = قشم، ونهر أناميس = ميناب، وموزا = مخا، لوكي كومي = الحوراء. [117]وهي ميزة مهمة جدا في البحث الاكديمي تضع القارئ على الخط الجغرافي الصحيح.

ويقتبس احيانا في اسلوبه نهج الرحالة العرب والمسلمين خلال العصور الوسطى، بمنهج جديد يعتمد على وحدة الموضوع والتدرج التاريخي. ويعزز هذا الرأي ايراده في مؤلفاته لمقاطع طويلة جدا مأخوذة بحذافيرها عن الرحالة العرب. اما لغته عربية فهي ممتازة تركيبا واعرابا ووضوحا في الافكار، سلسة خالية من الابهام والتورية والوصف الشاعري، كتبت باسلوب علمي سهل خال من الجفاف.

اعتمد مؤرخنا الكبير في كتاباته حول التجارة على المصادر العربية خصوصا مؤلفات الرحالة والجغرافيين العرب، الذين بوّأهم منزلة عالية للصبر المنقطع النظير على المشقات والمخاوف التي كابدوها في رحلاتهم، ولوصفهم الدقيق للاماكن التي زاروها ودوّنوا مشاهداتهم عنها، ولا سيما ان الدكتور زيادة زار معظم الاماكن التي وردت في مؤلفاتهم. ونبع تقديره لهم ايضا من المعلومات الحضارية التي زوّدونا بها عن الطرق والموانئ التجارية وكل ما له العلاقة بموضوع التجارة.

 ويؤخذ عليه اعتماده بشكل رئيسي على المراجع التي كان يثق بها ولا سيما الاجنبية منها اكثر من استخدامه المصادر. فمثلا استقى معظم معلوماته عن الصيرفة من مرجعين اثنين اجنبيين هما Goitein و Fischel الذين بدورهما استقيا معلوماتهما، على ما اعتقد، من المصادر الفقهية كمؤلفات الطوسي صاحب “النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى”، والسرخسي صاحب ” المبسوط”، والكاساني في ” بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع”[118]وغيرهم.

كان نقولا زيادة يخزّن في ذاكرته الكثير من المعلومات التي استقاها من المصادر والمراجع او من المشاهدات العينية، لذلك قد نقرأ له فقرات بل صفحات احيانا من دون ان نجد فيها هامشا واحدا، بل بحثا تاما من دون هوامش. اذ كان يكتفي باحالتنا على المصادر والمراجع التي تطال البحث المذكور والتي كان قد تبحّر فيها. كان شديد الثقة بمعلوماته، معتمدا على ذاكرة قل نظيرها في تخزين المعلومات لازمته حتى آخر يوم من حياته، كانت قادرة على حفظ الحدث وتخزينه لمدة طويلة بشكله شبه التام. ومما زاد في ثقة معلوماته انه كان يقرأ بطريقة الباحث الواعي فما كان يفسح في المجال لمرور بعض الافكار من دون ان يستوعبها. ومن يطالع كتبه الشخصية التي قرأها ( كان لي شرف الاطلاع على بعضها) يجد انه دوّن ملاحظات على هوامشها اوتعليقات على مؤلفيها خصوصا اؤلئك الذين كانوا يقعون باخطاء على مستوى الحدث التاريخي او الموقع الجغرافي. ولطالما حدثني عن اساليب مؤرخين وكتاب مشهورين كان يأنف من قراءة مؤلفاتهم بسبب صياغتها المتكلّفة، او لان افكارا مبهمة ترد فيها احيانا، واسلوبها غير مباشر ومفرط في التوريات…

رحم الله استاذي الكبير الدكتور نقولا زيادة، الذي اكن له تقديرا واحتراما منقطعي النظير،  وآمل من روحه الطاهرة ومن القراء الكرام ان يغفروا لي هفوات قد اكون ارتكبتها عفوا، او لانني لم افه حقه وقدره العلمي.

انطوان ضومط  


[1] – زيادة(نقولا)، رواد الشرق العربي في العصور الوسطى، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 1986 سنرمز اليه (رواد)

[2] –  المرجع السابق، ص  92- 94

[3] –  لا ادري اذا كان هذا البحث قد نشر  حتى تاريخه، لأن الدكتور زيادة يشير في اعلى الصفحة الثانية منه  انه اعد للموسوعة العربية المعنونة ” الكتاب المرجع لتاريخ الامة العربية” في المجلد الثالث: الاوج والازدهار، وسأرمز اليه ب تجارة وصيرفة. وقد شاركت انا شخصيا في بحث عن الاقتصاد والمجتمع في عهد المماليك في الموسوعة عينها ولا ادري حتى تاريخه اذا كان تم نشره.

[4] –  زيادة(نقولا)، مشرقيات في صلاة التجارة والفكر، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 2002، ص 87-104 وسنرمز اليه ب مشرقيات

[5] –  مشرقيات ، ص88

[6] –  المرجع السابق ص 88

[7] – مشرقيات، ص87

[8]  – زيادة،(نقولا) مشرقيات ، ص 102.

[9]  –  ” كان العالم…تدور حياته الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية حول منطقتين: المنطقة الواحدة هي الغربية وهي دائرة حوض البحر المتوسط والثانية شرقية وتشمل مساحة اوسع ورقعة اكبر وهي الصين والهند؛ =

=وهذه المنطقة قيها المحيط الهندي وذراعاه الخليج العربي والبحر الاحمر…وكان ثمة جسر بري يوصل بين اجزائهما.”زيادة، مشرقيات، ص 133-134

[10]  –  مشرقيات ص 102 – 104

[11] –  مشرقيات، ص 92

[12] –  زيادة، مشرقيات، ص 105- 115 . لا يشير المؤلف متى اصدر هذا البحث وفي اية مجلة

[13] –  زيادة، مشرقيات، ص 105

[14]  –  المكان نفسه، عربيات، ص 184

[15]  –  زيادة(نقولا)، متوسطيات تجارة وحياة فكرية، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 2002 ، ص 68، وهناك تفاصيل اضافية توضح مسالك هذا الطريق في ” التجارة والصيرفة ” ، يذكر ما حرفيته:” يبدأ من شانغ-آن مرورا ب تشو وآن-هزي…ويتجه الى ميران…وكَشغر ثم الى طشقند وسمرقند وبخارى ومنها الى بغداد.” ص8 ، ولنا وقفة طويلة مع البحثين معا بدراسة طويلة.

[16] – فهمي،( نعيم زكي)، طرق التجارة الدولية ومحطاتها بين الشرق والغرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973، ص 154. وسنرمز  اليه ب طرق التجارة

[17] –  المكان نفسه

[18] –  زيادة، مشرقيات، ص 106

[19]  – المرجع السابق، ص122

[20] –  زيادة مشرقيات، ص107

[21] – تجارة وصيرفة، ص 9

[22] –  ضومط، (انطوان) وآخرون، الشرق العربي في القرون الوسطى، الدار اللبنانية للنشر الجامعي، بيروت، 1996، ص135-137،171-172، 182-184 . سنرمز اليه ب الشرق العربي

[23] – Gayet, Le Cours, Histoire du commerce, T II, Paris, 1923, p 315 سنرمز اليه ب Gayet

ضومط،( انطوان)، الدولة المملوكية، التاريخ السياسي والاقتصادي والعسكري، دار الحداثة بيروت، ط1، 1980، ص 183 سنرمز اليه ب الدولة المملوكية

[24]  –  زيادة (نقولا)، عربيات حضارة ولغة، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 2002 ، ص 184  سارمز اليه ب عربيات

[25] – زيادة، مشرقيات، ص105

[26]– هناك العديد من المؤلفات التي تناولت هذا الموضوه نذكر منها: – Depping. G. B, Histoire du commerce entre le levant et l’Europe depuis les Croisades jusqu’à la fondation des colonies d’Ameriques.T I et II, T I. pp.33.36, 38,39 ….

المسعودي، (علي بن الحسن)، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق شارل بّلا، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1966 . سنرمز اليه ب مروج

Heyd, W. Histoire du commerce du Levant au moyen age ,T I et II    في اماكن عديدة

[27] – زيادة، مشرقيات، ص 105

[28] – زيادة مشرقيات، ص106

– عربيات ، ص 78

[29] – J. Oliver Thomson, History of ancient geography, New York, 1965, p. 134   Oliverسنرمز اليه

خصوصا ان العرب احتكروا تجارة البخور بنوعيه اللبان والمر، والطيوب والافاويه، والحجارة الكريمة.

[30] –  زيادة مشرقيات، ص 106-107

[31] –  زيادة، مشرقيات، ص 107

[32] –  زيادة، مشرقيات، ص 107

[33] –  المرجع السابق، ص108

[34]  –  يتوسع الدكتور زيادة بالحديث عن التجارة داخل الصين ونحن لن نتعرّض لهذا الموضوع لأن ما يهمنا هو التجارة في المشرق العربي الاسلامي منذ العصور القديمة وخلال العصور الوسطى التي هي موضوع اختصاصنا.

[35] –  زيادة ،متوسطيات، ص 59-118

[36] –  متوسطيات، ص 60-68، 73-74

– تجارة وصيرفة، ص 1-2

[37]  –  زيادة، متوسطيات، ص 68 ، عربيات، ص 168

[38] – متوسطيات، ص 69 ، تجارة وصيرفة، ص 3

[39] –  متوسطيات، ص 69، تجارة وصيرفة، ص 3

[40] – متوسطيات، ص 70

[41] – متوسطيات، ص 70، تجارة وصيرفة، ص4

[42] – متوسطيات، 70،

[43] – متوسطيات، ص 104

[44] –  لمزيد من الاطلاع انظر : ضومط (انطوان)، “ملامح من الاقطاع العسكري في العصور الوسطى”، مجلة المسرة، المطبعة البولسية، بيروت، 1985، العددان 719-720، ص 723-742 وسنرمز اليه ب ملامح

[45] – الشرق العربي، ص 112-114، 135-138،171-174،182-184،235-238

[46] – لمزيد من الاطلاع على الطرق بين الشرق والغرب انظر: طرق التجارة، ص 118، 124، 154، 161 ، وضومط، الدولة المملوكية، ص 182_184

[47] – انظر على سبيل المثال الطريق الذي يربط البحر الاحمر بالفسطاط، متوسطيات، ص 139، وكذلك الطريق بين الخليج العربي والشام، متوسطيات، ص 103

[48]  –  عربيات، ص، 91، 165

[49] –  المرجع السابق، ص 191

[50] – نفسه، ص 190-191

[51] –  عربيات، ص 49-52

[52] –  عربيات، ص 178

[53] –  ضوط، الدولة المملوكية، ص 183

[54] –  ضومط، الدولة المملوكية، ص 184-188، وانظر ايضا: ضومط (انطوان)، ” التجارة الصليبية في المدن اللبنانية” مجلة تاريخ العرب والعالم، العدد  195 كانون الثاني يناير- شباط/ فبراير  2002  والعدد 196 آذار /مارس 2002 وسأرمز اليه ب التجارة الصليبية

[55] –  لقد رسمت انا عددا من هذه الطرق ولا سيما الطريق الذي يصل بين حلب وطرابلس وكذلك الطريق الذي كان يربط بني دمشق وبيروت او صور  معتمدا على ابن خرداذبه و ناصر خسرو والادريسي وابن جبير وابن بطوطة، فضلا عن مراجع اجنبية، انظر: التجارة الصليبية، العدد 196 ص 40-41

[56] – تجارة وصيرفة، ص 5

[57] – المكان عينه، متوسطيات، ص 105، 108، تجارة وصيرفة، ص 5

[58] – متوسطيات، ص 104، عربيات، ص  175، 191

[59] – المرجع السابق، ص 104-105 ، هربيات، ص  179

[60]– متوسطيات، ص 72

[61]  –  متوسطيات، ص 72 ،  عربيات، ص 49-50، تجارة وصيرفة، ص 6

[62]  –  عربيات، ص 131، تجارة وصيرفة، 3

[63] – متوسطيا ت، ص 73، 131- 132، تجارة وصيرفة، 13  

[64] –  متوسطيات، ص 143

[65]  – تجارة وصيرفة، ص  11

[66] – متوسطيات، ص 91 انظر تفصيل ذلك اعلاه.

[67] –  المرجع السابق، 73-74

[68] – متوسطيات، ص 74

[69]  –  متوسطيات، ص 72

[70]  – المكان عينه، تجارة وصيرفة، ص 5

[71] – متوسطيات، ص 132، عربيات، ص 174

[72] –  متوسطيات، ص 75،  تجارة وصيرفة، ص 16

[73] – متوسطيات، ص 100، 102، 133، 153، 148

[74]  –  متوسطيات، ص 137

[75] – عربيات، ص 168

[76]  عربيات، ص 168، 183-184، تجارة وصيرفة 6-7

[77] –  عربيات، ص 147

[78] –  المرجع السابق، ص 148

[79] – عربيات، ص 148، متوسطيات، ص 100، 139

[80] –  عربيات، ص 149

[81] –  المكان عينه، متوسطيات، ص 100-101

[82] – عربيات، ص 209-211 ، متوسطيات، ص  120، 125-128

[83] –  عربيات، ص  212-213 متوسطيات، ص 132 ولمزيد من الاطلاع على هذا الموضوع انظر: Byrne, E.H Genosese Shipping in the twelfth and thirteenth Centuries Cambridge, 1930, pp.5-6

  • Cahen, C., “Le commerce d’Amalfi avant pendant et après la croisade”, Comtes-rendus de l’Académie des Inscriptions et Belles Lettres, Paris, 1977, pp.29-310, pp.295-296
  • ضومط، التجارة الصليبية، ص 7، 9_10. وهناك الكثير من المؤلفات التي تناولت هذا الموضوع.

[84] – متوسطيات، ص  132

[85]  – تجارة وصيرفة، ص 14

[86] – متوسطيات، ص 132-133،  تجارة وصيرفة، ص 14،

[87] – ذكر الدكتور زيادة بعض تلك الامتيازات بايجاز واضح، انما كانت هناك امتيازات اكبر واوسع ذكرتها مصادر متنوّعة بالتفصيل، انظرها في : ضومط، التجارة الصليبية، وساذكر بعضها في الهامش رقم 89  

[88]  –  زيادة (نقولا)، عالم الحروب الصليبية، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 2002، ص، 247-251  متوسطيات، ص 146، تجارة وصيرفة،  22-23

[89]  –  متوسطيات، ص 146-147 ، تجارة وصيرفة، ص 22-23 . تجدر الاشارة الى ان  الايطاليين حصلوا على امتيازات في صيدا وبيروت وطرابلس وغيرها. وحاول الفرنجة في اوقات عديدة الانقلاب او التملص منها ما ادى الى صراع بينهم وبين الفرنجة، ومن جهة ثانية سببت حروبا في ما بين الجمهوريات الايطالية نفسها. لمزيد من الاطلاع انظر: هايد،(ف) تاريخ التجارة في الشرق الادنى في العصور الوسطى، تعريب احمد محمد رضا، القاهرة، الهيئة المصرية العامة، 1985 4 اجزاء، ج1، 326، 329، سنرمز اليه (تاريخ التجارة). بالار (ميشال)، “الجمهوريات البحرية الايطالية والتجارة في الشام-فلسطين، من القرن الحادي عشر الى القرن الثالث عشر” ضمن كتاب الصراع الاسلامي-الفرنجي على فلسطين في القرون الوسطى، تحرير هادية الدجاني شكيل وبرهان الدجاني، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1994، ص 191، 194. ضومط، التجارة الصليبية، ص 16-20  

[90]  – لضخامة الارشيف ولأن  الوثائق كتبت بالايطالية القديمة

[91] – تجارة وصيرفة، ص 24

[92] –  متوسطيات، ص 149، تجارة وصيرفة، ص 24-25،  وانظر حول التبادل التجاري فصل السلع التجارية

[93] – تجارة وصيرفة، ص 24

[94]  –  متوسطيات، ص 107، 147،

[95] –  متوسطيات، ص 144-145 لمزيد من الاطلاع على موضوع مواعيد السفن او سفن المدة وتطور صناعة السفن انظر: ضومط: التجارة الصليبية، ص 44-45، و الدولة المملوكية، ص 211-212

[96] –  متوسطيات، ص 133-134

[97] – متوسطيات، ص 134

[98] – متوسطيات، ص 134

[99]  –  تجارة وصيرفة، ص، 35

[100] –  ضومط، التجارة الصليبية، ص 43

[101] – التجارة الصليبية، ص  44 ، تجدر الاشارة الى ان الدكتور زيادة لم يذكر هذا الموضوع ولكنني وجدت ان البحث يستدعي التطرق اليه ولو جزئيا.

[102]  –  تجارة وصيرفة، ص 35

[103] – تجارة وصيرفة، ص 37

[104] –  المرجع السابق، ص 38، ولمزيد من الاطلاع انظر المرجعين الذين استخدمهما الدكتور زيادة: الدوري ( عبد العزيز)، تاريخ العرب الاقتصادي في القرن الرابع الهجري، دار المشرق، بيروت، 1986 ص 168

Fischel, Walter, Jews in the Economic and Political Lief of Medieval Islam, K T A V, Publishing House, New York, 1969, pp. 14-21

[105] –  تجارة وصيرفة، ص 39 ، وتجدر الاشارة الى ان كلمة “الشك” اصلها عربي اشتق من كلمة “الصك” انتقلت الى جميع اللغات العالمية

[106]  – تجارة وصيرفة، ص 39  

[107] –  تجارة وصيرفة، ص 40

[108] – المرحع السابق ص 40

[109] – تجارة وصيرفة، ص  42-43

[110]  –  المرجع السابق، ص 44، كان هناك شركات تجارية اخرى لم يذكرها الدكتور زيادة مثل: شركة الوجوه، وشركة التقبيل، وشركة الابدان لمزيد من الاطلاع انظر: الكاساني (ابو بكر)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، القاهرة، 1910، ج6، ص 57-58 ، والسمرقندي (محمد بن احمد)، تحفة الفقهاء، دمشق، 1964،ج 3، ص1

[111] – تجارة وصيرفة، ص  46 ، لمزيد من الاطلاع حول الصيرفة انظر: المرجع التالي الذي استخمه مؤرخنا بكثرة

Goitein, D. S.” Changes in the Middle East 950-1150 as illustrated by the documets  of the Cairo Geniza” in Islamic Civilization, ed. D.S. Richards. Oxford Cassieres, 1973

[112] –  تجارة وصيرفة، ص 46

[113] –  تجارة وصيرفة، ص 47 

[114] –  المكان عينه

[115]  – زيادة( نقولا)، ” تطور الطرق البحرية التجارية بين البحر الاحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، دراسات الخليج والجزيرة العربية، العدد 4، السنة غير مذكورة كاملة(197)

[116] – انظر مثلا فهرس الموضوعات في “مشرقيات” و”عربيات” و متوسطيات”…

[117]  – عربيات، ص  71، 76، 78-79 ، مشرقيات، ص 92 وغيرها في كتبه الاخرى

[118] –  ان هذه المؤلفات وغيرها تبحّرت شخصيا بها، وهي غنية بكل ما له علاقة بالتجارة والصناعة والاحكام الفقهية حولها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *