ندوة ضياء مطر “لبنان في الفترة الانتقالية 1918-1920” كلمة الدكتور انطوان ضومط

ايها الحضور الكريم، في اطار المهرجان اللبناني للكتاب نخصص هذه الندوة لمناقشة كتاب الاستاذة ضياء مطر” لبنان في الفترة الانتقالية 1918-1920″. وهو في الاساس رسالة اعدت لنيل شهادة الكفاءة في كلية التربية – الجامعة اللبنانية، عام 1972. ناقشتها لجنة تألفت من الدكتور فؤاد افرام البستاني مشرفا، الدكتور جان شرف قارئا. تغمّد الله الثلاثة برحمته.

اليوم قد يتراءى للبعض ان الموضوع اشبع درسا وتمحيصا، وقد لا يقدم باحثه جديدا، انما  عودة عام 1972 تجعلنا ندرك مدى صعوبة الحصول على المعلومات الضرورية، لا سيما وان الولوج الى ارشيفات الدول الاوروبية، التي تحتضن المعلومات الغنية والضرورية لم يكن ويوم ذاك امرا سهلا. ولم  يكن مطلوب من طلاب الكفاءة بذل جهود تتعدى المستوى المطلوب، التي لم تلتزم به ضيا وتجاوزته. ونحن كمؤرخين ندرك ان الحدث لا يدرس الا في زمانه ومكانه وظروفه، وبالتالي ينطبق الامر عينه على تقويم المؤلفات. اضف الى ذلك انه اثر عن الدكتور فؤاد افرام بستاني اختزانه كما هائلا من معلومات، وغنى في معرفة مصادرها. واشتهر الدكتور جان شرف، الى جانب ثقافته العالية، بمنهج صارم.

لقد استوقفني في هذا الكتاب اكثرُ من معلومة تفتقر اليها الكتب ذات الصلة الصادرة حديثا. لعل ابرزها الخطة التي وضعتها الحملة الفرنسية عام 1861 مقترحة حدودا للبنان المتصرفية تشتمل على ما يعرف بالاقضية الاربعة، اي لبنان الحالي. وردت الاستاذة ضيا فشل المشروع الى معارضة العثمانيين له رغبة منهم بتجويع اللبنانيين. ثم ذكرت حدود المتصرفية بدقة ارقاما ومناطق، وتقسيمات ادارية؛ فعرّفت بالقائمقاميات السبع التي تألفت منها، وحددت ما كان يتبع كل منها من مديريات.

تناولت الباحثة الاوضاع السياسية منذ انهزام الاتراك في الحرب العالمية الاولى، مركزة على المحادثات المحلية والاقليمية ذات الصلة. واعتبرت ان سيطرة الفرنسيين لم تكن محبة مطلقة باللبنانيين لتخليصهم من النير العثماني، بقدر ما كانت ارادة سياسية لتحقيق مصالحهم الاساسية في المشرق العربي. لذلك اصدروا تعيينات ادارية رئيسة ذكرت الباحثة اسماء الموظفين الفرنسيين الذين تبوؤها في كل ادارة. ونحن لا نقع على هذه الِجدّة الا فيما ندر من الكتب. وانتقلت الى محادثات حسين –مكماهون، فاتفاق فيصل كليمنصو، وردّات الفعل عليه من قبل اللبنانيين ومن المؤتر السوري العام بالمقررات النارية التي اصدرها.

ادت اتفاقية سايكس –بيكو، وفق تقديرها، وهذا صحيح، الى صراع سياسي فرنسي بريطاني حين بوشر في تطبيقها، بحيث تشابكت وتعارضت في ما بينهما من جهة، ومصالح الدولتين مع الاوضاع الدولية والاقليمية المتربة عليها من ناحية ثانية، واثرت تأثيرا مباشرا على الاوضاع اللبنانية الداخلية. ما حدا بمجلس ادارة المتصرفية الى ارسال ثلاثة وفود الى مؤتمر الصلح للمطالبة بتوسيع حدود المتصرفية وانشاء دولة لبنان الكبير. من دون ان تغفل عن الظروف الدافعة لارسال كل وفد، وردات الفعل عليه في الداخل اللبناني، او من قبل السوريين. واعتبرت ان موقف الاميركيين من سايكس-بيكو ادى الى ارسال لجنة كينغ-كراين للوقوف على آراء الناس من الاتفاقية. وبحثت باتقان اتفاق لويد جورج-كليمنصو الذي مهد لاتفاق فيصل كليمنصو. وبالتالي تناولت الظروف الدولية والاقليمية والداخلية اللبنانية والسورية التي اسهمت بعقد مؤتر سان ريمو الذي انبثق منه الانتداب. وعرضت لموقف اللبنانيين والسوريين من تطبيقه، وانتقام الفرنسيين ممن  عارضه في البلدين، التي انتهت بمعركة ميسلون وخروج الامير فيصل من المعادلة السورية. وتلى ذلك اعلان دولة لبنان الكبير في 1 ايلول 1920 وردات الفعل اللبنانية والسورية عليه.

ايها الاصدقاء، ان هذا التنسيق والترابط في المعلومات، ودقة الملاحظة يعطي هذه الرسالة -الكتاب اهمية خاصة، لا لقيمته العلمية منهجا ومضمونا فحسب، انما ايضا لمنزلته الرفيعة عند اهل ضيا لا سيما اخيها  سهيل مطر، وهو الاستاذ الجامعي الذي يميز بين الغث والثمين. فانتشل ثمين ضيا من صناديق النسيان،  ونفح فيه حياةً تعانق طيب الروح ورضى الضمير، تخليد لذكرى اخت حبيبة كانت ذات يوم مشؤوم من عام 1983 متوجهة بسيارتها الى عملها ترافقها اختها حين سحقتهما شاحنة سلبتهما ريعان الشباب بوحشية لا توصف. وما هذا الكتاب الا عناق الاحبة تحت افياء الاخوة، وحنين الى ماضى عابق باريج سنين يتنازعها فرح وألم. انه صدى لوفاء لم تنل من عزيمته السنوات الخمس والثلاثون الماضية.

يا صديقي، ان لم تعتمر الحياة بصدق الوفاء، وعذوبة المحبة، وتواضع الذات، واحترام الثقافة، فهي ىتظل ابدا تسير حائرة بدائرة الفراغ والعبثية. ودمعة العين مهما كانت ثخينةً، فهي اعجز من ان تضاهي سكرات قلب متألم تنزف انقباضاته موجات حزن من الكِبر خافتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *