اولاً: عصره وحياته ومؤلفاته.
1 – عصره : تميز القرنان السادس والسابع بالتمزق الداخلي الشديد في الدولة الواحدة أكان عند الفاطميين، ام عند الاتابكيات الزنكية في حلب ودمشق والموصل وآمد وغيرها، كما ايضا في الامارات والممالك الصليبية. فالخلافة الفاطمية شهدت صراعات داخلية مخيفة ولا سيما منذ اواسط القرن الرابع/الحادي عشر حين نشأ فيها ما يعرف بحكم الوزراء الذين استبدوا بالخلفاء وصارت السلطة الفعلية بايديهم، وتصارع المرشحون على الوزارة عسكريا وسياسيا فيما بينهم. كما عرفت ايضا حركات استقلالية داخلية في طرابلس، وصور ومعظم مدن الساحل اللبناني، ناهيك عن محاولات مشابهة في بعلبك، ودمشق وحلب وغيرها. وتميزت هذه الفترة ايضا بما يعرف بثورات الاحداث. وكانت محاولات الفاطميين استرداد المناطق المستقلة وتلك التي استولى عليها السلاجقة تؤدي الى حروب شبه غير منتهية ما اضعف الجبهة الاسلامية.
وتمزقت السلطنة السلجوقية الى اتابكيات مستقلة متنافرة فيما بينها، كل واحدة تطمع بالاستيلاء على مثيلاتها، وضمها اليها، ما سهل دخول الصليبيين الى المشرق واستقرارهم فيه. والصليبيون كانوا ايضا مختلفين فيما بينهم ولكل فريق امارته او كونتيته، وان من خضع منهم الى المملكة اللاتينية في القدس كان خضوعه اسميا.
ان كل ذلك كان يؤشر الى سهولة سبل الصراع، والى تشتت الجبهات المفترض ان تكون موحدة. وقد عايش ابن الاثير ثلاث مراحل متميزة: توحيد الجبهة الاسلامية على يد صلاح الدين الايوبي وتهديده الواضح للوجود الفرنجي في المشرق العربي. ثم انقسام الدولة وتمزقها بعد وفاته بين اولاده واخوته، ومحاولة اخيه العادل الاول اعادة توحيدها، وانحلالها مجددا بعد وفاته وتناحر حكامها فيما بينهم. اما المرحلة الثالة فكانت هجوم التتار على الدولة الخوارزمية وقضاؤهم عليها وتهديدهم الخلافة العباسية.
ان هذه المراحل وخاصاتها أثرت بابن الاثير وتركت بصمات على نظرته التاريخية، فادرك اهمية العالم الاسلامي ووحدته، ولم يمنع تمزّق هذا العالم على المستوى السياسي والعسكري مؤرخنا من توحيده على المستوى التأريخي، برغم من بعد الشقة بين ارجائه، وتمايز التوجهات بين دوله ودويلاته وخلافاته ( جمع خلافة ).
على هذا، يمكن تفسير معظم مواقفه التأريخية، فلم يرحم المسيئين الى المسلمين لان في التاريخ مواعظ وعبراً. كما نفهم من المنظار عينه مهاجمته لصلاح الدين الايوبي حين استولى على مصر وحاول الاستقلال بها عن نور الدين محمود اتابك دمشق وحلب، وتراجعه المستمر عن حصار حصني الشوبك والكرك الصليبيين كلما تقدم نحوهما نور الدين لمساعدته مضعفا الجبهة الاسلامية، ومن ثم تقديره البالغ له عندما وحّد مصر وبلاد الشام وشن حروبه غير المنتهية على الصليبيين.
2- حياته: هو ابو الحسن علي بن محمد الشيباني المعروف بان الاثير الجَزَري نسبة الى جزيرة ابن عمر التي ولد فيها بتاريخ 4 جمادي الاولى سنة 555 الموافق 12 ايار1160، ولقبه عز الدين. نشأ في مسقط رأسه لأن والده كان متوليا ديوان جزيرة ابن عمر من قبل قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل[1]. ثم ارتحل الى الموصل مع والده وأخويه[2]، وتثقف فيها على العلامة عبد الله الخطيب الطوسي ومن في طبقته. وقدم الى بغداد مرات عدة وسمع فيها من الشيخين ابي القاسم بن صدقة الفقيه الشافعي، وعبد الوهاب بن علي الصوفي. ثم زار الشام والقدس واخذ العلم عن جماعة، وعاد بعد ذلك الى الموصل حيث استقر، وربطته علاقة وثيقة بالطواشي طغريل الخادم اتابك العزيز صاحب حلب[3]. ولما بلغ الثامنة والعشرين من العمر رافق السلطان صلاح الدين الايوبي خلال محاربته للصليبيين [4]. كان يكره الوظائف الحكومية ربما لأنها قد تؤثر على توجهاته الفكرية من جهة، ومن جهة ثانية كان ميسورا وليس بحاجة الى المال. ولكن ابتعاده عن تولي المناصب الحكومية حرمه الاطلاع على الوثائق الرسمية المتنوعة التي كان بامكانها اغناء ابحاثه من حيث توضيح الكثير من الامور خصوصا المتعلقة باحداث عصره . كان اماما بالحديث، وحافظا للتواريخ المتقدمة والسابقة لعصره وتلك التي عاصرها وخبيرا بانساب العرب[5]. فانقطع الى العلم وتصنيف الكتب، وصار بيته منتدى ادبيا لعلماء الموصل والواردين اليها. وربطته بابن خلّكان علاقة الطالب بالاستاذ وافاد منه كثيرا، ويتحدث عنه ابن خلكان بالكثير من الاجلال والتقدير. ويزعم ابن القفطي ان ياقوت الحموي طلب اليه، في أواخر حياته، ان ينقل مكتبته واوراقه ويودعها الوقف الزبيدي في بغداد ولكنه احتفظ بها لنفسه[6]، ونحن لا نعرف مدى صحة هذه الرواية التي تناقض تماما ما ذكره عنه معظم معاصريه من انه كان كريم الاخلاق وكثير التواضع مستقيما، ما يجعلنا نشك بصحة رواية ابن القفطي. توفي عن ثلاثة وسبعين عاما في شعبان او رمضان من سنة 630 ايار 1233م.
3- مؤلفاته : قد لا يكون ابن الاثير من اكثر المؤرخين تأليفا، ولكنه قد يكون من افضلهم نوعية، وقد ترك عدة مؤلفات كلها طبعت ونشرت:
– اسد الغابة في معرفة الصحابة، وهو مؤلف وفق منهج التراجم تحدث فيه عن صحابة الرسول. ويبدو انه كتبه نزولا عند رغبة عدد من علماء دمشق وعلماء القدس المختلفين حول سير الصحابة وبعض الاحاديث النبوية ليحسم الخلاف بينهم، ومن جهة ثانية لأنه وجد عددا من المآخذ على بعض المؤلفات في هذا المضمار.وتظهر اهمية هذا الكتاب من خلال عدة أمور: ضبط الاسماء بالتشكيل، وتصحيح بعض الاخطاء الواردة في مثيلاته، وشرح الألفاظ الغريبة، واخيرا بترتيبه على الحروف الهجائية.[7]
– اللباب في تهذيب الانساب، يبرر ابن الاثير الدافع الى كتابته بحاجة الناس الى هذا العلم الجليل الفائدة، الذي بدأ بالاندثار او قلت التآليف في مضماره. و« اللباب » هو مختصر كتاب الانساب لعبد الكريم بن السمعاني الذي يصفه ابن الاثير ب ” الملاحة والجودة والفصاحة، وقد اتى بما عجز عنه الاوائل.” ولكنه نبّه الى ما فيه من عيوب وهفوات، فانتقده واهمل فصوله الاولى واختصر بعض التراجم واسقط بعضها الآخر كليا، وزاد عليها ما وجده مناسبا، وصحح الاخطاء الواردة في انساب السمعاني[8].
– الباهر بالدولة الاتابكية، وقد خصصه لتاريخ الاتابكة في الموصل من حين تولى عماد الدين زنكي اتابكية الموصل عام 521/1127 حتى وفاة الاتابك نور الدين ارسلان شاه عام 607/1221. ويعتبر شاكر مصطفى ان ابن الاثير لم يلتزم بكامل موضوعيته في هذا الكتاب بل حابى الاتابكة[9]. والكتاب كما يلاحظ هو في تاريخ المحلي او الاقليمي.
ويذكر شاكر مصطفى ان لابن الاثير كتابا آخر ضائعا وهو بعنوان: ادب السياسة.[10]
واذا اضفنا الى المؤلفات المذكورة «الكامل في التاريخ»الذي يتمحور حوله بحثنا نلاحظ بوضوح ان ابن الاثير جمع في مؤلفاته الاربعة المناهج التأريخية المتداولة في عصره وهي : التراجم في اسد الغابة، والانساب في اللباب، والتاريخ البلداني او الاقليمي في الباهر، والتاريخ العالمي الشامل في الكامل. ما يؤشّر الى اهمية منهج ابن الاثير وتكامل المناهج كلها في تآليفه ويطرح رؤيته المنهجية الشاملة التي سنفصلها فيما يلي.
اما مضمون الكامل فيتألف من قسمين: ما قبل الاسلام، والتاريخ الاسلامي.
ما قبل الاسلام: يبدأه بقصة الخلق انطلاقا من مفهوم قرآني، ويستمر على هذا النحو في تاريخ الانبياء جميعهم فيربط احداثهم بآيات قرآنية من دون الدخول في مفاهيم دياناتهم يهودية كانت او مسيحية[11]. ثم يتحدث عن ملوك الفرس وطبقاتهم ودياناتهم، ولكن فهمه للديانة المزدكية جاء سطحيا جدا وعمل على الحط من قدرها من دون ان يدخل الى صلبها او يدرس مرتكزاتها[12]. وتحدث عن الملوك الروم وطبقاتهم ايضا، ، وقسمهم الى ما قبل المسيحية، المسيحية، والطبقة الاخيرة المعاصرة للتاريخ الاسلامي بدءأ من الهجرة من دون ان يأتي على ذكر اليونان. ويذكر من تاريخ الاحباش فقط ما يتعلق بالعرب وخصوصا يوم الفيل، ويتحدث عن تاريخ العرب في الجاهلية ويعطي اهمية لأيام العرب[13].
اما التاريخ الاسلامي فيبدأه بمقدمة طويلة عن اجداد الرسول واحوال قريش فالسيرة النبوية وصولا الى عام 628/1231
ثانيا منهجه.
1- نظرته التاريخية:
أ- الساسية: ترتبط نظرته التاريخية بالتوجه الاسلامي العام والشامل الذي ساد منذ القرن الثالث الهجري، والذي جعل ظهور الاسلام مفصلا اساسيا في حياة الشعوب وخصوصا المسلمين. لذلك استهل مؤلفه« الكامل في التاريخ» ببداية الخلق وتاريخ الانبياء رابطا بينها وبين الاسلام وكأنها محطات سابقة عليه، لا بل ممهدة له. من هنا قد يكون اهمل تاريخ اليونان على ما فيه من نواحي حضارية على المستويات كافة، لأنه لا يرتبط بالتاريخ الاسلامي كما بتاريخ الديانات التي يقرها الاسلام، وهو سابق على ظهور المسيحية التي تتقاطع بنواحي متعددة مع الدين الاسلامي. ما جعله، ربما، يفسر الاحداث الدينية اليهودية والمسيحية وفق توجهه الديني الاسلامي، اضف الى ذلك ان العلاقات بين المسيحية والاسلام حروبا او وئاما لم تنقطع على امتداد التاريخ الوسيط أكان في فترة الفتوحات وما تلاها من احداث، ام بالصراعات شبه الدائمة مع البيزنطيين، ام مع الغرب الاوروبي على مستويين: الحروب الصليبية في المشرق العربي، وحرب الاسترداد الاسبانية في الاندلس، محاولا في تأريخه هذا تبيان رفعة الدين الاسلامي على انه افضل الديانات لأن اليهودية والمسيحية مهدتا له، وكأنه يقول ضمنا: على اليهود والمسيحيين التحول الى الاسلام الذي هو الدين عند الله. وتتوضح هذه الصورة اكثر عندما يؤرخ للسيرة النبوية مبينا عظمة الرسول والاسلام، ويكمل وفق المنهج عينه بدايات العصر الراشدي مع ابي بكر وعمر، فيحاول في عهديهما ابراز اهم المنجزات ليقول ان الاسلام اثمر مع الصحابة واكمل مسيرته في العهدين المذكورين الذين يعتبران الركائز المتينة للتاريخ الاسلامي بعد الرسول، ليلي ذلك مرحلة انقسام الامة.
يحصر ابن الاثير اهتمامه بالصراعات الداخلية خصوصا في المرحلة الثانية من عهد عثمان بحيث يذكر تسلسليا المآخذ على عثمان[14]. ويستمر التأريخ لانقسام الامة بالصراع بين علي ومعاوية بطريقة موضوعية حتى لنخال ابن الاثير مؤرخا شيعي الميول اذ يحمّل مرات عدة معاوية وولاته اخطاء كثيرة بما فيها الخروج احيانا على تعاليم الاسلام. وتختفي نظرته الشاملة من سنة 34 الى عام 49 للهجرة لا بل تمتد هذه المرحلة الى عام 63 لتنحصر بالصراع الداخلي من دون التطرق الى اخبار بلاد فارس والعلاقات مع الروم. ويستشف منها انها مرحلة مخيفة تهدد دولة الخلافة، فالقبائل منقسمة على نفسها لا بل القبيلة الواحدة منقسمة على ذاتها، ويوحي لك تأريخه نوعا من الصراع بين الباطل والحق، بين المؤمن الذي يتمسك بحبل الله وآخر يتمسك بحبل الدنيا، فيظهر لك اجتهاد لا بل استبسال الولاة الامويين للنيل من آل علي ارضاء لحقدهم وتقربا من سادتهم، تبعا لأبن الاثير. وقد يكون لهذا السبب اعطاها هذا الاهتمام. ويحتل التأريخ للشيعة مساحة واسعة جدا في ” الكامل ” ويطلق على الأئمة الشيعة الالقاب الحسنة ويتحدث عنهم باجلال حتى خلال العصر العباسي.
وفي العهد الاموي يركز على الاحداث البارزة ويجعل منها مفاصل للحركة التاريخية من دون ان يهمل الثورات وحركات التمرد، ويتوازن اجمالا في هذا العهد التأريخ لبلاد فارس وما وراء النهر، وللمشرق العربي، ولافريقيا والاندلس وان نالت احداث المشرق وبلاد فارس وما وراء النهر اهتماما أكثر. ويتضح موقف ابن الاثير من التاريخ الاموي من حكمه على الخلفاء الامويين اذ توسع بسِيَرْ بعضهم ممن اعتبرهم نبراسا يحتذى شأن عمر بن عبد العزيز[15]، ويدرج سير آخرين بطريقة مقلة، ويذكر في بعضها محاسن الخليفة ومساوئه وان كان يتجنب اجمالا التعرض الى المساوئ كما في سيرة الوليد بن عبد الملك[16]. ويركز في نهاية العهد الاموي على الاحداث في خراسان التي طغت على ما عداها.
ولا نلمس عنده ميلا محددا أكان للعباسيين ام للامويين في تأريخه لقيام الدولة العباسية. وفي العصر العباسي الاول تستمر نظرته التاريخية عسكرية سياسية تركز على الاحداث البارزة خصوصا الثورات ويصبح العراق محور الاحداث لأنه مركز السلطة والقرار السياسي. وهو يؤيد اجمالا مواقف الخلفاء تجاه من يحاول سلبهم السلطة بدءا بابي سَلَمَة الخلال مرورا بابي مسلم الخراساني وصولا الى نكبة البرامكة، بحيث لا تجد تأنيبا وان مضمرا لأي من الخلفاء بسبب مواقفهم من التسلط الفارسي. ولكنه يلوم ضمنا الرشيد بسبب قسمة الدولة بين اولاده ولاعطائه ولاية العهد لأكثر من ولي عهد قائلا :« وهذا من العجائب! فان الرشيد قد رأى ما صنع ابوه وجده المنصور بعيسى بن موسى حتى خلع نفسه من ولاية العهد، وما صنع الهادي…ثم هو يبايع للمأمون بعد الامين! وحبّك الشيء يعمي ويصم.»[17] ويوجه للامين نقدا لمواقفه وتصرفاته المتعنتة تجاه المأمون والرعية على حد سواء بقوله:« ولم نجد في سيرته ما يستحسن ذكره من حلم او عدل اوتجربة…»[18]. وكأنه يريد القول ان في التاريخ عظات ولكن هل من يتعظ!؟
وتحتل احداث بلاد فارس حيزا موازيا لأحداث العراق لوجود الخليفة فيه ولكن ذلك لا يمنعه من تمرير ملاحظات، بل نقدا للخليفة لاستسلامه لرأي الوزير.
وتزداد نظرته التاريخية توازنا وشمولا منذ بداية عهد الرشيد بحيث تحتل افريقيا في عهد ابراهيم بن الاغلب حيزا واسعا في تأريخه؛ فيتحدث عن الثورات التي قامت بوجهه وكيفية قضائه عليها، وعلاقته بالرشيد[19]، ويستمر اهتامه بموضوع الاغالبة في ظل زيادة الله ابن الاغلب ايضا من دون ان يكون هذا التاريخ حوليا بالمعنى الدقيق[20]. وقد يكون مرد هذا الاهتمام لخضوع الاغالبة للسلطة العباسية في بغداد، وسيطرتهم ايضا على صقلية بما هي موقع استراتيجي، وثالثا بسبب موقع دولة الاغالبة التي كانت تشكل حدا فاصلا بين العباسيين من جهة واخصامهم من الدويلات الاخرى من جهة ثانية كبني مدرار، وبني رستم، ودولة الادارسة، ومن ورائهم امويو الاندلس.
ويصور ما آلت اليه حال خلفاء العصر العباسي الثاني، وحال تشرذم الدولة وانقسام القادة الاتراك وتصارعهم على السلطة. ولا يسلم القادة من نقد ابن الاثير، ويعلّق على مقتل المقتدر قائلا:« صار سببا لجرأة اصحاب الاطراف على الخلفاء…وانخرقت الهيبة، وضعف امر الخلافة.»[21] ويسوؤه استيلاء ابن رائق على العراق وتقلّده امرة الامراء بحيث يرى انه اعتبارا من سنة 324 بطلت الدواوين والوزارة، وحلّ ابن رائق وكاتبه مكان الوزير، وصارت الاموال تحمل الى خزائنه مؤسسا سابقة انتهجها كل امراء الامراء من بعده. وعلى المستوى السياسي استقل اصحاب الاطراف ولم يبق للخليفة الا بغداد[22]. ويصور لأول مرة دور العيارين بالصراع الداخلي كحلفاء اوفياء للخلفاء في صراعهم مع اخصامهم من الامراء الاتراك فجاءت نظرته هنا تحاكي نظرة الطبري.
ويؤرخ لقيام الخلافة الفاطمية ويجعل احداثها تتقاطع مع احداث الدويلات في المغرب، وفي الاندلس بنظرة فذة عمودية الرؤية. وبانتقال الفاطميين الى المشرق العربي تتقاطع احداثهم مع العباسيين والدويلات التي كانت تعيش بظلهم، سابرا الاحداث الداخلية لكل دويلة بطريقة تجعلك تعتقد ان الولاء السياسي عند الدويلات الشيعية تفوق على الولاء المذهبي. وعلى الرغم من انه سني فهو لا يبخس الخلفاء الفاطميين البارزين حقهم ولا سيما العزيز، ويتأرجح موقفه من الحاكم بامر الله الفاطي تبعا لمواقف الحاكم وتصرفاته من دون ان يهاجمه او يحقّره[23] كما فعل بعض المؤرخين السنة، وبالتالي لا يأخذ ابن الاثير موقفا عدائيا من الفاطميين على غرار معظم المؤرخين السنة؛ فلا يتهمهم بالخروج على التعاليم الاسلامية وما الى ذلك.
ولم يمنعه انتقال الفاطميين الى المشرق من التأريخ لهم في المغرب وعلاقة ولاتهم بهم من جهة ومحاولة هؤلاء الاستقلال من جهة ثانية، كما علاقاتهم بامويي الاندلس ميولياً احداث افريقيا اهمية شديدة شأن اخبار بقية ارجاء الدولة علما انها لم تكن خاضعة للخلافة العباسية، وغير خاضعة تماما للخلافة الفاطمية. وهو الى ذلك، يتابع ايضا اخبار الاندلس بشكل غير منتظم كما حال افريقيا والفاطميين في مصر وبلاد الشام، مركزاً على ابرز احداثهم فقط[24].
وفي العهد البويهي يتوازن تأريخه مجددا بين بلاد فارس والعراق، لا بل تزداد اخبار بلاد فارس وما وراء النهر اهمية وتحتل مساحة اكبر خصوصا في اواخر العهد البويهي، مركّزاً على الانهيار السريع للدولتين البويهية والسامانية لصالح الغزنويين، الى ان تسقط الدولة البويهية في العراق لصالح السلاجقة[25].
اما موقفه من الاوروبيين فواحد ورؤيته لهم شاملة، متدرجة عبر الزمن تبعا لتاريخ وقوع الحوادث لكي لا تبقى الاحداث متقطعة بل تجمعها كلها عوامل سببية: السيطرة على بلاد لااسلام. ولا يبدّل الموقع الجغرافي من هذه الرؤية بل تستمر على حالها أكان في الاندلس او شمالي افريقيا ( افريقيا ) او في المشرق، فالاوروبيون جميعهم صليبيون واعداء الاسلام، ولا يجد اي تبرير لهجماتهم على اية منطقة من بلاد الاسلام ، لأنها كلها ارض اسلامية، ولنا شهادة دامغة على ذلك قوله:« دخلت سنة احدى وتسعين واربع مئة كان ابتداء ظهور دولة الفرنج، واشتد امرهم وخروجهم الى بلاد الاسلام، واستيلاؤهم على بعضها، سنة ثمان وسبعين واربع مئة فملكوا مدينة طليطلة وغيرها من بلاد الاندلس…ثم قصدوا سنة اربع وثمانين واربع مئة جزيرة صقلية وملكوها…وتطرقوا الى اطراف افريقيا فملكوا منها شيئا…فلما كان سنة تسعين واربع مئة خرجوا الى بلاد الشام …»[26] ومع ذلك قد يكون ابن الاثير افضل من انصفهم رغم تقريظه بعض الحكام المسلمين لتهاونهم، ولتعاون بعضهم الآخر مع الفرنجة.
وهو مؤيد لموقف السلاجقة ويتتبع احداثهم بكل دقة منذ دخولهم في خدمة الدولة الغزنوية مرورا بحروبهم معها وصولا الى موقعة داندانقان وانتصارهم الساحق وتوسعهم في كل بلاد فارس حتى دخولهم الى العراق[27]. ويؤرخ باعجاب لكل سلاطينهم ويخص ألب ارسلان بمنزلة عالية معتباًر ان سيرته جديرة بالتخليد[28]. ويتحدث باعجاب واجلال عن نظام الملك الطوسي وزير ألب ارسلان وملك شاه. وتحتل في هذا الخضم احداث الباطنية مسحة مهمة جدا أكان بعلاقتها بالسلاجقة او بالفاطميين وفيما بعد بصلاح الدين الايوبي من دون التشهير بهم او الحط من قدرهم، بل يتحدث عن الموضوع بحياد واضح[29].
ويشيد كثيرا بعماد الدين زنكي لجهاده ضد الفرنجة ولحسن اخلاقه ولمقدرته على سياسة البلاد بدراية، ولرغبته الصادقة بتأسيس جبهة اسلامية عريضة للقضاء على الصليبيين. ومن هذا المنطلق وجّه لوما واضحا الى صلاح الدين الايوبي واتهمه بالتهرب من الخضوع لنور الدين محمود اتابك دمشق وحلب لأنه في قرارة نفسه مزمع على تأسيس ملك خاص به، واعتبره مسؤولا عن تصدع الجبهة الاسلامية ما سمح للصليبيين بالمحافظة على مواقعهم. ولكن موقفه هذا تبدّل بعد ان اسس صلاح الدين دولته ووحد مصر وبلاد الشام وانصرف لجهاد الصليبيين، فاصبح غير صلاح الدين الاول الانتهازي المتهرب من مواجهة سيده والخضوع له، وصار صلاح الدين المجاهد.
على الرغم من موقفه العدائي من الصليبيين فانه لم يصفهم باوصاف دنيئة وما اليها، في حين انه كان عازفا عن التأريخ للتتار مستفظعا اعمالهم، خائفا ان يقضوا على دول الاسلام لا بل على الاسلام نفسه، اذ يقول في هذا الصدد :” لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة – الحرب بين التتار والدولة الخوارزمية- استعظاما لها، كارها لذكرها…فمن الذي يسهل عليه ان يكتب نعي الاسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت امي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا، الا اني حثّني جماعة من الاصدقاء على تسطيرها وانا متوقف، ثم رأيت ان ترك ذلك لا يجدي نفعا…”[30] ومع هذا الموقف العدائي من التتار فهو ينصف مقدرتهم العسكرية محددا اسبابها، مهاجماً سوء تصرفاتهم النابعة من انعدام الحس الانساني عندهم المتأثر اصلا بعادات بلادهم وتلك التي فرضها عليهم جنكيزخان بما يعرف ب ” الياسة او اليسق ” من دون ان يسميها بهذا الاسم.
ب– الطبغرافية: من الواضح ان ابن الاثير نظر الى التاريخ من الناحيتين السياسية والعسكرية من دون ان يولي المجتمع والادارة والاقتصاد منزلة مهمة سوى لمحات نادرة، فقد تبوأ الاهتمام بشؤون المسلمين ومصيرهم المنزلة الكبرى بل المحورية في« الكامل». فقدّم السياسة والدور العسكري على النواحي الحضارية التي لم تحتل الا حيزا ضيقا جدا؛ فعلى المستوى الاداري ذكر امرا بالغ الاهمية قد لا نجده عند غيره اذ يتحدث عن عمال زياد بن ابيه ويتوسع بذكر اسمائهم ويقول:« ان زيادا اول من سيّر بين يديه بالحراب والعمد واتخذ الحرس رابطة خمسمائة لا يفارقون المسجد.»[31] وقد يكون ذكر هذا الامر لدلالته السياسية أكثر مما هو تدبير اداري بحت. وترد عنده بعض اللمحات الطبوغرافية حينا عمدا كما في اخباره عن خطط بغداد حين يذكر سور المدينة ومحالها ومحلاتها باسمائها، والمواد التي استخدمت ببناء المدينة وسورها، وحجم اللبن، وابوابها…[32] واحيانا من غير قصد اذ ترد اسماء الاسواق والمحلات من ضمن سياق احداث عسكرية وسياسية كما في الفتنة بين السنة والشيعة ببغداد[33].
ج– الاقتصادية: وقد ترد باخباره بعض الومضات الاقتصادية تدليلا على سوء الاوضاع احيانا الناتج من صراعات عسكرية شأن كلامه عن المجاعة التي اصابت مكة في اواخر عهد ابن الزبير:« حتى ذبح – ابن الزبير- فرسه وقسّم لحمها في اصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم…»[34] او كما في حديثه عن ضرب الدراهم والدنانير بحيث يدخل في تفاصيل قيمة الدرهم نسبة الى المثقال:« فصار وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل.»[35]
ويتحدث نادرا عن الاقطاع من دون ان يحدد معناه او قيمته او نوعه. فقد ذكره في العهد البويهي من حيث توزيع الاراضي على القواد والجنود الاتراك خصوصا ما ادى الى حسد الجنود الديالمة، محددا ان هذا الامرسيكون له شأن كبير بالصراع بين الفريقين. ويتحدث عنه ثانية ابان الصراع بين العامة وجند طغرل بك ببغداد من دون ان يذكر كيفية الحصول عليه[36]. وهو لا يتناوله كقضية زراعية او ضمان انما كغنيمة او مكافأة سياسية: استرد اقطاع فلان واعطاه لآخر بقيمة محددة[37]. ويفصّل كيفية توزيع ألب ارسلان مناطق دولته على امرائه من تحديد قيمة الاقطاع او مردوده، او عدد الجنود المتوجبين على صاحبه[38]. ما يعني ان ابن الاثير لم يكن يهتم بهذا الامر ولم يتناوله الا توضيحا لأحداث عسكرية وسياسية وليس كعملية حضارية لعبت دورا رياديا، او انها سارت باتجاه معاكس فادت الى انحطاط على مستويات مختلفة.
د- الاجتماعية: اما النواحي الاجتماعية فلم يولها اهمية حقيقية بل تناولها لماما وربطها بالوضع الامني، بمعنى انه أحلّ الناحية الامنية في المرتبة الاولى وجاء حديثه عن الناحية الاجتماعية نتيجة للأمن المفقود كما في اخباره عن سوء الوضع الامني في عهد المأمون عندما كان في خراسان وانبرت جماعة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتقمع تعديات الشطار[39]. ويتكرر الامر بالصراع بين كمشتكين القيصري المرسل شحنة الى بغداد من قبل السلطان برقيا رق وشحنتها القائم فيها «إلغازي» فيصور ما تعرض له السكان في بغداد وفي تكريت من جرائم اخلاقية وسرقات ونهب وقتل وغير ذلك، وكيف انبرى العامة للدفاع عن الناس.[40]من دون ان يعطي هذا الموضوع، على اهميته، دورا حقيقيا في تأريخه رغم انه شكل احد ابرز عوامل تفكيك اوصال الدولة العباسية.
ه– قيمة نظرته: وعلى ذلك جاءت نظرة ابن الاثير افقية من جهة وعمودية من ناحية ثانية؛ فقد نظر الى احداث كل منطقة بل كل جزء احيانا من المشرق العربي على حدة، وحينا آخر تداخلت احداث المشرق بعضها بالبعض الآخر على رغم تعدد الكيانات السياسية من جهة، ولوجود خلافتين اسلامتين عباسية في بغداد وفاطمية اسماعيلية في القاهرة، ثم ثالثة سنية اموية في الاندلس من جهة ثانية. كما لم يغفل عن احداث افريقيا والاندلس تبعا لتأريخه للمشرق العربي من دون ان يعنى بها كعنايته بالمشرق. ولم تكن رؤيته للحوادث واحدة اذ كان يعمد الى افضليات فيها تبعا للدور المحوري لابطالها، او لتأثيرهم على المحاور الاساسية. فكلما ارتفع شأن المسلمين او اولي الامر الشرعيين في منطقة ما توسّع باخبارهم. ولنا نموذج واضح بما ذكره عن وضع المسلمين في الاندلس اذ ابرز دورهم حتى تعدى اهمية اخبار بلاد فارس[41]. وتتوضح هذه النظرة الى التاريخ باخبار الاتراك في العصر العباسي الثاني؛ فلا نعرف عموما كيف دخلوا الى العراق وتحديدا الى بغداد، ومتى تمّ تجنيدهم؟ وكيف وصلوا الى الحكم؟ في حين ان هذا الامر شديد الوضوح عند الطبري.
وعلى الرغم من كل الشوائب التي قد يسجلها المؤرخون على ابن الاثير تبقى رؤيته الى التاريخ فريدة من حيث شمولها وشدة ادراك صاحبها ومقدرته في جعل الاحداث تتقاطع على رغم وسع الرقعة الجغرافية التي تحدث عنها وتنوع الاتنيات والمذاهب وتصارع ارباب السياسة فيما بينهم، وتمكنه من سبر غور كل فريق، بل الدخول احيانا الى اعماق تطلعاتهم وادراك نواياهم. وهي نظرة قل نظيرها عند سابقيه ومعاصريه حتى عند الذين جاءوا بعده الى ان نصل الى مؤرخي العهد المملوكي، ولنا وقفة طويلة معهم.
وعلى الرغم من هذه النظرة الفذة فانه اعتمد اخبارا تدل على السطحية احيانا وعلى المبالغة اذ تشوب اخباره عن الفرس والتبابعة معلومات فيها الكثير من المبالغة والبعد عن الواقع، وقد قبلها على علاتها:« كان كل واحد منهم في جيش عظيم يقال كان في ستمائة ألف واربعين ألفا.»[42]، كما يطلق التنبؤات على لسان اشخاص سبقوا مجيء الرسول عن مجيئه ونشر الاسلام[43]. وانظر ايضا قصة الراهب الذي رمى بول الحمار في دجلة فلما سئل أجاب:« نجد في الكتب القديمة أنه يبنى في هذا الموضع مسجدا.»[44] ولست ادري كيف اقتنع ابن الاثير بانتصار يحي بن زيد ومعه سبعون من انصاره على عمرو بن زرارة وهو في عشرة آلاف[45]. كما بقبوله بقصة بناء بغداد قائلا هكذا ورد بكتب المسيحيين من دون تمحيص[46]. وغير ذلك من الامور التي تضعف رؤيته، ولا ندري لماذا اوردها، ومع ذلك فهي لا تبخس « الكامل » حقه ومنزلته العلمية التي قلّ نظيرها.
والتاريخ بنظره يتجاوز الاخبار والقصص، وهو كثير الفوائد، وعلى مستويين: دنيوي وأخروي:« لقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية…يحتقر التواريخ ويزدريها .. . ظنا منه ان غاية فائدتها القصص والاخبار، ونهاية معرفتها الاحاديث والاسمار وهذه حال من اقتصر على القشر دون اللبّ نظره…ومن رزقه الله طبعا سليما وهداه صراطا مستقيما، علم ان فوائدها كثيرة، ومنافعها الدنيوية والاخروية جمّة غزيرة.»[47]
2 – المصادر: يعدد له شاكر مصطفى 32 مصدرا من دون ان يذكر منها سوى الطبري، ويعتبر انه تحّراها جميعها.[48] يعترف ابن الاثير صراحة انه اخذ معلوماته حتى القرن الثالث الهجري من تاريخ الرسل والملوك للطبري بشكل رئيسي:« اذ هو الكتاب المعوّل عند الكافة عليه، والمرجوع عند الاختلاف اليه، فاخذت ما فيه من جميع تراجمه، ولم اخل بترجمة واحدة منها…وانما اعتمدت عليه من بين كل المؤرخين اذ هو الامام المتقن حقا، الجامع علما وصحة اعتقاد وصدقا.»[49] ومع ذلك لم يقبل كل رواياته على علاتها بل كان ينتقد الطبري كلما وجد الى ذلك مجالا شأن كلامه عن استلحاق زياد بن ابيه بمعاوية:« هذا جميع ما ذكره ابو جعفر…ولم يذكر حقيقة الحال في ذلك، انما ذكر حكايات جرت بعد استلحاقه، وانا اذكر سبب ذلك وكيفيته فانه من الامور المشهودة في الاسلام لا ينبغي اهمالها.»[50] ثم علل قضية زياد:« وانما استلحق معاوية زيادا لأن انكحة الجاهلية كانت انواعا…وكان منها ان الجماعة يجامعون البغيّ فاذا حملت وولدت ألحقت الولد لمن شاءت منهم فيلحقه، فلما جاء الاسلام حرّم هذا النكاح، الا انه اقر كل ولد كان ينسب الى اب من اي نكاح…فتوهم معاوية ان ذلك جائز له ولم يفرق بين استلحاق في الجاهلية والاسلاموهذا مردود لاتفاق المسلمين علىانكاره.»[51] وقلّما يذكر مصادره الاخرى خصوصا اصحاب المؤلفات المشهورة التي أتمّ منها ما وجده ناقصا عند الطبري من دون ان يذكر اصحابها في مقدمته[52] او ان يشير اليها بوضوح في سياق الاخبار. وفي بدايات العصر العباسي يذكر احيانا من اخذ عنهم:« حدثني سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي.»[53] ولا نعرف من اين استمد معلوماته عن افريقيا والاندلس لأنها غير مسندة.
واعتبارا من سنة 541 يذكر بعض اسانيده وهي تعود لشهود عيان كقوله:« حدثني او حكى لي والدي.»[54] او:« حدثني من رأى اسد الدين حين خرج من بلبيس قال.»[55] او «حكى لي انسان صوفي يقال له ابو القاسم كان مختصا بخدمته بالحبس.»[56] كما استخدم التعبير التالي:« حكى لي طبيب يعرف بالطبيب الرجّي وهو كان يخدم نور الدين.»[57]وهي كما نلاحظ تعود الى شهود عيان لكل منهم اختصاصه المحدد وكانوا على علاقة مباشرة مع الشخصية موضوع التأريخ ما يجعلهم موضع ثقة. وقد يقول:« هكذا ذكر لي بعض الفقهاء ممن كان ببخارى.»[58]ان هذا الاسقاط شبه العام للإسناد دفع علم التاريخ للابتعاد أكثر فاكثر عن علم الحديث واعطاه استقلالا شبه تام. ويبقى سؤال مركزي : هل فعلا هذا ما اراده ابن الاثير لعلم التاريخ؟
3– التأريخ الحولي: أرّخ ابن الاثير حوليا سنة بعد سنة مقلدا النهج الذي اعتمده الطبري من دون ان ينسخه كما فعل مؤرخون آخرون لأنه كان يعي الحدث بابعاده ودلالاته ونتائجه. فالخبر عنده لم يكن معزولا عن ظروفه الاساسية، ودوافعه الرئيسة فمعظم الحوادث عنده مبنية على ما سبقها الا تلك التي لها استقلال تام او انها اخبار اعتراضية، او على الاقل هكذا نظر اليها ابن الاثير. وهذا لا يعني ان الطبري لم يسبر اغوار الاحداث التي أرّخها انما التقاطع فيما بينها احيانا او تأسيس بعضها للبعض الآخر كان مفقودا عنده. وهذا المنهج الذي اختطه ابن الاثير صعب جدا يقتضي من صاحبه ادراكا كليا للاحداث التي يؤرخها ، ادراكا عموديا، ورؤية افقية في آن واحد، ومعرفة حقيقية شديدة التبصر بالاحداث كي لا يقع المؤرخ مكرها بالاخطاء. ما جعل ” الكامل ” ينبض بالحركة والحيوية والتكامل.
ان كل ذلك جعله يركز على وحدة الموضوع المفقودة اجمالا في التواريخ السابقة عليه، وتتجلى هذه الوحدة بالرؤية الشاملة لحادثة معينة مبعثرة على امتداد سنة معينة، فربط اجزاءها فيما بينها ضمن عنوان واحد، وشد اواصر الحوادث بعضها الى البعض الآخر، وربما هذا ما قصده بقوله:« رأيتهم – اي المؤرخين- ايضا يذكرون الحادثة الواحدة في سنين، ويذكرون منها في كل شهر اشياء، فتأتي الحادثة مقطّعة لا يحصل منها على غرض، ولا تفهم الا بعد امعان النظر، فجمعت انا الحادثة في موضع واحد وذكرت كل شيئ منها في اي شهر او سنة كانت، فأتت متناسقة متتابعة، قد اخذ بعضها برقاب بعض.»[59]وهذا التركيز على وحدة الموضوع من هذه الزاوية لم يعممه على كل حوادث تاريخه، اذ اعتمد هذا النمط في التأريخ لبعض الحكام او المناطق التي لم يرغب بالتوسع باخبارها، او لأنه لم يرد الانتقال في آن من المشرق الى المغرب او الى الاندلس او الى مصر الفاطمية لما في ذلك من صعوبة الجمع بين كل الاحداث دفعة واحدة خصوصا انها لا تتقاطع فيما بينها، فكان يهمل بعض احداث هذه المناطق سنين طويلة، ثم يعود ويؤرخ لها بطريقة كلية، مسقطاً احيانا كثيرة الشهور بل السنين ايضا كما في اخبار قيام الدولة الفاطمية منذ وصول ابي عبد الله الشيعي اليها مرورا باعلان الخلافة الفاطمية وحتى مقتل ابي عبد الله[60]، او عن حوادث صور منذ سنة 506 ذاكرا ما جرى فيها من تقلب الاوضاع بين طغتكين اتابك دمشق والآمر بالله الفاطمي، والفرنجة حتى سقوطها سنة عام 516 [61]
وقد تكون وحدة الموضوع هي الاساس عند ابن الاثير لا بل هاجسه رغم الاختصار الذي اصاب بعض اخباره، وهذا ما نلحظه في تتبعه لاوضاع مسيحيي نجران منذ حصولهم على عهد الرسول مروراً بعهود ابي بكر، وعمر بن الخطاب، ومعاوية، وعمر بن عبد العزيز[62]. وتتضّح رغبته بوحدة الموضوع وشد اواصر الحوادث بعضها الى البعض الآخر بنماذج متعددة غير النموذج السابق منها مثلا: الانتفاضة في افريقيا وما حل باهلها في عهد معاوية، وموقف الوفد الذي قدم منها الى الشام وحاول عبثا مقابلة الخليفة هشام بن عبد الملك ما ادى الى ثورة اهل افريقيا على عامل هشام وطرده منها واستقلالهم بها[63].
ونجد نمطا آخر عنده، وهو الغالب، وهو التأريخ لحادثة معينة خلال سنة واحدة، ويقطعها في مفصل معين ليذكر عدة حوادث في نهاية السنة موضوع التأريخ، ثم يعود الى اكمال الحادثة المذكورة[64].انظر مثلا اخبار المختار الثقفي الذي يتابعه من ثورته وحتى مقتله ولا يقطعه الا باستطرادات قليلة ذكر فيها اخبار الفتن ببلاد فارس[65]. وانظر ايضا نمطا آخر من وحدة الموضوع المتمثل باخبار قيام الدولة السلجوقية اذ يقول:« في هذه السنة- 432 – اشتد ملك السلطان طغرل بك…فنذكر اولا حال آبائه، ثم نذكر حاله كيف تقلّب حتى صار سلطانا، على اني قد ذكرت اكثر اخبارهم متقدمة على السنين، انما اوردناها هنا مجموعة لترد سياقا واحدا فهي احسن.»[66]وهناك الكثير الكثير من هذه النماذج التي تبرهن على تشديد ابن الاثير على وحدة الموضوع، ليعطي التأريخ توجها جديدا نحو تكامل الاخبار وشد اواصرها بعضها الى البعض الآخر، فاسحة في المجال لرؤئية اكثر وضوحا وشمولا للحوادث، وبالتالي يصبح التأريخ لمواضيع متعددة ومبعثرة جغرافياً غير مفتت بالمطلق بل يضيئ بعضه على البعض الآخر، ويوضحه احيانا، ما اعطى ابن الاثير فرادة بين معاصريه وسابقيه.
4 – مفهوم الخبر: واذا كان تفتيت الحوادث من سمات الخبر الاساسية، وكذلك استقلاله عن غيره استقلالا شبه تام، فان ابن الاثير تجاوز هذا المفهوم وارسى قواعد جديدة جعلت اخباره متدرجة يمهد بعضها للبعض الآخر، وباتت الروابط السببية اساسا للخبر من حيث هي فعل في ذاتها، وفي آن نتيجة لما سبقها، ممّا جعل الاخبار، وان كانت متباعدة، مترابطة من حيث اسبابها، وهذه بدورها تشكّل نتائج لأخبار لاحقة. فصار الخبر عنده مستقلا وفي آن يؤسس لما يرتبط به ايجابا او تداعيات[67]. وتتدرج اخباره احيانا بطريقة فذّة كما في هذه المقدمة:« وقد ذكرنا فيما تقدم تمكن اسماعيل بن ارسلانجق من البصرة ونواحيها، واقام بها عشر سنين نافذ الامر، وازداد قوة وتمكنا بالاختلاف الواقع بين السلاطين، واخذ الاموال السلطانية، وكان قد ارسل صدقة واظهر له انه في طاعته وموافقته. فلما استقر الامر للسلطان محمد اراد ان يرسل الى البصرة مقطعا يأخذها من اسماعيل، فخاطب صدقة في معناه، حتى اقرت البصرة عليه، فانفذ السلطان عميدا اليها ليتولى ما يتعلق بالسلطان هناك فمنعه اسماعيل…فامر السلطان صدقة بقصده واخذ البصرة منه عنوة.»[68] ان في هذا التدرج المنطقي تبريرا لأخذ البصرة، واختصارا لحوادث سابقة، وفي الوقت عينه مقدمة او مدخلا للحادثة المنوي ادراجها، وكأنك امام معادلة رياضية.
ونجد عنده نمطا آخر من مفهوم الخبر مبنيا على الترابط الاسمي المتمم للعنوان الرئيسي منهجيا، وبتعبير ادق تصميما متكاملا يوضح كل عنوان، بالمساحة الاخبارية المخصصة له، جزءا من الخبر الرئيسي، وهو لا يفرّع الحادثة الرئيسية الى عناوين متعددة الا تبيانا لأهمية كل مقطع من جهة كونه يدور محوريا حول احدى شخصيات الخبر الاساسي، ولتأسيسه لما سيلي من جهة ثانية. وانظر هذا النموذج الرائع: ” ذكر ملك قلج ارسلان الموصل” وهو العنوان الرئيسي، واليك العناوين المتممة والتي تعتبر تصميما له:
– ” ذكر قتل قلج ارسلان وملك جاولي الموصل”
-” ذكر حال جاولي مدة الحصار”
– ” ذكر اطلاق جاولي للقمص الفرنجي “
– ” ما جرى بين هذا القمص وبين صاحب انطاكيا”
– ” ذكر حال جاولي بعد اطلاق القمص “
– ” ذكر حال الحرب بين جاولي والفرنج “
– ” ذكر عودة جاولي الى السلطان”.[69]
ان هذا الترابط بين الاحداث « مجموع خبر» غدا سمة « الكامل » ولا سيما كلما اقترب ابن الاثير من حوادث عصره وتخصيصاً الحوادث التي عاصرها، وبالتالي ما عاد الخبر معزولا عن ظروفه الاساسية حتى وان كان تاما بذاته، لأنه صار مربطتا سببيا بما سبق من جهة، ومؤسسا لما سيلحق من جهة ثانية الى ان تتم كليا دراسة الموضوع المتمحور حوله. والنماذج كثيرة جدا حول هذا المنهج، وسنكتفي بالاشارة الى بعضها فقط: فقد ربط هزيمة الفرنج وفتح صلاح الدين الايوبي لحارم بهزيمته بالبقيعة، وهذه الهزيمة نتجت عن استيلائه على قلعة بانياس[70].
ويتضح هذا الترابط السببي بما سبقه، وتأسيسه لما سيليه بحديثه عن تولي صلاح الدين الايوبي الوزارة بمصر: فقد ادى مقتل شاور الى تولّي اسدين شيركوه الوزارة الفاطمية، ولكن وفاته بعد اشهر قليلة قدمت الوزارة لصلاح الدين الذي بواسطتها سيملك مصر[71]. وعلل اسباب هجوم محمود الغزنوي على بلاد الغور:« تجاور غزنة، وكان الغور يقطعون الطريق، ويخيفون السبيل، وبلادهم جبال وعرة، ومضايق غلقة كانوا يحتمون بها، ويعتصمون بصعوبة مسالكها، فلما كثر ذلك منهم…»[72] وذكر مثلا الاسباب الموجبة لقتل ناصر الدولة بن حمدان في مصر:« ونذكر هنا الاسباب الموجبة لقتله فانها تتبع بعضها بعضا، وفي حروب وتجارب…»[73] وانظر ايضا تعليله اسباب خروج التتار الى البلاد الاسلامية:« وقيل في سبب خروجهم الى بلاد الاسلام غير ذلك مما لا يذكر في بطون الدفاتر…»[74]
ويرتبط بهذا المنهج تبريره مقتل احدى الشخصيات: فيستهل الكلام بتحديد السنة واليوم والشهر والسبب المباشر للقتل، ولا يكتفي بذلك بل يعود الى احداث سابقة يستل منها الاسباب بشكل متدرج رابطاً الدافع الرئيسي بالعوامل الصغرى باسلوب منطقي رائع. ويتضح هذا النمط كلما اقتربت الاحداث من عصره، ومن الامثلة الشديدة الوضوح على هذا النمط: مقتل ارسلان أرغون عام 490[75].
وعلى هذا لم يعد التأريخ، كما في معظم روايات المؤرخين السابقين، سردا للاحداث، بل تعداها الى نوع من التعليل، بل احيانا تعليلا تاما. وبالتالي تحوّل الخبر من المفهوم الكلاسيكي الروائي الى نوع تحليلي عكس رؤية ابن الاثير الى التاريخ.
5– التراجم في « الكامل »
لم يسر ابن الاثير على نمط واحد في كتابة تراجم الخلفاء والسلاطين والملوك والحكام والقادة، اذ ربط حجم الترجمة بمآثر الشخصية المترجم لها، وبالاتعاظ من التاريخ من جهة ثانية. كما انه يذكر حينا اسم الشخص، نسبه، كنيتها، ازواجه، اولاده، واسماء عماله حين وفاته، وما قيل فيه من شعر[76]، وحينا آخر يختصر بعض هذه الامور خصوصا بالنسبة للخلفاء او القادة او الوزراء ممن لم يتمتعوا بمآثر او بسيّئات، ويوجز سيرة آخرين ممن لم يجد عندهم حسنة واحدة تستحق الذكر كالمعتمد[77]، او كقوله في الامين:« ولم نجد في سيرته ما يستحسن ذكره من حلم او عدل او تجربة »[78]، وحينا آخر يتوسع بذكر مساوئهم جاعلا منها عظات للخلف او لمن يتعظ[79]. ويسهب بسِيَر من لهم مآثر وانجازات كبرى كالمنصور[80]. وان الملفت للأنتباه في هذا الصدد تركيزه على ذكر وصية المأمون كاملة لما فيها من عظات وحسن التدبير وبعد الرؤية[81]، وقد اختار منها امثالا (جمع مثل) اجتماعية[82]. وهو يشيد بسيرة جمال الدين وزير قطب الدين صاحب الموصل[83].هذه بعض النماذج من التراجم الكثيرة المنتشرة على صفحات « الكامل ».
ونجد نوعين آخرين من طرق تدوين تراجم الخلفاء: السيرة المختصرة لأنه توسع باخبار صاحبها في تأريخه لعصره، وتلك الموسعة التي لم يؤرّخ لصاحبها حوليا بل بصفة اجمالية شأن عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي[84].
وتشكل التراجم عند ابن الاثير نقطة تحول مهمة على المستوى التأريخي لأنه جعل منها عظات للحكام على اختلاف مستوياتهم؛ آملاً التقيد بجيّدها وتجنب سيّئها، لأن في ذلك دفعا للحكام لكي يحسنوا ادارة شؤون الحكم، لترتفع كلمة المسلمين، ويتم التقيد بكتاب الله، فيرضى الله على المسلمين ويعضدهم. والتاريخ بنظره يتجاوز الاخبار والقصص، وهو كثير الفوائد، وعلى مستويين: دنيوي وأخروي:« لقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية…يحتقر التواريخ ويزدريها…ظنا منه ان غاية فائدتها القصص والاخبار، ونهاية معرفتها الاحاديث والاسمار وهذه حال من اقتصر على القشر دون اللبّ نظره…ومن رزقه الله طبعا سليما وهداه صراطا مستقيما، علم ان فوائدها كثيرة، ومنافعها الدنيوية والاخروية جمّة غزيرة.»[85]
وعلى ذلك كتب التراجم في « الكامل » واختار بعض الحوادث المؤذية وجعلها عظات لمن يتعظ كما في اخباره عن تعديات البريدي وجنده على الناس ببغداد التي بلغت حدا كبيرا جدا من الظلم، وقد علّق عليها بأسى قائلا :« وانما ذكرنا هذا الفصل ليعلم الظلمة ان اخبارهم تنتقل، وتبقى على وجه الدهر، فربما تركوا الظلم …»[86] ونجد الكثير الكثير من هذه التعليقات التي تؤيد غاية ابن الاثير من كتابة التاريخ وهو تصويب اخطاء الحكام.
6– تعدد الروايات : امتازت معظم المصادر التي أخذ عنها ابن الاثير ولا سيما الطبري بتعدد الروايات، ممّا افقد السياق وحدته، فعمد مؤرخنا الى تجنّب هذا العيب الى حد بعيد ستخدماً النقد للبتّ بتعدد الروايات بعد ان تعمّق بمضمون الحوادث، فصار تأريخه شديد التماسك. ومع ذلك، يبدو انه لم يستطع القطع في صحة كل الروايات فاورد بعضها اما متمّمة للرواية الرئيسة او معارضة لها. فذكر الرواية الاساسية كاملة من دون استطرادات حتى نهايتها، ومن ثمّ علّق عليها باخرى مغايرة للأصلية على الاقل في قسمها الاخير ، انظر مثلا مراسلة الكوفيين للحسين بن علي وقتل مسلم بن عقيل[87].
7– موقفه من الزمن : أرّخ لسنوات من دون ان يذكر التواريخ باليوم والشهر والسنة، وتجلّى ذلك في الفترة الممتدة من العصر الراشدي وحتى اواخر العهد الاموي. وانظر نموذجا واضحا عن هذا الامر بتأريخه لصالح بن مرداس الذي بدأه سنة 402 وانهاه بعام 468 بحيث يكاد يغيب الزمن فيها[88]. ويتكرر الامر عينه باخبار الدولة العلوية بالاندلس[89].
8- عدالته: لقد انصف اشخاصا عديدين من مذاهب تغاير مذهبه، ممن اعتبرهم بعض المؤرخين اعداء للاسلام، او انهم اساءوا اليه؛ ففي حديثه عن الحسن الصباح تعتقد انه يمتدحه على رغم موقف ابن الاثير غير المؤيد للباطنية وخصوصا الفداوية منها:« كان رجلا شهما، كافيا، عالما بالهندسة والحساب والنجوم…»[90]وانظر ايضا تأريخه لسِيَر الخلفاء الفاطميين البارزين كالمعز لدين الله والعزيز بالله فقد قدّرهم وأجلّهم[91]. وانصف كثيرا الطالبيين والباطنية.
9– اختصار احداث بعض السنوات : لقد اختصر سنوات كثيرة بصفحة واحدة او أكثر بقليل ربما لأنه لم يجد فيها ما يستأهل التأريخ، فعهد المهدي العباسي الذي امتد عشر سنوات اوجزه ابن الاثير بصفحات معدودات، والشواهد كثيرة على هذا النمط.
10– الوفيات : يذكر في نهاية كل سنة ابرز الوفيات، ما كان يقطع سياق الحوادث احيانا.
ان منهج ابن الاثير يجعل صاحبه من ابرز المؤرخين العرب والمسلمين، لما فيه من انماط مهدت الطريق، بل عبدتها للعديد من المؤرخين في القرون اللاحقة. واعطت المنهج الحولي ابعادا جديدة شدت اواصر الاحداث بعضها الى البعض الآخر. واذا كان تاريخه اقتصر عموما على الاحداث السياسية والعسكرية فهذا لا يمنعه من تبوّء مركز الصدارة بين مؤلفات مؤرخين كثر جاءوا بعده وما استطاعوا مجاراته.
[1] – ابن الاثير ( علي بن محمد) ، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1979 ، ج1، ص 10
[2] – ابن خلّكان ، وفيات الاعيان، 7/31
Rosenthal F, Ibn al Athir, EI2 , p746
[3] – ابن خلكان، 7/31
[4] EI2, op. cit. p 746
[5] – ابن خلكان، ج3، ص349
[6]– Rosenthal, op. cit. p 746
[7] – مصطفى، التاريخ العربي، ج2، ص 115
[8] – ابن خلكان، 3/348-349
[9] – مصطفى، التاريخ العربي، ج2، ص 114
[10] -المرجع السابق، ص 116
[11] – انظر مثلا قصة موسى التي اورد فيها 61 آية قرآنية، الكامل، 1/169-199 ، وانظر ايضا ولادة المسيح وقد اورد فيها 13 آية، الكامل، 1/ 307-312
[12] – نفسه، 1/413
[13] – المصدر عينه، 1/502_ 655 وغيرها
[14] – نفسه، 3/145-180
[15] – نفسه، 5/60-66
[16] – نفسه، 5/9
[17] – نفسه 6/ 161
[18] – نفسه، 6/295
[19] – الكامل، 6 /154-157
[20] – نفسه، 6/328-340
[21] – 8/243
[22] – 8/323
[23] – نفسه، 9/314-319
[24] – الكامل، 8/677-684 ، وايضا 9/269-292
[25] – نفسه، 9/148-149 وانظر ايضا كل الجزء التاسع
[26] – نفسه، 10/272
[27] – نفسه، 9/532-549
[28] – الكامل، 10/74-75
[29] – نفسه، 10/313-323
[30] – نفسه، 12/358
[31] – نفسه، 3/451
[32] – 5/558-559، 573-574
[33] – 9/419
[34] – 4/352
[35] – 4/416-418
[36] – 9/613-614
[37] – 10/25-26
[38] – 10/50
[39] – 6/234-237
[40] -10/355-358
[41] – 10/151-155، 186-198
[42] – 1/415
[43] 1/419-420
[44] 4/496
[45] – 5/271
[46] – 5/558-559
[47] – 1/6 انظر موقفه من الاتعاظ من التاريخ بتدوين سير الحكام من هذه الدراسة
[48] – مصطفى، 2/113
[49] – الكامل، 1/3
[50] – الكامل، 3/443
[51] – 3/445
[52] المكان عينه
[53] – 5/535
[54] – 11/110-11
[55] – 11/300
[56] – 11/306
[57] 11/402
[58] – 12/ 370
[59] – نفسه، 1/4
[60] -8/ 36-53
[61] – 10/620-622
[62] – 1/293-295
[63] – 3/91-93
[64] – 3/ 289-328
[65] – 4/211-254
[66] – 9/473
[67] – انظر مثلا: حرب الفرنجة والمصريين عام 498 ، 10/394 ، وايضا الحرب بين طغتكين والفرنجة، 10/399 ، والحرب بين عبادة وخفاجة، 10/400 والامثلة كثيرة جدا
[68] – 10/402
[69] – 10/426-466
[70] – 11/301-304
[71] – 11/345-347
[72] – 9/221
[73] – 10/80
[74] – 12/362
[75] – 10/462-464
[76] – انظر مثلا سيرة عثمان بن عفان، 3/180- 190
[77] – 7/445
[78] – 6/295
[79] – كما في سيرة المأمون، وسيرة بختيار بن معز الدولة 8/576
[80] – 6/23-28
[81] – 6/428-431
[82] – 6/431- 439
[83] – 11/306-310
[84] – 9/314-319
[85] – 1/6
[86] – 8/382
[87] – 4/19 ، والرواية المعارضة 4/ 29
[88] – 9/227-234
[89] – 9/269-292
[90] – 11/335-336
[91] – 8/497-499